في عرض تاريخي متسلسل، يقدم لنا الكاتب محمد وقيع الله، محددات أساسية حول تاريخ الإسلام في أمريكا، وأحببنا أن نختار من مقالته بعض المقتطفات، ونقدمها على هيئة فقراتٍ ملخصة لقرائنا الكرام:
* يلاحظ المستقرئ لتاريخ الهجرة الأولى التي جاءت بالمسلمين إلى القارة الأمريكية عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً؛ أنه قد صاحبتها ظروف لم يتمكن أولئك المهاجرون من تطويعها، بل تمكنت من تطويعهم حتى غدوا مواطنين أمريكيين بلا هوية أصلية يعتدون بها.
* القلائل منهم ممن تهيأ لهم الاحتفاظ بشيء من معالم الهوية الأصلية، أصبح حديثهم عنها مقتصرًا على الذكريات البعـيدة التي يحمـلها شتى المهاجرين المتأمركين عن أوطانهم الأولى.
* جاء المسلمون الأوائل إلى أمريكا مستكشفين لهذه الديار القصية عن العالم القديم، بيْد أنهم لم يأتوا في ظروف نهضة صناعية ولا أوضاع تفوُّق علمي باهر، ولا جاؤوا بأعداد كبيرة بحيث تتم لهم الغلبة.
* أكثرت الوثائق التاريخية من ذكر أخبار الأقوام الذين هبطوا العالم الجديد قبل كولومبوس، فتُحدِّثنا الوثائق الصينية القديمة عن مختلف الهجرات العالمية، مفصلة القول في هجرة بعض العرب المسلمين من أتباع دولة المرابطين المغربية التي دامت بين القرنين الحادي والثاني عشر الميلاديين، فتقول إن تلك الهجرة قطعت بحراً كبيراً خالياً من الجزر ومخرت أمواجه لأكثر من مائة يوم حتى انتهت إلى ما يعرف اليوم بأمريكا.
* بقية ما جاء من تفاصيل في الوثيقة يتفق تماماً مع ما أورده المؤرخ الإسلامي الشريف الإدريسي عن رحلة عربية أخرى في كتابه: نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، الذي نال شهرة في السنوات الأخيرة في أوساط بعض الباحثين والمؤرخين الغربيين.
* يتضح من هاتين الرحلتين أن أصحابهما رجعوا أدراجهم حتى بلغوا ديارهم، وحدَّثوا أهاليهم أنهم قد التقوا في أمريكا أقواماً كانوا قد وصلوها قبلهم، وألفوهم يتحدثون مثلهم بلغة الضاد، وتولوا أمر الترجمة بينهم وبين السكان المحليين.
* لم تتحدث أي وثيقة لاحقة عن مصير العرب الأوائل الذين استوطنوا أمريكا منذ القرن العاشر الميلادي فيما يثير الافتراضات المرجحة بأنهم ربما اندمجوا تدريجيًّا في السكان المحليين وفقدوا مقوماتهم وثقافاتهم الذاتية، أو ربما اندثروا بفعل الحروب.
* في أوائل القرن الرابع عشر الميلادي طرقت بعثة استكشافية إسلامية إفريقية أخرى شواطئ أمريكا، يقودها ملكٌ من مالي يسمى أبو بكر، وقد قرر ذلك الملك أن يسـتخدم تلك ثروته ويركب البحر ليكـتشف ما وراءه من الآفاق، وقد حكى العمري عن إرساله لبعثتن استكشافيتين.
* حقق في تفاصيل ما جرى لهاتين البعثتين عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي المعاصر البروفيسور إيفان فان سيرتيما، فأكد أن الأولى تحطمت على التيار المائي الاستوائي الذي يجري داخل المحيط قرابة سواحل فلوريدا، ورجَّح بشواهد أثرية وصول البعثة الثانية واستقرارها في نواحي فلوريدا والمكسيك واختلاطها بالهنود الحمر هناك.
