كيف دخل الإسلام داغستان؟ (2)مقالات


احتلال الروس داغستان:

كان لانهيار ممالك المغول في منطقة القفقاس وعلى رأسها دولة "ألتون أورده" أثره الكبير في بسط الروس سيطرتهم على الخانيات والدول التابعة لها في القوقاز، وفي عام 1784 م بنى الرُّوس قلعة "فيلادي قفقاس"، ثم نُقِلَ القوازق الأوروبيون إلى حوض نهر "كوبان" و"تراك"، وتوطدت صلات روسيا مع شعوب الأرمن والكرج المسيحيين الحاقدين على الإسلام؛ حيث أعلنت دخولهم في حمايتها وزوَّدتهم بالأسلحة.

وكان المجاهد الشيشاني "الشيخ منصور" قد تولَّى حركة الجهاد لمقاومة الغزو الروسي، وتحصَّنَ مع أتباعه في قلعة "أقاما"، واستطاع أن يدافع عنها مدة 14 يومًا حتى سقط أسيرًا في أيدي القوات الروسية عام 1791 م، ثم حُمِل إلى القيصرة "كاترينا" حيث أُعدِم عام 1794 م، ثم استولى الرُّوس على خانية "دربند" عام 1796 م[1].

المقاومة الإسلامية للغزو الروسي:

واجه الروس مقاومة إسلامية باسلة من جانب أئمة المسلمين في منطقة القفقاس، كان من أبرزهم "ملا غازي" أو الشيخ "غازي محمد" الذي دعا شعوب المنطقة لمقاومة المحتلين الرُّوس، وألَّف كتابًا أقام فيه الدليل على ارتداد حُكَّام الإمارات الداغستانية الموالين للرُّوس أسماه "إقامة البرهان على ارتداد عرفاء داغستان"، كما تزَعَّم حركة الجهاد ضد مدن المستوطنين القوزاق شمال نهر ترك، ولم يستطع الرُّوس إخماد حركة "ملا غازي" إلا بعد حملة كبيرة استمرَّتْ ثلاث سنوات دفع فيها الرُّوس ثمنًا باهظًا حتى تمكَّنوا من الاستيلاء على "غمري" وقُتِل الإمام عام 1248 هـ- 1832 م[2].

وكانت حركة الشيخ "غازي محمد" مقدمة لسلسلة طويلة وحركة جهادية كبرى في المنطقة استمرت لسنوات طويلة ضد الرُّوس، كان من أبرز قادتها:

• الأمير "حمزة الخنزاجي" الذي خلف شيخه "غازي محمد" وواصل القتال لمدة عامين حتى استُشهِد.

• الشيخ "محمد شامل" الذي حارب الرُّوس وجاهدهم وغَنِم منهم غنائم هائلة طيلة 35 سنة، واستطاع إجلاءهم فيما بين عامي 1843 و1844 م من معظم بلاد القفقاس[3]، ولم يقرَّ قرار الرُّوس حتى أسَرُوه عام 1279 هـ - 1859 م وتم نفيه لتركيا، ومنها ذهب للمدينة المنورة حيث مات بها ودُفِن في بقيعها سنة 1289 هـ - 1871 م.

روسيا البلشفية والحرب الشاملة ضد الإسلام:

مع قيام الثورة البلشفية في روسيا عام 1335 هـ - 1917 م وسيطرة الشيوعيين على الحكم، اضطرَّ الداغستانيون لمقاومة هذا الانقلاب والطمع في استقلال بلادهم؛ نظرًا للحركة الإلحادية الكبيرة التي كان عليها البلشفيون الشيوعيون، وحاولوا الالتفاف حول الشيخ "نجم الدين الحزي" الملقب بالإمام الداغستاني الخامس، وتقاتل أتباع الإمام "نجم الدين" والضباط البلشفيك عام 1918 م، ونجح البلاشفة في الاستيلاء على "تمير خان شورة" عاصمة داغستان وقتذاك، وانحاز المجاهدون نحو الجبال؛

لكن سرعان ما انتهت حركة الإمام "نجم الدين"، واستولى الشيوعيون على كامل بلاد القوقاز، وقَضَوا على دويلة الحاج "أذن خير السلطي" في الشيشان، وبذلك انتهت آخر خطوط المقاومة في المنطقة، وبدأ الشيوعيون في تغيير الفكر الديني السائد بداغستان، فيما سُمِّي بـ"الوسائل الطارئة" عام 1346 هـ - 1928م، ثم تَبِعَ ذلك حملة منظمة شرسة لمحو الإسلام والقضاء على دُعاته، وكانت هذه الحملة على مراحل متتابعة:

- المرحلة الأولى: أغلقت المطابع التي تطبع الكتب الإسلامية وحُورِبَت اللغة العربية ومُنِع التحدُّث والكتابة بها، وقد كانت قبل ذلك لغةَ العلم لدى جميع المسلمين في روسيا، وبدأت الحرب الإعلامية المسعرة على علماء الدين، وحرَّمُوا حقَّ التصويت والانتخاب، وفُرِضَتْ عليهم الضرائب.

