الدعوة في المدارس خطوات لنجاح المدرِّس الداعيمقالات

المستودع الدعوي الرقمي

إن المدرسة هي نور العلم والمعرفة والإيمان، هي نور الحياة والمستقبل، وإن مهنة التدريس والتعليم هي مهنة الأنبياء والرسل، وإن المعلِّمين الصالحين المصلِحين هم ورثة الأنبياء الذين يمحون ظلماتِ الجهل بما يبثُّونه من نور العلم والإيمان.

وحَسْبُ المدرِّس شَرَفًا أنه صاحب رسالة، فمَثَلُه كأمِّ موسى تُرضع ولدها وتأخذ أجرها، ولله دَرُّه، وما أسعدَه في الدنيا والآخرة إذا أدَّى رسالته بحقِّها؛ فيأخذ أجره في حياته، وتظلُّ له صدقات جارية لا تُعَدُّ ولا تُحصى بعد مماته؛ حيث إنه دالٌّ على الله ودينه وسبيل المؤمنين، ومعلِّم للعلم والأخلاق والآداب الكريمة، ومرشد لسبل الخير التي ينال بها المسلم الحياة الدنيا الطيِّبة يَعيشها، والآخرة السعيدة في الجنان.

وحيث إننا سنتحدث عن المدرِّس الداعي، فسنذكر بعض الأمور التي لا بد أن يدركها جيدًا حتى يعلم جلال رسالته ومَهمَّته لدينه وأمَّته:

- إن المعلِّمين هم القاعدة الأساسية لبناء حضارات الأمم وتقدُّمها ونهضتها؛ فهو مربِّي الأجيال وراسم المستقبل بتسليح النشء بالعلم والتربية، فعلى قدر نجاح المعلِّمين أو فشلهم يكون نجاح الأمة في صناعة حضارتها ونهضتها.

- إن المعلِّم هو الدرع الأول والواقي للأمة وسط الحروب التي تُشَنُّ عليها دون سلاح، والمخطَّطات التي تسعى لإفساد عقول أبنائها، بتسليط كل أدوات الانفتاح وضياع القيم والأخلاق، ومحاولة تذويب النشء مستقبل الأمة في بَوْتَقة الانحلال والجهل والضياع، فالمعلِّم هو الْمَعنيُّ ببناء الحصون التي تحمي الأمَّة، وتصدُّ هجماتِ أعدائها.

- التدريس ليس مجرَّد مهنة صعبة أو من أصعب المهن لما تحتاج إليه من جهد ذِهنيٍّ ونفسيٍّ وبَدَنيٍّ؛ بل إنه رسالة تحتاج إلى مواصفات معيَّنة فيمن يتحمَّل هذه الرسالة، لذا؛ ليس ثَمَّةَ مهنةٌ تساويها، وانظر إلى قيمة المعلِّم في الأمم المتقدِّمة قديمًا وحديثًا، ونظرتها إليه، وما تَطلُبه منه وتكرِّمه عليه.

- إن أيَّ مهنة تستطيع أن تتجاوز عن أخطائها، أو تدفن أخطاءها بشتَّى الطرق، إلا التربيةَ والتعليم؛ تظل أخطاؤه تمشي على الأرض لتبثَّ الجهل والفساد وسوء الأخلاق، لذا؛ يقف المعلِّم على أهم ثغور الأمة، فبصلاحه تقوى الأمة، وبفساده تضيع الأمة.

- المعلِّم بين يديه أجيال الأمة ومستقبلها، إنه الكنز الذي لا يُقدَّر بثمن، يراقبونه بمجهر هائل التكبير، فيتأثَّرون بكل حركة أو قول أو هفوة أو خطأ منه، فليكن قدوةً حسنة للأمانة التي في يديه.

 -المعلِّم هو المنوط به الإبداع لتطوير أساليب التعليم والتربية وملاحقة التطورات المتسارعة في التِّقْنيَة والتكنولوجيا، وتأثير ذلك على العملية التعليمية وعلى الطلبة؛ ليمحوَ الآثار السلبية من هذه الوسائل، ويستفيد من تطوُّرها في العملية التعليمية.

