منذ سنوات التقيت بالدكتور العراقي “صالح السامرائي” في موقع “إسلام أون لاين” كان شيخا مهيبا يعلوه النور، كلمات محملة بالمسؤولية والأمل في أن يجد الإسلام مكانه في اليابان بلاد الشمس المشرقة، قضى الرجل قرابة أربعين عاما يدعو إلى الإسلام في اليابان، كان الإسلام ينمو بطيئا لكن بإصرار أمام يعينه، سمعت كلماته ولم أتصور أن للإسلام أتباعا في تلك البلاد المتقدمة والمنعزلة وذات الخصوصية الثقافة الراسخة، ويبدو أن للإسلام قصة يجب أن تحكى في تلك البلاد.
يقدر عدد المسلمين اليابانيين بثلاثة آلاف شخص تقريباً، بحسب العدد المسجل عند الجمعيات الإسلامية، إلا أن الدكتور “السامرائي” يقدرهم بأكثر من مائة ألف، وربما يرجع ذلك إلى طبيعة فهم الياباني للدين، فحسب الثقافة اليابانية، فإنه يمكن للشخص أن يعتنق أكثر من دين في وقت واحد، وربما هذا ما يجعل أعداد المسلمين غير مستقرة، إلا أن الثابتين على إسلامهم يعد بالآلاف ولكن نظرا لأن غالبية المسلمين اليابانيين ممن يسكنون في العاصمة طوكيو، ومن الطبقة الوسطي، جعل إيمانهم أقرب إلى الاقتناع الفردي، ولم تتشكل صورة مكتملة لمجتمع ياباني مسلم نظرا لحداثة الإسلام هناك، ويوجد مسجدان كبيران للمسلمين أحدهما في طوكيو تأسس 1938 والآخر في مدينة كوبي، تأسس 1936م، وعدد من المساجد والمصليات الصغيرة الناشئة، والجمعيات الإسلامية.
وقد دخل الإسلام اليابان عبر ثلاثة طرق رئيسية :
– من خلال احتكاك الجنود اليابانيين بالمسلمين في المناطق التي احتلوها في تركستان الشرقية وشرق آسيا في فترة الحرب العالمية الأولى، ثم بعد الحرب العالمية الثانية حيث عاد ما يقرب من ثلاثة ملايين ياباني، وتأثر عدد ضئيل منهم بالإسلام.
– وعن طريق هجرة مسلمين من روسيا بعد الثورة الشيوعية عام 1917، حيث فتحت لهم اليابان أبوابها نظرا لصراعها السياسي والعسكري مع روسيا، واستطاع هؤلاء وضع بذور جنينية أولى للإسلام في اليابان.
– وعن طريق الطلاب المسلمين المبتعثين لليابان، وكذلك عن طريق سياحة اليابانيين في البلاد المسلمة، إضافة إلى نشاط المراكز والجمعيات الإسلامية في اليابان في الدعوة للإسلام.
أول مسلم في اليابان
كان أول ياباني يعرف الإسلام هو الصحفي الشاب “أوشاتارو نودا” الذي ذهب إلى اسطنبول عام 1893م، لتقديم بعض التبرعات اليابانية لأسر شهداء الأسطول العثماني الذين غرقوا أثناء زيارة لليابان، فأسلم نودا وتسمى بـ”عبد الحليم نودا” ثم تبعه شخص آخر واتخذ اسم خليل، وثالث هو أحمد أريجا وكان تاجرا مسيحيا وأسلم في بومباي عام 1895م ، وشارك في ترجمة معاني القرآن لليابانية، وتزامن ذلك مع توافد تجار مسلمين من الهند لليابان، فكوّنوا نواة لأول جالية مسلمة في اليابان.
وقد اهتم السلطان العثماني عبد الحميد الثاني بموضوع الإسلام في اليابان، وأرسل مبعوثيه لليابان، كما تعاطفت الدولة العثمانية مع الانتصارات اليابانية على روسيا عام 1905، وهو ما مهد لإقامة أول مسجد في مدينة اوساكا للمسلمين الروس الذين أسرتهم اليابان في تلك الحرب.
