كيف دخل الإسلام بشكيريا؟ (2)مقالات


الرُّوس يحتلون أرض البشكير:

عندما بدأ الغزو الروسي كانت مجتمعات المسلمين تتركَّز في ثلاث مناطق أساسية:

• آسيا الوسطى (بلاد ما وراء النهر) وكان يسكنها 75 ٪ من مجموع السكان المسلمين.

• منطقة شمال القوقاز وكان بها 12 ٪ من المسلمين.

• منطقة حوض نهر الفولجا الأوسط وجنوب الأورال وبها 13 ٪ من المسلمين[1].

وقد كان أول احتكاك بين الدولة الروسية الوليدة وبين المسلمين في المناطق الأوروبية التي تقع اليوم ضمن الاتحاد الروسي ونعني بها حوض نهر الفولجا الأوسط، وقد شجَّع الروس على هذه الهجمة المبكرة تفكُّك الأسرة الحاكمة التي كانت تحكم روسيا باسم "القبيلة الذهبية".

استطاعت روسيا بقيادة ملكها المسمى "إيفان الرهيب" أن تستولي في هذه المرحلة المبكرة على "قازان" سنة 1552م وعلى "أستراخان" سنة 1556 م.

وباستيلائهما على تلك المنطقتين المُهِمَّتَينِ سهل عليهم إسقاط أرض البشكير عام (965 هـ - 1557 م).

وقد صنع الروس بالبشكير ما صنعوه بالقازانيين؛ حيث هدموا المساجد وبيوت المسلمين، وقاموا بتهجير مجموعة منهم إلى أراضي الصقيع، وواجه البشكير نفس حرب الإبادة التي واجهها تتار الفولجا، وفرض عليهم التنصير أو القتل أو التشريد، وشكَّلوا مع تتار الفولجا الشتات التتاري المعروف باسم "الدياسبورا" والذي امتدَّ على طول الأراضي التي احتلتها روسيا القيصرية، وقد استطاعت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية أن تفرض التنصير على 15 ألفًا من "الناغايبك" إحدى قبائل البشكير، وذلك في القرن الثامن عشر الميلادي[2].

ثورات البشكير في سبيل الحفاظ على الإسلام:

وقد قام البشكير بعدة ثورات ضد حكم القياصرة، وضد تلك الإجراءات التنصيرية، أشهرها ثورة (۱۱۸۷ هـ - ۱۷۷۳ م).. وقد أُخمدت جميع هذه الثورات بقسوة بالغة[3].

وفي عهد القيصرة "كاترين الثانية" التي أعطت المسلمين شيئًا من الحرية الدينية نشط البشكير نشاطًا عظيمًا في بناء المساجد والمدارس الإسلامية، ورغم أن عهد التسامح الديني لم يَدُمْ بعد وفاة "كاترين"؛ لأن خلفاءها عادوا إلى سياسة الكبت والضغط على المسلمين، ورغم أنه لم يُسمَح ببناء مساجد جديدة في عهودهم إلا أن ما بقي من المساجد التي شُيِّدت بكثرة في عهد "كاترين" بلغ عام (1315 هـ - 1897 م) 1555 مسجدًا، كما كان يوجد في هذا الوقت أيضًا 6220 مدرسة إسلامية.

بشكيريا في عهد السوفيت:

في ثورة (1336 هـ - 1917م) البلشفية وقف "البشكير" أولًا مع قوات "الحركة البيضاء"[4]، وأقاموا دولتهم بزعامة "زكي والدي طوقان"، وحاربوا مع "الأمير كولتشاك" القوات البلشفية؛ لكن رفضَ "كولتشاك" أن يعطي المسلمين أيَّ نوع من الحُريَّات الدينية والسياسية، فاتجه "زكي طوقان" لتأييد "لينين" الذي كان في بداية الثورة يُنادي بحق المسلمين في إنشاء دولة مستقلة إسلامية، والقضاء على ظلم القيصريين الرُّوس تجاه المسلمين.

غدرَ "لينين" بالمسلمين، ففرَّ "زكي والدي طوقان" مع أفراد حكومته البشكير إلى مناطق الثورة ضد "لينين" في "تركستان"، وانضم إلى ثورة "الباسماش" الشهيرة ضد الشيوعيين عام 1339 هـ - 1920 م[5].

