• كانت حدود "البنغال" قديمًا أكبر مما هي عليه حاليًّا، ونجد أن "البنغال" في عهد السلاطين المسلمين شملت "بنغلاديش" الحالية، وولاية البنغال الغربية في الهند، وكذلك بعض أجزاء ولاية "بهار" و"آسام" الحالية التي تقع ضمن الإقليم الجغرافي للهند في الوقت الحاضر. • زار كثيرٌ من المؤرخين والرحَّالة مدن البنغال في القرون الوسطى وتكلموا عن رخاء أهلها، وسعة عمرانها. • من المؤرخين الذين كتبوا عن ثراء البنغال ووصفوا مدنها الكبيرة: "ابن بطوطة"، و"سليمان بن أحمد بن سليمان المهري"، والرحالة الصيني "ماهوان"، والمبعوث الصيني "في شين". • تقدمت وتطورت في البنغال صناعة المنسوجات في عصر السلاطين، وكان يطلق على المنسوجات القطنية الرقيقة في البنغال اسم "موصولين" أو "موسلين" نسبةً إلى مدينة "الموصل" بالعراق. • برع الفنانون المسلمون في البنغال أيضًا في صناعة المنتجات الخشبية والمعدنية والزجاجية. • أنشأ المسلمون عددًا من المدن والمراكز في البنغال بعد دخولهم إليها، والتي ذكرها كثير من المؤرخين والرحَّالة الذين مروا بها، ومن أبرز تلك العواصم: مدينة غور، ومدينة بندوه، ومدينة داكا. • نظرًا للرخاء الاقتصادي الذي كانت عليه البنغال وثرائها معماريًّا، نجد ملوكها كانوا يهتمون بالمنشآت المعمارية خارج البلاد أيضًا. • كان لسلاطين البنغال دورٌ كبيرٌ في ازدهار الزراعة وزيادة إنتاج المحاصيل بها، وذلك بفضل اهتمامهم بالإصلاحات الزراعية من إقامة الجسور وحفر الترع والقنوات. • انعكست هذه المشاريع الزراعية على ما تنتجه البنغال في العصر الإسلامي حيث كانت تنتج أنواعًا متعددة من المحاصيل بكميات وفيرة وتقوم بتصديرها للخارج، كالأرز والقمح والشعير والذرة والتوابل المختلفة. |
خمسة قرون من الازدهار:
ظلت أراضي "البنغال" تحت سيطرة الحكام المسلمين وقيادتهم - منذ فتحها على يد السلطان "محمد بن بختيار الخلجي" وحتى استيلاء الإنجليز عليها - نحو (554) خمسمائة وأربعة وخمسين عامًا، منذ عام 1203 م وإلى عام 1757 م، كانت فيها "بنغلاديش" من أكثر ممالك المسلمين ثراءً ورخاءً، وازدهرت فيها الصناعات المحلية، وصارت مدن "بنغلاديش" وموانئها من أهم المراكز التجارية في العالم القديم، وكانت "البنغال" كثيفة السكان، كثيرة العمران، مرَّ بها المؤرخون والرحَّالة، ونزلوا بها في طريقهم إلى الشرق الأقصى، وكتبوا عنها معجبين بأراضيها الخصبة وأنهارها الجارية وزراعاتها العديدة واقتصادها المتطور وتجارتها المزدهرة في عهد سلاطنة المسلمين[1].
فتوحات شاسعة في شبه القارة الهندية:
من الناحية السياسية والتاريخية، كانت حدود "البنغال" قديمًا أكبر مما هي عليه حاليًّا، وكانت دومًا ما تتغير حيث كان سلاطين البنغال يحاولون توسيع رقع أراضيهم، فكثيرًا ما تجاوزت حدود مملكتهم إلى أبعد ما يستطيعون الوصول إليه من الممالك المجاورة لهم، خاصة الإمارات الهندوكية والبوذية القديمة، فنلاحظ أن حدود مملكة بعض سلاطين البنغال مثل "إلياس شاه"، و"باربکشاه" و"حسين شاه" كانت تضم معظم أراضي "بهار" في الشمال الغربي حتى إن بعضهم فتحوا بعض الأراضي على حدود ولاية "أُتَّر بْرَديش" تلك الولاية الهندية التي لا تبعد عن "دلهي" كثيرًا، وكذلك كانت هناك محاولة دائمة لتوسيع حدود الدولة في الشرق، فاجتازت جيوش السلطان "حسين شاه" نهر "غومتي" وضموا بعض أراضي مملكة "تريبورا" بالهند إلى البنغال.
