مأساة المسلمين الروهنجيا في بورما (2)مقالات


مذابح مستمرة للمسلمين:

عانى الروهنجيا المسلمون جرائمَ إبادةٍ ومذابح مستمرة، منذ إعلان دولة "بورما"، وسط صمت عالمي وتخاذل إسلامي، وكان الهدف هو طرد المسلمين وإنهاء وجودهم تمامًا من بورما، في تكرار لمأساة الأندلس المسلمة، ومن أفظع تلك المذابح:

• في عام 1962 م حدث الانقلاب الشيوعي بقيادة الجنرال (تي ون) والذي أعلن "بورما" (دولة اشتراكية) وذكر علنًا بأن الإسلام هو العدو الأول، وترتَّب على ذلك حملة ظالمة على المسلمين وتأميم أملاكهم وعقاراتهم بنسبة 90 % في أراكان وحدها، بينما لم يُؤمَّم للبوذيين سوى 10 % وسحبت العملة النقدية من التداول؛ مما أضرَّ بالتجَّار المسلمين كثيرًا، حيث لم يعوضوا من قبل الدولة، ثم فرضوا الثقافة البوذية، والزواج من البوذيات، وعدم لبس الحجاب للبنات المسلمات، والتسمِّي بأسماء بوذية، وأمام هذا الاضطهاد المرير ارتد بعض المسلمين ليتمتع بحقوق المواطنة الرسمية بعيدًا عن الاضطهاد والتنكيل، واضطر الكثيرون للهجرة القسرية من ديارهم وأملاكهم إلى دول العالم الإسلامي وبخاصة "بنجلاديش" بعد حملات عسكرية إجرامية على أراضيهم وأماكنهم[1].

• في عام 1967 ألقت سلطات بورما القبض على (28,000) ثمانية وعشرين ألفًا من مسلمي روهينجيا، ثم أبعدتهم إلى حدود باكستان الشرقية (بنجلاديش).

• عام 1974 م: حكومة ميانمار تطرد ما يزيد عن (200) عائلة مسلمة بأراكان إلى جزيرة نائية، من غير غذاء؛ مما أدى لهلاكهم، بالإضافة إلى سحب الجنسية من نحو (300) ألف مسلم وطردهم إلى حدود بنجلاديش.

• عام 1978 م: تمت عملية "ناجامين" العسكرية المدمرة التي كانت جريمة حرب منظمة، حيث قتل أكثر من (10) آلاف من مسلمي الروهينجا، وتعرض أكثر من (500) ألف من مسلمي الروهينجا للطرد من ديارهم والإبعاد إلى حدود بنجلاديش؛ مما أدى إلى وفاة حوالي (40) ألف منهم في ملاجئ المنفى المؤقتة، معظمهم من الأطفال وكبار السن[2].

• عام 1982 م: أصدرت الحكومة الماركسية في ميانمار قانونًا يقضي بحرمان المسلمين من عرقية الروهينجا من حقوق المواطنة والجنسية الميانمارية (البورمية) واعتبرتهم منذ ذلك التاريخ مهاجرين بنغاليين غير مرغوب فيهم.

وكانت الحكومة قد اعتبرت المسلمين من قبل مواطنين من الدرجة الثالثة.

• عام 1988 م: إجلاء نحو (150) ألف مسلم من ديارهم بأراكان؛ لبناء قُرى ومنازل للبوذيين في إطار محاولات تغيير التركيبة الديمجرافية للولاية.

• عام 1991 م: طرد أكثر من نصف مليون مسلم؛ انتقامًا منهم بسبب تصويتهم لصالح المعارضة في الانتخابات النيابية التي أجريت في ذلك العام وتم إلغاء نتيجتها، كما قامت الحكومة بسحب الجنسية من مئات الآلاف من المسلمين واعتبارهم أجانبَ.

• عام 1997 م: موجة جديدة من موجات القتل والتشريد والطرد تعرض لها مسلمو ميانمار في ولايات مختلفة بالتزامن شملت مدن "يانجون" و"بيجو" و"مندالاي"، قام البوذيون خلال تلك الموجة بحرق عشرات المساجد.

• عام 2001 م: بداية موجة منظمة من أحداث العنف والقتل بحق المسلمين في كل مدن ميانمار، على خلفية أحداث 11 سبتمبر بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد استولى البوذيون بدعم من الجيش على الكثير من ممتلكات وأراضي المسلمين.

• ولم تتغير أحوال المسلمين الروهينجيين بعد الانتخابات التي جرت بميانمار في نوفمبر 2010 م، حيث استمر مخطط الانتهاكات والتطهير العرقي والتهجير للمسلمين من "أراكان"، وحسب تقديرات المتابعين لمعاناة المسلمين في ميانمار، فقد نجحت هذه الممارسات في تهجير حوالي من (3) إلى (4) ملايين مسلم حتى الآن، وأسفرت عن مئات الآلاف من القتلى.

• تجددت المذابح مرة أخرى عام 2012 م على أيدي (الماغ) البوذيين، بمقتل عشرة علماء مسلمين ببلدة وسط أراكان تسمى (لاواكا)، ثم تتابعت أحداث الاعتداء على المسلمين في جميع أنحاء "أراكان"، مع اغتصاب النساء، وحرق قُرى المسلمين الذين فروا هاربين إلى حدود بنجلاديش.

