حضارة المسلمين في قبرص (1)مقالات


• مثلت "قبرص" للمسلمين قاعدة استراتيجية للدفاع عن سواحل بلاد الشام من هجمات الروم البيزنطيين.

• تُمثِّل "قبرص" أكثر جزر البحر المتوسط ارتباطًا بالعالم الإسلامي؛ لوقوعها في المجال الجغرافي الحيوي لدول شرق البحر المتوسط، ومنها مصر وسورية وتركيا ولبنان وفلسطين؛ ولذا ارتبط تاريخها بتاريخ هذه الدول.

• كان الاستعداد لفتح "قبرص" الحافز الأول والبداية المشجِّعة لاهتمام العرب المسلمين بالبحرية العسكرية والتجارية في البحر المتوسط.

• كانت "قبرص" محطة تجارية مهمة لا سيما أنها تقع على خط التجارة: سواحل الشام ومصر وقبرص - كريت - صقلية - الأندلس.

• تشكل المساجد ودور العبادة الأخرى جزءًا لا يتجزأ من تراث الجزيرة، وقد بُني أول مسجد في مدينة "بافوس" في منتصف القرن السابع الميلادي.

• ترك العثمانيون عددًا من المساجد والمدارس الإسلامية، حيث حافظ أتراك الجزيرة على هذه المساجد، وعمروها بالصلاة وطلب العلم بعد خروج العثمانيين من الجزيرة.

• من أهم المساجد بالجزيرة: "مسجد السليمية"، و"مسجد العمرية"، و"مسجد لالا مصطفى"، و"مسجد خالة سلطان"، و"مسجد البيرقدار" أو "حامل الراية".

• من أبرز المدارس الإسلامية بقبرص: "المدرسة الكبرى" التي شيدت عام 1828م، و"المدرسة الصغرى" إلى الشمال منها، و"مدرسة أحمد باشا العربي"، و"مدرسة الحاج منير أفندي".

• أنشئ بنقوسيا عدد من خانات التجار، من أبرزها "الخان الكبير" شيد عام 1572م، و"خان القومارجي" الذي بني أواخر القرن السادس عشر الميلادي.

• يعد "الحمام الكبير" في "نيقوسيا" من أشهر حمامات "قبرص"، إلى جانب "حمام أوميرج" بنقوسيا.

 

حضارة إسلامية على أرض قبرص:

منذ أن غزا المسلمون "قبرص" خلال القرن الأول الهجري، السابع الميلادي، في عهد الخليفة "عثمان بن عفان" رضي الله عنه، والصلات بين العرب والقبارصة بين مدٍّ وجَزْرٍ، فقبرص مثَّلت للمسلمين قاعدة استراتيجية للدفاع عن سواحل بلاد الشام من هجمات الروم البيزنطيين، كما أنها مثلت للروم مقرًّا لمناوأة العالم الإسلامي، ومهاجمة تجارته في بحر المتوسط؛ لذا حاول المسلمون أكثر من مرة فتحها والقضاء على الوجود الصليبي بها، حتى فتحها المسلمون في عهد العثمانيين عام 979 هـ (1571 م).. وأسسوا بها مظاهر حضارة إسلامية استمرت ثلاثة قرون، حتى تكالب عليها الأوروبيون من جديد واستطاعوا انتزاعها من أيدي العثمانيين، ومحاربة الوجود الإسلامي بها.

 

قبرص ملتقى الحضارات:

وتُمثِّل "قبرص" أكثر جزر البحر المتوسط ارتباطًا بالعالم الإسلامي؛ لوقوعها في المجال الجغرافي الحيوي لدول شرق البحر المتوسط ومنها مصر وسورية وتركيا ولبنان وفلسطين؛ ولذا ارتبط تاريخها بتاريخ هذه الدول؛ فهي لم تكن سوى حجر المرتقى لكل من يقصد هذه الدول، ومن هنا جاءت أهميتها[1].

بل إن ارتباط "قبرص" بسوريا يبدو جليًّا في قول الصحابي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عندما كان يحكم الشام، ويفكر في غزوها قائلًا: "كيف لا أغزوها وأكاد أسمع صياح الديكة فيها من اللاذقية"[2].

