في حوار نشر مؤخرًا مع الدكتور وليد أبو الوفا، رئيس مجلس الشورى لاتحاد الدارسين المسلمين باليابان، أكد على أن اليابان تعد بيئةً خصبة ومثالیة لانتشار الإسلام ولتكوین مجتمع إسلامي قوي، وذلك على الرغم من عقبات وتحديات تواجه المسلمين هناك، وقد جاء هذا الحوار في مجموعة من الأسئلة التي وجهها إليه بعض المهتمين، وللفائدة قمنا باختيار بعض هذه الأسئلة لزوار موقعنا الكرام:
فمن الأسئلة التي طرحها (هاني صلاح) منسق الحوار:
أ- متى بدأ ينتشر الإسلام في اليابان؟
أخذ اليابانيون المعلومات الأولية عن الإسلام من الصينيين ومما كتبه الأوروبيون عن الإسلام، فكان أول اتصال لليابان بالعالم الإسلامي عام 1308هـ، عندما أرسلت تركيا سفينة إلى اليابان، وعند عودتها تحطمت في جزر قريبة من اليابان، فأرسلت اليابان سفينة لتحمل الناجين من السفينة لترسلهم إلى بلادهم في تركيا، فكان هذا أول اتصال لليابانيين مع العالم الإسلامي. وقد ازدهر الإسلام في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية عند عودة الجنود من البلاد التي كانوا فيها خلال الحرب في دول شرق آسيا، ومن بين الجنود "عمر بوكينا" فاعتنق الإسلام وزاد حبه له، فنشط في عمل الدعوة إلى دين الإسلام، فأسس الجمعية الإسلامية في اليابان عام 1380هـ، وهناك عامل آخر في نشر الإسلام فقد هاجر عدد كبير من مسلمي الصين إلى اليابان بعد استيلاء الشيوعيين على حكم الصين.
ب- وماذا عن الخريطة الجغرافية والعرقية والاجتماعية لمسلمي اليابان؟
المسلمون منتشرون في كل مدن اليابان تقريباً، إلا أن تواجدهم الأقوى في المدن الكبرى مثل طوكيو وأوساكا وفوكوكا، وغالبية المسلمين باليابان من السُّنة، والوجود الشيعي هنا لا يذكر، وأكبر جالية مسلمة باليابان هي الجالية الباكستانية التي يعمل معظم أبنائها في تجارة السيارات وهم يمثلون القوة الاقتصادية للمسلمين باليابان، يأتي بعدها من حيث الحجم الجاليات الإندونيسية والماليزية، ومعظمهم من الطلاب الذين قدموا للدراسة بالجامعات اليابانية وقليل منهم من استقر باليابان بعد ذلك، ويوجد باليابان العديد من أساتذة الجامعات ورجال الأعمال من المسلمين اليابانيين والوافدين، والذين يقدمون صورة إيجابية عن المسلمين.
ج- سمعنا أن اليابانيين لهم طريقة خاصة بهم في اعتناق الأديان، فكيف تفسرون هذه الظاهرة؟
يوجد بالفعل عدد كبير من الديانات باليابان، غير أن أكثر ديانتين انتشاراً هما الشنتو والبوذية اللتان دخلتا اليابان في القرن السادس الميلادي، وقد حدث تداخل بين الديانتين وأحياناً يكون بينهما تكامل. كما يعتبر بعض اليابانيين أنهم يدينون بالديانتين معاً، غير أن الدين في اليابان لا يؤدي دوراً مهماً في الحياة اليومية للفرد، وإنما في بعض المناسبات مثل الميلاد والزواج والوفاة، كما أنهم لا يزورون معابدهم إلا على فترات متباعدة. كما ينتشر هنا باليابان مفهوم الآلهة المتعددة، بمعنى أن لكل شيء إلهاً خاصاً به؛ فهناك إله للسماء وآخر للأرض وآخر للإنسان وآخر لكل حيوان وهكذا، وهذا يوضح أن مفهوم الدين هنا يشمل تصورات عامة بدون الدخول في التفاصيل الحياتية للناس، ويترك لهم مساحة واسعة من الحركة بدون تحديد قيود للحلال والحرام، وعموماً كبار السن باليابان أكثر تمسكاً بعاداتهم الدينية من الأجيال الجديدة، وعلى الرغم من اعتناق غالبية الیابانیین للشنتو والبوذية بصورة رسمية فإن معظمهم في حقيقة الأمر لا يؤمنون بفكرة وجود الإله؛ لذا تنشط حالیًّا الحركة التنصيرية باليابان التي استطاعت اجتذاب عدد من الیابانیین إليها نظراً لما يعانونه من الخواء الروحي.
