ما هي كابردينو - بلكاريا؟

"كابردينو - بلكاريا" هي جمهورية ذاتية الحكم، تقع ضمن نطاق "روسيا الاتحادية"، وهي توجد في القطاع الشمالي من القوقاز، وتبلغ مساحتها حوالي 13000 کيلو متر مربع، وعاصمتها "نالتشيك"، وتحد "كباردين - بلكار" من الشمال مقاطعة "ستفاروبول - كراي"، ومن الجنوب جمهورية "جورجيا"، ومن الشرق جمهورية "أوسيتيا الشمالية"، ومن الغرب مقاطعة "قارتشاي- شركس".

وأرضها شديدة التضرس؛ حيث توجد أعلى جبال القوقاز، وتشغل الحيز الأوسط منها، وأقصى الشمال من الجمهورية ينتمي إلى سهول شمال القوقاز، وتنبع منها بعض روافد "نهر ترك"، والمناخ بارد في الشتاء، حيث تغطي الثلوج الدائمة بعض القِمَم الجبلية، والصيف معتدل الحرارة على السهول، بارد على المرتفعات، وتتلقى المنطقة أمطارًا غزيرة في الصيف، وتغطي الغابات السفوح المرتفعة، كما تغطي الحشائش السفوح المنخفضة والسهول[1].

تتكون تضاريسيًّا من جزءين: يسمى السهل الشمالي منها "كبردينو" Kabardino والجنوبي الجبلي "بلكاريا" Balkaria.. وقد اتخذت الدولة اسمها من قبيلتين وهما: "القابراد" أو "القبرطاي"، و"البلكار" ولكلٍّ منهما لغة خاصة بها، وأغلبيتهم من جنس "الشراكسة" المسلمين، ويشتهر "القبرطاي" بتربية الخيل، ولهم عادات وتقاليد يحافظون عليها[2].

كيف عرف أهل كابردينو - بلكاريا الإسلام؟

• ينتمي "الكابرد" إلى جنس الشركس الشرقيين، والشَّراكسة مِن شعوب القفقاس الأصلية (Paleo caucasien)، وقد حافظوا على قوميَّتِهم وجنسيَّتِهم، فلم يختلط بدمهم دمٌ آخر ولم يُدَسَّ في عِرْقهم عرق أجنبي رغم تقلُّب الفاتحين والمُغِيرين على بلادهم، ويعتقد أن "الحيثيين" هم مِن أرومة "الشَّراكسة"؛ بدليل أن ملابسهم وأزياءهم وأسلحتهم وأغطية رؤوسهم, مطابقة تمامًا لما لدى الشركس, كما أن أسلوب الحكم عندهم يماثل أسلوب الحكم عند الشركس[3].

• وقد وصل الإسلام منطقة القوقاز بالكامل أثناء الفتوحات الإسلامية لبلاد الخزر[4] في القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي، ونتيجة لتوسُّع المسلمين في جنوب القوقاز اصطدموا بالخزر، الذين وقفوا حجر عثرة في وجه الفتوحات الإسلامية، حيث نجد أنه في عهد الخليفة الراشد "عمر بن الخطاب" استخلف "عبد الرحمن بن ربيعة" على شمال القوقاز - الباب (دربند) - وأمدَّه بجيش كبير، وأمره بفتح ما تبقَّى من شمال القوقاز، وتحديدًا غزو "بلاد الخزر"، وفي عهد الخليفة الراشد "عثمان بن عفان" اتَّسَع نطاق المصادمات مع البيزنطيين والخزر في تلك المنطقة، وكان من أهم قادة الفتوحات الإسلامية "حبيب بن مسلمة" الذي يعتبر الفاتح الحقيقي لمنطقة القوقاز، ونجد أن منطقة القوقاز في بداية الفتوحات لم يستقرَّ الإسلام بها، وكثيرًا ما مالت قبائل المنطقة وشعوبها إلى الثورة والتمرُّد المرة تِلْوَ المرة على حكم المسلمين[5].

• وفي عهد الدولة الأموية خلال القرن الثامن الهجري اتَّسعت فتوحات المسلمين في تلك المنطقة في عهد "الوليد بن عبد الملك" وخلفائه من الحكام الأمويين؛ مما يعني معرفة شعوب المنطقة بالإسلام منذ وقت مبكر، ودخول أعداد منهم في الإسلام حينذاك.

• وقد استمرَّ انتشار الإسلام بين شعوب القوقاز، حتى استقر في نفوس أهله، ودخلت شعوب "القبرطاي" و"البلكار" بأكملها في الإسلام في القرن الحادي عشر الميلادي[6]، وبظهور المغول ازداد تمكُّن الإسلام في قلوب أهلها في عهد مغول "القبيلة الذهبية" المسلمين.

