الدولة العباسية والغزو المغولي:
وعلى أثر قيام الخلافة العباسية ولى "أبو جعفر المنصور": "يزيد بن أسيد السلمي" ولاية أذربيجان التي بقيت تحت الحكم العربي الذي كان قويًّا إبان عصر ازدهار الخلافة العباسية الأولى، وفي عهد العباسيين استمر ازدهار الدعوة الإسلامية وسار العباسيون على نهج الأمويين، واتخذ من أذربيجان قاعدة لمد الإسلام إلى الشمال، واستمر دور أذربيجان كقاعدة لبث الإسلام في المنطقة.
وتولى أمر المنطقة القائد العباسي "بغا الكبير" ونهج نفس الأسلوب السابق في انتشار الدعوة الإسلامية[1].
وإبّان الدولة العباسية اتخذت الحركات المناوئة منطقة أذربيجان مركزًا لها، حيث ظهرت بها فتنة "بابك الخرمي" عام 816/201 م[2]، وفي ولاية "بغا التركي" استقل "بنو ساج" بحكم أذربيجان من عام 276 هـ إلى عام 317 هـ، وكانت "مراغة" عاصمة هذه الأسرة في أول الأمر ثم نقلت بعد ذلك إلى "أردبيل"، ثم جاء بعدهم "بنو شداد"، وهكذا إلى أن حل السلاجقة في حكم المنطقة وتوطد ملكهم بدخول السلطان "طغرل بك" مدينة "تبريز" عام 446 هـ/1054 م، واتخذ "ألب أرسلان" أذربيجان قاعدة عسكرية لعملياته الحربية ضد البيزنطيين[3].
وعندما انهارت دولة السلاجقة انقسمت أذربيجان إلى دولتين: إحداهما دولة "الأتابكة" التي أقامها "أتابك شمس الدين ايلد كيز" في "كنجه" حتى سنة 622 هـ/1225 م، والأخرى دولة "شيروان شاه" التي أسسها "أبو المظفر مانجور شاه" في "شماخي" بإقليم "شروان" حتى عام 1551 م.
وعندما عظم نفوذ المغول، اجتاحوا أذربيجان، ودخلوا مدينة تبريز عام 628 هـ/1229 م، ومدينة كنجه عام 1237م، ومدينة دربند عام 1239 م، ثم اتخذ إمبراطور المغول "هولاكو" مدينة "مراغة" عاصمة له خلال عملياته الحربية في الشام والعراق والتي ثبت تاريخيًّا أن "هيثوم" ملك أرمينيا كان مديرها[4].
الدولة الإيلخانية، والصفويون، والعثمانيون:
وقد ازدهرت أذربيجان في حكم "غازان خان" ملك الإيلخانيين المسلم، وبلغت "تبريز" أقصى درجات البهاء والرونق في عهده، ومنذ عام 1336 م تعرضت أذربيجان لحروب داخلية اندلعت معاركها بين "حسن بزرك جلاير" من الإيلخانيين في تبريز و"حسن كوجك جوبان" من التركمان في موغان، وأسرتيهما، في بسط سيادتهما على أذربيجان كلها، وقد غزاها "تيمور لنك"[5] عام 786 هـ/1384 م ثم استعاد سيادتها السلطان "أحمد الجلايري" عام 809 هـ، ثم ظهر "قره يوسف أحمد" تركمان "قره قويونلي"، وفي سنة 907 هـ / 1502 م أصبحت أذربيجان من أهم معاقل الدولة الصفوية، التي أرادت نشر المذهب الشيعي بالقوة بين أهلها السنة[6]، وتصدى لهم أمراء "شروان" و"آق قويونلي"، وأدى هذا إلى استنجاد المسلمين الأذريين بالعثمانيين؛ حيث دخلها "السلطان سليم" في 6 سبتمبر 1514م.
وقد ظلت المعارك بين الصفويين والعثمانيين، حتى ظهر "نادر شاه أفشار" الذي قضى على دولة الصفويين، وعقد معاهدة السلام العثمانية الإيرانية عام 1732 م التي بموجبها غدا نهر "أراس" فاصلًا بين حدود الدولتين في أذربيجان[7].
