كيف فتح المسلمون قبرص؟ (1)مقالات


• فتحت قبرص في عهد الخليفة الراشد "عثمان بن عفان" عام 28 هـ / 648 م، وكان صاحب فكرة فتح قبرص الصحابي "معاوية بن أبي سفيان".

• أسس المسلمون أسطولًا بحريًّا في القرن الأول الهجري، وفي خلال ثلاثة قرون دانت لهم الغلبة في البحر المتوسط، حتى قيل: إن القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي هو عصر السيادة الإسلامية البحرية في البحر الأبيض.

• بشَّرَ النبي صلى الله عليه وسلم أُمَّتَه بركوب البحر، وغزوهم الروم، وروت هذه البشارة "أم حرام بنت ملحان" أول شهيدة من المسلمات في "قبرص"، وقُبِرَتْ هناك، وكان قبرها معروفًا بقبرص.

• يقال: إن مسجد "لارنكا" الكبير بُنِيَ في البقعة التي دُفِنتْ فيها "أم حرام بنت ملحان" رضي الله عنها، وقد بناه الشيخ "حسن التركي".

• تكررت حملات المسلمين على قبرص أيام الدولة الأموية، وكانت السيطرة عليها سجالًا بينها وبين الروم؛ حيث كانت مصر و"قبرص" هدفي الهجوم الإسلامي والرومي في شرق البحر الأبيض المتوسط.

• أثناء الحروب الصليبية، نتيجة حالة الاحتقان بين المسلمين والنصارى المحليين بالشام قام بعض النصارى الموارنة بالارتحال إلى جزيرة قبرص والإقامة بها.

• بعد جلاء الصليبيين عن الشام عام 692 هـ (1292 م) تجمَّعت القوى الصليبية الباقية في الشرق واتجهت إلى جزيرة "قبرص" واتخذتها مقرًّا لها.

• حاول المماليك فتح "قبرص" في عهد السلطان "برسباي"؛ لكنها ما لبثت أن وقعت تحت سيطرة إمارة البندقية الإيطالية.

• فتح العثمانيون "قبرص" عام 979 هـ (1571 م)، وبقيت تحت السيطرة الإسلامية ثلاثة قرون.

• أسس العثمانيون في قبرص حضارة إسلامية ما زالت آثارُها باقيةً في نواحٍ ومظاهر كثيرة بالجزيرة.

• لم يمضِ قرنٌ على فتح العثمانيين "قبرص" حتى صار مسلموها ثلاثة أمثال النصارى بها، وقد كان تعداد سكان الجزيرة عام 1205 هـ (1790 م) ثمانين ألفًا، منهم ستون ألفًا من المسلمين!

• في عام 1925م، أصبحت "قبرص" مستعمرةً بريطانيةً، من ممتلكات التاج البريطاني.

• عمد الإنجليز إلى إحلال النصارى اليونانيين في الجزيرة، وإسناد مناصب الإدارة والحكم بها لهم، واضطهاد المسلمين الأتراك بالجزيرة.

• بعد استقلال "قبرص" صارت محل نزاع سياسي بين اليونان وتركيا، وقد سيطر الأتراك على شمالي الجزيرة، بينما يحكم النصارى الموالين لليونان في باقي أنحاء الجزيرة.

 

نبذة عن جزيرة قبرص:

تُعدُّ "قبرص" الجزيرة الثالثة من جزر البحر المتوسط من حيث المساحة وعدد السكان، وتقع في الجزء الشمالي الشرقي من هذا البحر، وعاصمتها "نيقوسيا"، وتوجد بغرب آسيا.

وتقع جنوب "تركيا"، وغرب "سوريا"، وشمال غربي كل من "لبنان" و"فلسطين"، وشمال "مصر"، وتقع إلى الجنوب الشرقي من "اليونان".

وتبلغ مساحة الجزيرة 9251 كم²؛ أي: تقرب مساحتها من مساحة جمهورية لبنان[1].

"قبرص" هي وجهة سياحية رئيسية في البحر الأبيض المتوسط، ولديها اقتصاد متقدم عالي الدخل، ومؤشر تنمية بشرية مرتفع جدًّا، أصبحت جمهورية "قبرص" عضوًا في الكومنولث منذ عام 1961م، وكانت عضوًا مؤسسًا لحركة عدم الانحياز حتى انضمت إلى الاتحاد الأوروبي في 1 مايو 2004 م، وفي 1 يناير 2008 م، انضمت جمهورية قبرص إلى منطقة اليورو.

 

المسلمون يفتحون البحر المتوسط:

كانت "قبرص" تحت حكم البيزنطيين الذين حكموا الجزيرة عام 359 هـ، ونجد أنه بعد فتح بلاد الشام، ولي عليها الصحابي "معاوية بن أبي سفيان" رضي الله عنه، وقد رغب "معاوية" في احتلال القواعد الهامة القريبة من بلاد الشام؛ ليتمكن من نزال الروم، وعدم استخدام تلك المراكز الاستراتيجية من قِبَل الروم ضد المسلمين، والتي كان في مقدمتها قاعدة "قبرص"، فاقترح "معاوية" على الخليفة الراشد "عمر بن الخطاب" فتح "قبرص"؛ لكن سيدنا عمر خاف على المسلمين ركوب البحر، وفي عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه أعاد "معاوية" الكرة؛ فوافق عثمان على شرط ألَّا يحمل الناس على ركوب البحر، وأن يكون الأمر طوعًا لمن شاء الجهاد بحرًا[2].

