كيف وصل الإسلام إلى بنغلاديش؟ (1)مقالات


• عرف التجار العرب البنغال ومناطقها الساحلية قبيل ظهور الإسلام، وكانوا يتاجرون مع أهل البلاد، وكانت البنغال محطة من المحطات التجارية إلى الصين وجزر أرخبيل الملايو.

• كان ميناء "تشيتاكونغ" بالبنغال مشهورًا في العالم القديم، وسماه  التجار العرب "شاطئ الكونغ"، وأقام في المدينة عدد من التجار المسلمين منذ القرن الأول الهجري.

• وُجدتْ بعض الشواهد المادية عن دخول الإسلام "بنغلاديش" في القرن الأول الهجري، فقد وجدت في محافظة "كوريغرام" آثار مسجد قديم، ونقوش إسلامية مؤرخة بعام 69 هـ، كما وجدت عملة معدنية باسم الخليفة العباسي "هارون الرشيد" مؤرخة بعام 172 هـ  بـ"بهاربور".

• فتحت البنغال على يد السلطان "محمد بن بختيار الخلجي"، وتوغل في إقليم البنغال، وقد تمت فتوحاته فيما بين سنوات (۱۲۰۰- 1204م) (596-600 هـ).

• تعاقب على حكم البنغال عدد من الممالك الإسلامية التي أخذت على عاتقها نشر الدعوة شرق القارة الهندية، وكانت البنغال في عهدهم قوة اقتصادية عظمى ومركزًا تجاريًّا عالميًّا.

• اشتهرت سلالة "إلياس شاه" حكام البنغال بإصلاحاتها العديدة بالمنطقة، وأقام حكامها علاقات ودِّيَّة مع إمبراطورية "مينغ" الصينية، وشجَّعوا التجارة مع الممالك المجاورة.

• ظلت البنغال تحت سيطرة الحكام المسلمين وقيادتهم نحو (554) خمسمائة وأربع وخمسين عامًا، منذ عام 1203 م وإلى عام 1757 م.

• تمكَّن الإنجليز من هزيمة المغول، والقضاء على الحكم الإسلامي في البنغال، ولبثوا في "بنغلاديش" قرابة مائتي سنة.

• عمل الإنجليز على إضعاف الصناعات البنغالية، ونشر المجاعات بين المسلمين، ثم عمدوا إلى تقسيم البنغال وتقطيع أوصاله بين الهند وباكستان.

 

نبذة عامة عن بنغلاديش:

"بنغلاديش" دولة تقع في جنوب شرق قارة آسيا، تحدها الهند من كل الجهات، ما عدا جهة أقصى شمال الشرق والتي تحدها منها بورما (ميانمار) وحتى أقصى جنوب شرق القارة، ويحدها من الجنوب ساحل البنغال، ويشير اسم "بنغلاديش" إلى "دولة البنغال" باللغة البنغالية الرسمية، والأصل الصحيح لكلمة "البنغال" غير معروف، على الرغم من أنه يعتقد أنه مشتق من كلمة "بانج" وهي إحدى القبائل الناطقة بلغة سكان "درافيديا" والتي استقرت في تلك المنطقة منذ حوالي ألف سنة قبل الميلاد.

 

تقسيم بلاد البنغال:

ونجد أن بلاد البنغال كانت جزءًا واحدًا في البداية، ويشمل الجزء الشرقي الذي يُسمَّى الآن ببنغلاديش، والجزء الغربي الذي صار بعد ذلك إقليمًا لبلاد الهند، هبَّتْ عليها عبر الزمن عواصف وحوادث ونكبات؛ مما أدى إلى تقسيمها عدة مرات، وكانت بنغلاديش إحدى نتائج هذا التقسيم المتتابع لشبه القارة الهندية[1].

والحدود الحالية لدولة "بنغلاديش" أُسِّسَت مع تقسيم البنغال والهند في عام 1947م عندما أصبح الإقليم هو المنطقة الشرقية لدولة باكستان حديثة التأسيس، ونتيجة لهذا التقسيم فإن بنغلاديش انفصلت عن المنطقة الغربية - التابعة لها تاريخيًّا - بمسافة تبعد حوالي ألف وستمائة كيلومتر (حوالي ألف ميل) من الهند.