وتردد في تلك الفترة أن اليابان تبحث عن دين لها، وأنها تعقد مؤتمرا دوليا عام 1906، فسافر إليه بعض الدعاة من بينهم الشيخ الأزهري علي أحمد الجرجاوي، وألف كتاباً عام 1907 أسماه “الرحلة اليابانية” تحدث فيه عن رحلته ودعوته للإسلام في اليابان، مبشرا بآفاق واسعة للإسلام، غير أن التأثير الأكبر لبدايات الإسلام في اليابان كان على يد الداعية التتري عبد الرشيد إبراهيم عام 1909، الذي زار اليابان، وقابل كثير من طبقات المجتمع هناك، وأسلم على يديه نخبة من المثقفين والصحفيين والضباط الشباب، ومن بينهم عمر ياما أوكا الذي كان أول ياباني يحج إلى مكة، كما زار “ياما أوكا” الأزهر عام 1924 وله صورة تذكارية بالزي الأزهري
وعرف واقع المسلمين في اليابان الصحافة مبكرا، عندما بدأ العالم الهندي محمد بركة الله في تدريس اللغة الأردية في الجامعات اليابانية، فأصدر لثلاث سـنوات مجلة “الأخوة الإسلامية ” مابين 1910-1912. وأسلم على يديه عدد من اليابانيين، وبدأت البذور الأولى للإسلام تؤتي بعض ثمارها مع توافد المسلمين التركستانيين والتتريين الفارين من الحكم الشيوعي في روسيا، وبرز اسم “عبد الحي قربان علي” كزعيم ديني للمسـلمين التتار وأصدر مجلة للمسلمين، وأنشأ مطبعة بالحروف العربية طبع فيها الكتب الإسلامية باللغة التترية، وطبع القرآن الكريم، واستطاع هو والداعية عبد الرشيد إبراهيم أن يحصلا على ثقة الحكومة اليابانية التي اعترفت بالإسلام، وساهمت الحكومة في بناء أول مسجد في طوكيو عام 1938، أسلمت بعض الشخصيات اليابانية البارزة على رأسهم عمر ميتا مترجم معاني القرآن الكريم لليابانية.
القرآن لليابانية
ومع اهتمام اليابان بمنطقة تركستان الشرقية التي يقطنها الكثير من المسلمين، وتتبع الصين حاليا، توافد طلبة تركستان للدراسة في اليابان، وظهرت شخصية يابانية مسلمة مثل: مصطفى كومورا، الذي شكل عام 1953 أول جمعية للمسلمين اليابانيين معترف بها، وشارك الحاج عمر ميتا في ترجمة معاني القرآن الكريم، وألف كتابا عن تاريخ الإسلام في اليابان، وتزايد توافد الحجاج اليابانيون إلى الأراضي المقدسة.
وفي العام 1956 وصلت اليابان قوافل باكستانية من جماعة التبليغ والدعوة، فجددوا بذرة الإسلام في اليابان، وأسلم على يديهم الكثير من اليابانيين، وقد وصف بعضهم حال الإسلام في اليابان بقوله:” اليابان كالبستان الزاهر، مملوء بالفاكهة اليانعة، تدخله وتجمع الثمار بكل سهولة، وإن من بين الذين يسلمون من هم أشبه بالصحابة”، ومن بين هؤلاء البروفسور عبد الكريم سايتو، الذي أسلم على يديه عشرات من الشباب اليابانيين، وأرسل بعضهم للدراسة في الأزهر .
ومع تزايد عدد الطلاب المسلمين في اليابان قاموا بتشكيل أول جمعية للطلبة المسلمين في اليابان في عام 1961، وأخذوا في الدعوة إلى الإسلام، وأصدروا عددا من الكتب التعريفية بالإسلام، وأرسلوا طلابا إلى الأزهر والسعودية، وانشئوا أول مقبرة إسلامية، فكانت فترة عامرة بالنشاط، وقد أمر الملك السعودي الراحل فيصل آل سعود، بطباعة ترجمة معاني القرآن لليابانية وتوزيعها، وفي السبعينيات لعب الدكتور صالح السامرائي دورا بارزا في الدعوة الإسلامية في اليابان فتم تأسيس أول مركز إسلامي متكامل عام 1973، وحج في العام 1976 ثلاثة وأربعون حاجا يابانيا، وعقدت ندوة مهمة عام 1977 عن الشريعة الإسلامية.
ويبقى أكبر تطور في تاريخ الوجود الإسـلامي في اليابان في أواسط الثمانينات ألا وهو هجرة أعداد كبيرة من المسلمين إلى اليابان، فتزوجوا من يابانيات بعد إسلامهن، كما أعيد بناء مسجد طوكيو عام 2000 على الطراز العثماني برعاية تركية، فأصبح للإسلام متنفس كبير في بلاد الشمس المشرقة.
المصدر : https://islamonline.net/21634
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.