المصدر: شبكة الألوكة، 4/ 6/ 2007م.
تاريخ المسلمين في ولاية باهية:
نكاد لا نعرف شيئاً عن تاريخ الأفارقة الذين اقتُلِعوا من أوطانهم وحقولهم؛ ليُباعوا في سوق النِّخاسة ويلاقوا صنوف العذاب والإرهاب، وربما يُعَدّ كتاب "الجذور" لألكس هالي، الذي حصل إخراجه على صورة مسلسل تلفازي جزءاً من الحقيقة التي تصف رحلة العذاب والألم الطويلة منذ لحظة الاختطاف مروراً بالأقفاص الخشبية التي كان يُحجَز فيها الأفارقة قرب السواحل قبل شحنهم بالسفن، ثم الرحلة الشّاقة الرهيبة عبر الأطلسي حيث يوضَعون في مقر السفينة ويُربَطون بالسلاسل الحديدية.
وتشير العديد من المصادر إلى أن أعداداً كبيرة منهم لاقَوا حتفهم بسبب إصابتهم بمرض الكوليرا، أو الحمى الصفراء، ولقد أُلقِي العديد من هؤلاء المرضى في قاع المحيط بعد أن خاف البرتغاليون من انتشار الوباء بينهم، وإذا وصلوا إلى ساحل البرازيل وُضِعوا في مخابئ أرضية.
قد تم ترحيل الأفارقة من إفريقيا الغربية إلى البرازيل في أوائل القرن السادس عشر بواسطة المستعمرين البرتغال؛ للعمل كعبيد في المزارع والمصانع، وبالرغم من انتشارهم في أنحاء البرازيل كافة إلا أن الأغلبية الساحقة منهم تقطن شَمال شرق البرازيل لاسيما في ولاتي باهية، ورسيفي.
ثورتهم ضد المستعمرين والغزاة:
لم تنته رحلة العذاب في البواخر، بل تواصلت عبر السنين، وعلى أرض البرازيل؛ لتثمر قهراً وحسرة في قلوب المسلمين، أو تنصراً وكفراً في نفوس إخوانهم وأبنائهم، وقد تمسك بعضهم بإسلامهم بالرغم من بعدهم عن أرض الإسلام ومنابعه.
وبالرغم من العذاب والمشقة رأى الأفارقة أنهم فقدوا حريتهم الدينية والعقائدية، وحينها بدؤوا في تنظيم صفوفهم، والعمل على الحفاظ على مبادئهم الإسلامية، وتعليم أبنائهم القرآن والكتابة العربية، أضف إلى ذلك التخلص من قيد العبودية، والعودة إلى وطنهم الأم إفريقيا.
وقد قام هؤلاء المسلمون الأفارقة بثورات عديدة ضد هؤلاء المتسلطين الإقطاعيين، وأسسوا في إحدى تلك الثورات مملكة تحاكي ما هو معروف من الممالك الإسلامية في غرب إفريقية.
وتلك المملكة الإفريقية يسميها البرازيليون اليوم بـ "المملكة الزنجية"[1]، وقد بلغ عدد الأفارقة المستعبدين في باهية وما حولها أرقاماً كبيرة، فقد ذكر مؤرخ اسمه ملت برني، أنه في عام 1855م كان عدد سكان البرازيل (7,677,000) نسمة منهم ثلاثة ملايين من الزنوج، ومليونان من الخلاسين وهم المختلطون الذين ألوانهم بين السواد والبياض.
فإذا أضيف إليهم عدد السكان الأصليين الذين يُسَمَّون الهنود الأمريكيين، أو الحمر آنذاك، وهو أربع مئة ألف نسمة - صارت نسبة ذوي الأصول الإفريقية حوالي 40%.
ويقول المؤرخون: إن الأفارقة أنشؤوا لهم كِياناً برئاسة ملك له خلافة وراثية في منطقة بلمارس، واسمه (الملك زومبي)، وأعلن أن دولته حرة مستقلة، ووضع دستوراً لبلاده في مادته الأولى: احترام الحرية الشخصية لكل من يشاء العيش في دولته.
فكان المستعمرون البرتغاليون يحاربون بلا هوادة، وكانت أولى المعارك الكبيرة بين الطرفين في عام 1643م.