وكان ممَّا شجَّع عثمان رضي الله عنه على إنشاء أسطول إسلامي في ذلك الوقت، تعرُّضُ مصر لغزو بحري خارجي في محاولة لاستعادتها من قبل الروم عام 25 هـ - 645 م[3].

وقد أرسل "معاوية" جيشًا لغزو "قبرص"، واستعمل على الأسطول "عبد الله بن قيس الحارثي" الذي فتح "قبرص" عام 27- 28 هـ/ 648 م، وصالح "معاوية" أهل "قبرص" على أن يدفعوا سنويًّا 7200 دينار، وقد اشترك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الحملات، فكان منهم "أبو ذرٍّ الغفاري"، و"أبو الدرداء"، و"شداد بن أوس"، و"عبادة بن الصامت" وزوجته "أم حرام".. وغيرهم الكثير.

 

في قبرص قبر أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها:

كان فتح "قبرص"، مصداقًا لما قد سبق من بشارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن أمته سيغزون في البحر، وأنهم يركبون أثباجه- أي: غببه- دلالة على قوة عزمهم وقوة مراكبهم، حتى وصفهم بأنهم ملوك على الأسرَّة، ولا يكون هذا الوصف إلا لغزاة في مراكب واسعة، لركابها سرر يجلسون عليها ويتكئون، جاء هذا في الأحاديث الصحيحة[4]، وقد جاءت النبي صلى الله عليه وسلم هذه البشارة وهو في بيت "أم حرام بنت ملحان" خالة النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، فطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم  أن تكون منهم، وقد ركبت "أم حرام" البحر مع زوجها "عبادة بن الصامت" من الغزاة، وحين وصلت "قبرص" سقطت عن دابتها حين خرجت من البحر فلقيت مصرعها، وذلك في خلافة عثمان بن عفان  رضي الله عنه  سنة 27 أو 28 هجرية.

تُشير بعض الروايات إلى أنها وقعت عن بغلةٍ ودفنت في البقعة التي بُنيَ عليها "مسجد لارنكا الكبير" الذي بناه الشيخ "حسن التركي"، ويعرف باسم "قبر المرأة الصالحة"، وقيل: إن قبرها ظلَّ مشهورًا بقبرص إلى زمن "هارون الرشيد"[5].

 

قبرص في العهد الأموي:

في سنة 34 هـ أرسل "معاوية بن أبي سفيان" حملة ثانية للجزيرة بعد أن تمرد أهلها بمعاونة الروم من جديد، وأعاد فتحها، وأسكن فيها اثني عشر ألفًا من الجند المسلمين، وهاجر إليها أهالي "بعلبك" فنشروا فيها الإسلام، وبنوا المساجد.

وقد حاول "جوستنيان" عام 75 هـ (693 م) الهجوم على المسلمين في "قبرص" أثناء اختلافهم على الحكم أيام "عبد الملك بن مروان"، فطرده أهل "قبرص" من جزيرتهم؛ ولكن الروم استطاعوا دخولها بعد حين.

ثم أغار أسطول إسلامي على "قبرص" عام 109 هـ (726 م)، في عهد "هشام بن عبد الملك" وفرض عليها جزية كبيرة، وعندما أغار الروم على مصر عام 118 هـ (736 م) قابل المسلمون هذه الغارة بهجوم على قبرص کرد فعل عام 126 هـ (743 م) وحملوا معهم عددًا كبيرًا من سكانها، واحتفظوا بهم أسرى في الشام.

وكانت مصر و"قبرص" هدفي الهجوم الإسلامي والرومي في شرق البحر الأبيض المتوسط.

 

قبرص في العهد العباسي: 

وفي عهد الدولة العباسية استمر استخدام الروم الجزيرة كمركز استراتيجي للهجوم على المسلمين في الشام، فقد أغار المسلمون على "قبرص" عام 174 هـ (790 م) أيام "هارون الرشيد" بعد أن أسر الرومُ بعضَ السُّفُن الإسلامية وهي في طريقها إلى مصر، وكذلك تكررت الإغارات فيما بعد، ولعل أشهرها ما حدث عام 190 هـ (806 م) أيام "الرشيد" أيضًا[6].

 

[1] المسلمون في قبرص، محمود شاكر الحرستاني، منشورات العصر الحديث، 1394 هـ - 1974 م، صـ7.

[2] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، دار الأصفهاني للطباعة بجدة، 1393هـ، صـ361.

[3] المسلمون في قبرص، محمود شاكر الحرستاني، صـ14.

[4] المدخل إلى تاريخ الإسلام في الشرق الأقصى، علوي بن طاهر الحداد، عالم المعرفة- جدة، 1405 هـ - 1985 م، صـ14.

[5] المصدر السابق، صـ15.

[6] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، صـ362.