مسلمو القرم:
كان تتار القرم المسلمون يمثلون أغلبية سكانية في "شبه جزيرة القرم" منذ أن استولى عليها المسلمون عام 1239 م، وتكوَّنت بها خانية أو إمارة إسلامية سميت بـ"خانية القرم" عام 1441 م، كانت محل صراعات ومسرح حروب بين القرميين والعثمانيين من جهة، والروس من جهة أخرى حتى سقطت عام 1783 م.
أما في الوقت الحالي يمثل تتار القرم ذوو الأغلبية المسلمة نحو 12 في المئة من سكان شبه جزيرة القرم، ويبلغ عددهم نحو 243 ألف نسمة من عدد السكان البالغ مليوني نسمة في الإقليم، وذلك بعد نجاح خطة الروس في القضاء على الوجود الإسلامي بالقرم بواسطة سياسة التهجير والتجويع طيلة مدة سيطرتها على الإقليم.
ولهذا تغيرت البنية البشرية في القرم، فأصبح أغلب سكانها من الروس والأكرانيين، أما تتار القرم فمشَرَّدُون داخل روسيا وخارجها، ولقد كان تتار القرم قبل إلغاء جمهوريتها أكثر من خمسة ملايين نسمة، ولم يبقَ من هذا العدد سوى أقل من ثلثمائة ألف[1].
الأنشطة الاقتصادية لمسلمي القرم:
أبرز أنشطة السكان هي الزراعة في السهول الشمالية، وتزرع أصناف عديدة من الفاكهة خصوصًا العنب والكمثرى، وبها العديد من المعادن؛ مثل: الحديد والمنجنيز والنحاس إلى جانب الفحم والنفط[2]، كما أنها تعد الوجهة السياحية المفضلة للأوكرانيين والروس، وذلك لمناخها الدافئ، وتساهم الجزيرة بنسبة 3 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا، فيما تمثل الخدمات 60 ٪ من ناتجها المحلي.
وتمثل القرم مكانًا حيويًّا بسبب أهميتها الاستراتيجية المتمثلة في تحكُّمها في البحر الأسود وامتلاكها مدخلًا على مضيق البوسفور والبحر المتوسط.
أهم مدنها ومعالمها الأثرية:
• مدينة "بخشه سراي" Bakhchesaray تقع في وادي ضيق على نهر "چوروك سوف" وتعني بالعربية "الحدائق"[3].
وهي العاصمة القديمة لخانية تتار القرم، وأُسِّسَتْ على يد السلطان "محمد كراي" عام 1532 م، منذ ذلك الحين، كانت عاصمة "خانية القرم" ومركزًا للحياة السياسية والثقافية لشعب تتار القرم. وبعد عدة حروب مع روسيا قام "برخارد كريستوف فون ميونخ" عام 1737م بحرق العاصمة، وبعد أن قامت الإمبراطورية الروسية بضم "خانية القرم" عام 1783 م، تحولت المدينة إلى بلدة عادية، وفقدت أهميتها الإدارية إلا أنها ظلت مركزًا ثقافيًّا للتتار القرم حتى عمليات الترحيل والتهجير الإجباري لمسلميها، ويسكنها الآن حوالي 30,000 نسمة فقط.
وبالمدينة "قصر الخان" أو "خان سراي"، بُني القصر في القرن السادس عشر الميلادي وأصبح مقرًّا لإقامة خانات القرم، ويعتبر "قصر الخان" الأثر الوحيد الكامل المتبقي من حضارة تتار القرم، وهو أحد خمسة قصور ضمها الإقليم، وهُدِّم أربعة منها وأزيلت آثارها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر من طرف القيصرية الروسية.
• مدينة "سيمفروبول" Simferopol، بلغ عدد سكانها عام 2014 م حوالي 312,464 نسمة، وهي العاصمة الإقليمية لشبه الجزيرة وتعرف باسم "آق مسجد" "Ak Mesjid" باللغة التتارية، وتعني المسجد الأبيض.
• مدينة "سفاستوبول" Sevastopol أو "آقيار" Akyar بالتتارية (بلغ عدد سكانها عام 2019 م حوالي 443,211 نسمة) وهي ميناء حربي هام جدًّا، ومنطقة متنازع عليها بين الروس والأوكرانيين.
من أهم الأحداث التي واجهتها المدينة في القرن التاسع عشر الحصار الذي فرضته عليها القوات البريطانية والفرنسية والتركية والخاصة بجزيرة سردينيا خلال "حرب القرم" فيما عُرِف بـ"حصار سيفاستوبول" (1854-1855)، واستمر الحصار لمدة 11 شهرًا حيث تم فكُّه في سبتمبر 1855 م بخروج القوات الروسية من المدينة.