ثم أدى الإهمال الاقتصادي والتمييز السياسي واللغوي إلى ثورة شعبية ضد غرب باكستان، الأمر الذي أدى إلى قيام حرب الاستقلال في عام 1971 م وقيام دولة بنغلاديش بحدودها الحالية.

بعد استقلال الدولة الجديدة، استمرت بها المجاعات والكوارث الطبيعية، وانتشر في أنحائها الفقر والاضطرابات السياسية والانقلابات العسكرية، وفي عام 1991م أتبع عودة النظام الديمقراطي في البلاد استقرار نسبي وتقدم اقتصادي.

تعد دولة "بنغلاديش" السابعة على مستوى العالم من حيث تعداد السكان، وتدخل أيضًا ضمن الدول التي ترتفع بها معدلات الفقر.

على الصعيد الجغرافي، تستقر دولة "بنغلاديش" داخل الدلتا الخصبة والتي يكون فرعاها نهري "الجانج" و"البراهمبوترا" وتتعرض إلى الفيضانات السنوية الناتجة عن الرياح الموسمية والأعاصير[2].

 

كيف وصل الإسلام إلى بنغلاديش؟

• عرف التجار العرب البنغال ومناطقها الساحلية قبيل ظهور الإسلام، وكانوا يتاجرون مع أهل البلاد، ولم تكن زياراتهم لهذه البلاد محطة أخيرة، بل كانوا يتابعون رحلاتهم نحو جنوب شرق آسيا إلى "جاوا" و"سومطرا" و"الصين" - أيضًا عبر "البنغال"، ومن خلالها يرسون سفنهم في ميناء "تشيتاكونغ" في "البنغال"، ويحملون معهم من "البنغال" أسنان الفيلة ونوعًا من الأنسجة التي تشتهر في العالم بدقة صناعتها ويبيعونها في أسواق العالم.

• وكان ميناء "تشيتاكونغ" مشهورًا في العالم القديم، وسمَّاه التجَّار العرب "شاطئ الكونغ"، ولقد زاره الرحَّالة "ابن بطوطة" ووصفه ومدينته في كتابه "عجائب الأسفار"، وذكر أنها مدينة عظيمة واقعة على ساحل البحر الأعظم، وأنه يوجد فيها أشياء كثيرة تصنع من أسنان الفيلة، وكذلك في المنطقة المجاورة لها المسمَّاة بأركان - بورما الآن -[3].

• وبعد ظهور الإسلام عاش بعض هؤلاء التجار المسلمين في ربوع البنغال، وقاموا بالدعوة بين سكانها، بل وصاهروا بناتهم أيضًا، وإلى هؤلاء الدعاة النازحين من بلاد العرب يرجع الفضل في تأسيس أولى الجاليات الإسلامية بين الأهالي[4].

• أما عن تاريخ تغلغل الدعوة الإسلامية بين أهل البنغال فقد وجدت بعض الشواهد المادية عن دخول الإسلام بنغلاديش في القرن الأول الهجري، فقد وجدت في محافظة "كوريغرام" آثار مسجد قديم، ونقوش إسلامية مؤرخة بعام 69 هـ، کما وجدت عملة معدنية باسم الخليفة العباسي "هارون الرشيد" مؤرخة بعام 172 هـ بـ"بهاربور" في مقاطعة "راجشاهي"، وأخرى باسم أحد خلفائه وهو "أبو أحمد عبد الله المستنصر بالله" بـ"ميناماتي" في مقاطعة "کوملا"[5].

