كيف وصل الإسلام إلى أذربيجان؟ (1)مقالات


• أذربيجان دولة تقع في جنوب القوقاز، في مفترق الطرق بين أوروبا الشرقية وآسيا الغربية.

• ترجع أهمية أذربيجان إلى موقعها المتوسط، ووقوعها في منطقة آسيا الوسطى، ولكونها شكلت قديمًا جزءًا من إقليم "ميديا" في عهد الإكمينيين، كما شكلت الولاية الغربية من الدولة الساسانية، ومن بعد ذلك أقصى شمال الدولة الإسلامية.

• أذربيجان الحالية تم اقتطاع أراضٍ كثيرة من مساحتها الجغرافية التاريخية، فهي لا تعد حاليًّا ثلث مساحتها في العالم القديم بحدودها التي اختطها الجغرافيون.

• دخل الإسلام أذربيجان في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كانت فتوحاتها فيما بين سنتي (18-22 هـ).

• من أهم قادة الفتح الإسلامي لأذربيجان: حذيفة بن اليمان، وسراقة بن عمرو، وعتبة بن فرقد الأسلمي.

• في عهد الدولة الأموية كانت أذربيجان ثغرًا إسلاميًّا وقاعدة عسكرية انطلق منها المسلمون لمحاربة دولة الخزر المتحالفة مع البيزنطيين.

• احتلت روسيا القيصرية أذربيجان بالاتفاق مع بريطانيا سنة 1326هـ - ۱۹۰۸م.  

• في عهد السوفيت ضاعت الهوية الإسلامية لأذربيجان، وقُمِعَ المسلمون السُّنَّة بها.

• تعاني أذربيجان الآن من علمانية الدولة، وتغول شيعي، ونزاعات إقليمية مع جيرانها صدرتها القوى الغربية لها بعد الاستقلال.

 

الموقع:

أذربيجان دولة تقع في جنوب القوقاز، في مفترق الطرق بين أوروبا الشرقية وآسيا الغربية، ويحدها بحر قزوين إلى الشرق، و"روسيا" من الشمال، و"جورجيا" إلى الشمال الغربي، و"أرمينيا" إلى الغرب، و"إيران" في الجنوب.

وأرضها جبلية في الجملة، تتكون من هضبة تعتبر امتدادًا لهضبة أرمينيا ناحية الشرق، وتحف بهذه الهضبة جبال عالية حيث جبال القفقاس في الشمال الشرقي، وجبال أرمينيا في الغرب، وجبال أذربيجان الإيرانية في الجنوب، وتتسبب جبال القفقاس في حمايتها من الرياح الباردة القادمة من الشمال، وتتخلل أذربيجان وديان نهرية شقت مجاريها بين المرتفعات في وديان صالحة للزراعة، وتشرف هضبة أذربيجان بحافة عالية على بحر قزوين، وتحصر بينهما وبينه سهولًا ساحلية تمتد عبر شبه جزيرة "أبشيرون"، ومن هذه الأنهار نهر "كورا" وروافده نهر "أبودا"، ونهر "أراس"، وتتجه هذه الأنهار إلى "قزوين"[1].

 

التسمية:

أرجع "المقدسي"[2] اسم أذربيجان نسبة إلى أول من اختطها وهو "أذرباد بن بيوراسف بن الأسود بن نوح" عليه السلام، في حين يرجع "ياقوت الحموي"[3] التسمية بأذربيجان إلى اللغة الفهلوية، بمعنى أن أذر بالمولوية تعني: النار، وبايكان تعني: الحافظ أو الخازن؛ فيكون المعنى هو "بيت النار" أو "خازن النار"، وقد حرفت الكلمة ونطقت أذربيجان، وهذا هو الرأي الراجح؛ نظرًا لاشتهار أذربيجان بكثرة بيوت النار التي كانت توجد فيها قبل الإسلام.

 

أذربيجان القديمة قبل دخول الإسلام:

كان لأذربيجان أهميتها الكبيرة عبر الحقب الزمنية المتعاقبة، وترجع هذه الأهمية إلى موقعها المتوسط، ووقوعها في منطقة آسيا الوسطى، ولكونها شكلت قديمًا جزءًا من إقليم "ميديا" في عهد الإكمينيين، كما شكلت الولاية الغربية من الدولة الساسانية، ومن بعد ذلك أقصى شمال الدولة الإسلامية[4].

وأذربيجان الحالية تم اقتطاع أراضٍ كثيرة من مساحتها الجغرافية التاريخية، فهي لا تعد حاليًّا ثلث مساحتها في العالم القديم بحدودها التي اختطها الجغرافيون، وذكروها في معاجمهم، ولكونها يغلب على طبيعتها الجبال والهضاب وكثرة المجاري المائية، فقد كان يقسمها نهر أراس بالعرض إلى نصفين سياسيين هما:

أولًا: أذربيجان الجنوبية: التي تتبع إيران حاليًّا وتعرف باسم "استاني صوم"، وتنقسم إداريًّا إلى جزأين هما:

(أ) أذربيجان الشرقية وتضم مدن تبريز - أردبيل - سراپ - گرمرور - اهر - بشفين - استارا - ومركزها مدينة تبريز.