 

عصابات (969) البوذية المجرمة:

يعتمد الرهبان البوذيون - الذين يدعون سلمية ديانتهم - على حركة بوذية متطرفة مسلحة تسمى (حركة 969) ترى أن العنف من أجل تعزيز النفوذ البوذي في بورما جائز، وأنهم سوف يُثابُون عليه، وهذه الجماعة أُسِّسَتْ عام 1999 م على يد الراهب المتطرف "كياو لين" ليكمل سلسلة إجرام الرهبان البوذيين بحق المسلمين.

يرى بعض الباحثين أن تأسيس (حركة 969) جاء بمبادرة من الحكومة الميانمارية وبتنسيق وتأييد وقيادة من رجال الدين البوذي (الرهبان)؛ وذلك لخروج الحكومة من المساءلة والتحقيق الدولي، مشيرين إلى أن الحكومة تشرف عليها في الخفاء، ويقودها الرهبان في الظاهر، ويمثلهم الراهب المتطرف "آشين ويراثو"، وأن حقيقة (969) هي حركة سرية تنفيذية لحكومة ميانمار، تعمل في خفاء باسم منظمة اجتماعية على تحقيق مصالح الحكومة وتنفيذ المخططات المرسومة لبرمنة بورما (ميانمار)، وطرد المسلمين من "أراكان"، حيث تعتقد حكومة "ميانمار" العسكرية أن وجود المسلمين خاصة العرقية الروهنجية تهدد مصالحها؛ لذلك مارست أبشع صور التطهير العرقي بطرد مسلمي الروهينجيا من أراكان منذ أن تمكنت في عام 1784 م من احتلالها بالقوة عبر سلسلة من المذابح والأعمال الإجرامية[3].

 

هل هناك حلول لمشكلة مسلمي الروهنجيا؟

إن التطهير العرقي والتهجير القسري لمئات الآلاف من أبناء الشعب الروهينجي كان بسبب سياسة التمييز العنصري الديني والقومي، والدستور العنصري، والمناهج التعليمية، ووسائل الإعلام، وقرارات السلطة السياسية والبرلمان والسياسة الشوفينية التي تنتهجها حكومة ميانمار للقضاء على مسلمي الروهينجيا والاستيلاء على ما تبقَّى من أرضهم وممتلكاتهم[4].

والواجب هو تقديم الحماية لهذا الشعب الذي تعرض عبر تاريخه وحتى يومنا هذا لحملات إبادة ممنهجة، من قبل المجموعات الإرهابية البوذية والدولة الميانمارية، أو الواجب على المسلمين مساعدة هذا الشعب الأعزل؛ لكي يحمي ما تبقى من مظاهر إسلامه في أرضه، فما يطالب به مسلمو الروهينجيا داخل وطنهم "ميانمار" وفي البلاد التي هجروا إليها هو حق شرعي تتغاضى عنه كثير من الدول الغربية التي تتشدق بحقوق الإنسان في مؤتمرات الأمم المتحدة متغاضية عن الجرائم التي ترتكب بحق تلك الأقلية المسلمة منذ أكثر من نصف قرن.

• مُورِس بحق مسلمي الروهنجيا أبشع الجرائم الوحشية من قبل حكومة ميانمار والرهبان البوذيين.

• ما تمارسه الدولة الميانمارية هي جرائم حرب منظمة، تهدف إلى إنهاء أي وجود إسلامي على أرض بورما (ميانمار).

• لم يستطع مسلمو أراكان المقاومة؛ لعدم توافر أي دعم عسكري، وأجهضت جميع حركات المقاومة والثورة بعنف بالغ، مما اضطر معه مسلمو الروهنجيا للهجرة للدول الإسلامية المجاورة مثل بنجلاديش.

• نظمت ميانمار طرق تخويف الشعب الروهينجي المسلم بواسطة منظمة بوذية متطرفة تُدعى (969) والتي تعتبر منظمة راديكالية تؤمن بالعنف بحق المسلمين.

• نجحت أعمال العنف والمذابح المستمرة في تهجير حوالي من (3) إلى (4) ملايين مسلم حتى الآن، وأسفرت عن مئات الآلاف من القتلى.

• أعلنت ميانمار أن الروهنجيا مهاجرون بنغاليون غير مرغوب فيهم على أرضها، وبذلك أعلنت أهدافها بوضوح أمام القوى الدولية.

• لا توجد حلول جدية قريبة لمشكلة الروهنجيا، وتبدو مأساة الأندلس حاضرةً بقوة في مصير مسلمي الروهنجيا في بورما.

 

 

[1] بورما مأساة تتجدد، شبكة فلسطين للحوار، 1433 هـ - 2012 م، صـ6.

 [2]مسلمو أراكان وستون عامًا من الاضطهاد، أبو معاذ أحمد عبد الرحمن، ط2، 1434 هـ - 2012 م، طبعة إلكترونية، صـ147.

[3] ماثيو سميث، الاضطهاد الإثني في بورما سياسة دولة، وول ستريت جورنال، 20 فبراير 2014 م.

[4] الروهينجا في ميانمار، الأقلية الأكثر اضطهادًا في العالم، طارق شديد، صـ64.