وحتى ينجح المدرِّس الداعي في مَهمَّته؛ فلابد أن تتوفر فيه المواصفات التالية:

أولاً: الصفات الإيمانية والأخلاقية:

لا بد أن يكون المدرِّس الداعي ذا إيمان راسخ وأخلاق حميدة يبثها في تلاميذه؛ وأولها الإخلاص لله تعالى وابتغاء وجه الله فيما يؤديه من رسالة حتى وإن لم يجد جزاءه المستحق في الدنيا، وكذلك تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه، والتقوى والطاعة، والتواضع فإن الناس عامة – من زملائه وأولياء الأمور ورؤسائه... إلخ - والتلاميذ خاصة يحبون المدرِّس المتواضع ويألفونه ويتقربون منه، ويُبغضون المستكبر والمتعالي.

وعلى المدرِّس الذي تحمل رسالة العلم والتربية أن يقوم بمسؤوليته بحقها وليعلم أنه راع ومسؤول عن رعيته؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاريُّ: ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّته))، والراعي هو الحافظ الْمُؤْتَمَن الْمُلْتَزِم صلاح ما اؤْتُمِنَ على حفظه، فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه، من تأديب وتوجيه ورعاية، وليحذر غضب الله إن هو أخلَّ بمسؤوليته. ومن إيمانه أن يعلم أن ما عليه هو القيام بدوره ببذر البذور وغرس الزرع؛ أخذًا بالأسباب والنتائج والهدى على الله تعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء.

ثانيًا: الصفات الأدائية والمهنية والشخصية:

فعلى المعلِّم أن يمتلك أدواته ويطور نفسه في كل ما يحتاجه المعلِّم الناجح، إن لم يكن يمتلكه فليسع لامتلاكه؛ مثل: أن يحرص المدرِّس الناجح أن يكون قويًّا في مادته، ومرجعًا تعليميًّا في مجال تخصُّصه؛ فبدون ذلك لن يكون ناجحًا مهما امتلك الأدوات الأخرى؛ فعليه أن يستزيد دائمًا في كل ما يتعلق بمادته الدراسية وتخصصه، وأن يطَّلع باستمرار على كل جديد في مواقع الإنترنت والكتب والمراجع الحديثة، وعليه أن يمتلك قوة الشخصية، والأداء الصوتي القوي المؤثِّر متغيِّر النبرات والمتناسب مع الموقف، بلباقة بعيدة عن التكلُّف، والتفاعل مع الطلاب بالملامح المعبِّرة الصادقة المؤثِّرة فيهم، والأسلوب المشوِّق، وروح الدعابة والمرح التي تعالج ملل التلاميذ من الشرح، والحماس المؤثِّر، والعواطف الوجدانية المتفاعلة مع الطلاب، وإظهار حب التدريس لطلابه والاستمتاع به، والثقة بالنفس وبالطلاب، وزرع قيمة وأهمية ما يدرسه لهم في نفوسهم وتحبيبه لهم، وإثارة دافعيتهم إلى زيادة التعلم ومحبته والرضا عما يتعلمونه مع مراعاة الفروق الفردية بينهم، وعلى المدرِّس الناجح أن يقرأ في أساليب التربية دائما ويتابع كل جديد حتى يكون على دراية كاملة بالأساليب التربوية المختلفة، ويسعى بها لتنمية التلاميذ علميًّا ومعرفيًّا ووِجدانيًّا ومهاريًّا.