وقد فتح بعض السلاطين أجزاء من "کامروب" و"کامتا" و"كوج" وكلها تجاور "تريبورا" و"سيلهيت" في الشرق، وكذلك كانت بعض هذه المحاولات تتجه إلى الغرب والجنوب الغربي لولاية (أوريسا) ومملكة (جاج نغر) وكان سلاطين البنغال يفتخرون بفتح تلك المناطق حتى إنهم تلقبوا بألقاب مقرونة باسم هذه البلاد مثل (فاتح کامرو وکامتا وأوريسا وجاج نغر) التي ورد ذكرها في مسكوكاتهم ونقوشهم الكتابية، ومن أمثلتها مسكوكات ونقود الانتصارات العسكرية لجلال الدين حسين شاه (899 هـ / 1494 م - 925 هـ / 1519 م)[2].
ونجد أن "البنغال" في عهد هؤلاء السلاطين المسلمين شملت "بنغلاديش" الحالية، وولاية البنغال الغربية في الهند، وكذلك بعض أجزاء ولاية "بهار" و"آسام" الحالية التي تقع ضمن الإقليم الجغرافي للهند في الوقت الحاضر[3].
رخاء اقتصادي وصناعات مزدهرة:
زار كثير من المؤرخين والرحَّالة مدن البنغال في القرون الوسطى وتكلموا عن رخاء أهلها، وسعة عمرانها، فقد زارها "ابن بطوطة" أثناء رحلته الهندية، فزار مدينة "سد كاون" - وهي غالبًا مدينة "تشيتاكونغ" - و"سونا رغاون" - تقع بالقرب من مدينة دهاكا الحالية - وتكلم عن الأحوال السياسية السائدة في البنغال، وعن عمرانها وكثرة علمائها حتى إنه لم ينسَ أن يذكر أسعار السوق في زمن إقامته في البنغال، ورخص الأقوات بها، ووصف هذه البلدان بأنها كانت متقدمة حضاريًّا واقتصاديًّا[4].
كما أن المؤلف "سليمان بن أحمد بن سليمان المهري" ذكر في كتابه "المنهاج الفاخر فى علم البحر الزاخر" مدينة "شاتي جام" وهي مدينة "تشيتاكونغ" الحالية، وذكر أن فيها أهم وأكبر ميناء بحري في البنغال، كما ذكر لنا جزيرة "سندبو" التي تقع أيضًا في خليج البنغال قريبًا من "تشيتاكونغ"[5]، ويمكن القول إن البنغال كانت معروفةً عند العرب في تلك الفترة وكانت مركزًا تجاريًّا هامًّا ومحطة من محطات التجار العرب خلال وصولهم إلى الصين والملايو.
وقد تقدمت وتطورت في البنغال صناعة المنسوجات في عصر السلاطين، وقد أشار ابن بطوطة في رحلته إلى المنسوجات البنغالية النفيسة التي كانت تُباع الخمس عشرة ذراعًا منها بدينارين[6]، وكان يطلق على المنسوجات القطنية الرقيقة في البنغال اسم "موصولين" أو "موسلين" نسبةً إلى مدينة "الموصل" بالعراق التي اشتهرت في القرون الوسطى بمنتجاتها القطنية بالغة الجودة باسم (موصولين).
وبرع الفنانون المسلمون في البنغال أيضًا في صناعة المنتجات الخشبية والمعدنية والزجاجية، وعندما دخل الإنجليز البنغال عمدوا إلى تعطيل صناعة الأنسجة التي اشتهرت بها "بنغلاديش"، وطرد صناعها المسلمين، لصالح مصنوعاتهم وأقمشتهم "المميكنة" التي ازدهرت أثناء "الثورة الصناعية" في أوروبا خلال القرن الثامن عشر.
