الإسلام في تتارستان (تتاريا) (1)مقالات


• تعتبر قازان بتتارستان من المدن الإسلامية العريقة في روسيا، قامت فيها "خانية قازان" إحدى خانيات المغول التي ساد حكمها أراضي فولجا بلغاريا بين 1438 و1552 م.

• منطقة تتاريا منطقة زراعية خصبة.. ولا تشتهر تتاريا بثروتها الزراعية فحسب؛ وإنما حباها الله أيضًا ثروة بترولية هائلة تنافس "باكو" الشهيرة؛ مما جعلهم يُطلقون عليها اسم "باكو الجديدة".

• يعد التتاريون من سكان "تتاريا" من أفراد "القبيلة الذهبية" الذين نشروا الإسلام في حوض نهر الفولجا في القرن الثالث عشر الميلادي.

• دخل الإسلام منطقة حوض نهر الفولجا بواسطة التجار المسلمين والدُّعاة منذ القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي).

• زار الرحَّالة المسلم ابن فضلان المنطقة في القرن الرابع الهجري، بوفادة من الخليفة العباسي "المقتدر"، ووصف ملكها المسلم، وأهلها؛ مما يعني أن الإسلام دخل منطقة حوض الفولجا منذ وقت مبكر.

• الإسلام كان منتشرًا في تلك المنطقة بداية القرن الرابع الهجري، وكان نهر الفولجا نهرًا إسلاميًّا خالصًا.

• كانت الفترة الذهبية في حضارة قازان مع إنشاء "خانية قازان" في القرن الثالث عشر الميلادي أيام حكم مغول القبيلة الذهبية.

• في عهد "أولوغ محمد" كانت قازان تأخذ الجزية من موسكو؛ لكن انهارت الخانية في عهد أبنائه حتى سقطت في أيدي الروس عام 1552 م.

• عانى الشعب التتاري من التنكيل والاضطهاد وهدم المساجد أيام كُلٍّ من روسيا القيصرية والبلشفية.

• هناك صحوة إسلامية بين مسلمي "تتارستان" حاليًّا، ويبلغ المسلمون 70 ٪ من جملة سكانها.

 

نبذة عامة عن تتارستان:

جمهورية "تتارستان" هي إحدى الكيانات الفدرالية في روسيا، تقع في القطاع الشمالي الغربي من حوض الفولجا، وتحدُّها "باشكيرستان" من الشرق، و"أدمورت وماري" من الشمال والشمال الغربي، و"اليانوفسك" من الجنوب، و"الشوفاش" من الغرب، وتبلغ مساحتها حوالي 68000 كيلو متر مربع، وتجاوز سكانها 4 ملايين نسمة، بينما يبلغ عدد سكان العاصمة (قازان) 1.1 مليون نسمة، وهي تُعتبر من المدن الإسلامية العريقة في روسيا، قامت فيها "خانية قازان" إحدى خانيات المغول التي ساد حكمها أراضي "فولجا بلغاريا" بين 1438 و1552 م[1].

وأرض تتارستان سهلية منبسطة في جملتها، تتخلَّلها بعض المرتفعات المتناثرة بين جبال "أورال" في الشرق، وتلال "بنزا" في الغرب، وتلتقي بها روافد عديدة لنهر الفولجا - الذي يخترقها من الشمال إلى الجنوب، وأهم هذه الروافد نهر "كاما" الذي يأتي من الشرق حيث يلتقي بنهر "الفولجا" الآتي من الغرب.. ولذا كانت منطقة تتاريا منطقة زراعية خصبة.. ولا تشتهر تتاريا بثروتها الزراعية فحسب؛ وإنما حباها اللهُ أيضًا ثروةً بتروليةً هائلةً تنافس "باكو" الشهيرة؛ مما جعلهم يُطلِقون عليها اسم "باكو الجديدة"[2].

كيف دخل الإسلام تتارستان؟

• يُعَدُّ التتاريون من سكان "تتاريا" من أفراد "القبيلة الذهبية" من نسل "جوجي بن جنكيز خان" الذين دخلوا في الإسلام في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) بإسلام الملك المغولي "بركة خان بن جوجي" الذي تولى أمر هذه القبيلة سنة 654 هـ (1256م) والذين حكموا روسيا واستوطنوا مجرى نهر الفولجا، وأقاموا فيه المدن العظيمة؛ مثل: "قازان" و"السرا" و"الحاج طرخان" (أستراخان) وغيرها.

• وقد دخل الإسلام منطقة حوض نهر الفولجا بواسطة التجار المسلمين والدُّعاة منذ القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، وكان هذا الطريق التجاري يُعرَف بطريق الفِراء؛ لأن التجار المسلمين كانوا يجلبون الفِراء من شمال بلاد بلغار الفولجا ويبيعونها بعد ذلك في مختلف مناطق آسيا حتى الصين، كما كانوا يقومون بتجارة الحرير الممتدة من الصين شرقًا وحتى البحر الأسود غربًا، ومع التجارة نشروا الدعوة للإسلام.

