كيف وصل الإسلام إلى ولاية أورنبرغ (شكالوف)؟ (1)مقالات


• أورنبرغ (شكالوف) Orenburg هي ولاية ذات حكم ذاتي، توجد جنوب الأورال، كانت بها نهضة حضارية زاهرة على يد مسلمي الأورال.

• اعتنق أهل "أورنبرغ" الإسلام عن طريق التتار والكازاخ، إذا كان إقليمهم معبرًا للهجرات، فعبرته شعوب مسلمة إلى شرق أوروبا، واستقر به بعضهم، ومن ثمَّ فقد انتشر الإسلام في "أورنبرغ" عن طريق التجار المسلمين.

•  مع انتهاء القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) كان الإسلام قد استقر في منطقة نهر الأورال على يد التجار الذين يجوبون منطقة آسيا الوسطى.

• اتسع الإسلام في منطقة نهر الأورال وتأصل في نفوس السكان على يد سلاطين "القبيلة الذهبية" في بداية القرن السابع الهجري - الثالث عشر الميلادي- وعلى الأخص في عهد السلطان "بركة خان" حفيد "جنكيز خان".

• تعرَّض أهل "أورنبرغ" المسلمون لنفس الظروف التي تعرَّض لها إخوانهم في المناطق الأخرى في ظل الحكم الروسي، من إرهاب وتعذيب وحملات إبادة وتنصير.

• كانت "أورنبرغ" أفضل المدن الإسلامية بروسيا؛ إذ اشتهرت بطباعة الكتب الدينية الإسلامية، كذلك عقد بها المؤتمر الأول للقرغيز والكازاخ في إبريل سنة 1336 هـ - 1917 م، وناقش المؤتمر الحكم الذاتي للمسلمين، واستخدام لغة القرغيز في التعليم والمحاكم والإدارة.

• في عهد البلاشفة تغيَّرت الطبيعة الديموغرافية للمسلمين في "أورنبرغ" حتى صاروا أقلية وسط الروس والأوكرانيين النصارى.

• ساهم مسلمو "أورنبرغ" - أوقات الحرية الدينية قبل الثورة البلشفية - في إنشاء المساجد والمدارس الشرعية، ومن أبرزها مدرسة "رسولية"، و"حسينية"، حيث كانت  "أورنبرغ" مركزًا دينيًّا وثقافيًّا هامًّا لأبناء التتار والبشكير في مناطق ما وراء الأورال.

• مع بداية القرن الحادي والعشرين، تشهد مدينة "أورنبرغ" نهضة حضارية وصناعية كبيرة، تساهم فيها الجاليات الإسلامية من العمال التتار والكازاخ المسلمين، الذين أقاموا عددًا من المساجد والمراكز الإسلامية بالمدينة لاستيعاب أعدادهم المتزايدة.

 

ما هي "أورنبرغ"؟

"أورنبرغ" (شكالوف) Orenburg هي ولاية ذات حكم ذاتي توجد جنوب غربي جبال أورال، وفي الحوض الأوسط من نهر أورال، تحدها "باشكيرستان" من الشمال، و"تتارستان" من الشمال الغربي، ومن الجنوب والشرق "كازاخستان"، ومن الغرب باقي أراضي روسيا الاتحادية حيث مقاطعة "كويبتسيف".

ولقد أقيمت "أورنبرغ" للفصل بين مسلمي منطقة التركستان ومسلمي حوض نهر الفولجا، وذلك ليحول الروس بين تكتل المسلمين في تلك المناطق وليفتِّتوا وحدتهم، وقد ضمتها روسيا إلى أراضيها، وتبلغ مساحتها حوالي 24100 كيلو متر مربع، وعدد سكانها حوالي مليوني نسمة، وقد كانت تُسمَّى حتى عهد قريب "أورنبرغ"، وكذلك كان اسم عاصمتها ثم تغيَّر إلى "شكالوف"[1]، وذلك منذ سنة 1938م ، ثم أعيد اسمها السابق "أورنبرغ" في سنة 1957 م[2].

وكانت تصل نسبة المسلمين في الولاية 53 ٪ من تعداد السكان، وتقلصت على مرِّ السنين بسياسة "الترويس" التي اتبعتها الحكومة الروسية مع مسلمي روسيا، وأرض "أورنبرغ" ترتفع في الشرق وتنبسط في الغرب، ففي شرقها سفوح جبال أورال، والمنطقة متطرفة المناخ صيفًا وشتاءً، وأبرز الأنشطة الاقتصادية بها تتمثل في الزراعة والرعي والتعدين.