مدن وعمائر:
أنشأ المسلمون عددًا من المدن والمراكز في البنغال بعد دخولهم إليها، والتي ذكرها كثير من المؤرخين والرحَّالة الذين مرُّوا بها، ومن أبرز تلك العواصم:
• مدينة غور: وهي المدينة الأولى التي اتخذت عاصمة للمسلمين في البنغال، ذكرت في الكتب باسم "لكهنوتي"، وقد بناها المسلمون على أنقاض العاصمة التاريخية، وكانت من أهم مدن البنغال التي تقع على شاطئ نهر "غنغا"، وكانت مساحتها عشرة أميال طولًا وحوالي ميل ونصف عرضًا، وكانت لها مداخل ضخمة، وأشهرها "داخل دروزاه" أو "باب الدخول" الذي كان يضم نقوشًا عربية من العصر السلطاني، وكانت هذه المدينة عامرةً بالمساجد، ذات العناصر المعمارية الرائعة، ومنها "المسجد الذهبي الكبير"، و"المسجد الذهبي الصغير"، و"مسجد جمكتي"، و"مسجد لتن"، وأنشئ في المدينة العديد من الجسور على القنوات التي كانت تربط "نهر غنغا" ببحيرة "جهيل ساغر" منها ما كان في عهد السلطان "محمود شاه" سنة 862 هـ / 1458 م، وكذلك كان يوجد بالمدينة منارة "فيروز شاه" والتي تهدمت ولم يبقَ منها سوى أطلال[7].
• مدينة بندوه: وهي العاصمة الثانية التي اتخذها المسلمون بعد هجران عاصمتهم الأولى "غور"، واشتهرت هذه المدينة في عهد السلطان "إلياس شاه"، وعُرِفت باسم "فيروزآباد" عند المؤرخين المسلمين، الأمر الذي يشير إلى أن السلطان "فيروز شاه الأول" غالبًا اتخذها عاصمة له في وقت سابق قبل السلطان "إلياس شاه" بحوالي ثلاثين سنة، وقد تكلم عنها بعض الرحالة الصينيين ومنهم "ماهوان" الذي زار هذه المدينة في عهد السلطان "غياث الدين أعظم شاه" في سنة 809 هـ / 1406م، وذكر أن هذه المدينة مزدحمة بالسكان، وتحيط بها الأسوار من جميع أطرافها، وفي داخل المدينة وجدَ العمائر السكنية والقصر الملكي، وذكر أن سكانها معظمهم من المسلمين، وزارها أيضًا المبعوث الدبلوماسي "في شين" سنة 819 هـ / 1416 م وتحدث عن عظمة مبانيها وأسلوبها المعماري الرائع، وأسواقها الجميلة، وعمرانها بجميع البضائع واتساع شوارعها، وكانت هذه الزيارة في عهد السلطان "محمد شاه"، ومدينة "بندوه" تقع الآن في مقاطعة "مالدهة" بالبنغال الغربية في الهند.
وكان بها الكثير من العمائر الفاخرة والمساجد الفخمة والقلاع والقصور والأسوار التي لم يبق منها إلا القليل، ويعتبر "مسجد أدينا" في "بندوه" من أكبر المساجد في البنغال، وبه نقش يشير لتاريخ بنائه في رجب 776 هـ في عهد السلطان "إسكندر شاه".
ومن آثارها القليلة الأخرى المتبقية حتى الآن: "ضريح شاه جلال"، و"المسجد الجامع"، و"غرفة المخزن"، وأحد المطابخ باسم (تنور خانة)، والمدخل الكبير.
• مدينة دهاكا أو داكا: من عواصم المسلمين في البنغال، ونجد أن اسم (دهاکا) أيضًا يستخدم للمقاطعة التي تقع فيها عاصمة (داكا) نفسها، وهي تشمل أيضًا "سونارغاون" و"بكرمبور" اللتين كانتا عاصمتين في عهد قديم، تألقت المدينة في القرن السابع عشر كعاصمة المغول في البنغال، وتوجد فيها حتى الآن بعض آثار الأسوار والقلاع والقصور ترجع إلى الفترة الهندوكية، وبعد ما فتح المسلمون الأجزاء الشرقية للبنغال، أعلن بعضهم الاستقلال عن عاصمة "غور" واتخذوا "سونارغاون" عاصمة لهم، وتوجد في "سونارغاون" حتى الآن بعض الآثار الإسلامية ترجع إلى فترة سلاطين المسلمين مثل المساجد والقلاع والقصور، وزار هذه المدينة "ابن بطوطة" في سنة 746 هـ / 1345م، وسافر منها بحرًا إلى "جاوا" (إندونيسيا)، وهذه هي المدينة التي اشتهرت بإنتاجها للقماش الشهير (موصولين).
