كيف دخل الإسلام بورما؟ (1)مقالات


• اتفق المؤرخون والكُتَّاب الذين أرَّخوا لأراكان بأن المسلمين وصلوا إليها عام (172 هـ - 788 م) عن طريق التجَّار العرب المسلمين الذين نزلوا في ميناء "أكياب" للتجارة.

• أقام المسلمون في منطقة "أراکان" مستوطنات إسلامية بعد خمسين عامًا من قدوم الإسلام بدايةً من عام 610 م.

• أسس المسلمون في أراكان دولة مسلمة مستقلة تناوب الملوك المسلمون على حكمها حتى سنة 1084 م، وكان أشهرهم "محمد حنيفة" و"عيسى ثو" و"أمير حمزة".

• ذكر المؤرخون أن السلطان "شهاب الدين الغوري" فتح مقاطعة "أراكان" عام 1231 م، وتوطن الكثير من الجيش منطقة أراكان وبنوا القرى والمعسكرات الإسلامية، ثم تزاوجوا مع أهل البلاد وتناسلوا وتكاثروا.

• وضع السلطان (سليمان شاه) في عام 1430 م حجر الأساس لأول مملكة إسلامية كبيرة في "أراكان"، ودام حكمها زهاء ثلاثة قرون ونصف حكمًا إسلاميًّا مستقلًّا.

• ظل حكم أسرة نوري المسلمة على بورما حتى عام 1784 م حينما احتل "أراكان" الملك البوذي البورمي "بوداباي"، وضمَّ الإقليم إلى بورما.

 

نبذة عن بورما (ميانمار):

تقع دولة بورما (ميانمار حاليًّا) في الجنوب الشرقي لقارة آسيا، ويحدها من الشمال "الصين" و"الهند"، ومن الجنوب "خليج البنغال" و"تايلاند"، ومن الشرق "الصين" و"لاووس" و"تايلاند"، ومن الغرب "خليج البنغال" و"الهند" و"بنغلاديش"، (ويقع إقليم أراكان الذي يتركز فيه المسلمون في الجنوب الغربي لبورما على ساحل خليج البنغال والشريط الحدودي مع بنغلاديش).

تقدر مساحتها بأكثر من (261.000) ميل مربع، وتقدر مساحة إقليم أراكان قرابة (20.000) ميل مربع، ويفصله عن بورما حدٌّ طبيعي هو سلسلة جبال (أراكان يوما) الممتدة من جبال الهملايا[1].

ويبلغ عدد سكان بورما أكثر من (50) مليون نسمة، وتقدر نسبة المسلمين بـ (15%) من مجموع السكان نصفُهم في إقليم أراكان - ذي الأغلبية المسلمة - حيث تصل نسبة المسلمين فيه إلى أكثر من (70 %)، والباقون من البوذيين وطوائف أخرى.

وفي سنة 1989م غيَّرت الحكومة البورمية رسميًّا اسم الدولة من "بورما" إلى "ميانمار"، واعترفت الأمم المتحدة بالاسم "ميانمار" بعد خمسة أيام من إعلانه، ورغم ذلك فإن إعادة التسمية ما زالت مسألةً مختلفًا عليها، فالكثير من الدول لا تزال تعترف باسم الدولة كـ"بورما"؛ منها: أستراليا، وكندا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية.. كما تعترف العديد من الدول باسم "ميانمار"؛ منها: ألمانيا، والهند، واليابان، وروسيا، والصين، بالإضافة إلى اتحاد دول جنوب شرق آسيا[2].

وعاصمة ميانمار مدينة "يانجون"، ولغتها الرسمية هي "البورمية"، وكانت ميانمار جزءًا من الهند إلى أن قامت بريطانيا بإعلانها مستعمرة بريطانية منفصلة عام 1937 م حتى استقلت عن التاج البريطاني عام 1948 م.

 

كيف دخل الإسلام بورما:

تختلف الروايات التاريخية حول البداية الحقيقية لدخول الإسلام إلى بورما، لكن المتفق عليه أن انتشار الإسلام هناك كان نتيجة الاحتكاك بين التجَّار العرب والفرس المسلمين بالسكان الأصليين؛ حيث بدأت مرحلة نشر الإسلام في بورما في القرن السابع الميلادي، وبالتحديد في فترة حكم الخليفة "هارون الرشيد" العباسي، فقد تميَّزت هذه الفترة بالتمدُّد الجغرافي للخلافة الإسلامية[3].

