كيف دخل الإسلام أوزبكستان؟ (2)مقالات


أوزبكستان أيام العباسيين:

كانت أهم الجهود التي بذلها العباسيون في الميدان السياسي والعسكري هي حماية إقليم ما وراء النهر من الأخطار الداخلية والخارجية التي هدَّدَتْه، وحمايته من خطر الصين والأتراك الشرقيين، ثم القضاء على ثورات الأمراء المحليين[1].

وكان على الولاة العباسيين أن يُمكِّنوا للنظم الإدارية في البلاد مستهدين بالتقاليد الساسانية، وأن يُوحِّدوا بين الفرق والاتجاهات المختلفة، وأن يُسَوِّدُوا الأمْنَ والطُّمَأْنينةَ، وألَّا يضعوا السيف في علاقتهم بالولاة الثائرين أو بحلفائهم من الأتراك الشرقيين، وقد تحقَّق للعباسيين إخضاع البلاد تمامًا للنفوذ الإسلامي، والقضاء على أي تهديد من الداخل أو الخارج عندما عدلوا عن السياسة القديمة من كثرة عَزْل الولاة وتوليتهم، إلى سياسة جديدة أكثر ملاءمة تقضي بأن تكون الولاية وراثية في أبناء الأشراف من أهل البلاد العليمين بأحوالها والذين يظفرون بتقدير الناس واحترامهم.

وواجه ولاةَ بني العباس في منطقة "أوزبكستان" كثيرٌ من الثورات ضد حكمهم، والتي اضطروا للتعامل معها بقسوة، فقضَوا على ثورة "مجاشع بن حريث الأنصاري" عامل "بُخارى" صاحب الميول العَلَويَّة، وفي عهد الخليفة "المهدي" تم القضاء على ثورة "يوسف البرم" مولى "ثقيف الخارجي" في "بُخارى" سنة 160 هـ - 776 م، وفي عهد "المأمون" تم القضاء على ثورة "يوسف" حفيد "منصور بن عبد الله"[2].

كذلك توسَّع العباسيون في استقدام الترك من أهل تلك المناطق وإحلالهم في البلاط العباسي في بغداد، وفي الجيش؛ حيث كانوا يمثلون حرس الخليفة، واستمرَّ هذا التقليد في عهد "المعتصم" حين ظهر الحرس التركي وفيه من "الصغد" و"فرغانة" و"أسروشنة" و"الشاش" من مدن "أوزبكستان" وحواضرها، وكان هؤلاء الترك دعائم الخلافة، وقد قرَّب ذلك بين الأتراك الغربيين وبين الإسلام، وساعد على انتشاره من ناحية كما ساعد على تثبيت السيادة الإسلامية من ناحية أخرى.

وفي عهد "المعتصم" كان الإسلام قد رسخت قدمُه في بلاد ما وراء النهر وبدأ الأتراك أنفسهم يتبنَّون حركة الجهاد بين جيرانهم الأتراك الشرقيين[3].

وبنهاية عهد الدولة العباسية دَبَّ الضَّعْفُ في أوصالها، وقامت حركات استقلالية في منطقة بلاد ما وراء النهر، وازدهرَتْ مدارس ما وراء النهر في عهد "الطاهريين" و"السامانيين"؛ حيث برزَتْ "بُخارى" و"سمرقند" كمراكز للعلم والثقافة[4].

أوزبكستان والاحتلال الروسي:

جاء "السلاجقة" بعد العباسيين؛ حيث تسلَّمُوا راية الجهاد في تلك المنطقة في القرن الرابع الهجري؛ لكن سرعان ما استولى المغول على تلك البلاد وقاموا بتدمير جزء كبير من حواضر "أوزبكستان" العلمية، وبمرور الوقت كان إسلام خانات المغول أساس إمبراطورية جديدة تُدعى بإمبراطورية "ألتون أوردو" الإسلامية، وكان ذلك على يد الإمبراطور المغولي "بركة خان" الذي أسلم عام 830 هـ - 1422 م؛ لكن ضعف المغول وانقسام إمبراطوريتهم بين الورثة من الأبناء من بعده أدَّى لحركات انفصالية ظهرت على أساسها الدولة الأوزبكية، وقامت في أرض "أوزبكستان" عدة خانيات، كان أهمها "خيوه" و"بُخاری" و"خوقند"، وعدد من الدويلات الأخرى التي صارت لقمةً سائغةً للروس الذين قوي مركزُهم بالمنطقة، فاستولوا على تلك الدويلات الإسلامية الواحدة تِلْوَ الأخرى[5].

وقد استطاع الرُّوس ضم ممالك "الأوزبك" إليهم، فوصلوا إلى "فرغانة"، وكانت حتى ذلك الوقت تتبع الصين، واحتلت روسيا القيصرية "بُخاری" و"سمرقند" (1285 هـ - 1868 م)، واستولت على "خيوه" على حين غرة عام (۱۲۹۰ هـ - ۱۸۷۳ م)، وعلى "خوقند" (۱۲۹۳ هـ - 1876م)، وضمت إليها "فرغانة"، لتشكل منها إمارة واحدة، كما غزا الروس وادي "سيحون" (1263هـ - ۱۲۸۰هـ / 1846 -1864م) واستولوا على "طشقند" عام (۱۲۸۲ هـ/ 1865م)[6].

