كيف وصل الإسلام إلى شبه جزيرة القرم (أوكرانيا)؟ (1)مقالات


• معنى كلمة "القرم"؛ أي: "القلعة"، وعاصمتها القديمة المدينة الجميلة "باغجة سراي"، أما العاصمة الحالية فهي "سيمفروبول".

• أصل تتار القرم يعود إلى الشعوب التركية في شرق ووسط آسيا، والتي انخرطت في جحافل القائد المغولي "جنكيز خان" خلال زحفه على آسيا وأوروبا في القرن الثالث عشر الميلادي.

• سكن التتار منطقة القرم في عهد اتساع دولة مغول "القبيلة الذهبية" أواخر العهد العباسي، وقد قويت شوكتُهم، فبسطوا نفوذهم على المناطق الواقعة شمال البحر الأسود.

• انتزع مغول القبيلة الذهبية شبه جزيرة القرم من البيزنطيين عام 1239 م، ونشروا الإسلام بها في عهد خاناتها المسلمين.

• في عام 1287 م شهدت شبه جزيرة القرم إنشاء أول مسجد فيها وذلك في مدينة "سلخات"، برعاية سلطان مصر المملوكي بيبرس.

• استقر تتار القرم بشبه الجزيرة في نهاية النصف الأول من القرن الثامن الهجري، وكانوا قسمًا من دول المغول، ولم يكتمل القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) إلا وكانت جزيرة القرم إسلامية خالصة، وأصبح للقرم سلطان خاص بها من التتار.

• كانت خانية القرم من أقوى الممالك المسلمة بالمنطقة، وظلت شوكة في حلق الروس حتى سقطت عام 1198 هـ - 1783 م.

• عانى مسلمو القرم من مجاعات شديدة إبان الاحتلال الروسي، وحركة تشريد ضخمة قلصت الوجود الإسلامي بشبه جزيرة القرم، حتى ضمتها أوكرانيا في العصر الحديث وأصبحت من ممالك المسلمين المنسية.

 

أين توجد شبه جزيرة القرم؟

تقع شبه جزيرة القرم شمال البحر الأسود بين "أزوف" و"البحر الأسود".. وتقترب من الجهة الشرقية من البر مكونة شبه جزيرة "كرش" التي تكون باقترابها من البر "مضيق كرش" الذي يصل "بحر أزوف" بـ"البحر الأسود"، وتتبع حاليًّا دولة "أوكرانيا".

وتشكل الجبال القسم الجنوبي من شبه جزيرة القرم، بينها تقوم السهول الواسعة المنبسطة في الشمال.. والتي تضيق في نهاية الشمال بحيث لا تتصل بالبر الأوروبي إلا ببرزخ ضيق[1].

تبلغ مساحة القرم حوالي 27 ألف كم مربع، ومعنى كلمة "القرم"؛ أي: "القلعة"، وعاصمتها القديمة المدينة الجميلة "باغجة سراي"، أما العاصمة الحالية فهي "سيمفروبول"، ومن مدنها الشهيرة "يالطا" التي عقد فيها "مؤتمر يالطا" في نهاية "الحرب العالمية الثانية" بين الرئيس الأمريكي "روزفلت" والرئيس الروسي "ستالين"، حيث اقتسم العملاقان مناطق النفوذ في العالم؛ وأهمها البلاد الإسلامية ضحية المؤامرات العالمية[2].

 

كيف وصل الإسلام شبه جزيرة القرم؟

• أصل تتار القرم يعود إلى الشعوب التركية في شرق ووسط آسيا والتي انخرطت في جحافل القائد المغولي "جنكيز خان" خلال زحفه على آسيا وأوروبا في القرن الثالث عشر الميلادي[3].

• سكن التتار "منطقة القرم" في عهد اتساع دولة مغول "القبيلة الذهبية" أواخر العهد العباسي، وقد قويت شوكتهم، فبسطوا نفوذهم على المناطق الواقعة شمال البحر الأسود.

• وقد أسس "باتو بن جوجي بن جنكيزخان" دولة "القبيلة الذهبية" التي كانت تحكم وسط آسيا وروسيا، واعتنق ابنه "بركة خان" الإسلام منذ صغره وحفظ القرآن الكريم على يد أحد علماء مدينة "خوقند".. ولما تولى أمر هذه القبيلة سنة (1256م) جعل كل جنوده من المسلمين واجتهد في نشر الإسلام في أفراد قبيلته، وفي عهده (654 - 665هـ) = (1256 - 1267م) انتشر الإسلام انتشارًا واسعًا بدءًا من تخوم الصين الغربية والشمالية حتى أوروبا الشرقية وروسيا مرورًا بشبه جزيرة القرم التي انتزعتها "القبيلة الذهبية" عام 1239م من البيزنطيين، حيث جذب أهل هذه المنطقة من الإيطاليين والإغريق إلى الإسلام[4].

• وفي عام 1287م شهدت شبه جزيرة القرم إنشاء أول مسجد فيها وذلك في مدينة "سلخات" Solkhat (وتدعى أيضًا "ستاري قرم" أو "إسكي قرم" Eski Kirim؛ أي: القرم القديمة) برعاية سلطان مصر المملوكي "بيبرس"[5].