* ربما كان بقايا هؤلاء الرجال هم أولئك الذين التقاهم كريستوفر كولومبس وتحدث عنهم في مذكراته عن الرحلة الثالثة، ووصفهم بأنهم كانوا سود البشرة، ويحملون أسلحة مذهبة، وأنهم أغنياء بما لهم من متاع وأدوات، وربما تمت إبادة هؤلاء السكان لاحقاً ضمن الأقوام والسكان المحليين الذين أجهز عليهم المهاجرون الأوروبيون الذين توافدوا على القارة الأمريكية إثر كولومبس. وربما كانت المساجد الأثرية التي اكتشفت في كل من نيفادا وتكساس والمكسيك من بقايا آثارهم.
* وقد ذكر كولومبس في مذكراته بتاريخ الحادي عشر من أكتوبر 1492م، أنه ربما رأى مسجداً بمنارة طويلة قبالة الساحل الكوبي، وكولومبس يعرف المساجد جيداً؛ لأنه أتى من الأندلس المسلمة في عام سقوطها في يد النصارى، فإن كان ما رآه مسجداً بالفعل فلعله كان أيضاً من آثار أولئك الأفارقة المسلمين الذين هبطوا أمريكا قبله.
* في ظروف التضييق على مسلمي الأندلس من قبل محاكم التفتيش النصرانية، فرت أعداد متكاثرة منهم إلى المغرب العربي، حيث استقروا هناك، بيد أن أعداداً وفيرة أخرى قطعت المحيط الأطلسي واستقرت في أمريكا. وهؤلاء وُجدت آثار لغتهم العربية مختلطة حتى اليوم بلغة الهنود الحمر، سكان أمريكا الأصليين، كما أكد ذلك بشكل قاطع أستاذ جامعة هارفارد الأسبق البروفيسور ليو واينر، الذي كان معروفاً بإجادته لأكثر من 12 لغة عالمية.
* ذكر كولومبس أنه رأى أقواماً يشبهون أهل الأندلس، واستغرب من انتشار الحجاب في أوساط نسائهم. وذكر مكتشف إسباني آخر هو "هيرناندو كورتيز" أن أولئك النسوة كن يرتدين البراقع التي كانت ترتديها نساء الأندلس.
* بدهيٌّ أن أمثال أولئك المستضعفين الفارين بدينهم ودنياهم لا يرتجى لهم مستقبل آمن في ظل ما دهمهم بوصول حملات أعدائهم الإسبان إلى الدنيا الجديدة، فقد استؤصل وجودهم بعد ذلك بوقت قليل، وقد تم ذلك قبل أن يتم استئصال أصدقائهم الذين أَنِسُوا بهم في الغربة من الهنود الحمر، فقد كان المطلوب كما تقول الوثائق: "ألا يوجد أي مجال لنشر الدين المحمدي" عن طريقهم في أمريكا.
* بعد استقرار أوضاع المهاجرين الأوروبيين على نحوٍ ما في أمريكا، اجتلبوا عن طريق تجارة الرقيق ملايين السود الإفريقيين إلى هناك، ثم واصلوا مهمة اقتلاع الإسلام ولغته العربية من أوساط أولئك المسترقين، فقد كان أكثر من نصف أولئك الأرقاء الأفارقة مسلمين انتزعوا من ممالك غرب إفريقيا التي كانت حواضر عامرة في ذلك الحين.
* صمد أكثر أفراد الجيل الأول من المسترقين على دينهم، إلا أن أهوال الرق وأحكامه المذلة المهينة التي بعثرت أسرهم وبددت وحداتهم الصغيرة بدأت تزعزع انتماء الأجيال اللاحقة منهم إلى دين الإسلام، وذلك إلى أن اندثر انتماؤهم إليه مع مطالع القرن العشرين.
