إغلاق

تابع محتوى الدولة

العصرانية

وقت الظهور : القرن التاسع عشر الميلادي
  • التعريف

هو اتجاه فكري نشأ في البلاد العربية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، يقر أصحابه بالمرجعية الشرعية من حيث الجملة، غير أنهم يذهبون للمواءمة والجمع بين الفكر الغربي الليبرالي، وبين النصوص الشرعية، بما يؤدي إلى إهدار عدد من الأحكام والثوابت الشرعية، وإبطالها.

والعصرانية تسمى أيضًا: العقلانية، واتجاه التنوير الإسلامي.

  • أبرز الشخصيات

  • الأفكار والمعتقدات

  • الفرق بين العصرانية (التنوير الإسلامي) والعلمانية: أن العقلانية العلمانية التي تعزل الوحي عن أي منطقة من مناطق نفوذه هي المكون الرئيس الذي يكفي توفره في تيار فكري عربي ليتم إدراج هذا التيار في نطاق التنوير العلماني، وليكون بذلك لاحقاً وتابعاً للتنوير العلماني الغربي، وتبدياً من تبدياته في المجتمعات الشرقية العربية والإسلامية، مع التسليم بأن من قواعد التنوير وأصوله ما قد يُضيعه بعض من يتوافر فيهم المكون العلماني. 
  • وإن أي عملية تصنيف فكري لا بد لها من الارتكاز على أصول عضوية يكفي توفرها للدخول تحت حيز الصنف الفكري، وإن وقع بعد ذلك نقص أو استثناء في استيفاء المكونات الفكرية للتيار، لكن المهم أن يكون المكون الذي عددناه أصلاً ومركزياً تقوم الحجة على صلاحيته للقيام بهذه الوظيفة المهمة في عملية التصنيف.
  • ويكفي من الحجة على عدم العقلانية العلمانية مثالاً جيداً على هذا الأصل أن من يُسَلِّم بسلطة الوحي على العقل ومرجعيته المتجاوزة، وكونه معياراً للممارسات الفردية والاجتماعية والسياسية معاً؛ أنه بهذا خرج يقيناً من التنوير الغربي العلماني، وبريء منه مفكروه لو عرفوه، وأن من أثبت الوحي كمرجعية متجاوزة لم يستطع استيفاء باقي مكونات التنوير الغربي إلا بعد أن يستثني ويقص منها كل ما يتعارض مع هذه المرجعية التي سلم بتجاوزها؛ فالعقلانية العلمانية هي المكون العضوي الذي إذا اختل أو تغيَّر اختلت بتغيُّره المنظومة الفكرية التنويرية الغربية كلها.
  • إذا اتضح هذا ظهر جلياً أن الشق الثاني من عبارة التنوير الإسلامي المقصود بها في تحليل الباحث هو احتفاظ هذا التيار الفكري ومفكريه بالمرجعية المتجاوزة الملزمة للوحي، وعدم قبولهم المكون العلماني للفكر التنويري؛ ولذلك تجد كثيراً من رموز التنوير الإسلامي من أكثر من يتناولون العلمانية والتنوير الشرقي العلماني بالرد والنقد.
  • إن العصرانيين قاموا بعملية توفيق بين الإسلام (نصاً وتراثاً) وبين مفاهيم التنوير، فقبلوا منها ما رأوه حقاً، وردوا منها ما رأوه باطلاً، وهذا لا تثريب فيه ولا إشكال، فهذا هو واجب العدل مع الناس مؤمنهم وكافرهم، وهو المنهجية العلمية الصحيحة في التعامل مع المفاهيم والمصطلحات أياً كان مصدرها، ولكن الخلل الذي دخل على هذا التيار الفكري أثناء قيامه بعملية المواءمة والتوفيق هذه، والتي استحق بها تصنيفه كتيار فكري نراه مضيعاً لحق وواقعاً في باطل واستوجب تمييزه بهذا الاسم (التنوير الإسلامي)؛ هو: أنهم في عملية التوفيق هذه أضاعوا قطعيات من الشريعة وخالفوها إما بقبول باطل وإما برد حق، فكانت مخالفة القطعي، بقبول ما هو باطل من المفاهيم الغربية، ورد ما هو ثابت قطعي من الدين؛ هو الموجب لتصنيفهم على الصورة السابق ذكرها.
  • ومن أمثلة القطعيات التي ضيعها بعض أولئك المفكرين أثناء عملية المواءمة هذه: قصر مفهوم الجهاد في الإسلام على الدفع، وإنكار شيء من المعجزات الثابتة بالأدلة القطعية، وتحريف بعض نصوص الوحي تحت ضغط العلوم الحديثة مثل تحريف مفهوم (الطير الأبابيل)، وإطلاق القول بعدم العقوبة على الآراء الباطلة، والقول بجواز تولي غير المسلم منصب حاكم المسلمين وولي أمرهم، والقول بإبدال المواطنة محل الذمة وإلغاء الذمة كصورة للعلاقة بين المسلم وغير المسلم، والقول بعدم جواز إلزام المسلمين بالشريعة رغم وجود الاستطاعة مراعاةً لحريتهم في الاختيار.
  • وأكثر هذه المسائل التي ضيّعوا فيها القطعيات، هي من المسائل التي أنتجتها العقلانية العلمانية، لكنهم لا ينتبهون للأساس العقلاني العلماني لها ويظنون هذه المسألة من الحق المشترك بين الوحي وبين الفكر الغربي، والحال ليس كذلك، والوحي منها براء، وهي مصادمة له، وما أنتجها سوى العلمانية التي تنزع الوحي عن القيم وتطبيقاتها.
  • كيف نعرف انتساب الرجل إلى هذا التيار الفكري؟ الصورة اليقينية التي تكفي في تصنيف الرجل تحت هذا التيار الفكري هي أن يرد شيئاً مما ثبت بنص قاطع أو كان فيه إجماع قديم أو أن يقول قولاً مما فيه خلاف سائغ، لكنه في الحالتين يبني قوله على قيمة تنويرية وإن توسل لها بالوحي، ولكن مجرد بنائه عليها وظهورها في كلامه يكفي لتصنيفه ضمن هذا التيار، وذلك كأن يبني قوله بتولي الكافر حكم المسلمين على المساواة والإنسانية وعدم التفريق بين الناس على أساس الدين.
  • فإن لم يظهر الأساس التنويري في حججه تكون عندنا صورتان:

