الأقلية المسلمة في سويسرامقالات

موقع الإسلام

دولة اتحادية صغيرة المساحة، تتكون من اثنتين وعشرين مقاطعة (canton)، أعلنت بها الجمهورية في سنة (690هـ - 1291م)، بعد انفصالها عن حكم أسرة هابسبورج، وبرغم صغر مساحتها اتبعت نظام الحياد، وهذا أكسبها احترام دول العالم وجنبها مشاكل الحروب، واختيرت مقرا للعديد من المنظمات الدولية وتبلغ مساحة سويسرا (41.293) من الكيلومترات المربعة، وسكانها في سنة 1408هـ - 1988م:6.551.000 نسمة، والعاصمة (برن) وسكانها حوالي (500.000 نسمة) وأهم المدن زيورخ، وبازل، وجنيف.

الموقع:
توجد في جنوبي أوروبا الوسطى، تحدها ألمانيا من الشمال، وإيطاليا من الجنوب، والنمسا من الشرق، وتشغل أرضها قسما من جبال الألب وجبال جورا، ولموقعها أهمية في وسط قارة أوروبا، حيث ممرات جبال الألب التي تربط بين العديد من الدول الأوروبية.

الأرض:
أرض سويسرا جبلية في جملتها، فحوالي 60 % من مساحتها من المرتفعات الألبية، وهذا القطاع يضم 20 % من السكان، وتنحدر بمقدمات نحو الهضبة السويسرية، وتضم هذه المقدمات عدة بحيرات، وتنقسم جبال الألب إلى عدة سلاسل، وأعلى قمة في الألب السويسرية مونتي روزا 4617م، وتشمل سويسرا قسما من جبال جورا حيث يتبعها القسم الجنوبي الشرقي من هذه الجبال، وتحتوي العديد من الأودية والحافات، وتخترقها بعض الممرات، وتمتد الهضبة السويسرية على شكل دهليز بين جبال الألب وجبال جورا، ويختلف ارتفاع الهضبة من مكان إلى آخر، وقد أعطتها طبيعتها الجبلية الغنية بالغابات قيمة سياحية عظيمة.
وتحصر الجبال بينها العديد من الثلاجات مثل اليتش، وجورنروفيزتش وهذه الثلاجات مصدر سياحي هام، وتنتشر بسويسرا البحيرات العذبة.

المناخ:
ينتمي مناخ سويسرا إلى طراز وسط أوروبا، (المناخ الألبي) والمناخ بارد بصفة عامة حيث يغطي الثلج معظم أرضها في الشتاء وتتحول إلى ثلاجات استغلها السويسريون في السياحة لمزاولة رياضة الانزلاق على الجليد، وتهب من الجبال رياح الفهن إلى الأودية، فتؤثر في مناخ المناطق المنخفضة، والتساقط غزير، ويسودها صيف دفيء في المناطق الهضبية وعلى الأودية المنخفضة.

السكان:
يعيش معظم سكان سويسرا في مناطق الهضاب وفي المدن الرئيسة، مثل زيورخ، وبازل، وبرن، وجنيف، ولوزان، ويقل توزيع الكثافة السكانية على المرتفعات، وينتمي السكان إلى العناصر الألمانية، ويشكلون أغلب سكان سويسرا، ويتحدث 75 % من السكان الألمانية، ومن بين سكانها عناصر فرنسية فحوالي 20 % من جملة السكان يتحدثون الفرنسية، كما توجد عناصر إيطالية، (حوالي 4 % من السكان يتحدثون الإيطالية)، ويوجد بين السويسريين عدد كبير من الأجانب يقارب مليون نسمة.

النشاط البشري:
سويسرا دولة متقدمة، ترتفع دخول الأفراد بها إلى مستوى عال، ويعود هذا لكثرة الأنشطة الاقتصادية، فتمارس الزراعة في الوديان المنخفضة وفوق الهضبة الوسطى، وتبلغ نسبة العاملين في الزراعة حوالي 4 % من جملة القوى العاملة، وتنتج سويسرا 50 % من حاجتها من المواد الزراعية، وأهم الغلات الحبوب، مثل القمح والشيلم والجودار والبطاطس، والفاكهة مثل التفاح والعنب، والزراعة مختلطة أي تربى الحيوانات في مناطق الزراعة، مما يزيد من دخل المزارعين، وهناك حركة للرعي على سفوح الجبال في فصل الصيف، وتشتهر سويسرا بمنتجات الألبان، وتصدر للخارج كميات كبيرة، ولا تفي الزراعة بحاجة السكان، وتغطي الغابات مساحات كبيرة من الأراضي السويسرية، لهذا فالصناعات الخشبية تشغل مكانة هامة في البلاد السويسرية، غير أن البلاد فقيرة في الثروة المعدنية، وكذلك وضعها في مواد الطاقة، غير أنها غنية بالقوة الكهربائية المولدة من المساقط المائية، وتشتهر بالصناعات الدقيقة كالساعات، والآلات الدقيقة، والأدوات الطبية، والكيميائيات، والأدوات الكهربائية، وتعتبر الصناعة دعامة الدخل القومي السويسري، وتشكل السياحة موردا هاما في الدخل السويسري.

