المسلمون في جمهورية تشوفاشيا (الجوفاش أو الشوفاش) (2)مقالات


الشوفاش وسياسة التنصير الروسية:

وحينما بدأ التوسُّع الروسي في حوض الفولجا، ونجح إيفان الرهيب (الرابع) في الاستيلاء على "قازان" عام 960هـ- 1552م وأستراخان وغيرها من البلدان الواقعة على حوض الفولجا، أصبحت منطقة "الشوفاش" بدورها تحت الاحتلال القيصري الروسي.

وقد ضغط عليهم القياصرة ليتحوَّلوا إلى المسيحية فتحوَّلوا ظاهريًّا إليها كما فعل بعض مسلمي أسبانيا الذين لم يستطيعوا الهجرة منها[1]، وفي عهد القيصرة "كاترين" أُعطي المسلمون شيئًا من الحرية الدينية فأظهر هؤلاء الجوفاش إسلامهم، فاشتد عليهم الضغط عندئذٍ؛ ولكنهم صمدوا وبَقَوا على إسلامهم رغم التنكيل، وعندما أعلنت الحرية الدينية عام ۱۳۲۳ هـ (1905م) أظهروا إسلامهم في صورة جماعية أذهلت المراقبين وفاقت كل تصوُّر؛ إذ تحوَّل أكثر من مليون شخص إلى الإسلام من جديد في وقتٍ واحد[2].

حماسة في التمسك بالإسلام:

أخذ الإسلام ينتشر من جديد بين الشوفاش مثلما حدث مع إخوانهم من أهل باشكيريا وتتاريا وغيرهم من سكان الفولجا الأوسط، حتى أصبح المسلمون يمثلون الغلبة العددية بين جماعات الشوفاش، وكانوا سُنَّةً كمسلمي باشكيريا وتتارستان وعلى المذهب الحنفي كذلك، ويتبعون الإدارة الدينية لروسيا الأوروبية، ومركزها مدينة (أوفا) عاصمة "باشكيريا" على الرغم من أن لهم جمهورية ذات حكم ذاتي منذ عام (1344هـ/ 1925م)[3].

ومن مظاهر حماسة الشوفاش للإسلام وانتشاره بينهم، أنه في إحدى قراهم المسيحية، قضى قس هذه القرية سنوات كثيرة في جمع ثلاثمائة روبل روسي كانت ضرورية لإصلاح كنيسة القرية، في حين تحوَّلت ثماني أسرات شوفاشية إلى الإسلام، فجمع المسلمون ألفي روبل خلال بضعة أشهر لبناء مسجد لهم، كما خصَّصُوا دعمًا ماديًّا وعينيًّا لكل أسرة كانت تعتنق الإسلام، وإذا أسلمت أسرة أو عدة أسرات في قرية من قُرَاهم، كان الجميع يُسارعون إلى بناء مسجد لأداء صلاتهم، ومدرسة لتعليم أطفالهم، ومما لا شك فيه أن هذا النشاط يُعَدُّ علامةً وصفةً تتميَّز بها الدعوة إلى الإسلام في تلك المنطقة على وجه الخصوص [4].

دعوات للاستقلال وسط ترقُّب روسي مستمر:

بدأ المسلمون في منطقة حوض الفولجا بزعامة "قازان" ينادون بالانفصال عن روسيا الاتحادية، وتكوين اتحاد كونفدرالي من إقليمي "الأورال والفولجا"، يضم سبعة ملايين تتاري في ظل نظام جديد، وحكم إسلامي تحت اسم تتارستان، وعلى الرغم من أن هذا الاقتراح قُوبِل بالرفض والترقُّب من جانب روسيا التي ما زالت تعاني الأمرَّينِ من دعوات انفصال الشيشان المسلم، إلا أن أغلب الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز تأمُل في التطور المستقبلي للأمة التتارية والذي يرتبط بشكل مستمر ومتواصل بنمو وتطوير المؤسسات الإسلامية الرسمية، مع بعث التعليم المهني الإسلامي من أجل مواكبة تحديات العصر القادم.

 

• يرجع أصل الشوفاش إلى القبائل البلغارية التي كانت تعيش في الفولجا الأوسط؛ لذلك حدث نوع من الارتباط العِرْقي بينهم وبين جماعات "التتار" و"الباشكير".

• كانت تجمع التتار والباشكير والشوفاش دولةٌ أُقيمت بين مجرى نهري "کاما" و"الفولجا" فيما بين القرنين السابع والثامن الميلاديين.

• تاريخ "الجوفاش" هو ذاته تاريخ "الباشكير" و"التتار".

• انتشر الإسلام على ضفاف نهر الفولجا بشكل سلمي عن طريق التجارة، ويؤرخ البعض بدء هذا الانتشار إلى عهد الخليفة الأموي "عبد الملك بن مروان"، بينما يربطه البعض الآخر بفترة الخليفة العباسي "المأمون".

• وصل الإسلام إلى هذه المنطقة في بداية القرن الرابع الهجري، عندما وصل التجار المسلمون حوض نهر الفولجا، وأسلم شعب البلغار والتتار ومَن جاورهم من السكان كشعب الجوفاش.

• في عصر الخليفة العباسي "المقتدر" (295هـ - 320هـ) وصلت سفرة من الدولة العباسية لأهل المنطقة من العلماء الذين فقَّهُوهم في الدين.

• الدفعة الأساسية للدعوة الإسلامية في حوض الفولجا وصلت بإسلام المغول، وإنشاء دولة "القبيلة الذهبية" التي نشرت الإسلام بالمنطقة وما جاورها خلال القرن السابع الهجري.

• انضمت الجوفاش تحت حكم "خانية قازان" الإسلامية وشكلت أساس نهضة حضارية بالمنطقة قضى عليها الروس عند احتلال قازان والجوفاش عام 1552 م.

• اضطر أهل الجوفاش للتنصير رغمًا أيام الروس، غيرَ أنهم ظلوا على إسلامهم، وأثناء فترة الحرية الدينية رجع منهم أكثر من مليون شخص للإسلام.

• في أهل الشوفاش غيرة وحماسة على الإسلام، ولهم جهود طيبة في الدعوة والتمسُّك ببقايا الإسلام في مقاطعتهم.

 

[1] المسلمون في أوروبا: التاريخ والأقليات، مصطفى دسوقي كسبة، مجلة الأزهر: القاهرة (مصر)،  1417 هـ، صـ131.

[2] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، دار الشروق للنشر والتوزيع، 1983م، صـ114.

[3] المسلمون في الاتحاد السوفيتي سابقًا، محمود أبو العلا، مكتبة الأنجلو المصرية - القاهرة، 1993 م، صـ130، والأقليات المسلمة والصراعات العرقية في كومنولث الدول المستقلة الاتحاد السوفيتي سابقًا، هويدا محمد فهمي، مركز الدراسات الشرقية - القاهرة، 2000 م، صـ43.

[4] الدعوة إلى الإسلام، توماس أرنولد، ت: حسن إبراهيم حسن، وعبد المجيد عابدين، وإسماعيل البحراوي، مكتبة النهضة المصرية- القاهرة، 1970 م، صـ283.