• ومن ضمن شواهد انتشار الإسلام في حوض نهر الفولجا، ما وصفه الرحَّالة المسلم "ابن فضلان" في رسالته التاريخية مجيء وفد من بلاد بلغار الفولجا إلى الخليفة العباسي "المقتدر" حيث شرحوا له إسلامهم وحاجتهم إلى علماء ومرشدين، كما شرحوا له حاجتهم إلى مهندسين وخبراء عسكريين ليبنوا لهم الاستحكامات العسكرية؛ حيث إنهم مُحاطون بأُمَّة همجية شديدة البأس والعدوان هي أمة الروس، وأمر الخليفة العباسي "المقتدر" بتشكيل وفد كبير برئاسة ابن فضلان وآخرين من الوجهاء، كما ضَمَّ هذا الوفد مجموعةً من الفقهاء والصيادلة والأطباء والمستشارين العسكريين، وكانت هذه الرحلة إلى الفولجا في 11 صفر 309 هـ (21 يونيه ۹۲۱ م) متجهة إلى ملك البلغار المسلم "ألمش بن يلطوار"؛ مما يعني أن الإسلام كان منتشرًا في تلك المنطقة بداية القرن الرابع الهجري، وأن نهر الفولجا كان نهرًا إسلاميًّا[3].

قازان تُعيد مجد دولة المغول الذهبية:

بعد أن ظهرت دولة  مغول "القبيلة الذهبية" التي كانت تتركَّز حول نهر الفولجا، وازدهرت أحوالها في عهد الملك المسلم "بركة خان" واتسعت غربًا حتى وصلت إلى جبال الكربات عبر روسيا وبولونيا والمجر وساحل دلماسيا، وكان حكام القبيلة الذهبية قد أنشاوا مدينة "قازان" على ضفاف الفولجا شمال مدينة "بلغار" في القرن 13 الميلادي، في عهد "باتو خان"، وقد اشتهرت هذه المدينة فيما بعد وأصبحت من أهم مدن نهر الفولجا، كما ازدهرت مدينة "بلغار" في عهد حكم القبيلة الذهبية، وأصبح لها مكانة اقتصادية وسياسية؛ حيث كانت أحد المقرَّات الرئيسية لباتو خان وسكَّت فيها النقود[4].

مرَّت هذه الدولة بعدة تقلُّبات في عهد خلفاء "بركة خان" نتيجة الصراع بين الأُمراء والقادة المُتوثِّبِينَ على العرش، وسعي كُلٍّ منهم إلى إعادة توحيد البلاد تحت رايته؛ لكن دولتهم تفكَّكَتْ إلى أربع خانيات، كان من أهمها "خانية قازان".

وفي عام 1438 م، أصبحت قازان عاصمة "خانية قازان"، التي عُرفت أيضًا باسم "بلغار جديد"؛ أي: "بلغار الجديدة"، ويُعتبَر "أولوغ محمد" (1438 - 1446م) هو أول حُكَّام هذه الخانية التي نشأت على أرض "تتارستان"، والذي استطاع أن يُعيد بعضًا من مجد القبيلة الذهبية التي كانت في طور الاحتضار، وحاول أن يُوحِّد أراضيها التي تقسَّمت ومُزِّقَت إلى عدة خانيات، وكانت أول خطوة في ذلك عام 1439 م حين اتَّجه غربًا، وهاجم موسكو وحاصرها؛ لكنه ما لبث أن فكَّ حصارها بعد أن جَمَع غنائم أهلها، ثم عاود الغزو مرة أخرى عام 1445 م ودمَّر مدينة "كولوما" القريبة منها، وأسر أمير موسكو "فاسيلي الثاني" Vasily ثم أطلق سراحه فيما بعد بموجب اتفاقية من خلالها تلتزم موسكو بالدفع لخانية قازان تعويضات مالية، وتُنشئ خانية بالقرب منها في "غورودوك" Gorodok على نهر "أوكا" Oka تُعطى لأحد أبناء "أولوغ محمد" وهو "قاسم"، وكان الهدف من إقامة هذه الخانية هو مراقبة تحرُّكات موسكو كي يتمكن "أولوغ محمد" من التدخل عند الضرورة لحماية خانيته، وكانت جميع مصاريف الجيش المرابط في هذه المنطقة تقع على عاتق المدن الروسية بالإضافة إلى ضريبة سنوية كانت مفروضة على موسكو.

وبوفاة "أولوغ محمد" عام 1446 م تولى أبناؤه من بعده، وكانوا ضعفاء، حيث استغلت روسيا الشقاقات بينهم، وقامت بإثارة النزاع بينهم لتقوية مركزها، ولم تعمِّر "خانية قازان" طويلًا؛ إذ شهدت نهضة روسيا المجاورة على يد القيصر "إيفان الرهيب"، الذي مال إلى التوسُّع على حساب جيرانه المسلمين من المغول الذين كانوا في غاية من الضعف والتدهور.

 

[1] الموسوعة الجغرافية للعالم الإسلامي، مج 14، منشورات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1419 هـ - 1999م، صـ309.

[2] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، دار الشروق للنشر والتوزيع، 1983م، صـ107.

[3] المصدر السابق، صـ81-82.

[4] أقليات إسلامية منسية: المسلمون في تتارستان (روسيا)، القرم (أوكرانيا)، مقدونيا، اليونان، سعيد إبراهيم كريديه، دار جداول، 1430 هـ - 2009 م، صـ27.