د- وهل هناك إحصائية لعدد المسلمين الجدد من اليابانيين؟
عدد المسلمين اليابانيين يقدر بعشرة آلاف مسلم ياباني، وحالات اعتناق الإسلام في اليابان في تزايد بفضل الله سبحانه وتعالى ثم جهود الجالية المسلمة باليابان.
هـ- برأيكم، ما أبرز عوامل جذب اليابانيين إلى الإسلام؟
أبرز عوامل جذب اليابانيين للإسلام أولاً هو اهتمام الدين الحنيف بالروح وتغذيتها بالإيمان؛ مما يعطي قدرة على الصبر وتحمل مشاق الحياة، حيث يعاني كثير من اليابانيين من الجفاء الروحي؛ نظراً للمادية الطاغية التي تسود المجتمع. ذات مرة سألت أحد المسلمين اليابانيين عن أكثر كلمة تأثر بها بعد اعتناقه للإسلام فقال: "إن شاء الله"؛ لأنها ترفع العبء عن عاتقك وتشعرك أن هناك إلهاً يقف بجانبك ويساعدك فأنت في هذا العالم لست وحدك. ثانياً النظام الاجتماعي في الإسلام ونظام الترابط الأسرى الفريد يمثل عامل جذب أيضاً، وأذكر أن إحدى اليابانيات كانت تعمل في مجلس المدينة وكانت مسؤولة عن التعامل مع حالات الطلاق ومشكلات الأبناء المترتبة على ذلك، وبعد تعرفها على نظام الأسرة في الإسلام ومقدار الاهتمام ببناء علاقة قوية تربط الزوج والزوجة والأبناء في جو يسوده المحبة والاحترام والحرص على استقرار الأسرة قامت باعتناق الإسلام.
و- وهل يجدون المحضن التربوي من قبل المسلمين ومؤسساتهم في اليابان؟
لا توجد مؤسسات إسلامية باليابان متخصصة في رعاية المسلمين الجدد ودعمهم إيمانيًّا وعلميًّا، حيث تتحمل هذه المسؤولية المنظمات الإسلامية المنتشرة في أرجاء اليابان، وهو ما أحدث قصوراً في جودة الخدمة المقدمة وانتظامها نظراً لانشغال المؤسسات الإسلامية بأنشطة كثيرة أخرى، وفي ظل الاعتماد على العمل التطوعي وقلة وجود المتفرغين للدعوة.
ومن الأسئلة التي طرحها الدكتور جمال عبدالناصر، مسؤول صفحة الفكر الديني بجريدة الأهرام المصرية:
أ- هل من كلمة عن التعليم الديني في اليابان؟ وما آلياته؟
الاعتماد الأكبر في تعليم المسلمين لدينهم وخاصة الأجيال الجديدة يعتمد على المجهودات الفردية للأفراد ونشاط المنظمات المحلية التي تقوم بعمل أنشطة لتحفيظ القرآن الكريم وتدريس العلوم الشرعية الأساسية. كما يوجد حاليًّا المعهد العربي الإسلامي بطوكيو برعاية سعودية وله دور محمود في هذا الأمر، بالإضافة لوجود بعض المدارس الإسلامية بطوكيو للمرحلة الابتدائية والإعدادية التي تدرس المناهج اليابانية مضافاً إليها مواد إسلامية.
ب- ما أهم التيارات الإسلامية في اليابان؟
المسلمون في اليابان يحملون خلفيات فكرية كثيرة؛ ولذا كل التيارات الفكرية ممثلة تقريباً، ومع قلة عدد المسلمين وتوزعهم على مدن كبيرة فمن الصعب ملاحظة نشاط فكر ديني معين، مع العلم بأن غالبية النشطاء الإسلاميين لا ينتمون لتيارات دينية معينة، والفكر السائد بين المسلمين هنا هو فكر الوسطية والتيسير.
ج- كيف يمر المسلم في اليابان برحلته العلمية في تحصيل العلوم الشرعية؟
لو تقصد التخصص في العلوم الشرعية فهو يتم بسفر الطالب للدراسة في إحدى الدول الإسلامية وعلى رأسها السعودية لعدة سنوات في نظام منح، ثم يعود لليابان للعمل. وللأسف غالباً ما يترك مجال الدعوة إلا تطوعاً؛ نظراً لعدم وجود دعم مالي مما يضطره للعمل بإحدى الشركات اليابانية وبالتالي لا يجد وقتاً كافياً للدعوة إلا النزر اليسير.