وارتباطها بهذه البلاد وبالإمبراطوريات والدول التي حكمتها؛ بل وبالحضارة الغالبة في حوض البحر المتوسط، تفسر هذه الازدواجية الحضارية الحالية لقبرص، الناتجة عن الموقع المحوري بين حضارات كبرى، ويعكس هذا الفن اليدوي الذي تقدِّمه "قبرص" للسائحين، خاصة فن الخزف، فأحد أشهر الأطباق الخزفية القبرصية تتضمَّن زخارفه شجرة الحياة التي تتوسَّط دِيْكَين، وهو تأثير ساساني إسلامي وسط زخارف نباتية إسلامية بين عناصر محلية، محلاة بفن التذهيب الذي ابتكره المسلمون، وبعض الزخارف تحمل ألوانًا عثمانية الابتكار[3].

وقد كان الاستعداد لفتح "قبرص" الحافز الأول والبداية المشجِّعة لاهتمام العرب المسلمين بالبحرية العسكرية والتجارية في هذه الجهات مستفيدين بما لديهم من عناصر وإمكانات تدخل في صناعة السفن[4]، حيث إنه ما إن حل القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، حتى كان البحر المتوسط بحرًا إسلاميًّا خالصًا؛ لكثرة ما ركبه من مسلمين في غزوٍ، أو تجارةٍ، أو حمايةِ حدود أطراف الدولة الإسلامية.

 

حاميات إسلامية في قبرص:

بنى الشيعة الفاطميون، وكذلك المماليك عدة مساجد بقبرص أثناء وجودهم بقبرص، والمرجح أنها قد أزيلت بعد انحسار المدِّ الإسلامي على الجزيرة وتسلُّط الصليبيين عليها، ونجد أن الصحابي "معاوية بن أبي سفيان" عندما فتح قبرص ثانية عام 34 هـ - 654 م أرسل إليهم جيشًا بقيادة "موسى بن نصير"، الذي شيد بها مثابات، منها حصن "يابس"، وحصن "الماغوصة" (فماغوستا)، وظل أهلها ملتزمين بشروط الصلح إلى أن توفي معاوية سنة 60 هـ/ 680 م[5].

وقد نقل إليها "معاوية" جماعة من أهل "بعلبك" فبنوا المساجد، وكثر فيها المسلمون، وبنوا مدينة، فلما جاء "يزيد بن معاوية" أعاد المسلمين وهدمَ المدينة، فأنكر المسلمون ذلك، فردَّهم إلى الجزيرة الخليفة الأموي "يزيد بن عبد الملك"[6].

وبعد أن فتحها العثمانيون سنة 1570 م، وكان أهلها عبيدًا للبنادقة والفرنسيين؛ أعادوا للكنيسة الأرثوذكسية مكانتها بعد أن تعرَّضت لضغوط شديدة من البنادقة الكاثوليك، كما وُزعت الأراضي الزراعية على القبارصة، وتكوَّنت في "قبرص" جالية عثمانية كبيرة، وقد أسلم ثلثا أهلها، وظلت "قبرص" تحت السيطرة العثمانية إلى سنة 1878 م حين تخلت عن إدارة الجزيرة للإنجليز تحت السيادة العثمانية.

 

قبرص مركز تجاري:

كان لموقع جزيرة "قبرص" أهمية استراتيجية بالغة الخطورة لكل من القوى التي حاولت السيطرة والاستقرار بها؛ كونها ملتقًى بحريًّا لأساطيل تلك الدول البحرية، وقد حاول كل طرف فرض سيادته عليها، يشجعها قربها منهم؛ مما أدَّى إلى اصطدام تلك الأساطيل أكثر من مرة عليها.