اتفق المؤرخون والكُتَّاب الذين أرَّخوا لأراكان على أن المسلمين وصلوا إليها عام (172 هـ - 788 م) عن طريق التجَّار العرب المسلمين؛ حيث كانت الملاحة البحرية في أيدي العرب، وكانوا ينقلون البضائع من الغرب إلى الشرق في تجارتهم آنذاك إلى بلاد الصين وإلى الجزر التي تسمى جزائر شرق الهند.

كما أثبتت الآثار القديمة أن التجار من العرب المسلمين وصلوا إلى ميناء "أكياب" ببورما في (172 هـ- 788 م) في عهد الخليفة "هارون الرشيد" العباسي (786 - 809 م)، إثر تحطُّم سفينة عربية في المحيط الهندي قبالة ساحل "أراكان"، ويعد دخول هؤلاء الناجين من السفينة الغارقة على سواحل (أراكان) بداية دخول الإسلام، وإخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام، وعمَّ الإسلام في البلاد في فترة وجيزة، وبدأ الناس يدخلون في دين الله أفواجًا، ومما يجدر ذكره هنا: أن هؤلاء التجار من العرب المسلمين لم يكونوا غزاةً، ولا دعاةً، وإنما كانوا يمثلون هذا الدين الحنيف نموذجًا عمليًّا في معاملاتهم التجارية بالصدق والأمانة والنصح، وأخلاقهم الإسلامية النبيلة[4].

 

قيام مملكة أراكان المسلمة:

• يؤكد المؤرخون أن هناك كثيرًا من الأدلة على إقامة المسلمين مستوطنات في منطقة "أراکان" بعد خمسين عامًا من قدوم الإسلام بدايةً من عام 610 م، ويقول المؤرخون: إن التجار العرب كانوا على اتصال وثيق بسكان أراكان في فترة مبكرة ترجع إلى عام 788 م، كما كان ميناء "رامبي" الواقع جنوب أراكان اسمًا مألوفًا لدى العرب المسافرين عن طريق البحر في هذه العصور القديمة.

• وسرعان ما صارت أراكان دولة مسلمة مستقلة تناوبَ الملوك المسلمون على حكمها حتى سنة 1084 م، وكان أشهرهم "محمد حنيفة" و"عيسى ثو" و"أمير حمزة"[5].

• وذكر المؤرخون أن السلطان "شهاب الدين الغوري" هزم (المهراجا برثوي راج الهندي) عام 1192 م في حرب (باني بتي الثانية)، وقضى على المملكة الهندوكية وعلى حكم أسرة "شندرا" الهندية، ثم أسس أول دولة لأسرة مسلمة في "دهلي" وتوسعت الدولة بفتوحاتها إلى أن وصل خليفته (قطب الدين إيبك) إلى بلاد بنغلاديش، وتوغل جيشه فيها حتى وصل إلى إقليم (شيتاغونغ)، ثم عبر نهر "ناف" وفتح مقاطعة "أراكان" عام 1231م، وتوطن الكثير من الجيش منطقة أراكان، وبنوا القُرى والمعسكرات الإسلامية، ثم تزاوجوا مع أهل البلاد وتناسلوا وتكاثروا[6].

• كما يذكر المؤرخون أنه بنهاية القرن الثالث عشر الميلادي، كان الإسلام قد ترسخ في قلوب الناس وعقولهم بين إفريقيا وآسيا، ووصل من سواحل المحيط الأطلسي إلى البنغال، وتزايد رخاء ونفوذ "أراكان" إلى حد أن وضع الملك (تراميخلة) - والذي اختار فيما بعد اسمًا إسلاميًّا هو (سليمان شاه) - في عام 1430 م حجر الأساس لأول دولة إسلامية في "أراكان"، ودام حكمها زهاء ثلاثة قرون ونصف حكمًا إسلاميًّا مستقلًّا، وذلك من عام 1430م إلى عام 1784م، وكانت تسمى "أسرة نوري" المسلمة، تلك المملكة حكمها ما يقارب من (48) ملكًا بعد "سليمان شاه" على التوالي، ومن أشهرهم: (علي خان، وكلمة شاه، ومنكو شاه، ومحمد شاه، وجلال شاه، وحسين شاه، وسليم شاه)[7].