(ب) أذربيجان الغربية وتشمل مدن خلخال - باکو - خُويّ - سلماس - أرمية - اشنو - سوج بولاق- مراغة - ميانه - بيجار - غروس، ومركزها مدينة أرمية وبها عرفت البحيرة التي باسمها، واستولت إيران على أذربيجان الجنوبية عام 1815 م، ويتبع معظم السكان المذهب الجعفري الشيعي، وتعد تبريز عاصمة أذربيجان التاريخية وأكبر مدينة فيها.

ثانيًا: أذربيجان الشمالية هي التي تعرف باسم جمهورية أذربيجان وكانت تشكل قبل الاستقلال إحدى الجمهوريات الخمس عشرة التي تكون اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية، ومع أن مساحتها بلغت 94137كم حتى عام 1920 م، إلا أن الحكم الشيوعي اقتطع منها إقليمي "قره بازي" و"بور جالي" اللذين أعطيا لجورجيا في أعقاب احتلال القوات الشيوعية لها، ثم تنازلت حكومة أذربيجان السوفيتية عن إقليمي "القازاق" و"زنكيزور" لأرمينيا؛ مما أدى إلى قطع الاتصال المباشر مع إقليم "نخجوان"، وهكذا تضاءلت مساحة أذربيجان في الوقت الحاضر[5].

 

دخول الإسلام إلى أذربيجان:

نتيجة لتوسع الفتوحات الإسلامية في أملاك الإمبراطورية الفارسية، ونشر الإسلام بها، وبعد انتصار جند الإسلام على الفرس بسقوط عاصمتهم "المدائن" في عام 16 هـ/637 م، وفتح "نهاوند" الذي سمي بفتح الفتوح عام 20 هـ/641 م، كان من الطبيعي أن تمتد فتوح الإسلام صوب الشمال في أذربيجان؛ لالتجاء كثير من الفرس إليها، ومشاركة عدد من جنودها خصوم الدولة الإسلامية في الحروب مع المسلمين؛ حيث شارك الأرمن والأذريون في معركة "القادسية" عام 15 هـ/636 م بأعداد كبيرة[6]، وقد اشترك ثلاثة قواد من الصحابة رضوان الله عليهم في فتح أذربيجان الذي كان بين سنتي (18-22 هـ) على عدة مراحل، وأبرز الصحابة الذين اشتركوا في فتوحات أذربيجان:

۱- الصحابي "حذيفة بن اليمان" رضي الله عنه، وذلك في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي دانت له "أردبيل" عام 18 هـ/639 م حيث صالحه مرزبانها[7] بدفع جزية قدرها ثمانمائة ألف درهم على ألَّا يقتل المسلمون أحدًا من أهل "أردبيل" ولا يسبيه ولا يهدم بيت نار.

۲- استمر "سراقة بن عمرو" في فتح مدن شمال أذربيجان؛ حيث استولى على "شروان" و"موفان" ووصل إلى "دربند" (باب الأبواب) عام 22 هـ/643 م، حيث حاصرها "عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي" ولما أطال الحصار كتب إليه ملكها "شهريزار" بطلب الصلح فأجيب إليه، وقد استشهد "سراقة بن عمرو" في "باب الأبواب" في أواخر عام 22 هـ، واستخلف على الإدارة "عبد الرحمن بن ربيعة".

3 - ثم ولي عمر بن الخطاب أمر أذربيجان "عتبة بن فرقد السلمي"، فدخل عتبة "أردبيل" بيد أن "بهرام بن فوخزاز" حشد جيشًا من أهل أذربيجان لصد استكمال فتح أذربيجان، ونشبت المعركة بينهما، ولما خسر "بهرام" استسلم أهل أذربيجان، وكتب "عتبة بن فرقد" عهدًا لهم تضمَّن الأمان لسهلها وجبلها وحواشيها وشعارها وأهل مللها على أنفسهم وأموالهم وملكهم وشرائعهم مع أداء الجزية على قدر طاقاتهم[8].

 

عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه وثورة الأذريين:

في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه (23-35هـ/466-656م) انتقضت المناطق الجبلية المحيطة بأذربيجان عهدها، وسرى هذا الانتقاض إلى مناطق كثيرة حتى شكل خطرًا داهمًا على القوات الإسلامية المرابطة في أذربيجان؛ ولذا رأينا عثمان بن عفان يسرع بتكليف "الوليد بن عقبة" في سنة 25 هـ / 645 م بسرعة تحرك القوات الإسلامية لتدارك هذا الخطر، فأسرع "الوليد" وتحرك بجيش الكوفة، وضم إليه قوات أردبيل المرابطة هناك إلى أن استطاع أن يسيطر على المناطق المنتقضة ويعيدها إلى سيطرة الدولة الإسلامية[9].

وقبل أن يعود إلى الكوفة، أراد "الوليد بن عقبة" أن يطمئن إلى الاستقرار في أذربيجان، فترك حامية عسكرية كبيرة تحت تصرف واليها الجديد "الأشعث بن قيس الكندي" يستطيع بها فرض سيادة الدولة الإسلامية على أذربيجان، وما حولها من مدن وقرى وممرات جبلية[10].