دولة الخانات، والغزو الروسي:
أدى انشغال الدولة العثمانية في حروب البلقان إلى ظهور خانات شبه مستقلة في أذربيجان الشمالية هي: 1- خانية شيكي استولى عليها الروس عام 1819 م، 2- خانية باكو استولى عليها الروس عام 1807 م، 3- سلطنة إيليسو (زاهور) استولى عليها الروس عام 1803 م، 4- خانية كوبا استولى عليها الروس عام 1806 م، 5- خانية شروان استولى عليها الروس عام 1820 م، 6- خانية قره باغ استولى عليها الروس عام 1822 م، 7- خانية كنجه استولى عليها الروس 1804 م، 8- خانية تاليس استولى عليها الروس عام 1812 م، 9- خانية ناخجوان استولى عليها الروس 1825 م[8].
وبذلك أعلنت روسيا القيصرية حمايتها على بلاد القفقاس، وأخذت في الاستيلاء على بلدان المنطقة واحدة تِلْوَ الأخرى، وفي سنة 1326 هـ- ۱۹۰۸ م دخل جنود روسيا القيصرية أذربيجان بالاتفاق مع بريطانيا، ثم قامت الثورة الشيوعية أثناء الحرب العالمية الأولى، واحتل الحلفاء مدينة "باكو" في سنة 1918 م، واعترفوا بحكومة حزب المساواة التي قامت بأذربيجان، ثم انسحب الحلفاء وأعلن السوفيت قيام نظامهم في "باكو" سنة 1339 هـ - 192۰ م، وأصبحت أذربيجان جمهورية سوفيتية من الجمهوريات الثلاث لما وراء القوقاز، ثم دخلت نظام الاتحاد في سنة 1355 هـ - 1936 م، وكانت لغة الأذري (أذربيجان) تكتب بحروف عربية قبل استبدالها بالحروف الروسية[9].
مسخ الهوية الإسلامية لأذربيجان على يد الشيوعيين:
سام الشيوعيون - أثناء حكمهم أذربيجان - المسلمين بالحديد والنار؛ حيث أُغلقت المساجد، ومُنِعت ممارسة أي شعائر دينية، وترك الحبل على غاربه للحركات الضالة؛ كالصوفية القبورية والشيعة الروافض للعمل بين المسلمين، وصدَّر السوفيت في نهاية عهدهم المشاكل لأذربيجان مثل مشكلة الأقاليم المتنازع عليها بينها وبين أرمينيا، وبينها وبين إيران، وتدخلت في تلك الأزمات لصالح أرمينيا، وادَّعت أن الأذريين يضطهدون الأقلية الأرمينية في أراضيهم[10].
وقد استمرت روسيا، سواء في فترتها القيصرية، أو بعد قيام ثورتها البلشفية، في البطش بمسلمي أذربيجان، ومصادرة أملاكهم وأراضيهم، حتى إن المؤرخ الروسي "فادايف" الأستاذ بمعهد التاريخ والفلسفة في أكاديمية العلوم السوفيتية اعترف بما فعله أجداده من جرائم فقال:
"من الجلي أن الذين حلوا في الحكم محل الخانات من قوادنا المركزيين المختارين من بين الضباط الروس والذين أخذوا يطبقون في أذربيجان، وغيرها من المناطق الإسلامية التي احتلوها في تلك الفترة، السياسة القيصرية الرجعية الجائرة.. كانوا يعاملون الأهالي أسوأ معاملة فكان الموظفون من رجال حكومة القيصر يرسون في القوقاز الجنوبية قواعدَ نظمِ الاستعمار بتنفيذهم أساليب عسكرية إقطاعية. وأما الادعاء القائل بأن الثقافة الروسية قد أثرت على تطور الثقافة الآذرية منذ انضمام (احتلال) أذربيجان إلى روسيا فهراء لا يمثل الحقيقة".