وهنا ملاحظة غاية في الأهمية؛ وهي: أن ملوك تلك الحقبة من الزمن يحملون أسماءً وألقابًا إسلامية، وهي دلالة واضحة على أنه كانت بأراكان دولة إسلامية، ويحكمون بشريعة الإسلام، أو على الأقل مؤشر كبير لديانتهم الإسلام، والحكم بما أنزل الله تعالى.

 

آثار وشواهد إسلامية:

كان يُشترط لملوك "أراكان" قبل توليهم الحكم أن يحصلوا على شهادة الفضيلة في العلوم الإسلامية، وكانت العملات والوسامات والشعارات الملكية تُنقَش وتُحفَر فيها كلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) والآية القرآنية {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ} [الشورى: 13][8].

وما يدل على قدم وجود المسلمين في هذه الدولة أيضًا بعض الآثار التاريخية من مساجد ومدارس وأربطة، كمسجد (بدر مقام) المشهور في (أكياب) عاصمة "أراكان"، ومسجد (سندي خان) الذي بُني في عام 1430 م، ومسجد (ولي خان) الذي بُني في القرن الخامس عشر الميلادي.

يقول المؤرخ "إرلى سمارت"[9]: "كان للتجَّار العرب صلة وثيقة مع أهل "أراكان" منذ قبل 788 م، وكانوا قاموا في ذلك الوقت بتعريف الإسلام أمامهم بأسرع ما يمكن، وكانت ميناء جزيرة "رحمبري" في جنوب "أراكان" اسمًا مألوفًا لدى البحَّارة العرب في الصدر الأول. كذلك من الأخبار مجيء العرب إلى أراكان في القرن الثامن الميلادي، وذلك أن أسطولًا صغيرًا لسفنهم التجارية تحطَّم ولجأ أصحابه إلى القُرى المجاورة، ونشروا الإسلام هناك، وما زال الإسلام ينتشر في هذه المنطقة مع كل محاسنه وبكل سرعة خلال القرون المتتابعة، وفي القرن الثالث عشر الميلادي شُيِّدت مساجد، وتُسمَّى هذه المساجد بـ (بدر مقام)، وكان الإسلام وصل وانتشر بدون أي مساندة عسكرية"[10].

 

[1] المسلمون في ميانمار.. والحفاظ على الهوية، عبده الدسوقي، مجلة الوعي الإسلامي، العدد (532)، 3/ 9/ 2010 م، موقع المجلة الإلكتروني.

[2] الروهينجا في ميانمار، الأقلية الأكثر اضطهادًا في العالم، طارق شديد، مؤسسة ialgo (Internet Association International Gulf Organization) نشر في عام 2015 م، صـ6، 7.

[3] أحوال الأقليات الإسلامية في العالم، دراسة حالة: الأقليات الإسلامية في بورما والصين وروسيا، ياسر نايف قطيشات، نشر بتاريخ سبتمبر 2012 م، صـ49.

[4] مسلمو أراكان وستون عامًا من الاضطهاد، أبو معاذ أحمد عبد الرحمن، ط2، 1434 هـ - 2012 م، طبعة إلكترونية، صـ53، 54.

[5] الأقليات المسلمة في مواجهة التحديات وواجب المسلمين نحوهم، أحمد عبد العزيز الحصين، دار عالم الكتب، الرياض، السعودية، 1423 هـ، صـ54.

[6] تاريخ أراكان الماضي والحاضر، د. محمد يونس، قسم النشر والإعلام لمنظمة تضامن الروهانجيا، أراكان بورما، ط 1، 1425 هـ، ترجمة خيري حسن العلي، صـ44، 81.

[7] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، دار الأصفهاني للطباعة بجدة، 1393 هـ، صـ15.

[8] بورما: الخبر... والعيان، محمد بن ناصر العبودي، 1411 هـ- 1991 م، صـ29.

[9]  Akyab district: Volume A (Burma Gazetter)، R. B Smart، Supdt. Govt. Printing and Staty.، Union of Burma; 1st edition (January 1، 1957)، p. 52.

[10] الروهينجا في ميانمار، الأقلية الأكثر اضطهادًا في العالم، طارق شديد، صـ7.