- المرحلة الثانية: طلب رجال الشرطة والمخابرات من علماء الدين التوقيع على بيانات تُنْشَر بالصحف يطعن فيها الموقِّعون بالإسلام ويصفونه بأنه خديعة للشعب، ويُقرِّرون خلع جُبَّاتهم والتحوُّل للإلحاد، وحيث إن غالبية العلماء والأئمة رفضوا ذلك؛ فقد جرى نَفْيُهم إلى سيبيريا للموت فيها، فخلت المساجد والمدارس الدينية من القائمين عليها.

- المرحلة الثالثة: مصادرة وهدم المساجد والمدارس الدينية أو تحويلها إلى نوادٍ ومستودعات، كما صُودِرت الأملاك الوَقْفية، ففي الفترة من عام 1347هـ - 1358 هـ (1929 - 1939 م) هدم أو أقفل في شمال القوقاز وحدها ما يزيد عن أربعة آلاف مسجد وجامع، واعتبرت جميع المدارس الدينية مؤسسات غير قانونية؛ فتم إغلاقُها، ومُنِع المسلمون من أداء فريضة الحج، وأُلغيت المحاكم الشرعية[4].

استقلال داغستان:

تغيُّر الوضع القانوني للجمهورية بعد تفكُّك الاتحاد السوفيتي عام 1991 م حين تم تغيير تسميتها وصارت تدعى "جمهورية داغستان"، وفي عام 2006 م تم استحداث منصب رئيس الجمهورية في داغستان الذي شغله "موخو علييف" المدرس في المدرسة الثانوية سابقًا.. وفي عام 2010 م انتخب "محمد سلام محمدوف" رئيسًا ثانيًا للجمهورية.

ورغم أن "داغستان" ما زالت تقع تحت الوصاية الروسية التي ما زالت تمارس بقايا سلطتها وعُنْجُهِيَّتِها القديمة في إمارات القوقاز المسلمة، إلا أن مسلمي داغستان كانوا جزءًا من الحرب التي دارت بين روسيا والانفصاليين الشيشانيين منذ مطلع القرن الحالي، واصطَلَوا بنارها، وعانوا من الإجراءات التعسُّفية التي تمارسها روسيا، وتَدَخُّلِها السافر في كثيرٍ من الأحيان في سياسات البلاد، وتأمُل "داغستان" – في الوقت الحالي - في التحرُّر من السطوة الروسية، والعودة للإسلام من جديد عن طريق أجيالها الجديدة من الشباب الذين يعمدون لتعلُّم اللغة العربية والعلوم الإسلامية في البلاد الإسلامية المجاورة، والعودة لبلادهم لتعليم النشء الجديد أصولَ دينِهم من جديد، بعد سنوات من الإلحاد والعلمانية التي ترزح فيها البلاد.

 

• تُعَدُّ "داغستان" بلدًا جبليًّا يقع على الأجزاء الشرقية من جبال القفقاس التي تطل على ساحل بحر قزوين الغربي، ويعني اسمها "بلاد الجبال".

• بدأت فتوحات المسلمين في منطقة القوقاز في عهد الخليفة الراشد "عمر بن الخطاب" سنة 20 هـ، واستقرَّ الإسلام بها منذ سنة 22 هـ.

• كانت حاضرة داغستان الكبرى "دربند" أو "باب الأبواب" من أهم المدن بمنطقة القوقاز؛ حيث كانت تشرف على الممر السهلي الذي يعتبر بابًا بين قارتي آسيا وأوروبا.

• تُعَدُّ قومية "القوموق" في بلاد الداغستان أوَّلَ مَنْ قَبِلَ الإسلام، وبذلوا الكثير في سبيل نشره.

• مع الاحتلال الروسي لداغستان، قاوم المسلمون لقرون محاولات التغيير الديموغرافي لطبيعة السكان المسلمين بالمنطقة، وبرز منهم قادة مجاهدون كان لهم تأثيرٌ كبيرٌ في منطقة القوقاز بأكملها.

• من أبرز القادة المجاهدين في داغستان: الملا غازي والإمام شامل والإمام نجم الدين الحزي.

• رغم ما عانته داغستان من علمانية وإلحاد طيلة حكم السوفيت، فما زال الداغستانيون يعتزُّون بعقيدتهم الإسلامية، ويأملون في عودة الأجيال الجديدة للتمسُّك بالإسلام من جديد.

 

[1] بلاد الداغستان، محمد بن ناصر العبودي، صـ19.

[2] الدعوة الإسلامية في شمال شرق القوقاز، وليد بن إبراهيم العنجري، صـ73.

[3] بلاد الداغستان، محمد بن ناصر العبودي، صـ19.

[4]  المسلمون المنسيون في الاتحاد السوفيتي، ألكسندر بينيغسن وشانتال لوميرييه، ت: عبد القادر ضللي، دار الفكر المعاصر- بيروت، 1989 م، صـ156 وما بعدها.

0 شخص قام بالإعجاب