* في نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين جاءت الهجرات العربية الأولى من سورية القديمة (تعادل لبنان وفلسطين وسورية والأردن في الجغرافيا الحالية) بأفواج كبيرة من الراغبين في تحسين أوضاعهم المعيشية، وكانت غالبية أولئك المهاجرين من أشباه الأميين وأنصاف المتعلمين، وانخرط معظمهم في الأعمال الهامشية والتجارة بالمفرق، وتزوج الكثير منهم بالأمريكيات وأنجبوا منهن جيلاً لم يتزود بالمقومات الثقافية العربية الإسلامية التي تكفي لصموده في بوتقة الإذابة الثقافية الأمريكية.
* كان نفوذ الأمهات أكبر من نفوذ الآباء على ذلك الجيل، فلم يكتب لأكثره أن يحافظ على تراث الآباء.
* لمَّا اتخذ بعض المحللين الاجتماعيين والأنثروبولوجيين من أداء صلاة الجمعة وصوم رمضان معيارين لأدنى درجة من درجات الالتزام الديني، كانت حصيلة ذلك الجيل منها ضعيفة للغاية، وبذلك ترشحوا للذوبان.
* يذكر بعض من درسوا تلك المرحلة أن أبناء المسلمين فقدوا بسرعة ملكة التحدث باللغة العربية، واتخذوا أسماءً نصرانية اتقاء لمشاعر التمييز، وتزوجوا من غير المسلمات، وبخروج أولئك الأبناء عن نطاق أسرهم نسوا كل ما يتعلق بالعروبة أو الإسلام.
* يذكر البروفيسور نبيل إبراهام الذي عاش منذ طفولته بديترويت، أن مساجد تلك الناحية أضحت أماكن للتسلية واللهو والتصدية، حيث استغلت ساحات المسجد الواسعة لتلك الأغراض، وقد استغلت جهات التنصير الأوضاع اللاهية بالمساجد، كما يذكر بعض من تابعوا تاريخ تلك الفترة، فدخلوها من أجل أن ينصروا المسلمين من داخلها، فكانت تلك ذروة المأساة أن يلاحق المسلمون في مساجدهم.
* في الأوان الذي شهد تساقط المسلمين المهاجرين وذوبانهم، كانت تنشأ في أمريكا حركات داخلية وسط الأقلية السوداء التي خرجت لتوها من ربقة الرق، وتأسست عدة حركات وسطهم، من أهمها حركة المسلمين الموريسكيين التي تأسست بنواحي نيو آرك في عام 1913م، وقد تزعمها نوبل درو علي، الذي قام بترجمة القرآن ترجمة زائفة أفسدت مراميه ومعانيه، ثم أفسد رسالته بادعائه النبوة زاعماً أنه رسول الله إلى السود مثلما كان محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله إلى البيض!
* لم تخل الحركات الإسـلامية وسط السـود من مثل هذا التخليط، لا سيما الحركة التي حملت أسماء متعددة، أهمها: أمة الإسلام الضائعة، وقد تزعمها أليجا محمد في ديترويت، وقد تأسست في 1934م في رد فعل عنصري واضح يقول بتفوق الجنس الأسود على الأبيض، ويقصر اعتناق الرسالة الإسلامية عليه، حيث لا يجوز للبيض اعتناق الإسلام، ولا دخول معابد تلك النحلة العجيبة التي نزعت فيما بعد نحو العنف والتمرد وإنشاء مجتمع منعزل عن المجتمع الأمريكي الأبيض.
* حاول بعض الدعاة المسلمين الجسورين في صفوف البيض أن يتجاوزوا تلك العقبات من غير كثير توفيق، وأولهم هو الداعية محمد ألكسندر رسل ويب (1847 - 1916)، الذي ولد في نيويورك لأب كان يعمل بنشر الصحف، ولما كان الوالد غنيًّا مقتدراً فقد بعث بابنه إلى المدارس ذات المستوى التعليمي والتثقيفي الراقي، وفيها طور الابن حسًّا أدبيًّا، واستولى عليه غرام القراءة والكتابة البحثية والفكرية والأدبية، وورث مهنة أبيه في نشر الصحف، وزاد عليها بشرائه صحيفة The Missouri Republican، وهي إحدى كبريات الصحف الأمريكية في ذلك الأوان، وظل يصدرها لمدة ثلاث سنوات.
