كيف دخل الإسلام سيبيريا؟ (2)مقالات


"كوتشيم خان" بطل سيبيريا المسلمة:

• وقد غزا "كوتشيم خان" سيبيريا، وتولى أمرها عام 978هـ (1570م)؛ أي: في الوقت الذي كان فيه القيصر "إيفان الرهيب" يدكُّ عروش الخانات المسلمين من التتار في "قازان" و"أستراخان" و"أوفا"، ويمد سلطانه فيه عبر نهر الفولجا ونهر الأورال، ويُشيِّد بذلك إمبراطورية روسية أرثوذكسية ضخمة شديدة التعصب ضد المسلمين.

• وكانت مناطق سيبيريا قد دخلت في الإسلام سابقًا، من قبل وفود "كوتشيم خان" إليها، ومن هذه المناطق التي أسلم أهلها مدينة "سيبير" الواقعة على نهر "أوبي".. وقد عُرِفت البلاد التي تقع شرقي جبال الأورال - بعد ذلك - باسم سيبيريا على اسم مدينة "سيبير"[1].

• قام "كوتشيم خان" بجهود في نشر الدعوة، وقام بالتوسُّع على حساب الإمبراطورية الروسية؛ حيث هاجم أمراء التتار المتحالفين مع الرُّوس واستولى على ملكهم، ثم سعى في الإغارة على أملاك الأمراء الرُّوس المجاورين.

• لذا قام هؤلاء الأمراء بطلب المساعدة من روسيا التي أرسلت سرايا هاجمته واستولت على عاصمته "قاشليق" (أو سيبير) عام 1582م، فانسحب وبقي يخطط لاستعادتها، وقبل مضي عامين دخلها مرة أخرى عام 1584م، وأباد القوة الروسية وقتل قائدها "يرمك" القوزاقي.

• وقد حاول "كوتشيم" أن يُوحِّد الأمراء المسلمين المتنازعين، ويصنع منهم جبهة ضد أطماع روسيا؛ لكنهم رفضوا وفضَّلوا التعامل مع الروس، فاضطر للجهاد بمفرده ضد الرُّوس ورحل جنوبًا، وقد أنشأ كوتشيم "جيش الخان"، الذي يتألَّف من الكازاخستانيين، والنوغاز، والأوزبكيين مع أهل سيبيريا التتاريين وقام بقيادتهم ضد الرُّوس في معاركه الناجحة العديدة، حيث كانت إمارته أقصى امتداد للإسلام في شمال الأرض، ويقال: إنها وصلت للمحيط المتجمد الشمالي في حوالي عام 1580 م.

• وقد كانت أطماع القياصرة تتجه لتستولي على كل الأراضي الإسلامية القريبة منهم، وبدأوا في التخطيط لإسقاط "كوتشيم خان" بأي طريقة، وأرسلوا الجيوش لمهاجمته، حتى أُسِرَ ابنُه الأمير "أبو الخير" وزوجتاه في إحدى المعارك، وقد أعطى القيصر ابنه إقطاعات في روسيا ليستميل أباه للولاء له، وقد راسله القيصر وابنه وعرضا عليه إقطاعات في روسيا مقابل الاستسلام وحلف يمين الولاء له إلا أن "كوتشيم" رفض، وواصل القتال، وفي إحدى المعارك المتتالية هُزِم أتباعه هزيمة شديدة، وكاد يُؤسَر، وقُتِلَ اثنان من أبناء "كوتشيم خان"، وأُسِر خمسة منهم، وزوجاتهم، وثمانية من بناته؛ لكنه تمكَّن من الفِرار.

• وفي عام (1006هـ- 1598 م) استطاعت القوات الروسية القيصرية الاستيلاء على "سيبير"، ففر "كوتشيم" منها، وقد رفض السلطان "كوتشيم" الاستسلام رغم ذلك، وقال قولته الشهيرة: "لا أقبل عيش الأسير ولا موت الذليل، ولستُ أحزن لفقد أملاكي؛ وإنما حزني من أجل أولئك التعساء الذين وقعوا تحت الاستعباد الروسي".

• وسقطت إمبراطورية "كوتشيم خان"، على أيدي الرُّوس القياصرة، ودخلوا إلى عاصمتها، وأطلقوا على البلاد كلها "سيبيريا"، تيمُّنًا بنصرهم، وهكذا أصبحت البلاد الواقعة بين جبال أورال والمحيط الهادي تُعرَف بسيبيريا الآن[2].

• وبهزيمة "كوتشيم خان" ودخول الرُّوس، اضطر للفرار إلى أراضي قبيلة "نوغاي" في جنوب سيبيريا، ويُعتقد أن "كوتشيم خان" انتقل بعد ذلك إلى "بُخارى"، وأصبح رجلًا عجوزًا أعمى، ومات في المنفى مع أقاربه البعيدين في وقتٍ ما حوالي عام 1605 م.

