الإسلام في تتارستان (تتاريا) (2)مقالات


الروس يحتلون خانية قازان:

احتل الروس "قازان" بعد قتال مرير يوم 24 شوال عام 959 هـ الموافق 2 أكتوبر 1552 م بقيادة "إيفان الرهيب" وأزالوا الخانية وضمُّوها إلى موسكو، بعد أن بقيت مدة مائة وثماني عشر سنة قلعةً من قِلاع المسلمين على نهر الفولغا.

وقد أُرهق التتار المسلم في جحيم القياصرة؛ حيث عمد الرُّوس إلى قتل نُخَب الشَّعْب من العلماء والقادة، وقاموا بهدم المساجد وتحويلها إلى مستودعات، كما أغلقوا المدارس الإسلامية، وأجبروا المسلمين على التنصُّر وترك الإسلام، ولقد استولى الرُّوس على جميع الأراضي الخصبة المنتشرة طول نهر الفولجا وروافده، ونهر الأورال وروافده، يقول كل من المؤرخين: "ألكسندر بينغسن، شانتال لوميرسية كيلكجاي" في كتابهما: "المسلمون المنسيون في الاتحاد السوفيتي": "لقد طُرِدَ المسلمون من المدن المُهِمَّة، وشُيِّدت قلاع في النقاط الاستراتيجية التي يقطنها الروس، وهكذا راحت الشعوب الإسلامية الأصلية لتلك المناطق تتحول إلى أقلية ريفية محضة يؤطِّرها المستعمرون الرُّوس".

ولقد دمجت الإمارات الإسلامية بـ"المملكة المسكوبية" الروسية، وعُومِل الشعب كرعايا من الدرجة الثانية، ولم تكن للمسلمين الحقوق التي للمسيحيين، وكانت سياسة "إيفان" والقياصرة من بعده تتلخَّص فيما يلي:

بالنسبة للأشراف المسلمين الخيار بين:

1) قبول مبدأ التعيين مع الارتداد إلى المسيحية.

2) الخراب الاقتصادي.

3) التصفية الجسدية لمَنْ يُبْدي أقل مقاومة للسلطة الروسية[1].

وقد أُلغيت الكتابة بالحرف العربي وحُوِّلت إلى الحرف الرُّوسي تغييرًا للهوية.

ولما حانت فرصة "حرية التدين" عام 1905 م أعلن  53 ألفًا في "تتارستان" إسلامَهم، وكان معظمهم قد تنصَّر في الظاهر، وفي عام 1909 م دخلت أكثر من 90 أسرة في الإسلام.[2]

تتارستان تحت حكم الشيوعيين:

وذاق المسلمون ضعف ما ذاقوه مِن قَبْلُ من التنكيل، في جحيم الشيوعية الذي فاق كُلَّ جحيم في عهد القياصرة.

فقد تعرضت المساجد ودُورُ العبادة الإسلامية في أكثر من مقاطعة بحوض نهر الفولجا للهدم والإغلاق والاعتداءات والانتهاكات الجسيمة، وحوَّلَتْ سلطات مقاطعة "تتاريا" الروسية سبعمائة مسجد بها إلى إصطبلات للخيول[3].

كما حَوَّلوا آلاف المدارس الإسلامية في "قازان" إلى مدارس لتعليم الشيوعية، كما حطَّمُوا المطبعة الإسلامية التي كانت تطبع القرآن الكريم، ومئات الكتب الإسلامية، وكذلك استولوا على جامعتها الإسلامية التي كان يدرس فيها سبعة آلاف طالب وحوَّلُوها إلى جامعة شيوعية، كما فصلوا مدينة "الحاج طرخان" (أستراخان) عن تتاريا، وأصبحت تابعة لروسيا مباشرة[4].

كما قامت روسيا البلشفية بمحاولة استمالة القادة التتاريين من أعلام الحركة الإسلامية - في البداية - للتعاون معها بحجة إقامة اتحاد إسلامي مستقل لتلك البلدان الإسلامية؛ حيث كان هناك اعتقاد ساذج بأن ثورة أكتوبر 1917 م ستكون في الأقاليم الإسلامية امتدادًا لحركة الإصلاح التجديدية؛ لكن قام كُلٌّ من "لينين" و"ستالين" بالتصفية الجسدية لجميع من تعاون معها من "الإسلاميين الشيوعيين" أو "رفاق الأمس" الذين وطَّدُوا لهم أركان حكمهم الاستعماري في المناطق الإسلامية!

