كيف وصل الإسلام إلى بنغلاديش؟ (2)مقالات


إمارات إسلامية متعاقبة في البنغال:

• بعد وفاة "اختيار الدين الخلجي" حكم البنغال حكام مسلمون متعددون، من أبرزهم السلطان "شمس الدين فيروز شاه" عام 1303 م، والذي يعتبر عصره من العصور الذهبية للفتح الإسلامي بشرق القارة، حيث اهتم بنشر الدعوة، وقام بإرسال جيش إسلامي بقيادة وزيره "جعفر خان غازي" إلى شرق البلاد لينقذ أهلها من أيدي الهندوس[1].

• وبعد وفاة "فيروز شاه" استقل "فخر الدين مبارك شاه" بحكم البلاد عام 1338م، وهو أول حاكم مسلم يغزو "تشيتاكونغ" الميناء الرئيسي لمنطقة البنغال، وقد حكم مملكة مستقلة في المناطق الواقعة داخل شرق وجنوب شرق بنغلاديش الحديث، واختار "سونارغون" عاصمةً لحكمه، وانفصل بدولته عن حاكم "دلهي"، وقد ذكره "ابن بطوطة" في "رحلته" وإن كان لم يقابله خوفًا من سخط حاكم دلهي "تغلق شاه"، وقد هزمه السلطان "علاء الدين علي شاه" وتولى الحكم بدلًا منه عام 1339م[2].

• ثم تولى الحكم "إلياس شاه" سنة 1342م، وقد حكمت أفراد أسرته بعده كأول سلالة مستقلة تحكم البنغال، وأدى ذلك إلى تأسيس البنغال ككيان سياسي موحد، وقد امتد حكمهم من 1342 م إلى 1487 م، وقد اشتهرت سلالة "إلياس شاه" بإصلاحاتها العديدة، وأقام حكامها علاقات ودية مع إمبراطورية "مينغ" الصينية، وشجعوا التجارة مع الممالك المجاورة.

• وخلفتها على الحكم أسرة "بَربَك" الحبشي، وكان "بربك" قائد حرس القصر الملكي، وقام بالاستيلاء على الحكم من آخر سلالة "إلياس" الضعيفة، وقد أسس سلالة حاكمة في البنغال امتد حكمها من سنة 1482م إلى 1493م[3].

• ثم تولت الحكم أسرة "علاء الدين حسين شاه" واستمر من سنة 1494 إلى 1538م،  حيث أسس "علاء الدين حسين شاه" سلطنة جديدة استمرت في الحكم حوالي ست وأربعين سنة، ولقد شهدت هذه الفترة تطورات سياسية خطيرة في شمال الهند بقيام سلطنة "اللوديين" في "دلهي"، وسقوط سلطنة "جونبور" التي بسقوطها خرجت البنغال من عزلتها، وكان أول عمل قام به "حسين شاه" هو فرض الأمن على مدينة "غور" التي سماها "حسين آباد"، وقد قام السلطان "حسين شاه" بإخضاع الحكومات المجاورة له، فقام بفتح "كمروب" وعاصمتها "كماته" و"أوريسا"، وضم أجزاء من مقاطعة "تشيتاكونغ"، وسجل ذلك على مسكوكاته ونقوده التي أصدرها تخليدًا لانتصاراته[4].

• وبعد ذلك أخذ زمام الدولة "شير خان" الأفغاني عام 1538م، وأعلن استقلال دولته عن "سلطنة دلهي"، وقد أسس أسرة حاكمة عُرفت باسم "أسرة صور"، وقد حكم البنغال من الأفغانيين عدة رجال، حتى انتهى دورهم بهزيمة آخر حكامهم "داوود خان كوراني" على يد جيش الإمبراطور المغولي "أكبر" (1556- 1605 م) في حرب "راج محل" سنة 1576م[5].

 

الحكم المغولي في بنغلاديش:

وتعاقب نواب الإمبراطور المغولي في "دلهي" على حكم البنغال، حتى وصل الأمر إلى النواب "سراج الدولة" (1756 - 1757م) الذي انحطت الأمور على عهده، وتمكن الإنجليز من هزيمته في موقعة "بلاسي" (Palasi) الشهيرة سنة 1757 م التي قضت بشكل فعَّال على الحكم الإسلامي في البنغال.

وقد أسس المغول في البنغال ما يُعرَف بـ"صوبة البنغال" حيث كانت منطقة إدارية تابعة لمغول الهند تشمل بنغلاديش الحديثة وولاية البنغال الغربية الهندية بين القرن السادس عشر والثامن عشر، وقد لعب المغول دورًا مهمًّا في تطوير ثقافة المجتمع البنغالية، وكانت البنغال من أغنى مقاطعات الإمبراطورية المغولية، حيث كانت تنتج 50 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي للإمبراطورية و12 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العالم، حيث كانت المهيمنة على النتاج العالمي في الصناعات مثل: صناعة النسيج وصناعة السفن[6].

 

بنغلاديش تحت الاستعمار البريطاني:

ظلت بنغلاديش تحت السلطة البريطانية قرابة مائتي سنة، ابتداءً من نهاية القرن الثامن عشر، واستخدمت بريطانيا عن طريق "شركة الهند الشرقية" رأس المال المكدس من منطقة البنغال للاستثمار في الصناعات البريطانية مثل تصنيع النسيج في بريطانيا أثناء الثورة الصناعية؛ مما أدى إلى زيادة الثروة البريطانية، بينما أدى ذلك في نفس الوقت إلى تراجع الصناعة البنغالية، إلى درجة انتشار المجاعات في المنطقة، وخدمت "كالكوتا" - التي كانت ضمن منطقة البنغال قديمًا - كعاصمة للمستعمرات البريطانية في الهند.