* درس محمد ألكسندر عقائد الدين الإسلامي، ثم قرر أن يعتنق الإسلام، ولم يَرُدَّه عن ذلك لا منصبه الدبلوماسي الراقي ولا استغراب قومه البيض لما اعتراه، وخطا خطوة أخرى باتخاذه قراراً بالاستقالة من العمل الدبلوماسي ليتفرغ بالكلية لنشر العقائد الإسلامية في الولايات المتحدة. وقد تزود لتلك المهمة بزاد فكري وعلمي واسع، وعقد حلقة اتصالات شملت مفكرين إسلاميين هنوداً مثل الشيخ بدر الدين عبد الله خير، ودعاة من الجزيرة العربية مثل الشيخ الحاج عبد الله عرب وهو تاجر من المدينة المنورة تبرع بثلث ثروته لصالح مشروع نشر الإسلام في أمريكا.
* أنشأ محمد عقب رجوعه إلى بلاده منظمة خيرية دعوية سماها:
The American Islamic Propaganda
وألف كتاباً لطيفاً من نحو سبعين صفحة أسماه: Islam in America كرَّسه بكامله لتعريف الأمريكيين بالإسلام ودحض الشبهات المنتشرة بينهم عن عقائد الإسلام وشرائعه. ورغم قوة العارضة الفكرية لرسل، واقتداره الصحفي العالي، وكثرة أمواله، ومكانته الملحوظة في طبقات المجتمع الأمريكي؛ فقد كان حظ دعوته من النجاح ضئيلاً، ولم يتمـكن من تأسيس حركة إسلامية يعتد بها، ولا بناء مساجد أو مؤسسات تعليمية ثابتة، ولم يخلف أنصاراً أقوياء يحملون دعوته من بعده، وكل ما بقي من آثاره هو كتابه ذو القيمة التاريخية والأثر الريادي لتلك المحاولة الجسورة لاقتحام البيض مجال الدعوة الإسلامية.
* ظل حظ الدعوات الإسلامية بكافة أطيافها من النجاح بسيطاً في المعترك الأمريكي، إلى ستينيات القرن الماضي، حيث بدأ نمط الهجرات الإسلامية يأخذ في التحول الإيجابي، فأصبح الغالب على المهاجرين أنهم من أصحاب التعليم الأفضل، حتى بالمقارنة مع المستوى الأمريكي العام، ونال الكثيرون منهم مراكز مهنية وعملية مرموقة، وتمتعوا بمستويات اقتصادية ممتازة.
* كانت تلك هي الحقبة التي انبثق وتعالى فيها نور الإسلام في المشرق، فحمله أخيار المهاجرين معهم إلى المغرب، وعلى أيدي هؤلاء بدأت مجهودات تأسيس وتوطين العمل الإسلامي بالمهجر، حيث ترسخ وجوده بعد مجاهدات كثيرة بمنظمات قوية مثل:
- اتحاد الطلاب المسلمين The Muslim students Association of The United States & Canada.
- الحلقة الإسلامية لشمال أمريكا The Islamic Circle of North America.
- اتحاد العلماء الاجتماعيين المسلمين The American Muslim Social Scientists.
- اتحاد الأطباء المسلمين The Islamic Medical Association.
* كما نشأت المدارس الإسلامية ذات الدوام الكامل من صف الحضانة إلى صفوف الدكتوراه.
* في أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية اليوم نحو ثلاثمائة مدرسة إسلامية للتعليم العام، وعدة مؤسسات للدراسات الجامعية، منها:
- الجامعة الإسلامية العالمية.
- الجامعة الإسلامية بشيكاغو.
- مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية والإسلامية.
* أُنشئت بعض المراكز البحثية المتقدمة المتخصصة في الفكر الإسلامي، أهمها: المعهد العالمي للفكر الإسلامي بفرجينيا.
* ثم تضاعف عدد المساجد والمراكز الإسلامية، حيث بلغ نحواً من ألفي مسجد ومركز إسلامي.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.