ثم توسعت دولة "زومبي" واحتلت أكثر من عشرين موقعاً من النواحي القريبة منها، وموقعها الآن في ولاية "الأقواس" الملاصقة لولاية باهية.
وظلت الحرب بين دولة السود المسلمين الأفارقة ودولة البرتغال بإمكاناتها الكبيرة من الرجال والعتاد بعد ذلك لمدة خمس سنوات بدون أن يكون لدى الأفارقة شيء من ذلك إلا تضحية رجالهم المتسلحين بأسلحة خفيفة.
وقد سجل المؤرخون البرتغاليون: أن الجيش البرتغالي كان يقضي على أسرى السود بدون شفقة؛ سواء أكانوا رجالاً أم نساء، وسواء أكانوا شيوخاً أم أطفالاً.
وفي 21 يونيو 1678م جرى صلح بين ملك السود وبين البرتغالي لم ترض عنه أكثرية السود، فتتابعت الحرب إلى عام 1678م.
وقد أبدى السود المسلمون فنوناً من التضحيات الجليلة جعلتهم يصمدون أمام البرتغاليين الذين حشدوا كل قواتهم في البرازيل مع معدات الحرب الحديثة المتوافرة في ذلك الوقت، وحاصروا المسلمين مدة ثلاث سنوات حتى عام 1695م حيث تمكنوا من القضاء عليهم وهلك الملك "زومبي" فيمن هلك.
وقام بعد ذلك البرتغاليون بمطاردة المسلمين الأفارقة، وتعقبهم، ففر كثير منهم بدينهم إلى الغابات والأدغال، والكثير منهم أجبر على اعتناق النصرانية.
صورة للكنائس، وقصة بنائها:
مشاهد:
وقد أجبر البرتغاليون المسلمين الأفارقة على بناء الكنائس، ومنعوهم من بناء المساجد، فعمد المسلمون إلى بناء الكنائس من الخارج، ومن الداخل صممت على صورة مساجد، بها منابر ومحاريب، وكتب على جدرانها وأسقفها الآيات القرآنية، والأدعية باللغة العربية.
حفظت المكتبات العامة والأرشيف الوطني في باهية وثائقَ المسلمين الأفارقة، وأوراق منفرطة كتبت عليها سور وآيات من القرآن الكريم وغيرها تثبت انتمائهم الإسلامي.
ومن المفاجآت العجيبة أنه مازال إلى الآن هناك من يعيش في تلك الأدغال ويعتنق الإسلام ولكن إسلام مختلط ببعض الخرافات والعادات الإفريقية.
وفي عام 1992م/ 1412هـ أقيم مؤتمر في مدينة سلفادور - عاصمة ولاية باهية - شارك فيه المسلمون، إضافة إلى بعض الجامعات البرازيلية التي تهتم بتاريخ الأفارقة المسلمين لاسيما الجامعة الفدرالية بولاية باهية، فقد ظهرت في ذلك المؤتمر سيدة عرَّفت نفسَها بأنها حفيدة "جبريل"[2]، جاءت تحمل مسبحة عملاقة ورِثتها عن جدها منذ أكثر من مئة عام، وبعضَ الوثائق؛ لتقدمها للحاضرين، إضافة إلى صور لأفراد عائلتها بحجاب إسلامي، ولجدها بثوب وعمامة إسلامية.
وكانت المفاجأة العظيمة هو امتلاكها لما تعتبره شرفاً عظيماً ألا وهو القرآن الكريم، كتب بالعربية بخط مغربي منذ مئات السنين، تعد ذلك اليوم تاريخياً في حياتها.
وقد التيقنا بالمؤرخ الكبير سيد تيشيرا وأخبر أنه تعرَّف على جدها جبريل، وعلى والدها، وأنه كان يعلم بأن أحد أبنائه مازال على قيد الحياة فكانت تلك السيدة.
وفي تلك المدينة انطفأ نور الإسلام بسبب التعسفات والمصائب التي تعرض لها المسلمون في بداية القرن التاسع عشر، حيث عاشوا مدة من القهر الجماعي مما أدى إلى هجرة معاكسة إلى البلدان الإفريقية.
أما اليوم فقد عاد نور الإسلام من جديد.