• ونجد أن الرُّوس قد قاموا بترحيل أفراد أسرة "كوتشيم" إلى موسكو وبَقَوا هناك كرهائن، وقام القيصر الروسي بتقليد أبنائه بعض المناصب، وأنْعَم عليهم بإقطاعيات وأراضٍ، ونجد أن المتحدرين من عائلة "كوتشيم خان" أصبحوا يُعرَفون باسم "أمراء سيبرسكي"، واستمرت الأسرة على الأقل حتى أواخر القرن 19.

• وما زالت في المخيلة الشعبية لأهالي سيبيريا ذكرى الإمبراطور "كوتشيم خان" حاضرة، وينسجون حوله العديد من الأساطير التي تتعلَّق باختفائه وحياته، ويعتبرونه من أعلام سيبيريا ومؤسسها الحقيقي. 

سيبيريا تحت حكم الرُّوس:

نتيجة لبعد سيبيريا عن مركز الحكم الرُّوسي ونتيجة لطرد سكان "قازان" و"أستراخان" ونفيهم إلى سيبيريا ومجاهلها، فقد دخل سكان سيبيريا والقبائل التي تقطن فيما بين نهري "أوبي" و"إريتش" في الإسلام وذلك في عام 1158 هـ - 1745 م.. ولم يأت القرن الثالث عشر الهجري إلا  وأغلب هذه القبائل مسلمة.

وبما إن نكبات المسلمين قد توالت في "روسيا" و"القرم" و"تركستان" وغيرها من المناطق فإن السلطات القيصرية ثم البلشفية كانت تقوم بنفي المسلمين إلى مجاهل سيبيريا، ورغم الظروف القاسية التي يعيش فيها المسلمون المنفيون من ديارهم إلا أن كثيرًا منهم قام بنشر الإسلام فيمن حوله من القبائل السيبيرية، وهكذا انتشر الإسلام في سيبيريا انتشارًا عظيمًا.. ومنذ أن احتلَّ القياصرة سيبيريا الغربية سنة 988 هـ (1580 م) قام المسلمون بعدة ثورات أشهرها ثورة سنة 1186 هـ (۱۷۷۳ م) التي اضطرت القياصرة لإرسال جيوش ضخمة لإخضاعها[3].

• تشمل سيبيريا كامل منطقة آسيا الشمالية، وتمتد من جبال الأورال غربًا إلى المحيط الهادئ شرقًا.

• تعتبر سيبيريا وطن التتار الأصلي، وهي موطن الأقوام التورانية؛ حيث كانت تدار على شكل إمارات عبارة عن "خانيات" لفترات من الزمن.

• عرف أهل سيبيريا الإسلام عن طريق قوافل التجارة التي كانت تأتي من مدن (بُخاری وخيوه وطشقند وأوركانجه)، وبهذا الشكل كان أتراك آسيا الوسطى المسلمون يتاجرون مع أهل سيبيريا وينشرون الدعوة بينهم.

• دخل أهل سيبيريا في الإسلام في النصف الثاني من القرن الهجري الأول، وكانت هناك خانيات مسلمة أقامت حضارات مسلمة على مساحات واسعة من أرض سيبيريا.

• يعود الفضل الأكبر لانتشار الإسلام في سيبيريا إلى حركة الأمير "كوتشيم خان" لنشر الإسلام بين القبائل المجاورة في أصقاع سيبيريا، وتوسيع أملاكه، ومحاولة تأسيس إمبراطورية إسلامية في تلك المنطقة.

• أكَّد المؤرخون على دور خانية "بُخارى" و"خيوه" في نشر الإسلام في منطقة سيبيريا، حتى إنه كانت توجد عائلات كثيرة تُعرَف بلقب "بُخاري" بولايتي "توبولسك" و"تومسك".

• تم وَأْد إمارة "كوتشيم خان" على أيدي الروس، وهزموه، ودخلوا عاصمته عام 1598 م.

•  المحور الآخر الذي انتشر به الإسلام في مناطق سيبيريا الشاسعة، هو المحور الغربي القادم من "قازان" عاصمة جمهورية "تتاريا"، فلقد قدم التُّجَّار منها إلى سيبيريا، وظل المحور نشطًا حتى بعد سقوط دولة "کوتشيم خان".

• المحور الثالث الذي انتشر به الإسلام في المنطقة كان عن طريق المنفيين من جانب روسيا أيام القياصرة والشيوعيين إلى أصقاع سيبيريا؛ حيث مارس هؤلاء المسلمون الدعوةَ بين القبائل، ونجحت دعوتهم نجاحًا كبيرًا حتى إن هناك قبائل كاملة في سيبيريا تعتنق الإسلام.

•  صاغت القبائل المسلمة بسيبيريا قواعد الإسلام في أناشيد شعبية يتغنَّون بها، وبهذه الأناشيد استطاعت قواعد الدين أن تصل إلى قلوب الشعب في سهولة ويُسْر.

 

[1] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، دار الشروق للنشر والتوزيع، 1983م، صـ127.

[2] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، صـ289.

[3] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، صـ128.