وطمعت إمارات "أوزبكستان" في الاستقلال عشية قيام الثورة البلشفية؛ لكن الشيوعيين استولوا على البلاد وقاموا بحملة إقصائية للأئمة المسلمين، وقسَّمُوا تلك المنطقة على أساس عِرْقي، وقَضَوا على أي مظهر إسلامي، فدمَّروا أو أغلقوا المدارس الإسلامية، ولاحقوا العلماء، ونفَوهم إلى "سيبيريا" حيث البرد القارس، ومَنَعُوا اللغة العربية في المدارس، وأحَلُّوا محلَّها الروسية واللغات المحلية، ولم يبقَ من المساجد الكثيرة سوى القليل، ودمَّرُوا الباقي، وبقيت مدرستان من آلاف المدارس الإسلامية، وهما: مدرسة "مير عرب" في "بُخارى"، ومدرسة "مبارك خان" في "طشقند" (معهد الإمام البُخاري)[7].

استقلال أوزبكستان والبحث عن الهوية الإسلامية:

عام 1991 م انهار الاتحاد السوفيتي، ونتيجة لذلك أُسِّسَت جمهورية أوزبكستان في 31 أغسطس عام 1991 م، وقد عانت البلاد من حكم ديكتاتوري مدعوم من روسيا، ورغم أن الدولة أعلنت علمانيَّتَها في دستورها وانفصالها عن الإسلام، إلا أن المسلمين في "أوزبكستان" ما زالوا يتمسَّكُون بهويَّتِهم الإسلامية العريقة؛ حيث تُعَدُّ "أوزبكستان" من أكثر دول آسيا الوسطى من حيث عدد المسلمين، ويعمد العلماء الأوزبك إلى تشجيع الشباب على دراسة اللغة العربية في مختلف المستويات الدراسية، وعلى الاتصال بنظرائهم من العالم الإسلامي، ودعوتهم لكل المناسبات العلمية، وعلى تشجيع الطلاب على دراسة الشريعة واللغة في جامعات عربية وإسلامية، ويبدو البعث الإسلامي الجديد مُتجدِّد الصلة بتاريخ المنطقة الزاهر في عهدها الإسلامي؛ حيث إنَّ مسلمي الأوزبك على وَعْي بمركزية "أوزبكستان" بين دول آسيا الوسطى، ومكانتها العلمية الفريدة.

 

• الأوزبك هم قبائل ذات أصول تركية منسوبة إلى السلطان "محمد أوزبك خان" من أقوى السلاطين المنحدرين من ذرية "جنكيز خان" الذين أسلموا وحكموا منطقة نهر إيتل (الفولجا).

• بدأ الفتح الإسلامي لبلاد ما وراء النهر في أواخر عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وامتد في عهد عثمان بن عفان، ثم توقفت الفتوحات حتى بدايات العهد الأموي.

• يعد القائد المسلم "قتيبة بن مسلم الباهلي" الفاتح الحقيقي لبلاد ما وراء النهر ومن ضمنها "أوزبكستان"؛ حيث وجَّهَه الحجَّاج الثقفي لفتح تلك البلاد عام 88 هـ.

• كان أهل "بُخارى" ينقُضُون العهود مع المسلمين المرة تِلْوَ المرة، فقام "قتيبة" بعدد من التدابير لتحبيب الإسلام لأهل تلك البلاد واستقراره في قلوبهم.

• كان هدف العباسيين في "أوزبكستان" محاربة الثورات المحلية التي كانت تنشب في حواضرها، وتأمين البلاد خارجيًّا؛ لذا جعلوا الولاية وراثية في أبناء الأشراف.

• قام العباسيون بالاعتماد على العنصر التركي من أهل "أوزبكستان" في الجيش وحرس الخليفة، حتى صارت لهم الكلمة العُلْيا في البلاط، وساهم ذلك في سقوط الدولة العباسية.

• مرَّت "أوزبكستان" بحركة علمية زاهرة طوال تاريخها الإسلامي، وانحسر هذا الدور مع سقوطها تحت الاحتلال الروسي ثم الهيمنة الشيوعية الحديدية.

• تأمُل "أوزبكستان" في استعادة هويتها الإسلامية ذات التاريخ المجيد، والهرب من نير العلمانية التي تغلغلت في كافة مؤسسات البلاد، ومنها المؤسسة الدينية.

 

[1] الإسلام في آسيا الوسطى بين الفتحين العربي والتركي، د. حسن أحمد محمود، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1972 م، صـ161.

[2] العرب والإسلام في أوزبكستان، بوريبوي أحمدوف وزاهد الله منوروف، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 1999م، صـ87.

[3] الإسلام في آسيا الوسطى بين الفتحين العربي والتركي، د. حسن أحمد محمود، صـ163.

[4] نفس المصدر، صـ164.

[5] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، صـ307.

[6] تركستان، محمد شاكر الحرستاني، صـ44.

[7] عودة إلى أوزبكستان بعد عشر سنين، محمد بن ناصر العبودي، دار الثلوثية للنشر والتوزيع، 1435 هـ - 2014 م، صـ61.