 

كيف وصل الإسلام ولاية أورنبرغ؟

• اعتنق أهل "أورنبرغ" الإسلام عن طريق "التتار" و"الكازاخ"، إذا كان إقليمهم معبرًا للهجرات، فعبرته شعوب مسلمة إلى شرق أوروبا، واستقر به بعضهم، ومِن ثَمَّ فقد انتشر الإسلام في "أورنبرغ" قبل أن يستولي القياصرة الروس عليها وعلى غيرها من بلدان الفولجا[3].

• ومثلت السفارات التجارية أحد أهم أسباب انتشار الإسلام في حوض نهر الأورال؛ حيث كان التجَّار الآسيويون المسلمون يأتون إليها بالماشية ووبر الجمل وفَرْو الغنم والأحجار الكريمة وقماش الديباج، أما روسيا فكانت تنقل إليها الحبوب والمنسوجات الصوفية والقطنية والمعادن والأحجار شبه الكريمة والعسل والملح والأسماك؛ لذا انتعشت الحركة التجارية والثقافية في منطقة حوض نهر الأورال، وانتقل معها الإسلام بين سكان تلك المنطقة.

• وكان سلاطين التتار يحكمون نهر الفولجا بأكمله ابتداء من "قازان" القريبة من "موسكو" إلى "أستراخان" الواقعة بالقرب من "بحر قزوين" (بحر الخزر) کما قاموا بنشر الإسلام في بلاد "البشكير" ويقول الكاتبان الفرنسيان "بنجيسن" و"لومرسييه" في كتابهما (المسلمون المنسيُّون في الاتحاد السوفيتي): "فمنذ القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) اصطحب التجار والسُّفَراء العرب معهم دين النبي محمد إلى مملكة البلغار القائمة على المجرى المتوسط لنهر الفولجا، ومع انتهاء القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) كانت هذه المنطقة قد أصبحت في معظمها وقفًا على الإسلام الذي انطلق في القرنين التاليين ليعبر جبال الأورال ويمتد في بلاد البشكير.. وبفضل التجار المسلمين عربًا كانوا أم فرسًا أم أتراكًا تسرَّب الإسلام أيضًا إلى سهوب بلاد الكازاخ (كازاخستان) شمال نهر سرداريا (سيحون) ومنها صعد في جبال قيرغيزيا حتى وصل إلى شينكيانج (تركستان الشرقية)"[4].

• وقد اتَّسع الإسلام في منطقة نهر الأورال وتأصَّل في نفوس السكان على يد سلاطين "القبيلة الذهبية" في بداية القرن السابع الهجري - الثالث عشر الميلادي- وعلى الأخص في عهد السلطان "بركة خان" حفيد "جنكيز خان"، وساد الإسلام شبه جزيرة القرم وسهوب روسيا الجنوبية (شمالي البحر الأسود وبحر قزوين) وسيبيريا الغربية، وامتدت هذه المرحلة من الانتشار الإسلامي حتى القرن السادس عشر الميلادي.

 

الروس يستولون على ممالك المسلمين بحوض الفولجا والأورال:

• نتيجة للخلافات بين الإمارات التتارية وانقسامها لعدة خانيات إسلامية قويت الإمارة الروسية، وبدأت في عهد حاكمها القيصر "إيفان الرهيب" الذي تميَّز بالدهاء والقوة العسكرية في التوسُّع على حساب الخانيات الإسلامية المجاورة، فاحتل قازان (1552 م) وأستراخان (1557 م) وبشكيرستان (1557 م) ثم أعقبها بأورنبرغ، وتوسَّع في نهر الأورال، واستطاع أن يمد نفوذه حتى مملكة "الجوفاش" المجاورة لتتاريا كما ضم أرض "الموردوف" و"الأدمورت" و"الماري" المسلمين، وفرض عليهم النصرانية قسرًا وإرغامًا.