الصورة الأولى: أن من الأقوال ما خالف نصاً قاطعاً، أو الإجماع القديم، وكان من نتاج ثقافة التنوير الغربي، إلا أنه قد تقدم فيه خلاف فقهي بين المسلمين أو شبهة خلاف أو شبهة دليل، كقصر الجهاد على الدفع، فالإشكال حينها ليس في رد هذا القول ولا في نقد القائل به، وإنما في صلاحية اعتبار الرجل تنويرياً بهذا القول بينما قد يكون مبناه في قوله على النظر الفقهي دون أدنى تأثر بمفاهيم التنوير الغربي، ولم يظهر الأساس التنويري في كلامه ولم يعرف في سيرته.

  • والذي نراه أن العمدة في هذا أن يُنظر في سائر أحواله العلمية واختياراته الفقهية، فإن عُلم من مجموع قرائنها تأثره بضغط الثقافة الغربية كأن يكون هذا اختياره في جهاد الغزو، مع اجتهادات فقهية مُختلة أبواب الولاء والبراء؛ فإن مجموع القرائن قد يؤدي لتصحيح إلحاقه بهذا التيار الفكري.
  • وعلى العكس من ذلك، لا يمكنك أن تنسب لهذا التيار من تراه يقصر الجهاد على الدفع لكن مجموع أقواله الأخرى فيها مصادمة للثقافة الغربية، خاصة في مواطن الاشتباه هذه.
  • مع وجوب رعاية إحسان الظن وجعل الوسم بذلك بعد مزيد التحري والاطمئنان للقرائن.
  • وهذا النهج أقرب لطريقة الفقهاء، فلا يُتوسع في تصنيف الناس بناء على أقوال مجردة لا بيّنة على ارتباطها بأساس فكري معين، ومن تضييقها بصورة مثالية تخالف قرائن الحال.