ونجد أن دخول الإسلام إلى البنغال كان له أثر كبير في الحياة الثقافية والعمرانية في هذه البلاد، فشيدت - تحت رعاية سلاطينها وحكامها المسلمين - المساجد والمدارس والأضرحة والأسبلة والجسور والقلاع والقصور والحمامات وغيرها من العمائر الإسلامية التي لم تصمد أمام عوامل التخريب والهدم وعوادي الزمان، ونلاحظ أن العمارة والفنون في هذه الفترة قد ازدهرت وصُبغت صبغةً إسلامية جديدة، فالعمائر الإسلامية في الفترة السلطانية وصلت إلى درجة كبيرة من الإتقان في التصميمات، فأحد المساجد في هذه الفترة قد اشتهر باسم (شات غمبد مسجد) Shat Gombuj Moshjid، أو (مسجد ذي ستين قبة) الذي شيَّده "خانجهان" في عصر السلطان "أبي المظفر محمود شاه" (839 هـ - 864 هـ)[8].
ونجد أنه نظرًا للرخاء الاقتصادي الذي كانت عليه البنغال وثرائها معماريًّا، نجد ملوكها يهتمون بالمنشآت المعمارية خارج البلاد أيضًا، فقد قام أحد هؤلاء السلاطين وهو السلطان "غياث الدنيا والدين أعظم شاه" بإرسال سفيره إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة مع الأموال الطائلة حتى ينشئ مدرسة ورباطًا في هاتين المدينتين المقدستين على نفقته، وفعلًا أنشئت مدرسة ورباط بالقرب من "باب أم هانئ" أحد أبواب المسجد الحرام في عام 814 هـ / 1411 م، وكذلك أنشئت مدرسة بالقرب من "باب السلام" للمسجد النبوي في المدينة المنورة في نفس الوقت تقريبًا[9].
[1] أضواء على الإسلام إلى الشرق وإلى البنغال خاصة في العصور قبل الحكم الإسلامي فيها، أ.د. أبو بكر رفيق، مجلة دراسات، المجلد الثالث، ديسمبر 2006، الجامعة الإسلامية العالمية - شيتاغونغ، صـ5.
[2] نقود الانتصارات العسكرية لجلال الدين حسين شاه سلطان البنغال (899 هـ / 1494 م - 925 هـ / 1519 م)، د. على حسن عبد الله حسن، حولية الاتحاد العام للآثاريين العرب "دراسات في آثار الوطن العربي"، العدد 18، 2015 م، صـ660-673.
[3] النقوش الكتابية العربية على العمائر الإسلامية في البنغال قبل العصر المغولي، محمد يوسف صديق، رسالة ماجستير في الحضارة والنظم الإسلامية، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة أم القرى، 1404 هـ - 1984 م، صـ16.
[4] رحلة ابن بطوطة (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار)، ابن بطوطة (ت 779هـ)، ط أكاديمية المملكة المغربية، 1417 هـ، (4/ 100 - 108).
[5] المنهاج الفاخر فى علم البحر الزاخر، سليمان بن أحمد بن سليمان، تحقيق: إبراهيم خوري، طبع بدمشق، 1390 هـ - 1970 م، صـ16-17، وصـ24-27.
[6] رحلة ابن بطوطة (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار)، ابن بطوطة (ت 779هـ)، (4/ 101).
[7] النقوش الكتابية العربية على العمائر الإسلامية في البنغال قبل العصر المغولي، محمد يوسف صديق، صـ32.
[8] المصدر السابق، صـ26.
[9] تاريخ البنغال في عهد السلاطين (بالبنغالية)، عبد الكريم، الأكاديمية البنغالية- داكا، 1977 م، صـ239-241.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.