أما الدكتور غزالي بن مد، عميد كلية الدراسات الإسلامية والقانون بجامعة فطاني، تايلاند، فقد طرح هذا السؤال:
عرفنا أن الابتعاد عن الإسلام عواقبه وخيمة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)؛ لذلك برغم امتياز اليابانيين في مجالات مختلفة ولكن سمعنا عن أمر ما يدل ضنكهم من ناحية اجتماعية، لدى كل فئات مجتمعهم من صبيان وشباب وشيوخ، منها قلق وانتحار.. فهل ممكن تفيدنا من صور وأسباب تلك المشكلات؟
فكان مما قاله الدكتور وليد أبو الوفا: عندما أتيت اليابان للمرة الأولى انبهرت كثيراً بالمجتمع الياباني ودقته ونظامه الفريد، بخلاف انتشار كثير من الأخلاق الإسلامية كالأمانة والدقة في العمل والصدق واللطف في التعامل مع الآخرين وغيرها من الصفات الرائعة حقاً، حتى إني تساءلت ذات مرة: "إذا كانت هذه هي الحال فبماذا سيفيد الدين هذه المجتمع إذاً؟"، ولكن عندما تدقق النظر في المجتمع تجد أنه تضرر كثيراً جراء عدم تعمق وتجذر الدين في حياتهم اليومية، ومن أبرز هذه المظاهر هو زيادة حالات الانتحار لتصل إلى 30 ألف حالة سنويًّا، ويقول اليابانيون: إن محطة قطارات طوكيو تتوقف على الأقل مرة يوميًّا جراء حالات الانتحار. وظاهرة الانتحار تمثل انعكاساً لمشكلات مجتمعية كثيرة؛ منها الضغوط الحياتية الهائلة التي يتعرض لها المواطن الياباني من ضغط العمل وعدم وجود متنفس روحي يخفف عنه. فمثلاً عندما يتعرض الفرد هنا لضغط عمل زائد أو مرض عضال، لا يجد من الناحية العملية فائدة لاستمرار حياته فيقوم بإنهائها لإنهاء معاناته.
ويجيب على تساؤل: هل يمكن للمسلم الياباني أن يقدم آراء من منظور إسلامي ليساعد المجتمع الياباني للتغلب على تلك المشاكل؟ وكيف ذلك؟:
المسلم الياباني ينفذ إلى المجتمع من المدخل الروحي والاجتماعي اللذَين يتميز بهما الإسلام، ولذا فنحن نقوم بعمل أنشطة ثقافية لشرح أوجه الجمال في الدين الإسلامي مع اختيار مواضيع تمثل مشكلات حرجة لليابانيين، فمثلاً قمنا مؤخراً من خلال المركز الثقافي بمسجد جيفو بعمل محاضرة بعنوان "لماذا لا ينتحر المسلمون؟" وهكذا.
وختامًا يجيب على هذا السؤال الذي طرحه Abduallah Khair:
كيف يفكر الشخص الياباني البسيط الذي يعيش في دولة متقدمة (اليابان) في الدين الإسلامي الذي يقود ويرتقي بالإنسانية جمعاء، في حين أن الأراضي الإسلامية الأصلية تعيش في ظلمات فوق ظلمات؟ كيف له أن يصل لحقيقة الدين الإسلامي أنه دين رحمة وعلم وهدى؟
هذا في الحقيقة أكبر معوق لدخول اليابانيين للإسلام، ولسان حالهم يقول: ما دام هذا الدين يُصلح حال البشرية فلماذا لم يصلح حالكم أنتم؟ فالطبيعة اليابانية لا تستطيع أن تفهم أبداً معنى المفارقة بين الأسس والمفاهيم الرائعة التي يغرسها الدين وسلوك المسلمين، لذا تقع مسؤولية كبيرة حقاً على المسلمين هنا في اليابان لإعطاء صورة راقية ومعبرة عن السلوك الإسلامي الصحيح في محاولة لتصحيح الصورة التي يراها اليابانيون في بلادنا الإسلامية، وهو أمر ليس بالهين؛ نظراً لتأثر نسبة كبيرة من الجالية المسلمة هنا بالخلفيات الثقافية والبيئية للدول التي أتوا منها.
وعلى الرغم من ذلك ينتشر الإسلام وسينتشر بصدق دعوته وقوة حجته وطاقته الروحية والإيمانية الهائلة، وبعدالة المبادئ التي قام عليها والتي تعطيه الريادة لقيادة البشرية جميعاً.
وأخيراً فإن أرض الیابان أرضٌ بكر، ما زالت تحتاج إلى كثیر من الجهد والحرث، وهي أرض خصبة ستؤتي أُكلها في وقت قصیر بإذن ربها إن بدأ العمل فيها بنیة خالصة وبشكل مؤسسي ومدروس.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.