الصورة الثانية: ما يتنازع المسلمون هل فيه مخالفة للوحي أم لا؟ أو يتنازعون هل مصلحته هي الراجحة أم مفسدته؟ وليس في المسألة لا نص قاطع ولا إجماع قديم = لا يصلح هذا النوع من الخلاف الفقهي لإلحاق القائل به بالتنويريين، ومن أمثلته: الوسائل الإجرائية للديمقراطية، وتحديد مدد بقاء الحاكم في السلطة.

  • وحكم هذا النوع من الأقوال أنه من الخلاف السائغ المعتبر، وهو من جنس النظر الفقهي في أحكام الأقوال والأفعال، ومجرد كون القول ها هنا من نتاج عصر التنوير ونظرياته السياسية والاجتماعية لا يكفي لإلحاق الرجل بهذا التيار الفكري؛ لأن مصادمة الوحي القطعي هي الوصف المؤثر في رفض ما نرفضه من نظريات التنوير الغربي، وليس مجرد المصدرية، وعليه فإن مصادمة الوحي ها هنا ليست بينة ولا قطعية فامتنع عد القول باطلاً قطعاً أو إلحاق القائل به بالتنويريين، ولو كثرت المسائل التي من هذا النوع عند فقيه واحد، بخلاف الصورة الأولى التي تعد كثرة المسائل فيها دليلاً علمياً يلحقه بتيار التنوير الإسلامي وإن لم يُصرح بالأساس التنويري، أما في نوعنا هذا فكثرة المسائل لا تؤثر.
  • فإن قبول ما لا يخالف قطعيات الوحي ولا بينة على بطلانه من المنتجات الفكرية لعصر التنوير؛ هو مقتضى العدل في التعامل مع أقوال الناس، مع التنبيه على أنه لو ظهر الأساس التنويري في كلامه في هذه المسألة (كالذي يبيح كشف الوجه للمرأة بناء على حرية المرأة في لباسها)، أُلحق بها بالتنويريين بسبب منزعه الاستدلالي وليس مجرد قوله بهذا الرأي.

  • مراجع للتوسع

1 - الاتجاهات العقلانية الحديثة، ناصر العقل، دار الفضيلة.

2 - اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر، فهد الرومي، مؤسسة الرسالة.

3 - نهج الاعتزال، ظافر شرقة، مركز الفكر المعاصر.

4 - التنويريون والموقف من الآخر، ظافر شرقة، مركز الفكر المعاصر.

5 - موقف الاتجاه العقلاني الإسلامي من النص الشرعي، سعد بن بجاد العتيبي، مركز الفكر المعاصر.

6 - موقف الاتجاه العقلي الإسلامي المعاصر من قضايا الولاء والبراء، دار الفضيلة.

7 - التجديد في الفكر الإسلامي، عدنان أمامة، دار ابن الجوزي.

8 - تجديد الدين لدى الاتجاه العقلاني الإسلامي المعاصر، أحمد اللهيب، مركز البيان للبحوث والدراسات.

9 - مناهج الاستدلال على مسائل العقيدة الإسلامية في العصر الحديث، أحمد قوشتي، مركز التأصيل للدراسات والبحوث.

10 - الردود على كتاب السنة النبوية للشيخ محمد الغزالي - رحمه الله.

11-  محمد عمارة في ميزان أهل السنة والجماعة، سليمان بن صالح الخراشي.

12-  العصريون معتزلة اليوم ـ يوسف كمال.

13- العصرانية في حياتنا الاجتماعية. د. عبد الرحمن بن زيد الزنيدي.

14- العصرانيون. محمد حامد الناصر.

15- دراسات في السيرة. محمد سرور زين العابدين.

16- تنبيه الأنام لمخالفة شلتوت الإسلام. الشيخ عبد الله بن يابس.

17- مفهوم تجديد الدين. بسطامي محمد سعيد.

18- تجديد أصول الفقه. د.حسن الترابي.

19- غزو من الداخل، جمال سلطان.

20- مجلة كلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.


بطاقة العصرانية

  • محمد عبده    (1849 - 1905 )
  • القرن التاسع عشر الميلادي
  • مذاهب فكرية معاصرة