الإسلام في سيبيريا (2)مقالات


ثروات سيبيريا وفقر المسلمين:

تزخر سيبيريا بالعديد من الثروات الطبيعية التي حباها بها الله؛ حيث يأتي غالبية النفط والغاز الطبيعي الروسي من غرب سيبيريا، وتعتبر روسيا واحدة من أكبر مُصدِّري الغاز الطبيعي في العالم بسبب الغاز السيبيري.

ورغم أن سيبيريا لا تزال في أغلبها صحاري ثلجية، إلا أن الثروات الهائلة من الغاز الطبيعي والبترول جلبت إلى سيبيريا مشاريع ضخمة لاستخراج الغاز الطبيعي، وقد عقدت روسيا اتفاقات ضخمة مع ألمانيا الغربية وفرنسا لإمدادها بكميات هائلة من الغاز الطبيعي، وقد ساهمت شركات ألمانية وفرنسية ويابانية في عملية استخراج الغاز الطبيعي ومَدِّ خطوط أنابيب ضخمة تصل سيبيريا بغرب أوروبا.

وهذه المشاريع اجتذبت أعدادًا هائلة من سكان سيبيريا والجيران المسلمين من بلدان آسيا الوسطى من مختلف العرقيات، للعمل في هذه المنطقة ذات التضاريس القاسية، ورغم ذلك يغلب الوضع الاقتصادي المتدني على معظم هذه الجاليات؛ نتيجة ضعف الأجور وتدخل الحكومة الروسية في استغلال تلك الثروات ونهبها دون أي تنمية اجتماعية للمنطقة وأماكن تجمُّع المسلمين.

ومن مُدُن سيبيريا الهامَّة مدينة "سيبير" الإسلامية، ومدينة "أبركوتسك" التي تقع بالقرب من بحيرة "بايكال" والتي بها مراكز صناعية للآلات وصناعة الأحذية، كما أن بها مناجم للفحم والملح، ويبلغ عدد سكانها أكثر من ربع مليون أكثرهم مسلمون.

ولا تعتبر سيبيريا حقل غاز أو بئر بترول فحسب؛ بل هي أيضًا منجم ذهب كبير، وتحاول السلطات الروسية التكتُّم على هذه الثروة الذهبية الصفراء واستغلالها ببطء.

أفكار استقلالية لمسلمي سيبيريا:

نظرًا لتعدُّد القوميات الإسلامية التي تم تهجيرها إلى سيبيريا برزت أول دعوة نادَتْ بضرورة وحدة المسلمين في المناطق والأقاليم التابعة لروسيا في دولة إسلامية واحدة؛ ولكن هذه الدعوة لاقت معارضة شديدة من الرُّوس، واستمر منهج المعارضة الروسي حتى وقتنا الحاضر، مع مراقبة شديدة لتحركات الأئمة والدُّعاة بالمنطقة.

ونجد بعد انفتاح روسيا إثر سقوط الاتحاد السوفيتي، حصل اختراق ولو جزئي للهيمنة السوفيتية والصينية بحيث صارت كل من هاتين الدولتين تتنافسان في اكتساب ودِّ مناطق البترول، مثل منطقة "سيبيريا" النفطية، وتنعكس النوايا إيجابيًّا على الأقليات المسلمة فيهما، الأمر الذي أدَّى إلى انتعاش تلك الأقليات وسماع صوتهم والسماح لهم بممارسة شعائرهم الدينية وإقامة المساجد وترميم ما كان قد تهدَّم، وإعادة ما صار منها من كنائس أو مستودعات إلى مساجد للمسلمين مرة أخرى[1].

أعلام مسلمة من سيبيريا:

ظهر في سيبيريا عددٌ من أعلام المسلمين، منهم حُكَّام أو خانات "خانية سيبير" المسلمون، الذين كانوا سببًا في نشر الإسلام في أصقاع سيبيريا، ومحاولة توحيد القبائل التتارية في روسيا تحت راية الإسلام، وأُسِّست هذه الخانية في القرن الخامس عشر، ومن أبرز أمرائها الأمير أو الخان "كوتشيم خان" صاحب أول دولة إسلامية خالصة قامت على أرض سيبيريا عام 978 هجرية؛ أي: ما يُقابل 1570 ميلادية، ودام حكمها عشرَ سنوات.

وأيضًا يعد الأمير "أبو الخير خان" من أشهر خانات سيبيريا (حكم من 1428- 1468م)، وهو مَنْ سَكَّ العملة في العاصمة "تشينغي- تورا"، وكانت له جهود ملموسة في محاولة توحيد التتار من جديد وإعادة مجد أجداده من حكام "القبيلة الذهبية".

أما الخان "محمد تايبوغا" (حكم بين عامي 1495- 1502م)، فهو الذي نقل العاصمة إلى "قاشليق" التي تحوَّلت إلى "سيبير" فيما بعد، ونسبةً لها سميت الخانية بالسيبيرية.