وقد قام الإنجليز بإبعاد المسلمين عن إدارة البلاد، وتقريب الهنادكة، وانتزعوا أراضي المسلمين وطردوهم من ملكيتها، إلى جانب فرض الضرائب الفادحة على المزارعين، وهدم صناعة البنغال المشهورة وهي صناعة القماش، حيث منعوا المسلمين من ممارسة التجارة إلا في نطاقها المحدود ولصالح الإنجليز في المقام الأول[7]، ولقد استنزف الإنجليز ثروات إقليم البنغال الذي كان من ممالك المسلمين شديدة الثراء أيام الحكم الإسلامي، حتى تركوها في العصر الحديث وهي توصف بأنها من أفقر بلاد المسلمين، وأن عمالتها من أزهد الأيدي العاملة.

وبعد ظهور الحركات الاستقلالية فكر الإنجليز في تقسيم شبه القارة الهندية لإضعاف قوة المسلمين في المقام الأول، ونجد أنه عند قيام دولة "باکستان" عام 1947م، ذهب الجزء الغربي للبنغال إلى "الهند"، والجزء الشرقي منها إلى "باكستان" مكونًا باكستان الشرقية؛ مما أدى لتقسيم أوصال البنغاليين، وتقطيع أراضيهم، الذين لم يرتضوا بالوضع وقاموا بالعديد من الثورات، وأخيرًا انفصلت بنجلاديش عن باكستان الغربية في سنة 1971م[8].

 

• عرف التجار العرب البنغال ومناطقها الساحلية قبيل ظهور الإسلام، وكانوا يتاجرون مع أهل البلاد، وكانت البنغال محطة من المحطات التجارية إلى الصين وجزر أرخبيل الملايو.

• كان ميناء "تشيتاكونغ" بالبنغال مشهورًا في العالم القديم، وسماه  التجار العرب "شاطئ الكونغ"، وأقام في المدينة عدد من التجار المسلمين منذ القرن الأول الهجري.

• وُجدتْ بعض الشواهد المادية عن دخول الإسلام "بنغلاديش" في القرن الأول الهجري، فقد وجدت في محافظة "كوريغرام" آثار مسجد قديم، ونقوش إسلامية مؤرخة بعام 69 هـ، كما وجدت عملة معدنية باسم الخليفة العباسي "هارون الرشيد" مؤرخة بعام 172 هـ  بـ"بهاربور".

• فتحت البنغال على يد السلطان "محمد بن بختيار الخلجي"، وتوغل في إقليم البنغال، وقد تمت فتوحاته فيما بين سنوات (۱۲۰۰- 1204م) (596-600 هـ).

• تعاقب على حكم البنغال عدد من الممالك الإسلامية التي أخذت على عاتقها نشر الدعوة شرق القارة الهندية، وكانت البنغال في عهدهم قوة اقتصادية عظمى ومركزًا تجاريًّا عالميًّا.

• اشتهرت سلالة "إلياس شاه" حكام البنغال بإصلاحاتها العديدة بالمنطقة، وأقام حكامها علاقات ودِّيَّة مع إمبراطورية "مينغ" الصينية، وشجَّعوا التجارة مع الممالك المجاورة.

• ظلت البنغال تحت سيطرة الحكام المسلمين وقيادتهم نحو (554) خمسمائة وأربع وخمسين عامًا، منذ عام 1203 م وإلى عام 1757 م.

• تمكَّن الإنجليز من هزيمة المغول، والقضاء على الحكم الإسلامي في البنغال، ولبثوا في "بنغلاديش" قرابة مائتي سنة.

• عمل الإنجليز على إضعاف الصناعات البنغالية، ونشر المجاعات بين المسلمين، ثم عمدوا إلى تقسيم البنغال وتقطيع أوصاله بين الهند وباكستان.

 

 

[1] الغزو الصليبي في بنغلاديش: نتائجه وآثاره، حسن محمد معين الدين الحاج، صـ59-60.

[2] الصوفية في بنغلاديش وأثرها على المجتمع، حسن محمد معين الدين الحاج، صـ66.

[3] الإسلام في بنغلاديش، عبد المنان طالب، طبعة داكا- بنجلاديش، 1980 م، صـ173، وتاريخ المسلمين في البنغال، د. محمد مهر علي، مج 1/أ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 1985 م، صـ168 و172.

[4] نقود الانتصارات العسكرية لجلال الدين حسين شاه سلطان البنغال (899 هـ / 1494 م - 925 هـ / 1519 م)، د. علي حسن عبد الله حسن، حولية الاتحاد العام للآثاريين العرب "دراسات في آثار الوطن العربي"، العدد 18، 2015 م، صـ660-661.

[5] الحركة السلفية في البنغال، من عام 1217 هـ (1802 م) إلى 1408 هـ (1988 م)، محمد مصلح الدين بن مولانا محمد شيخ الإسلام، صـ17.

[6] Eaton, Richard M. (1993), The Rise of Islam and the Bengal Frontier, 1204-1760, Berkeley: University of California Press, p. 325-326.

[7] الحركة السلفية في البنغال، من عام 1217 هـ (1802 م) إلى 1408 هـ (1988 م)، محمد مصلح الدين بن مولانا محمد شيخ الإسلام، صـ40.

[8] دولة بنغلاديش المسلمة، أبو الحسين آل غازي، صـ7.

0 شخص قام بالإعجاب