وها هم اليوم يتذكرون تاريخهم، وبدؤوا يبحثون عن تراثهم وأصلهم ودينهم الذي كانوا عليه. فهل نساعدهم على ذلك؟! لاسيما في ظل العلاقة الوثيقة، والصداقة، والاحترام المبتادَل بين حكومة البرازيل والعالم الإسلامي.
حقائق:
يعتقد أهل ولاية باهية - عاصمتها مدينة سلفادور - أنهم جزء من إفريقيا، وأنهم لا يفصلهم عنها سوى المحيط، ولذا تجد أن عاداتِهم، وطرائقَ لبسهم، ومعيشتهم، مطابقة تماماً لما هو سائد في إفريقيا، حتى معروضات أسواقهم وتحفهم ولوحاتهم الجدارية تحتفي بكل ما هو إفريقي.
المركز الإسلامي:
يوجد بالمدينة مركز إسلامي ثقافي متواضع، أنشأته رابطة العالم الإسلامي، يقوم بجهود مشكورة ولكنها محدودة، والمسلمون هنا بحاجة إلى مراكز كبيرة، وإمكانيات كثيرة تعيد لهم مجدهم، وتدعو غيرهم إلى الدين الإسلامي، وتعرف به من كان يوماً من الأيام من أهله.
مناشط الندوة العالمية للشباب الإسلامي:
قامت الندوة العالمية للشباب الإسلامي في صيف هذا العام بمخيم تربوي - هو الأول من نوعه في هذه المنطقة - شارك فيه الكثير من أهل باهية، وريسيفي: وحضره كثير من غير المسلمين، وأثنى عليه الإعلام الرسمي في باهية.
تحية الإسلام:
عندما تسير في شوارع مدينة سلفادور عاصمة ولاية باهية تجد الناس يسلمون عليك ويبادرونك بتحية الإسلام - السلام عليكم - وينطقونها بعربية واضحة، وإذا سألتهم هل أنتم مسلمون؟ يقولون: لا، لسنا مسلمين، ولكن هذه التحية هي تحيتنا في بيوتنا ورثناها عن آبائنا وأجدادنا.
فلا مسجد أناجيك فيه:
لا يوجد في هذه الولاية الكبيرة - ذات التاريخ الإسلامي العريق - أي مسجد يؤدي فيه المسلمون عباداتهم، وقد أشار إلى ذلك الشاعر الكبير محمد عبد الغني حسن الذي كان يزور أبناءه النازحين إلى البرازيل كل سنة، فقد أغفى إغفاءة طويلة على ربوة تشرف على المحيط الأطلسي في ثغر سلفادور، وقال معبراً عن حزنه وحسرته:
هُناكَ عَلى الرَّبْوَةِ العالِيَهْ * فَقَدْتُ المَواسِيَ والآسِيَهْ
فَيارَبِّ عفواً فَلا مَسْجِدٌ * أُناجِيكَ فِيهِ، وَلا زاوِيَهْ
هذه الأبيات قالها سنة 1400هـ قبل أربع وعشرين سنة وما زال الوضع إلى الآن على ما هو عليه.
احتياجات عاجلة:
هناك احتياجات ماسة وعاجلة:
- كفالة الدعاة.
- إنشاء مدرسةٍ تعلِّم أبناء المسلمين.
- تفريغ أناس متخصصين في إعادة كتابة التاريخ؛ ليوثقوا تاريخ المسلمين في باهية.
- بناء مسجد.
- إنشاء ثلاثة مراكز إسلامية في ثلاث مدن كبيرة هي: سلفادور، رسيفي، أراكاجو.
ــــــــــــــــــــــــ
[1] وهم في الحقيقة ليسوا زنوجاً في عرفنا، ولا في لغتنا ولا في اصطلاح المؤرخين من بني قومنا. فالزنوج: أقوام تقع بلادهم في ساحل أفريقية الشرقية فيما يعرف الآن بشواطئ كينيا وتنزانيا، وكانت تسمى "بر الزنج" وبقيت بقية من اسمها في الجزيرة التي تسمى الآن "زنجبار" بمعنى بر الزنج.
[2] أحد الخلفاء المسلمين السود هو من نسل الملك زمبي.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.