وفي حالة السلم، عبر المسافرون والتجار إلى الجزيرة من دون صعوبات لا سيما أنها تقع على خط التجارة: سواحل الشام ومصر وقبرص - كريت - صقلية - الأندلس، وهي محطة مهمة، وكانت هناك ثلاثة ممرَّات رئيسة استخدمها المارُّون والمسافرون إليها وبشكل منتظم، "فاتاليا" و"سلوقية" من جهة بيزنطة على ساحل آسيا الصغرى، والثالث من جهة الدولة العربية الإسلامية، وكانت أكثر سهولة وأمانًا وأكبر حركة للمسافرين والتجار العرب من سواحل الشام وطرسوس، ومن مصر، وقد استخدمها أهل الشام في رحلاتهم المستمرة إلى "قبرص"، ومنها الرحلة الجماعية سنة 813 م[7].

 

آثار العثمانيين في قبرص:

عرفت الجزيرة الإسلام من خلال الغزو والحكم العثماني (1571 - 1878 م)، والذي بدوره ترك تأثيرًا ممتدًّا على الجزيرة، ويمكن أن يلاحظ ذلك من خلال الوجود السكاني للمسلمين هناك، والذي يبلغ تعدادهم نحو خمس تعداد سكان الجزيرة تقريبًا[8].

وتشكل المساجد ودور العبادة الأخرى جزءًا لا يتجزأ من تراث الجزيرة، وقد بُني أول مسجد في مدينة "بافوس" في منتصف القرن السابع الميلادي، ليُلبِّي احتياجات المسلمين من الجيش وأهل الجزيرة، إلا أن ذلك المسجد دُمِّر بعد رحيل تلك الحامية من الجزيرة بعد عقود قليلة.

وقد عمد الحكام الجدد العثمانيون لجزيرة "قبرص" على تحويل الكنائس إلى مساجد، بعد دخولهم الجزيرة لكي يُلبُّوا بذلك احتياجاتهم الدينية المُلحَّة؛ حيث قاموا ببناء المآذن على تلك الكنائس في معظم الحالات، وكانت توجد في المدن التي أقام بها الحكام الجدد - في بداية الأمر - أمثلة رائعة من الكنائس تعود إلى الفن المعماري القوطي، وتعتبر هذه الكنائس أول ما استولى عليها الحكام الجُدُد، مستخدمين إياها كدور عبادة للدين الإسلامي[9].

إلى جانب إنشاء العثمانيين عددًا من المساجد الجديدة يمكن رؤيتها في المناطق الحضرية؛ حيث تميَّزت تلك المساجد التي بُنيت في القرى ببساطة أسلوبها المعماري.

وترك العثمانيون عددًا من المساجد والتكايا والخلوات والمدارس الإسلامية؛ حيث حافظ أتراك الجزيرة على هذه المساجد، وعمروها بالصلاة وطلب العلم بعد خروج العثمانيين من الجزيرة، وشكل مسلمو الجزيرة عنصرًا سكانيًّا يكمل التعددية الثقافية والسكانية لأهل الجزيرة، ويعكس الحفاظ على تلك المنشآت الدينية اهتمام القبارصة بمسألة الدين.

 

[1] التراث المعماري في قبرص، خالد عزب، مجلة التفاهم، س13, ع49، وزارة الأوقاف والشئون الدينية، سلطنة عمان، 1436 هـ - 2015 م، صـ 385.

[2] المسلمون في قبرص، محمود شاكر الحرستاني، منشورات العصر الحديث، 1394 هـ - 1974 م، صـ62.

[3] التراث المعماري في قبرص، خالد عزب، صـ385.

[4] قبرص بين العرب المسلمين والبيزنطيين (28 - 355 هـ / 648 - 965م)، طه خضر عبيد، جامعة الموصل - كلية الآداب، آداب الرافدين، ع 32، 1999 م، صـ77.

[5] المسلمون في قبرص، محمود شاكر الحرستاني، صـ17.

[6] التراث المعماري في قبرص، خالد عزب، صـ386.

[7] قبرص بين العرب المسلمين والبيزنطيين (28 - 355 هـ / 648 - 965م)، طه خضر عبيد، صـ87.

[8] دور العبادة الإسلامية في جزيرة قبرص، إشراف: ميخاليس ميخائيل، ترجمة وتقديم: د. طارق رضوان، مكتب الصحافة والإعلام بجمهورية قبرص بالتعاون مع جمعية الأثريين بقبرص، 2007 م، صـ7.

[9] المصدر السابق، صـ17.