وعلى المدرِّس الداعي الناجح أن يكون قائدًا إداريًّا وتربويًّا يستطيع قيادة وإدارة أي عدد من التلاميذ بنجاح وإيصال ما يريده بأسلوب شائق وحسن انتقال بين نقاط الشرح، وحسن استخدامه لآيات القرآن الكريم والحديث النبوي والمعلومات الدينية، فيتخير متى يذكرها لتؤثر في طلابه، وليحرص أن يتعامل مع جميع الطلاب بعدل، ويظهر لهم أنهم كلهم لديه سواء بغض النظر عن التفاوت في أوضاعهم الاجتماعية أو الأسرية، مع تشجيع المجتهد والحكمة في اختيار أسلوب العقاب المناسب للمخطئ والمقصر؛ بمعنى أن يكون لديه اتزان انفعالي، فيتحكم في انفعالاته، ولا يتملكه الغضب مهما كان.

وأخيرًا على المدرِّس الداعي الناجح أن يحرص على مظهره الجميل؛ فإن الله جميل يحب الجمال، فعليه بالحفاظ على حسن مظهره، والنظافة، والهندام المتناسق المتميز؛ لما لذلك من أثر لا يخفى.

ثالثًا: الصفات العقلية:

لا بد أن يمتلك المدرِّس الداعي الناجح عقلاً ذكيًّا من خلاله يمتلك كل ما يحتاجه من قدرات لمهنته ولحياته مثل قدرته على التعلُّم الذاتي، واكتساب المهارات المختلفة وقدرته على التعلم السريع وتطوير نفسه وإمكانياته واكتساب الخبرات وتوظيفها، وامتلاك التفكير العلمي المنظَّم والمرتَّب؛ ما يساعده أن يكون متقنًا لعمله ويستطيع أن يؤدي رسالته كما ينبغي.

رابعًا: الصفات الوظيفية:

لا بد أن يكون المدرِّس الداعي الناجح منضبطًا وظيفيًّا، يؤدي واجبه على أكمل وجه، محبوبًا من زملائه ورؤسائه ومرؤوسيه وتلامذته؛ فالانضباط من أهم سلوكيات النجاح عامة، والداعية خاصة؛ فإذا وجده تلاميذه دقيقا في مواعيده مثل بداية كل حصة ونهايتها، فإنه يعطيهم قدوة ونموذجًا حيًّا للدقة والانضباط، فيقتدون به في مشكلة من أكبر مشكلات هذا العصر في كل المجالات، إضافة إلى أن الانضباط الوظيفي يساعد المعلِّم على إنجاز أعماله ومسؤولياته بجِدٍّ واهتمام، فضلا عن أن الجميع يرون فيه وازع الضمير سمة من سماته الشخصية بالانضباط ما يجعله مثالا حيا للضمير والأخلاق.

ومن انضباطه الوظيفي أنه يتعاون مع كل فرد في المدرسة – من المديرين أو المعلِّمين أو غيرهم - لتحقيق الأهداف التربوية المنشودة، ويظهر في تعاونه الأخلاق الحميدة من صدق وشهامة وأمانة وتفانٍ في العمل... إلخ، ومن تعاونه أن يكون مرشدًا للطلاب والتلاميذ فيكون ملجأ لهم يثقون فيه ويقدرونه ويحترمونه فيبدو لهم بمقام الوالد أو الأخ الأكبر الذي يهتم لشؤونهم ومصالحهم، ولا يتأخر عن إبداء المشورة والنصيحة لطلابه، مع احترام خصوصية كل فرد منهم.

خامسًا: الصفات الاجتماعية:

ينبغي أن يكون المدرِّس الداعي الناجح اجتماعيًّا، أينما حلَّ خَلَق بيئة ودِّيَّة يملؤها الودُّ والروح الطيِّبة، فتكون العلاقة بينه وبين تلاميذه وكذلك مع زملائه علاقة ودية طيبة متسامحة قائمة على الاحترام، وعليه أن يفيض بعاطفة الأبوَّة الحانية والرحمة على تلاميذه، فتتفتح قلوبهم كالزهرة لما يدعوهم إليه من الخير والأخلاق الفاضلة، وعليه أن يراعي ظروفهم الاجتماعية وبيئاتهم وثقافاتهم وشخصياتهم المختلفة.