استقلال وهمي وإدارة روسية خالصة:

تضع روسيا يدها على جمهوريا "تتاريا" منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، ومع كونها كيانًا فيدراليًّا داخل روسيا، فإن السيطرة الفعلية للرُّوس، الذين يزاحمون السكان التتار المسلمين في الوظائف وإدارة ثروات البلاد، فجمهورية تتاريا غنية بثرواتها الزراعية، وكذلك بثرواثها المعدنية، وأهم منتجاتها الحبوب؛ كالقمح والشعير والشوفان، ويُعتبَر النفط موردًا هامًّا في تتاريا وإنتاجها من النفط يزيد على عشرين مليون طن سنويًّا.

وعلى الرغم من معاناة مسلمي تتارستان، فهناك صحوة إسلامية واعدة في الحقبة الأخيرة، وقد بلغت نسبتهم حوالي 70 بالمئة من تعداد السكان، كما بلغ عدد حَفَظةِ القرآن الكريم 30 ألف مسلم، وقاموا أخيرًا بتجديد المساجد وترميم الآثار الإسلامية التي تعرَّضت للهدم والإزالة في الحقب الماضية، ولا ينقصهم سوى الدعاة القادرين على تعليمهم اللغة العربية[5].

 

• تعتبر قازان بتتارستان من المدن الإسلامية العريقة في روسيا، قامت فيها "خانية قازان" إحدى خانيات المغول التي ساد حكمها أراضي فولجا بلغاريا بين 1438 و1552 م.

• منطقة تتاريا منطقة زراعية خصبة.. ولا تشتهر تتاريا بثروتها الزراعية فحسب؛ وإنما حباها الله أيضًا ثروة بترولية هائلة تنافس "باكو" الشهيرة؛ مما جعلهم يُطلقون عليها اسم "باكو الجديدة".

• يعد التتاريون من سكان "تتاريا" من أفراد "القبيلة الذهبية" الذين نشروا الإسلام في حوض نهر الفولجا في القرن الثالث عشر الميلادي.

• دخل الإسلام منطقة حوض نهر الفولجا بواسطة التجار المسلمين والدُّعاة منذ القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي).

• زار الرحَّالة المسلم ابن فضلان المنطقة في القرن الرابع الهجري، بوفادة من الخليفة العباسي "المقتدر"، ووصف ملكها المسلم، وأهلها؛ مما يعني أن الإسلام دخل منطقة حوض الفولجا منذ وقت مبكر.

• الإسلام كان منتشرًا في تلك المنطقة بداية القرن الرابع الهجري، وكان نهر الفولجا نهرًا إسلاميًّا خالصًا.

• كانت الفترة الذهبية في حضارة قازان مع إنشاء "خانية قازان" في القرن الثالث عشر الميلادي أيام حكم مغول القبيلة الذهبية.

• في عهد "أولوغ محمد" كانت قازان تأخذ الجزية من موسكو؛ لكن انهارت الخانية في عهد أبنائه حتى سقطت في أيدي الروس عام 1552 م.

• عانى الشعب التتاري من التنكيل والاضطهاد وهدم المساجد أيام كُلٍّ من روسيا القيصرية والبلشفية.

• هناك صحوة إسلامية بين مسلمي "تتارستان" حاليًّا، ويبلغ المسلمون 70 ٪ من جملة سكانها.

 

[1] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، صـ87.

[2] الأقليات المسلمة في العالم ( في آسيا )، أحمد الخاني، نُشِر على شبكة الألوكة، 1434 هـ - 2013 م، صـ54.

[3] منظمة المؤتمر الإسلامي وقضايا الأقليات الإسلامية، محمد علي القليبي، رسالة دبلوم الدراسات المعمقة في العلوم السياسية (غير منشورة)، جامعة تونس، كلية الحقوق والعلوم السياسية، 1986م، صـ 38.

[4] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، صـ109، 110.

[5] المسلمون المنسيون في جمهورية تتارستان، نجاح إبراهيم منصور، مجلة الوعي الإسلامي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، س52, ع598، 1436 هـ - 2015 م، صـ85.