كيف وصل الإسلام إلى سويسرا؟
كانت هناك بداية مبكرة لوصول الإسلام إلى قلب أوروبا، فلقد أسس بعض البحارة الأندلسيين المسلمين دولة في جنوبي فرنسا، وغزوا الأراضي الواقعة إلى شمالهم، ففي سنة (321هـ - 939م) وصلوا إلى بلدة (سان غال) في سويسرا، وأرسلوا الحملات إلى المنطقة التي تشغلها سويسرا حاليا وذلك لتأمين الأندلس، وبنوا أبراجا في أماكن متعددة في جبال الألب، وبقي قسم من هذه الجبال تحت سيطرة العرب، وكانت تصلهم الإمدادات من البحر، وقد بعث (أوتون) إمبراطور ألمانيا سفارة في شأن هؤلاء إلى (عبد الرحمن الناصر) خليفة الأندلس، وبعد سقوط الأندلس هاجر عدد من المسلمين فرارا من الاضطهاد الديني إلى أودية جنوب سويسرا، وأقاموا بها، وسكان هذه المنطقة يدعون أنهم من أصل عربي، غير أن هذه الجماعات اندمجت في المجتمعات المحيطة بهم.
ووصلت سويسرا هجرات إسلامية في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري، فلقد لجأت إليها أقلية مسلمة بعد الحرب العالمية الثانية، ونتيجة لجهود بعض الدعاة اعتنق عدد من السويسريين الإسلام، ومن أوائل من دخل في الإسلام الشاعر السويسري (فريشيوف شوون) صاحب ديوان (الليل والنهار)، وقبل إسلامه كان ملتحقا بدير فرنسي للرهبان، ثم انتقل إلى الجزائر، وبها اعتنق الإسلام ثم عاد إلى سويسرا، وهناك قام بمهمة الداعية المسلم، فأسلم على يديه عدد من السويسريين، وأخذ عدد المسلمين يتزايد في سويسرا نتيجة الهجرة إليها، أو استيطان بعض المسلمين بها، وكان عدد المسلمين بسويسرا في سنة (1371هـ - 1951م) يقدر بألفين، وتضاعف عدة مرات خلال عشرين عاما، ففي سنة (1391هـ - 1971م) زاد على الثلاثين ألفا، ويقدر عددهم في الوقت الراهن (بخمسة وسبعين ألف مسلم) عدد الأتراك يقارب نصفهم.

مناطق المسلمين:
ينتشر المسلمون في معظم المدن الكبرى بسويسرا، في جنيف وزيورخ ولوزان وبازل وبرن، غير أن أكبر عدد منهم في جنيف، ويتكون المسلمون من جماعات مقيمة بصورة مؤقتة كالطلاب والعمال ورجال السلك الدبلوماسي والأعضاء المسلمين في المنظمات الدولية، وهناك مسلمون أجانب يقيمون بصورة دائمة كرجال الأعمال وغيرهم، ومسلمون من أصل سويسري ويقدر عددهم بحوالي خمسة آلاف.