وأيضًا من أعلام سيبيريا السلطان "دولت غيراي" (حكم 1662- 1665 م)، الذي حارب الرُّوس عدة سنوات.

وأيضًا من أعلام سيبيريا الشيخ "عبد الرشيد إبراهيم" (1857-1944م): وهو داعية وأديب ومفكر، ولد في مدينة "تارا" بسيبيريا لأسرة متدينة، وارتحل في طفولته في سن الثانية عشرة إلى الحجاز؛ حيث لبث هناك يتعلَّم علوم العربية والشريعة مدة عشرين عامًا تكوَّنت فيها شخصيته الفريدة الدعوية، ونال الإجازة هناك، وفي هذه الأثناء التقى بعَلَمٍ إسلامي آخر هو "الإمام شامل" والذي كان لقاؤه نقطة تحوُّل في تفكيره؛ حيث اقتنع أن الإسلام قضية حياة ينبغي العمل لها والدفاع عنها، وبعد عودته لبلاده شغل منصب رئيس المجلس الروسي لمسلمي روسيا عام 1892 م ووقتها قرر الشيخ أن يبدأ رحلة تجواله في بلاد المسلمين للتعريف بقضية مسلمي روسيا مستعينًا بدولة الخلافة العثمانية التي كانت في طريقها للسقوط والزوال، وكانت أوروبا تطلق عليها "الرجل المريض"، وقضى الشيخ جُلَّ حياته في الترحال؛ ففي عام 1897 بدأ من إسطنبول برحلة استمرت 3 سنوات وشملت: مصر والحجاز وفلسطين وإيطاليا والنمسا وفرنسا وبلغاريا والهند ثم تركستان الصين ومنها إلى مسقط رأسه في سيبيريا.

وفي عام 1908 و1909م قام برحلة أخرى إلى بلدان شرق آسيا مارًّا بمنشوريا ومنغوليا والصين، وكوريا، ثم اليابان التي أعجب بالنظام الذي يسود حياتهم، وأهم من ذلك كله استعدادهم الكبير للإسلام، ونجد أنه بعد حياة حافلة بالنضال الديني والسياسي قرر التفرُّغ لدعوته للإسلام ببلاد اليابان والاستقرار بها عام 1934 م ليقضي بقية حياته الحافلة بها ويساهم في دخول الإسلام لليابان؛ حيث كان من أوائل الدُّعاة بها وأنشأ جامع (طوكيو) وعمل فيه إمامًا عام 1938 م ونجح في الحصول على اعتراف رسمي من الحكومة اليابانية بالدين الإسلامي وإزالة المعلومات المغلوطة التي تهاجم الإسلام والعثمانيين من المناهج الدراسية.

وقد توفي الشيخ "عبد الرشيد إبراهيم" في اليابان عام 1944 م بعد رحلة عطاء استمرت ما يُقارب مائة عام في سبيل الدعوة للإسلام، والتعريف به في كل بلد حَطَّ به رحاله.

 

• يبلغ عدد المسلمين في سيبيريا أكثر من أربعة ملايين نسمة من إجمالي عدد السكان.

• قام الروس بتقسيم منطقة سيبيريا الكبيرة إلى ثلاثة ألوية فيدرالية؛ هي: جزء من لواء الأورال، ولواء سيبيريا، ولواء الشرق الأقصى؛ لسهولة السيطرة عليها، وتفكيك وحدة المسلمين بها.

• لا تخلو مقاطعة أو محافظة في سيبيريا من جالية إسلامية، من قوميات مختلفة، نتيجة هجرات المسلمين المتتالية إلى سيبيريا.

• من أهم القوميات المسلمة في سيبيريا: التتار، والأذر، والقازاق، والأوزبك، ومسلمو حوض الفولغا (تتار كازان، ونيجني نوفغورود)، والبشكير.

• تعتبر محافظة "تيومين" أحد مراكز الإسلام والمسلمين في سيبيريا، وفيها قامت "خانية التتار" أيام "كوتشيم خان".

• محافظة "أومسك" هي المحافظة الثانية من حيث الكثافة السكانية الإسلامية؛ حيث يبلغ عدد المسلمين فيها ما يزيد عن 190 ألف نسمة.

• لا تخلو مدينة أو قرية في سيبيريا من مسجد، ويزيد عدد المساجد بها عن مائة مسجد، تنتشر في كامل سيبيريا وحتى آخر مكان تشرق منه الشمس بها.

• ظهر في سيبيريا عدد من أعلام المسلمين، منهم حكام أو خانات "خانية سيبير" المسلمون، ومن الدعاة يبرز اسم الشيخ الرحَّالة "عبد الرشيد إبراهيم".

• يمكن أن يطلق على "سيبيريا المسلمة" الإسلام في نهاية العالم؛ حيث تمثل سيبيريا آخر حدود الأرض المعمورة التي تشرق عليها الشمس.

 

[1] الأقليات المسلمة في العالم، د. أحمد الخاني، صـ35.