• وقد استقر تتار القرم بشبه الجزيرة في نهاية النصف الأول من القرن الثامن الهجري، وكانوا قسمًا من دول المغول[6]، ولم يكتمل القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) إلا وكانت جزيرة القرم إسلامية خالصة، وأصبح للقرم سلطان خاص بها من التتار.

• لكن الدين الحنيف لم ينتشر بشكل واسع بين تتار القرم إلا بعد تبوُّء السلطان "محمد أوزبك خان" الذي حكم القبيلة الذهبية بين عامي (1313 -1340 م)، والذي بنى ثاني مسجد في شبه الجزيرة، ففي عهده تأصل الوجود الإسلامي السُّنِّي حنفي المذهب في نفوس التتار؛ بمن فيهم تتار شبه جزيرة القرم التي شهدت موجات من التأثير الإسلامي الآتي من مصر المملوكية[7].

• وبعد انقسام خانية دولة مغول القبيلة الذهبية، تكونت "خانية القرم"، واستقلت تحت حكم أسرة "كيراي" أو "غيراي" منذ سنة (831 هـ - 1427 م).

• وقد بسطت القرم نفوذها على مساحة شاسعة من روسيا في عهد السلطان "محمد كيراي" في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري - السادس عشر الميلادي، وكانت حائط صد تجاه "الإمارة المسكوبيَّة" - في عهد "إيفان الرهيب" - التي توسعت على حساب الخانيات (الإمارات) الإسلامية المجاورة لها، نتيجة حال الضعف والتفسُّخ في "القبيلة الذهبية" وتنازع أمرائها على الحكم.

• وقد حاولت روسيا أكثر من مرة مهاجمة القرم، وقام سلطان القرم بدوره بالهجوم على روسيا ذاتها كردِّ فعل على أعمال "إيفان الرهيب" الذي أباد المسلمين في المناطق الشاسعة التي كانوا يحتلونها حول "نهر الفولجا"، والذي شرد الملايين منهم[8].. واستطاع تتار القرم عام 979 هـ (1571 م) أن يحتلوا منطقة "الدونتز"، وأن تصل جيوشهم إلى موسكو ذاتها.. بل وأجبروا قيصرها على دفع "إتاوة" انتقامًا للأعمال الوحشية التي قام بها الروس ضد مسلمي "قازان" و"أستراخان"[9].

• ولكن الخلافات التي مزَّقت سلاطين التتار جعلت الروس يعيدون الكرة من جديد، وينتزعون الأراضي التي حررها تتار القرم من روسيا وذلك عام 1091 هـ (1680 م)، ليس ذلك فحسب؛ بل اقترب الروس من "القرم" ذاتها عندما احتلوا منطقة "آزوف" عام 1107 هـ (1695 م).

• وعندئذٍ استنجد تتار القرم بالسلطان العثماني فنزلت القوات العثمانية لحماية القرم ذاتها واستلموا مضيق "كرش" الهام من تتار القرم للدفاع عنها، وقامت القوات العثمانية باسترداد "آزوف" سنة 1123 هـ (۱۷۱۱ م) وبنوا مدينة "باغجة سراي" الجميلة ذات المساجد العظيمة وجعلوها عاصمة القرم.

• إلا أن الروس عادوا إلى جزيرة القرم مرة أخرى بجحافل قوية سنة 1198 هـ (۱۷۸۳ م) واحتلوا "آزوف" بل واحتلوا "القرم" ذاتها، وذلك في عهد القيصرة "كاترين الثانية"، وأقام الروس مذبحة لتتار القرم وشردوا في ذلك العام نصف مليون تتاري قرمي، وذلك بعد محاولة فاشلة لاحتلالها عام 1194 هـ (۱۷۷۸ م) عندما صدتهم القوات العثمانية[10].

 

[1] الموسوعة الجغرافية للعالم الإسلامي، مج 14، منشورات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1419 هـ - 1999م، صـ335-336.

[2] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، دار الشروق للنشر والتوزيع، 1983م، صـ117-118.

[3] أقليات إسلامية منسية: المسلمون في تتارستان (روسيا)، القرم (أوكرانيا)، مقدونيا، اليونان، سعيد إبراهيم كريديه، دار جداول، 1430 هـ - 2009 م، صـ71-72.

[4] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، صـ118.

[5]  Fisher, Alan. “Crimean Khanate”. The Oxford Encyclopedia of the Modern Islamic World. John L. Esposito, editor in Chief . New York: Oxford University Press, 1995, v.1, p. 328.

[6] الأقليات المسلمة في أوروبا، سيد عبد المجيد بكر، سلسلة دعوة الحق، منشورات رابطة العالم الإسلامي، 1985 م، صـ169.

[7] أقليات إسلامية منسية: المسلمون في تتارستان (روسيا)، القرم (أوكرانيا)، مقدونيا، اليونان، سعيد إبراهيم كريديه، صـ74.

[8] Kellner-Heinkele, B, “Mengli Giray I”, Encyclopaedia of Islam, new edition Leiden: E.J. Brill, 1991, v.6, p. 1016.

[9] أقليات إسلامية منسية: المسلمون في تتارستان (روسيا)، القرم (أوكرانيا)، مقدونيا، اليونان، سعيد إبراهيم كريديه، صـ87.

[10] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، صـ121.