نشأة المؤسسة الإسلامية بجنيف:
كان للمسلمين مركز إسلامي متواضع في مدينة جنيف، يضم مكانا للصلاة، وأصدر مجلة المسلمين بالعربية والفرنسية، ولكن المركز لم يستمر طويلا، وفي سنة (1392هـ - 1972م) تأسست أول جمعية إسلامية لبناء أول مسجد بسويسرا، وتشكلت اللجنة التنفيذية للجمعية من 7 أعضاء، وانضم إليهم ممثلو الدول الإسلامية في جنيف كمستشارين، ووضعوا دستورا لها، وسجلت الجمعية رسميا، وحصلت على إذن من الحكومة السويسرية لبناء مسجد إسلامي ومركز لها.
زار الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود - يرحمه الله - سويسرا بعد حرب رمضان سنة 1393هـ - 1973م، ووضع حجر الأساس للمؤسسة، وتشتمل على عدد من المنشآت الإسلامية لخدمة العقيدة الإسلامية، شيدت على نسق إسلامي يعطي صورة مشرفة عن الحضارة الإسلامية، وتقع المؤسسة الإسلامية بالقرب من المقر الأوروبي للأمم المتحدة منطقة (لاثوريل) في حي (لابوتي ساكوني)، وتتكون المؤسسة من مسجد فسيح يتسع لعدد كبير من المصلين، ومكتبة إسلامية، ومدرسة بها ستة فصول لتعليم أبناء المسلمين وتضم أكثر من 150 تلميذا، والتعليم بها مجانا، وزودت مكتبة المؤسسة بعدد كبير من أمهات الكتب الإسلامية، ووصلتها الكتب من مختلف العواصم الإسلامية، وأصبحت تضم مراجع عن الإسلام والحضارة الإسلامية، وبنيت على شكل يجمع بين الطراز الشرقي والأسلوب الغربي، وبها مختبر لغوي تتوافر به أحدث الآلات السمعية والبصرية، ولقد أثريت المكتبة منذ سنة 1400هـ خصوصا بعدما تلقت هدايا من الكتب من المملكة العربية السعودية، ومن رابطة العالم الإسلامي، ومن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، كذلك تلقت المكتبة مبالغ مالية لشراء ما يلزمها من الكتب، وأصبحت تضم العديد من الكتب باللغات المختلفة، وبالمؤسسة الإسلامية بجنيف قاعة للمحاضرات، ولقد استقدمت عددا وافرا من رجال الفكر الإسلامي، فألقوا المحاضرات بشتى اللغات، وزودت قاعة المحاضرات بأجهزة الترجمة الفورية بثلاث لغات هي العربية والفرنسية والإنجليزية، وبالمؤسسة الإسلامية صالة للمناسبات الاجتماعية، ومن الهيئات الإسلامية المعهد الإسلامي في جنيف، والمعهد الإسلامي في زيورخ، ومعهد الطلاب العرب والمسلمين في ليون (سيد يكس)، والجمعية الإسلامية للناطقين بالألمانية في زيورخ.

مسجد المؤسسة الإسلامية:
أقيم المسجد على نسق إسلامي بديع يتسع لعدد كبير من المصلين، وخصص به مصلى للنساء، وبني على نسق إسلامي جميل زود بمجموعة من القباب تتوسطها قبة كبيرة، وتجلت الهندسة الإسلامية في زخرفته، فتتكون جدرانه من المرمر، ونقوش من الجبس وتتوسطه نافورة، شيد حوضها من الرخام، ومحراب المسجد ومنبره من التحف الفنية الإسلامية، وهكذا جاء البناء عملا فنيا رائعا يليق بمكانة الإسلام، ولقد تم بناء المؤسسة الإسلامية بجنيف في سنة (1398هـ - 1978م)، وافتتحه الملك خالد بن عبد العزيز - يرحمه الله - في 25 جمادى الثانية سنة 1398هـ - 1978م، وتكلف بناء المؤسسة الإسلامية بجنيف 12 مليونا من الفرنكات السويسرية، وأسهمت بها حكومة المملكة العربية السعودية، كما أوقفت عمارة سكنية بمبلغ 15 مليونا من الفرنكات السويسرية للصرف على المؤسسة الإسلامية بجنيف.

نشاط المؤسسة الإسلامية:
تقوم المؤسسة الإسلامية بجنيف بالعديد من الأنشطة الإسلامية، منها النشاط الإعلامي والتصدي للحملات المعارضة، لإبراز الصورة الحقيقية للإسلام، وتصحيح ما تراكم حولها من تشويه، وبذل الجهود للحفاظ على عقيدة الأقلية المسلمة بسويسرا، وتقديم التعليم الإسلامي المناسب لأبناء المسلمين، ورعاية الجالية المسلمة اجتماعيا، وقهر حملات التحدي المضادة، وتم افتتاح مركز إسلامي في مدينة لوزان يضم قاعة كبيرة لأداء الصلاة، ومدرسة إسلامية لتعليم أطفال المسلمين.

الهيئات والمؤسسات الإسلامية:
يوجد عدد كبير من المؤسسات الإسلامية يصل إلى 28 مؤسسة وهيئة موزعة على المدن السويسرية أغلبها في جنيف حيث يوجد العديد من هذه المؤسسات، منها مؤسسة الثقافة الإسلامية في الغرب، وجمعية صوت الإسلام، والمركز الإسلامي، والمركز الثقافي الإسلامي، والمعهد الإسلامي في جنيف، والمؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف، ومؤسسة الثقافة الإسلامية، ويوجد بعض المؤسسات في زيورخ، وفي برن، وبعض هذه المؤسسات تعليمية أو فروع ملحقة بالجامعات السويسرية.