حضارة الإسلام في القرم (أوكرانيا) (2)مقالات


القرميون في عهد الاحتلال:

بعد الاحتلال الروسي للقرم، أدرك مسلمو روسيا أنهم أمام تحديات كبيرة نتجت عن التحوُّل الهائل الذي حصل في المجتمعات الغربية في مقابل الجمود الفكري الذي ران على العالم الإسلامي في نهاية القرن التاسع عشر، وأدركوا أن وقوع ممالكهم الإسلامية في يد الغربيين ما هو إلا نتاج "الدوغماتية" والتسليم بدون تمحيص للسلطات التقليدية ونتج عن ذلك جيل إصلاحي ليبرالي تجديدي كان نتاج تكتلات سياسية متعددة تقدُّميَّة أو ثورية.

ومن أبرز النتاج الفكري لهذه الحركة إصدار جريدة "ترجمان" Perevodchik/Tarjuman وذلك عام 1833 م، على يد التتاري القرمي "إسماعيل غاسبيرالي" Ismail Gaspirali الذي عرف باللغة الروسية باسم: "غاسبرنسكي"  Gasprinski(1851 - 1914 م)، وكانت "ترجمان" إحدى أكبر الصحف الإسلامية في تلك الفترة؛ بل أشهر صحف المسلمين في روسيا القيصرية[1].

إلى جانب أنه وضع منهجًا جديدًا للتعليم عرف باسم "أصول الجديد" قلب من خلاله النظام التعليمي القديم للمسلمين رأسًا على عقب في شبه جزيرة القرم أولًا ثم في كل روسيا لاحقًا[2].

وفي عام 1917 م أسس مثقفو القرم الذين تلقوا علومهم في الدولة العثمانية أو أوروبا حزبًا سياسيًّا تحت اسم "ملي فرقة" Milli Firka أو "الحزب الوطني" بالعربية، في سبيل استقلال القرم الداخلي، وقد شكل أعضاء هذا الحزب حوالي ربع سكان شبه الجزيرة[3].

وعند استيلاء الشيوعيين على القرم بعد قيام "الثورة البلشفية" قام الشيوعيون بعملية تطهير واسعة في شبه جزيرة القرم ضد أعضاء "ملي فرقة" وأعدموا الكثير من قياداته، وهلك في سنوات السوفيت أغلب القيادات التتارية، واستُبدِلَ المسلمون في المدارس والجامعات والصحف بقيادات شيوعية من روسيا وأوكرانيا، وفُرِضت الأبجدية الروسية على اللغة التتارية عام 1928 م بعد أن كانت تُكتب بالأبجدية العربية واللاتينية، وأدخلت كلمات روسية على اللغة التتارية وحذفت أخرى تركية[4].

 

القرميون في عهد الاستقلال:

في عام 1991 م استقلت أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي، وبدأت عودة التتار المسلمين إلى أوكرانيا، واحتفظت أوكرانيا بالقرم، وأعطتها حكمًا ذاتيًّا تجنبًا للدخول في صراع طويل الأمد مع الروس، ونجد أن مسلمي تتار القرم بادروا بإنشاء أول مؤسسة دينية بعد الاستقلال وهي "الإدارة الدينية لمسلمي القرم"، وبدأوا في العودة لممارسة شعائر إسلامهم وإعمار مساجدهم من جديد، فتم تأسيس "معهد الرضوان لتحفيظ القرآن الكريم" في مدينة "سيمفروبل" عام 2002م تحت إشراف اتحاد المنظمات الاجتماعية "الرائد"، وبالتعاون مع الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم، كما تم تأسيس "الهيئة القرآنية لتعليم القرآن الكريم" عام 2016م.

وفي عام 2013م كان عدد التتار المسلمون في القرم وجنوب أوكرانيا حوالي 300 ألف نسمة، وعدد المسلمين في شرق أوكرانيا حوالي 100 ألف مسلم، وعدد المسلمين في العاصمة "كييف" حوالي 100 ألف مسلم[5].

وفي عام 2021م تم تأسيس "مجلس مسلمي أوكرانيا"، أحد أكبر المؤسسات المسلمة في أوكرانيا؛ حيث شارك أهل القرم في المجلس بأغلبية قيادية.