وقد قام الشعب المسلم الأذربيجاني بأكثر من 54 ثورة ضد الروس للمطالبة بأدنى حقوقهم، وفي يوم 18 أكتوبر 1991، اعتمد المجلس الأعلى لأذربيجان إعلان الاستقلال عن روسيا الذي أكده استفتاء شعبي على الدستور في ديسمبر 1991 عندما تم حل الاتحاد السوفيتي رسميًّا.
وطغت في السنوات الأولى من الاستقلال حرب "ناغورني قرة باغ" (ارتساخ) مع أرمينيا المجاورة، على سيادة ذلك الإقليم، وبحلول نهاية الأعمال العدائية في عام 1994 م، فقدت أذربيجان السيطرة على ما يصل إلى 16% من أراضيها، بما في ذلك "ناغورني قرة باغ" نفسها، حيث قتل ما يقدر بنحو 30,000 شخص، وشرد أكثر من مليون آخرين.
وصارت "أذربيجان" علمانية، يفتقد شبابها المسلم جذور هويته الإسلامية الممسوخة، إلى جانب تسلط إيران على المدن الحدودية بينهما ونشر المذهب الشيعي بقوة حتى إن عدد المسلمين السُّنَّة بالدولة صار في حكم الأقلية الدينية، وبذلك ذوَّبَت سنوات الاستعمار الطويلة أذربيجان المسلمة، وأدخلتها في أتون النزاعات الدولية.
• أذربيجان دولة تقع في جنوب القوقاز، في مفترق الطرق بين أوروبا الشرقية وآسيا الغربية. • ترجع أهمية أذربيجان إلى موقعها المتوسط، ووقوعها في منطقة آسيا الوسطى، ولكونها شكلت قديمًا جزءًا من إقليم "ميديا" في عهد الإكمينيين، كما شكلت الولاية الغربية من الدولة الساسانية، ومن بعد ذلك أقصى شمال الدولة الإسلامية. • أذربيجان الحالية تم اقتطاع أراضٍ كثيرة من مساحتها الجغرافية التاريخية، فهي لا تعد حاليًّا ثلث مساحتها في العالم القديم بحدودها التي اختطها الجغرافيون. • دخل الإسلام أذربيجان في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كانت فتوحاتها فيما بين سنتي (18-22 هـ). • من أهم قادة الفتح الإسلامي لأذربيجان: حذيفة بن اليمان، وسراقة بن عمرو، وعتبة بن فرقد الأسلمي. • في عهد الدولة الأموية كانت أذربيجان ثغرًا إسلاميًّا وقاعدة عسكرية انطلق منها المسلمون لمحاربة دولة الخزر المتحالفة مع البيزنطيين. • احتلت روسيا القيصرية أذربيجان بالاتفاق مع بريطانيا سنة 1326هـ - ۱۹۰۸م. • في عهد السوفيت ضاعت الهوية الإسلامية لأذربيجان، وقُمِعَ المسلمون السُّنَّة بها. • تعاني أذربيجان الآن من علمانية الدولة، وتغول شيعي، ونزاعات إقليمية مع جيرانها صدرتها القوى الغربية لها بعد الاستقلال. |
[1] المصدر السابق، صـ334، 335.
[2] تاريخ الإسلام في أذربيجان من الفتح الإسلامي إلى نهاية العصر العباسي الأول، د. رجب محمود إبراهيم بخيت، صـ115، 116.
[3] الإسلام في آسيا الوسطى (بين الفتحين العربي والتركي)، د. حسن أحمد محمود، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1972م، صـ188، 189.
[4] جمهورية أذربيجان، محمد بن ناصر العبودي، صـ139.
[5] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، دار الشروق- مصر، 1983 م، صـ309، 310.
[6] دائرة المعارف الإسلامية، طبعة كتاب الشعب، ج1، صـ30.
[7] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، صـ179، 180.
[8] جمهورية أذربيجان، محمد بن ناصر العبودي، صـ141، 142.
[9] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، صـ335.
[10] تركستان (الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفيتي سابقًا) بين الدب الروسي والتنين الصيني، قسم البحوث والدراسات بدار الدعوة، 1414 هـ- 1993 م، صـ76.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.