• أما مدينتا "يالطا" Yalta (بلغ عدد سكانها عام 2019 حوالي 79,272 نسمة)، و"إفباتوريا" Evpatoria أو "غوزليف" Gozlev بالتتارية (بلغ عدد سكانها عام 2020 حوالي 108,248 نسمة) فهما من أهم المراكز السياحية على البحر الأسود، ومدينة "إفباتوريا" واحدة من أقدم المدن فى العالم، يرجع تاريخها إلى حوالي 2500 عام قبل الميلاد، وفي أيامنا هذه يوجد حي في وسط المدينة يُسمَّى "القدس الصغيرة"، حيث يوجد به أماكن عبادة مختلفة للديانات الثلاث، وقد عاش فيها قبائل من التتار والمغول وأسسوا فيها العديد من المساجد والحصون، وفي عام 1475 م استولت الدولة العثمانية عليها حيث احتلت كامل ساحل القرم، وبنوا فيها حصنًا محصنًا جيدًا، أطلقوا عليه اسم "غوزليف"، وأطلق عليه الروس اسم "كوزلوف" عندما استولوا على المدينة واحتلوها.
وبقي فيها حتى اليوم الكثير من المعالم الإسلامية والمسيحية واليهودية، تقع معظمها في الحي التاريخي "القدس الصغيرة"، فيوجد "الحمام التركي"، و"التكية الدرويشية"، و"مسجد الجمعة" أو "المسجد الجامع" أو "مسجد الخان"، وغيرها من المعالم الإسلامية.
• مدينة "فيودوسيا" Feodosiya التي تقع في شرق شبه الجزيرة وكانت تُدعَى أيضًا طوال تاريخها القديم باسم "كفا" Cafà؛ فهي ميناء حيوي على البحر الأسود ومحطة هامة للسكك الحديدية، وأسس بالمدينة قديمًا "إيالة كيفي" أو "إيالة كافا" كانت إيالة للإمبراطورية العثمانية، وامتدت الإيالة عبر الساحل الشمالي للبحر الأسود حيث يقع السنجق الرئيسي (باشا سنجق) في الساحل الجنوبي لشبه جزيرة القرم، وقد كانت الإيالة تحت الحكم العثماني المباشر، ومنفصلة تمامًا عن خانية القرم، وكانت مقر حضارة إسلامية عامرة منذ عصر المغول.
• تم العثور على بقايا مدينة أثرية إسلامية في مقاطعة "زبروجي" أو "زاباروجيا" بوسط أوكرانيا التي تقع على ضفاف "نهر الدنيبر"، تعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي أسسها مغول القبيلة الذهبية، تذكرها المصادر الإيطالية القديمة باسم مدينة "المساجد السبعة"، وتميزت بازدهارها الذي جاء من موقعها التجاري الهام على طريق الحرير الواصل بين أوروبا وآسيا في الفترة بين القرنين (13-16م)، ويُطلِق عليها علماءُ الآثار الأوكرانيون اليوم مدينة "المسجد- المقبرة"[4].
• أما "أوديسا" فهي مدينة كبيرة وهامة على البحر الأسود تقع داخل أوكرانيا، بنى التتار أيام حكم القبيلة الذهبية على أرضها مدينة كانت تُسمَّى "حاج بيه"، ثم دخلت هذه المدينة تحت حكم الخانية القرمية منذ أواخر القرن 15 م، ثم أصبحت تحت حكم الدولة العثمانية، وسيطر عليها الروس عام 1774م، ثم انتزعها العثمانيون مرة أخرى ليسيطر عليها الروس نهائيًّا عام 1791م، ويطلق عليها اسم "أوديسا" لأول مرة عام 1794م.
[1] الموسوعة الجغرافية للعالم الإسلامي، مج 14، منشورات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1419 هـ - 1999م، صـ337.
[2] تركستان، محمود شاكر الحرستاني، دار الإرشاد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ص1390 هـ - 1970 م، صـ116.
[3] أقليات إسلامية منسية: المسلمون في تتارستان (روسيا)، القرم (أوكرانيا)، مقدونيا، اليونان، سعيد إبراهيم كريديه، دار جداول، 1430 هـ - 2009 م، صـ66.
[4] محطات من تاريخ المسلمين في أوكرانيا، د. أمين القاسم، نشر على موقع أوكرانيا برس بتاريخ 21- 02- 2022 م.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.