قام الشيوعيون بجعل "بشكيريا" جمهورية سوفيتية ذات حكم ذاتي، وأعطوهم استقلالًا ظاهريًّا، وأعلنوا قيام جمهورية باشكيريا في سنة (1338 هـ - 1919 م)، وفي المقابل قامت بعملية إبادة واسعة النطاق بالمسلمين البشكير شديدي المراس؛ حيث هدموا العديد من المساجد، وأُلغيت المدارس الإسلامية، وقاوم الباشكير هذه الحملة، وأمام مواقفهم الصلبة اضطر الشيوعيون لاتِّباع سياسة المهادنة مع قياداتهم، وأصبحت العاصمة "أوفا" مقرًّا للإدارة الدينية لمسلمي القسم الأوروبي من الاتحاد السوفيتي ومسلمي سيبيريا منذ سنة 1943م، كما جعلوا "أوفا" مركزًا لمفتي روسيا.

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي استمر وضع بشكيريا كجمهورية ذاتية الحكم تقع ضمن نطاق روسيا الاتحادية، في ظل ترقُّب حذر من روسيا لأي مطالبات بالاستقلال من مسلمي "بشكيريا"، ومراقبة لنشاطات المسلمين في تلك المنطقة حتى وقتنا الحالي.

• جمهورية "باشكير ستان" هي جمهورية إسلامية ذاتية الحكم، تقع ضمن نطاق روسيا الاتحادية، تشكلت في وقت معاصر لتشكيل جمهورية "تتارستان" (۱۹۲۰م).

• تشغل "بشكيريا" موقعًا متوسطًا بين آسيا وأوروبا؛ لهذا قام "الباشكير" بدور مُهِم في نشر الإسلام بين الشعوب المجاورة والعابرة بين القارتين.

• دخل البشكير في الإسلام منذ وقت مبكر بعد دخول الإسلام إلى نهر الفولجا في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي).

•  لم يأت القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) إلا وقد كان البشكير جميعًا قد دخلوا في الإسلام وذلك على يد الدعاة إلى الله من التجار المسلمين.

• أرسل الخلفاء العباسيون الدعاة إلى "بشكيريا" لتفقيه أهلها في الدين، ووصل إليها "ابن فضلان" الجغرافي المشهور وكتب عنها.

• شارك "البشكير" مع مغول "القبيلة الذهبية" في الفتوح الإسلامية إبان القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي).

• جَنَّد المماليك عددًا من البشكير كجنود، وشارك أهل البشكير في ممالك الإسلام على اختلاف عهودها في نشر الإسلام وتبليغ الدعوة.

• استولت روسيا القيصرية على أراضي البشكير عام 1557 م، وساموا أهلها سوء العذاب، وساهموا في إبادة النسل البشكيري.

• حاول البشكير أثناء الثورة البلشفية إنشاء وطن مستقل لهم؛ لكن خدعهم الجميع، ومنحوهم استقلالًا ظاهريًّا، وساهمت الشيوعية في جعل "بشكيريا" قطرًا إسلاميًّا منسيًّا جديدًا حتى بين المسلمين أنفسهم.

 


[1] الإسلام والمسلمون في آسيا الوسطى والقوقاز، محمد يوسف عدس، إصدارات مركز دراسات الجامعة الإسلامية العالمية بكوالالمبور- ماليزيا، 2017 م، صـ47.

[2] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، صـ 112.

[3] تركستان، محمود شاكر الحرستاني، دار الإرشاد للنشر والتوزيع- بيروت، 1390 هـ - 1970 م، صـ113.

[4] الحركة البيضاء (الحرس الأبيض) كانت تضم القوات السياسية والعسكرية الروسية المناهضة للبلشفية بعد ثورة أكتوبر 1917 م وحاربت الجيش الأحمر خلال الحرب الأهلية الروسية بين سنتي 1917 و1923 م.

[5] الإسلام والمسلمون في آسيا الوسطى والقوقاز، محمد يوسف عدس، صـ68.