حضارة الإسلام في أستراخان (2)مقالات


أستراخان ونزاعات الأمراء المسلمين:

نتيجة للخلافات بين أمراء "القبيلة الذهبية" وتنازعهم على الحكم وأماكن السيطرة على حوض نهر الفولجا، استغلت روسيا هذا الوضع، وقامت بتأجيج النزاع بينهم، والوقوف موقف الوسيط في حل مشكلاتهم تمهيدًا لالتهامهم، وقد بدأ "إيفان الرهيب" بالسيطرة على خانية قازان سنة 959هـ-1552م، ثم أتبعها بإسقاط خانية أستراخان سنة 965هـ-1557م، كما توسَّع صوب القوقاز الشمالي حتى بلغت قواته نهر "تيرك"، ليقيم بهذا التوسُّع أُسُسَ الإمبراطورية الروسية، وقد وجد القيصر الروسي في هذه المنطقة حلفاء له في وسط قوميات "الشركس" و"النوغاي" المسيحيين.

وما إن أتى عام 1560 م حتى كان "إيفان الرهيب" قد تمكَّن من السيطرة على سائر الخانيات أو الإمارات الإسلامية الواقعة على حوض الفولجا وضمَّها إلى حوزة روسيا، وأشرف بذلك إشرافًا كاملًا على مجرى النهر[1].

الرُّوس واضطهاد مسلمي تتار الفولجا:

اتخذ الروس سياسات هدم منظمة لأسس المجتمع المسلم في إمارات الفولجا كقازان وأستراخان وغيرهما، تعتمد على نفي الأئمة والدعاة أو اعتقالهم مع غلق المدارس الإسلامية وهدم المساجد، وإجبار المسلمين على التنصير، ومصادرة مساحات واسعة من أراضيهم الزراعية حيث عاش مسلمو "أستراخان" كأرِقَّاء في أرضهم عند الروس، وكانوا لا يتمتعون بمعاملة المواطن الروسي، وعاش المسلمون في حالة من الفقر المدقع، واستمر هذا الوضع على فترات متفرقة طيلة حكم روسيا القيصرية، بينها سنوات سمح فيها بعضُ القياصرة المعتدلون ببعض الحرية الدينية للمسلمين الذين كانوا ينشطون وقتها في بناء مساجدهم والدعوة للإسلام، ومحاولة إعادة الذين قامت السلطات الروسية بتنصيرهم قسرًا إلى الإسلام من جديد.

ونجد أنه في عام 1169 هـ - 1756 م تم تدمير 418 مسجدًا من مجموع المساجد التي كانت قائمة في "قازان" وحدها، والبالغ عددها 536 مسجدًا، كما تم تخريب 29 مسجدًا في "أستراخان"[2].

وعند قيام الثورة البلشفية عام 1917 م رغب الشيوعيون في تأييد مسلمي حوض الفولجا لثورتهم، فأعلنوا أنهم سيسمحون بحُريَّة الاستقلال للإمارات الإسلامية، فنشط المسلمون من جديد وأقاموا المؤتمرات في "قازان" وغيرها من مدنهم من أجل توحيد الصف المسلم؛ لكن تم خداع قيادات المسلمين، ولم تتغير سياسة الشيوعيين مع المسلمين؛ بل صارت أشد بطشًا وتنكيلًا بهم، وقامت بنفي زعمائهم وعلمائهم إلى سيبيريا للموت والإبادة، واغتالت العديد من السياسيين الإسلاميين الذين انضمُّوا تحت لواء الشيوعية أملًا في أي مكاسب للمسلمين التتار.

وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، نشط المسلمون من جديد على أمل الحصول على أي استقلال حقيقي، كما بدأ النشاط الإسلامي السياسي من خلال حركات إسلامية مع ‏ظهور "حزب النهضة الإسلامية" (يونيو 1991م)، والذي تشكَّل في مؤتمر للإسلاميين في "أستراخان" جنوب روسيا، وقد جعل مهمته الأساسية إرجاع المسلمين إلى حِضْن الإسلام.

وقد سمح الروس بإدارة ذاتية محدودة الصلاحيات لبعض المناطق الإسلامية من باب سياسة الاسترضاء السياسي، أما "أستراخان" فقد فصلتها عن "تتاريا" وضمتها لروسيا دلالة على أهميتها الحيوية؛ حيث تعد المنطقة بموقعها الاستراتيجي مركزًا هامًّا، وتقع المدينة على تقاطُع الطُّرُق التجارية القديمة بين أوروبا وآسيا، إلى جانب غناها بالثروات الطبيعية والبحرية؛ مما جعل "أستراخان" مركزًا صناعيًّا مُهِمًّا، خاصةً في مجال صناعة النفط والغاز والصناعات الغذائية وبالأخص صيد وتعليب الأسماك.

 

• أسَّس المغول "أستراخان" إلى جوار مدينة "أتيل" ببلاد الخزر، وكان اسمها القديم (الحاج طرخان).

• ذكرت المدينة لأول مرة في 1333 م، وشكلت في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلادي أحد المراكز التجارية والسياسية للقبيلة الذهبية.

• أعيد بناء "أستراخان" بعد تدمير "تيمورلنك" لها، وشكَّلت عاصمة "خانية أستراخان" حينما تولَّى أمرها الحاكم "جوكوس" سنة 842 هـ (1438 م).

• حاصرها "إيفان الرابع" وأحرقها عام 1557 م لتقع في قبضة الرُّوس، وتنتهي سيطرة المسلمين عليها.

• وصل الإسلام مناطق نهر أتيل (الفولجا) بواسطة التجار المسلمين الدُّعاة الذين كانوا يجوبون المنطقة منذ القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) ونتيجة لحركة التجارة خلال هذه المنطقة.

• شكَّلت "أستراخان" مع غيرها من بلدان نهر الفولجا أساس حضارة إسلامية رائدة أيام حكم خانات "القبيلة الذهبية".

• اتخذ الرُّوس سياسات هدم منظمة لأسس المجتمع المسلم في إمارات الفولجا كقازان وأستراخان، تعتمد على التنصير ونفي الدعاة المسلمين، واغتيال القادة السياسيين المسلمين.

• ما زالت روسيا تحتل أستراخان لأهميتها الاستراتيجية؛ حيث تقع المدينة على تقاطع الطرق التجارية القديمة بين أوروبا وآسيا، إلى جانب غناها بالثروات الطبيعية والبحرية.

 

[1] المسلمون في أوروبا: التاريخ والأقليات، مصطفى دسوقي كسبة، مجلة الأزهر: القاهرة (مصر)،  1417 هـ، صـ63.

[2] الإسلام والمسلمون في حوض الفولجا، د. ليلى عبد الجواد إسماعيل، دار الثقافة العربية- مصر، 1427 هـ - 2006 م، صـ145.