 

بنغلاديش تحت حكم المسلمين:

• وصلت الفتوح الإسلامية إلى الهند عن طريق أفغانستان على يد السلطان "محمود الغزنوي" عام 392 هـ/ 1001م، والذي كانت فتوحاته في شبه القارة الهندية (من 1001م إلى 1027م) هي التي مكَّنت للإسلام في الهند وجاراتها (شبه القارة الهندية)، حيث استمرت دولة المسلمين في شبه القارة الهندية ثمانية قرون عامرة، وقد أسس أولئك الفاتحون والملوك من بعدهم من الأفغان والترك والمغول وغيرهم ممالك وحكومات متعددة، وكان من أشهر ملوك بنغلاديش: الملك "محمد بن بختيار الخلجي"، الذي حكم بلاد البنغال منذ بداية ظهور الإسلام في الهند، وقد كان من الأمراء الكبار للسلطان "قطب الدين أيبك" في شمال شرق الهند، وظلت البنغال تحت سيطرة الحكام المسلمين وقيادتهم نحو (554) خمسمائة وأربع وخمسين عامًا، منذ عام 1203 م وإلى عام 1757 م.

 

فتح البنغال على يد "محمد بن بختيار الخلجي":

كان تأسيس دولة المسلمين في البنغال على يد "اختيار الدين محمد بن بختيار الخلجي" الذي كان عاملًا في جيوش "الغُور" الغزني التي جاءت الهند، ثم انتقل لخدمة والي ولاية "أُوده" بالهند، فأقطعه والي "أُوده" منطقة له هي "مرزابور" (Mirjapur)، فبدأ يشن الغارات من تلك المنطقة على البلدان المجاورة لها[6].

وكان ملك البنغال إذ ذاك "لكَّهن سِين" (Lakshman Sen) الهندوسي (1179- 1205 م)، وكانت له عاصمتان، عاصمة في البنغال الشرقية في "لكهنوتي" (Lakhnawati)، وعاصمة في البنغال الغربية في "نَديَا" (Nadia)، وعندما فتح "اختيار الدين" العاصمة "نديا"، فرَّ الملك "لكَّهن سِين" من قلعته المحصنة إلى البنغال الشرقية، وبعد أن تم فتح البنغال الغربية، شن "اختيار الدين" هجومه إلى البنغال الشرقية، وفتح "لكهنوتي" عاصمتها واتخدها عاصمةً لحكمه، وقد تمت هذه الفتوحات فيما بين سنوات (۱۲۰۰- 1204م) (596- 600 هـ).

وكان سلطان دلهي "قطب الدين أيبك" (1206 -۱۲۱۰م) قد اعترف بإمارة "اختيار الدين" على "البنغال"، وأقره عليها، وقد توفي "اختيار الدين" في مدينة "ديناج بور" عام 1206م (602 هـ) بعد أن فتح عاصمتا بنغلاديش[7].

 

[1] الصوفية في بنغلاديش وأثرها على المجتمع، حسن محمد معين الدين الحاج، رسالة دكتوراه في العقيدة، كلية الدعوة وأصول الدين، جامعة أم القرى، 1416 - 1417 هـ، صـ3.

[2] دولة بنغلاديش المسلمة، أبو الحسين آل غازي، مركز الإعلام العالمي، داكا- بنغلاديش، 1435 هـ - 2014 م، صـ3، 4.

[3] رحلة ابن بطوطة (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار)، ابن بطوطة (ت 779هـ)، ط أكاديمية المملكة المغربية، 1417 هـ، (4/ 100 - 108).

[4] الغزو الصليبي في بنغلاديش: نتائجه وآثاره، حسن محمد معين الدين الحاج، رسالة ماجستير في العقيدة، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة أم القرى، 1407 هـ - 1408 هـ، صـ31.

[5] الإسلام في منطقة البنغال وبنغلاديش الحالية، محمد فضل الرحمن، مقال منشور في "المجلة العربية"، ج 6، صـ3، عام 2001 م، القسم العربي بجامعة داكا، بنغلاديش.

[6] تاريخ شبه الجزيرة الهندية الباكستانية، د. إحسان حقي، مؤسسة الرسالة- بيروت، ط 1987 م، صـ75.

[7] الحركة السلفية في البنغال، من عام 1217 هـ (1802 م) إلى 1408 هـ (1988 م)، محمد مصلح الدين بن مولانا محمد شيخ الإسلام، رسالة ماجستير في الدعوة، كلية الدعوة والإعلام، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1412 هـ، صـ15-16.