• وقد تعرَّض أهل "أورنبرغ" المسلمون لنفس الظروف التي تعرَّض لها إخوانهم في ظل الحكم الروسي، من إرهاب وتعذيب وحملات إبادة وتنصير، إلا أن مسلمي "أورنبرغ" حافظوا على إسلامهم، وفي فترات "الحرية الدينية" كانوا يُظهِرون إسلامهم من جديد ويبادرون لإعادة بناء المساجد مع إخوانهم من العرقيات الأخرى، وقد ظلُّوا يناضلون حتى أنشأ لهم في "أورنبرغ" المجلس الروحي الإسلامي في عام 1197 هـ/۱۸۸۲ م، وكان تحت سلطاته القضائية الجاليات الإسلامية كافة في المنطقة، والذي ما لبث أن نقل إلى مدينة "أوفا" فيما بعد.

• وعندما بدأت الثورة الشيوعية عام 1917 م، انخدع المسلمون بنوايا "لينين" و"ستالين"، وحرص القادة الشيوعيُّون على كسب المسلمين في صفهم بداية الثورة، فقام "لينين" بتسليم مصحف سيدنا عثمان رضي الله عنه إلى ممثلي المسلمين في مؤتمر "بتروجراد"، كما أعاد مسجد "كارافان ساريا" في "أورنبرغ" إلى أيدي المسلمين بعد أن كان القياصرة قد صادروهما في السابق.

• وقد كانت "أورنبرغ" أفضل المدن الإسلامية بروسيا؛ إذ اشتهرت بطباعة الكتب الدينية الإسلامية، كذلك عقد بها المؤتمر الأول للقرغيز والكازاخ في إبريل سنة 1336 هـ - 1917 م، وناقش المؤتمر الحكم الذاتي للمسلمين، واستخدام لغة القرغيز في التعليم والمحاكم والإدارة.

• كما عقد المؤتمر الثاني للقرغيز في شهر يوليو من نفس العام بمدينة "أورنبرغ"، وناقش الوحدة بينهم وبين التتار وطالبوا بتكوين هيئة دينية منفصلة عن الهيئة الدينية بمدينة "أوفا"، كما طالبوا بالاتحاد الفدرالي كنوع من الاستقلال، وهكذا كان وضع المسلمين بالمنطقة قبل استيلاء السوفيت على الحكم، حيث ظهرت صحوة إسلامية بين هذه الشعوب وحاولت الاستقلال بشخصيتها الإسلامية[5].

• وقد قام "لينين" بحرب إبادة شملت أغلب مسلمي روسيا، والبلدان الإسلامية المجاورة، وأرسل علماءهم وشبابهم إلى معسكرات الاعتقال وأصقاع سيبيريا ليموتوا من الجوع والبرد وقسوة الرحلة، وأُخمِدت جميع الثورات التي شارك بها المسلمون بقسوة بالغة من جانب "البلشفيين"، ومن أشهرها "ثورة الباسماش" التي امتدت من سنة 1337 هـ إلى سنة 1347 هـ (1918-1928 م)[6].

• وعندما استولى السوفيت على حكم المنطقة ودانت لهم الغلبة أدمجوا "أورنبرغ" في جمهورية روسيا الاتحادية، وقضوا على آمال شعبها في الاستقلال، وحاربوا الدين الإسلامي، وهُدِمت المؤسسات الإسلامية بها، ومُنِح المسلمون إدارة دينية رمزية في مدينة "أوفا" بجمهورية "باشكيريا"[7].

 

[1] على اسم الطيار السوفيتي الشهير "فاليري تشكالوف" (1904-1938 م)، والذي قام برحلة ناجحة من موسكو إلى الشرق الأقصى عبر القطب الشمالي، وقد أطلق اسمه على المدينة على الرغم من أنه لم يولد في "أورنبرغ" ولم يعش فيها ولم يزر "أورنبرغ" أبدًا.

[2] الموسوعة الجغرافية للعالم الإسلامي، مج 14، منشورات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1419 هـ - 1999م، صـ329.

[3] الأقليات المسلمة في أوروبا، سيد عبد المجيد بكر، سلسلة دعوة الحق، منشورات رابطة العالم الإسلامي، 1985 م، صـ165.

[4] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، دار الشروق للنشر والتوزيع، 1983م، صـ40-41.

[5] الإسلام والمسلمون في حوض الفولجا، د. ليلى عبد الجواد إسماعيل، دار الثقافة العربية- مصر، 1427 هـ - 2006 م، صـ172.

[6] الأقليات المسلمة في أوروبا، سيد عبد المجيد بكر، صـ165-166.

[7] التاريخ الإسلامي، محمود شاكر الحرستاني، ج21، المكتب الإسلامي للنشر والتوزيع، 1421 هـ - 2000 م، صـ177.