الأم داعية في منزلهامقالات

المستودع الدعوي الرقمي

إن الأم في منزلها تمثِّل الرحمة والشفقة واللين؛ قال الماورديُّ: "والأُمَّهَاتُ أكثرُ إشْفاقًا وأَوْفَرُ حُبًّا؛ لِما بَاشَرْنَ من الوِلادة، وعانَيْنَ من التربيَة؛ فإنهن أَرَقُّ قُلُوبًا، وَأَلْيَنُ نُفُوسًا"[1].

لذا؛ حضَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على نكاح ذات الدين؛ فإنها التي ستُقيم بيتها على الدين والأخلاق والطاعة والخير؛ فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللّه عنه، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ)).[2]

والأمُّ هي أساس بناء المجتمع؛ فهي التي تنشئ الأجيال وتربِّيها، فإن صلحت صلحت الأجيال، وإن فسدت فسدت الأجيال.

وليس دور الأم المسلمة أن تربِّيَ أولادها ليكونوا ذَوِي وجاهة وثراء في المجتمع؛ أي: تربطهم بالدنيا فقط؛ بل إنها تربي أولادها للدين والدنيا، للآخرة والأولى، لنفع أنفسهم ومجتمعهم وأمتهم.

وهذا معناه أن الأم المسلمة ليست مجرَّد أمٍّ تراعي أبناءها في أكلهم ولبسهم ومعاشهم؛ بل إنها أمٌّ وراعية وداعية، تراعي أرواحهم قبل أجسادهم، فتعمل على تنشئة أولادها على قواعد حب الإسلام والتقوى والأخلاق الحسنة والآداب العظيمة في أقوالهم وأفعالهم وميولهم وسائر أمور حياتهم، في البيت والمسجد والمدرسة والشارع وغيرها.

إن الأم هي عمود الخيمة لأسرتها ومن ثم المجتمع والأمة؛ فهي التي تخالط أولادها دائمًا وترعاهم روحيًّا وجسديًّا منذ أن يبدأ الحمل بالجنين، وحملها عظيم لأنها فوق ذلك عليها واجبات تجاه زوجها؛ فالبيت قائم على يديها تبث فيه الخير والطاعة وتسد أي خلل يحدث فيه.

ومن ثم كانت الأم الداعية في منزلها عليها بما يلي:

- أن تصير قدوة حسنةً لأولادها يَرَون فيها كلَّ ما تحبُّ أن تراه فيهم من الأعمال الصالحة والخيرات والأخلاق والآداب، وتبتعد عن كلِّ ما لا تحب أن تراه في أولادها، ولتحضَّ أبا الأولاد على ذلك أيضًا، بأن تتَّفق معه على أن يصيرا قدوة حسنة لأولادهما؛ فالقدوة خير من كثرة الكلام والتوجيهات.

- أن تهتمَّ بسائر الجوانب الإيمانية والنفسية والجسدية والعقلية التي تُنبت للأمَّة والمجتمع شخصياتٍ صالحةً سويَّة، وتحكي لهم دائمًا عن سير وشخصيات الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والعظماء والصالحين والأبرار ليقتدوا بهم.

- أن تهتمَّ بنفسها علميًّا وثقافيًّا وتربويًّا؛ حتى تتعامل مع أولادها بثقة وهدوء نفس، بعيدًا عن التعامل بالأوامر والنواهي والتوجيهات المباشرة والعقوبات، وتستطيع الإجابة عن أسئلتهم وتطلُّعاتهم وفضولهم، أو على الأقلِّ تستطيع البحث عن ذلك وإيجاد الأجوبة الصحيحة لأسئلتهم إن لم تكن تَعْلَمُها.

- أن تنتقيَ الأسلوب الأمثل لغرس القيم التي تريد غرسها في نفوس أولادها حسب فَهمها لمفتاح شخصية كل واحد منهم، والأسلوب المحبَّب له، من حكايات وقصص أو أمور ذهنية وتفكير أو تسلية... إلخ.

 - أن تكون مستعدَّةً دائمًا للقراءة مع أولادها، والحوار معهم، وتسميع القرآن والأحاديث لهم، والقراءات العلمية، وتوجيههم، ومتابعتهم، وسد جوانب الخلل التي تراها، عن طريقها أو الأب أو مدرس... إلخ، والاستماع لشكاواهم وما يؤثِّر على نفسياتهم.

- أن تربط أبناءها بالمسجد، وتختار لهم صحبتهم الصالحة، في المسجد والمدرسة وغير ذلك، وتتابع هذه الصداقة دائمًا وترعاها؛ فالمرءُ على دين خليله.

-أن تحرص على وجود مكتبة عامرة في منزلها، تحتوي على كل ما يحتاج إليه الأولاد من كتب إسلامية وثقافية وأدبية وعلمية، وتنمِّيها دائمًا مع زيادة وعيِ الأولاد، وتختار هذه الكتب بعناية ووعيٍ ومنهجية.

- تنمية الأولاد في الجانب التِّقْنيِّ وتوجيههم فيه حتى يُحسنوا استخدامه ليكون دافعًا لهم لفعل الخير وتحصيل العلوم النافعة، ولا تتركهم لأنفسهم فيكون وبالاً عليهم بتضييع الوقت واستخدامه في الجوانب السيئة.

-أن تتابع كل ما تشاهده الأسرة في التلفاز أو غيره من الأجهزة الحديثة ألا يكون سلبيًّا يحضُّ على الرذائل والمعاصي أو لا يكون مفيدًا؛ بل تنتقي ما يكون مفيدًا، أو على الأقلِّ ما لا يكون فيه ضرر.

- أن تربط أوقات الدروس للأولاد، والطعام في المنزل بأوقات الصلاة، بما في ذلك النوم مبكِّرًا للاستيقاظ قبل الفجر.

- لتحرص – قدر استطاعتها – ألا تقع أعين الأسرة على شيء يغضب الله أو يخالف الأخلاق والآداب الكريمة، ولتعظِّم ذلك في نفوسهم حتى لا يتساهلوا في ذلك، ويعظِّموا حرمات الله وأوامره.

 


[1] أدب الدنيا والدين: ص 150.

[2] متفق عليه.