ولكن دخول روسيا القرم من جديد عام 2014 م، أعاد للأذهان العقلية الروسية في التعامل مع مسلمي المنطقة، ومن ثم توشك تلك الانفراجة أن تعود من جديد لسابق عهدها من القمع وكبت الحريات التي نعم بها مسلمو القرم مؤخرًا.

 

• تبوَّأ السلطان المغولي "أوزبك خان" حكم "القبيلة الذهبية" بين عامي 1313 م و1340 م، وشهد عهده تأصيلًا للوجود الإسلامي الحنفي المذهب في نفوس تتار القرم.

• شهدت شبه جزيرة القرم موجات من التأثير الإسلامي الآتي من مصر المملوكية في عهد حكامها المغول.

• زار الرحالة الشهير "ابن بطوطة" شبه جزيرة القرم في عهد السلطان "أوزبك خان"، وتحدَّث عن مدن "الكفا" و"القرم" وغيرها من مدن القرم، واعتبر سلطانها المسلم من أعظم ملوك الدنيا وقتذاك.

• كانت شبه جزيرة القرم مركزًا تجاريًّا هامًّا مع مصر المملوكية من خلال وسطاء بيزنطيين، كما ازدهرت أيضًا التجارة مع المستعمرات الجنوبية في شبه الجزيرة ومع الأناضول وأوروبا الوسطى وصولًا إلى "لفوف" (أوكرانيا) و"برسلاو" (بولندا).

• كانت شبه جزيرة القرم مخزنًا لبضائع التجار السلاجقة والمصريين والجنويين؛ مما ولَّد تفاعلًا حضاريًّا مع تلك الشعوب، تجلى في العمارة الإسلامية وصناعة الآنية الخزفية.

• كانت خانيَّة القرم في عهد "أسرة كيراي" المسلمة تضمُّ أجزاءً واسعةً من أراضي أوكرانيا الحاليَّة، ولا تقتصر على جزيرة القرم بحدِّ ذاتها.

• رعى الخان "صاحب غيراي" (1501-1551م) تدوين أول حوليات تاريخية للتتار عُرِفت باسم "تاريخ الخان صاحب غيراي".

• طوَّر الخان "صاحب غيراي" مرفأ مدينة "غوزليف" Gozlev ليستقل قدر الإمكان عن نفوذ "الجنويين" في مرفأ مدينة "كفا".

• طُبِّقت الشريعة الإسلامية في مجالات القانون والأحوال الشخصية وجباية الضرائب بالقرم، كما تطوَّر وضع المرأة وأصبحت تشارك أكثر في الحياة العامة والسياسية وحتى الحملات العسكرية.

• مع بداية القرن السابع عشر بدأ تأثير الثقافة التركية العثمانية يتجلى في مجتمع تتار القرم وخاصة في مجال اللغة والتعليم، حيث أرسل عدد كبير من الحكام أبناءهم لتلقي علومهم ودراستهم في إستانبول.

• في نهاية القرن التاسع عشر ظهر جيل إصلاحي ليبرالي تجديدي بالقرم كان نتاج تكتلات سياسية متعددة تقدمية أو ثورية.

• شارك القرميون في الحياة العامة بعد الاستقلال عن الروس، وعادوا لممارسة شعائر دينهم ونشطوا في إعمار مساجدهم.

• أحيا الاحتلال الروسي من جديد للقرم مخاوف مسلميها من حملة اضطهاد جديدة.

 

[1] محطات من تاريخ المسلمين في أوكرانيا، د. أمين القاسم، نشر على موقع أوكرانيا برس بتاريخ 21- 02- 2022 م.

[2] المسلمون المنسيون في الاتحاد السوفيتي، ألكسندر بينينغسن وشانتال لوميرييه كيلكجاي، ترجمة عبد القادر ضللي، دار الفكر المعاصر، بيروت، 1989 م، صأ30.

[3] Yemelianova, Galina, Russia and Islam: A Historical Survey, New York: Palgrave Macmillan, 2002, p. 107.

[4] أقليات إسلامية منسية: المسلمون في تتارستان (روسيا)، القرم (أوكرانيا)، مقدونيا، اليونان، سعيد إبراهيم كريديه، صـ106.

[5]  محطات من تاريخ المسلمين في أوكرانيا، د. أمين القاسم، نشر على موقع أوكرانيا برس بتاريخ 21- 02- 2022 م.