• ونجد أنه حتى وصول التتار والمغول لوحظت عند الشراكسة نهضة في الزراعة وتربية المواشي والصناعة والتجارة، وقويت الاتصالات المختلفة بين القفقاسيين الشماليين البينية ومع الشعوب الأخرى، وقد اتَّجَه التطوُّر الاجتماعي والسياسي في طريق تطوُّر إقطاعي للمجتمع الأديغي (الشركسي) دون وجود سلطة مركزية، وقد زارها المؤرِّخ العربي الكبير "المسعودي" وكتب في (مروج الذهب ومعادن الجوهر) معلومات هامَّة عن الشراكسة حيث سمَّاهم (كشك) ووصفهم كما يلى: "...ثم يلي مملكة اللان أمة يُقَال لها كشك، وهم بين جبل القبخ وبحر الروم، وهي أمة مطيعة منقادة إلى دين المجوسية، وليس فيمن ذكرنا من الأمم في هذا الصقع أنقى أبشارًا، ولا أصفى ألوانًا، ولا أحسن رجالًا، ولا أصبح نساءً، ولا أقوم قدودًا، ولا أدق أخصارًا، ولا أظهر أكفالًا وأردافًا، ولا أحسن شكلًا من هذه الأمة... و"اللان" مستظهرة على هذه الأمة لا تنتصف هذه الأمة من اللان، إلا أنها تمتنع من اللان بقلاع لها على ساحل البحر.... والعلة في ضعفهم عن اللان تركهم أن يملكوا عليها ملكًا يجمع كلمتهم ولو اجتمعت كلمتهم لم يطقهم اللان ولا غيرها من الأمم"[7].

الروس يحتلون بلاد القبرطاي والبلكار:

بعد دخول الروس "أستراخان" عام 961هـ، وقضائهم على ممالك المسلمين في "قازان" و"أستراخان" وغيرها من إمارات المسلمين المجاورة لهم، تقدَّم الروس في الصحراء شمال القفقاس (دشت القفجاق)، وأصبحوا على حدود بلاد القوموق، والشاشان، والبلكار، والأديغة.

وقد استولى الروس على بلاد البلكار والقبرطاي في سنة 1813م، بعد عناء شديد، وقد لفتت شجاعة أهل تلك المنطقة ودفاعهم ومقاومتهم ضد الرُّوس (1177هـ/1763م - 1281هـ/1864م) نظر المؤرخين، فاهتمَّ الأوروبيُّون بهذه المقاومة العجيبة من قبل شعب صغير ضد أكبر إمبراطورية في أوروبا، فكتبوا الكثير عنها، واعْتُبروا فرسانًا أرستقراطيين، كما اعتُبروا - لشجاعتهم اللَّافتة - نبلاء[8].

ويشير "فريدريك. ج. بيك" إلى أن محور السياسة الروسية طيلة القرن التاسع عشر كان تطبيق السياسة التي وضعها "بطرس الأكبر" والتي كانت تهدف إلى استعمار البحر الأسود وبحر قزوين (الخزر)، ولتحقيق هذه السياسة كان لا بُدَّ من الاستيلاء على قفقاسيا الغربية والشرقية، فوقف الشراكسة مدافعين مستبسلين في الذبِّ عن أوطانهم؛ ولكنهم رغم  شجاعتهم واستبسالهم لم يتمكَّنُوا من دحر الروس عن بلادهم، ولما زار القيصر "إسكندر الثاني" بلادهم في عام 1861 م طلبوا منه أن يكفَّ عن الفتك بهم، فعرض عليهم خيارين لتلبية طلبهم: إما قبولهم بالانتقال من وطنهم إلى الأراضي التي تعينها لهم الحكومة الروسية، وإما النزوح من تلقاء أنفسهم إلى تركيا، ورفض الشركس الخيارين واستأنفوا التصدِّي للروس؛ لكنهم في نهاية المطاف وأمام القوة الروسية الغاشمة وأساليبهم الوحشية اضطروا إلى هجر أوطانهم والالتجاء إلى تركيا، وقد وصف هذه الهجرة الكاتب الروسي "بيرجي" الذي يُعتبَر المؤرِّخ الرسمي للحكومة الروسية - في إحدى مؤلفاته - حيث قال: "حشر الروس قبائل الناتوخاي والقبرطاي وعشائر الأبزاخ والشابسوغ والأبخ في السواحل، ثم أجبروهم على الصعود إلى البواخر الذاهبة إلى تركيا، ونزل ملتجئو الشركس في الرومللي، بيد أن توغُّل الرُّوس في الأراضي التركية عام 1877 م أرغمهم  إلى الهجرة ثانية، فتفرَّقوا في سوريا وشرقي الأردن حيث منحتهم الدولة العثمانية أراضي يعتاشون من زراعتها" [9].