وقد نجحت هذه الحملة نجاحًا كبيرًا، وتحققت منها مكاسب كثيرة، أهمها أن أذربيجان قد نالت استقرارًا كبيرًا، تجلى ذلك في قيام "الأشعث بن قيس" بعمل له أهميته الكبيرة؛ حيث ذكر "البلاذُرِيّ" أنه قام بإسكان مدينة "أردبيل" أناسًا من العرب المسلمين، وأمرهم بدعوة أهل الجبال للإسلام[11].

 

عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه واستقرار أمور أذربيجان:

في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه (35-40 هـ) تولى أمر أذربيجان "سعيد بن العاص الأموي" حينًا، و"الأشعث بن قيس الكندي" حينًا آخر، وكانت الفتوحات الإسلامية قد مهَّدت لقدوم هجرات عربية للاستيطان فيها والمشاركة في الدعوة الإسلامية حتى إذا كان عهد الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت الحركة الإسلامية قد قطعت شوطًا كبيرًا[12]، حيث تحولت "أردبيل" إلى مركز إسلامي، وبني مسجدها الجامع في سنة 36هـ واستوطنها "بنو رواز" وهم من الأزد القبيلة العربية المعروفة، وقهر الإسلام المجوسية في فترة لا تزيد على 10 سنوات، وتعود أسباب ذلك التغير إلى القدوة الحسنة التي تحلى بها المسلمون المهاجرون، والنظرة الشمولية للإسلام التي تخطت الإقليمية الضيقة لكثرة العرقيات بالمنطقة حيث أدخلتهم جميعًا في رحاب الإدارة الإسلامية وتركت لهم المجال مفتوحًا للإبداع[13].

 

العهد الأموي وخطر قبائل الخزر:

وفي عهد الأمويين أخذ الحكم العربي يستقر في أذربيجان التي غدت ثغرًا إلى بلاد الخزر[14] المجاورة، والتي تحالفت مع البيزنطيين لمواجهة المسلمين منذ القرن الثامن الميلادي/ الثاني الهجري، ففي أيام "معاوية بن أبي سفيان" تقدمت جيوش الخزر نحو مدن أذربيجان، واستولوا على قلاع ومدن عام 47  هـ/667 م فتصدى لهم "عبد الله بن سوار العبدي" والتقى بهم في جبال "أردبيل"، حيث واجههم واستشهد في أثناء صد هذا الهجوم، وفي أيام "الوليد بن عبد الملك" سار إليها "ثبيت النهراني" ولما انهزم المسلمون عزله "يزيد بن عبد الملك" وولي بدلًا منه "الجراح بن عبد الله الحكمي" الذي دخل مدينة "الباب" بغير قتال، وصالح الترك على مال يؤدونه، وفي عام 107 هـ أيام "هشام بن عبد الملك" عزلَ "الجراح بن عبد الله"، وولى مكانه أخاه "مسلمة بن عبد الملك" الذي جلب حاميات عربية كثيرة إلى "أرَّان"، واتخذ من مدينة "برذعة" قاعدة للعمليات الحربية ضد الخزر[15]، وأرسل "الحارث بن عمرو الطائي" حيث قام بحملة ناجحة على الخزر سنة 107 هـ/725 م، واشتبك معهم في أكثر من موقع، وتوغل في حدودهم، ثم عاد بجيشه إلى أذربيجان[16].

وقد انتصر المسلمون على الخزر سنة 110 هـ/728 م، في عهد ولاية "مسلمة بن عبد الملك"، وأسكن "مسلمة" مدينة "باب الأبواب" أربعة وعشرين ألفًا من عرب الشام، ولكنه عُزِلَ عن الولاية، وعاد إليها "الجراح بن عبد الله" ثم "سعيد بن عمرو الحرشي"، ثم أعاد "هشام بن عبد الملك" أخاه "مسلمة" إلى الولاية ثانية، وفي عام 114 هـ تولى الولاية "مروان بن محمد" فواصل الجهاد في بلاد الخزر ونشر الإسلام، وقد استتب الحكم الإسلامي في أذربيجان في أواخر عهد الأمويين.

 

[1] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، دار الأصفهاني للطباعة بجدة، 1393 هـ، صـ330.

[2] أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، أبو عبد الله محمد بن أحمد المقدسي البشاري، ط2، ليدن، 1909 م، صـ375.

[3] معجم البُلدان، ياقوت الحموي، ط القاهرة، 1400 هـ- 1980 م، مج ۱، ص 109-110.

[4] تاريخ الإسلام في أذربيجان من الفتح الإسلامي إلى نهاية العصر العباسي الأول، د. رجب محمود إبراهيم بخيت، دار العلم والإيمان للنشر والتوزيع، 2010 م، صـ31.

[5] جمهورية أذربيجان، محمد بن ناصر العبودي، مطابع الفرزدق التجارية، ط1، 1413 هـ، صـ135.

[6] الفتوحات الإسلامية لأرمينية، فايز نجيب إسكندر، ط الإسكندرية، 1988 م، صـ21.

[7] كان حاكم أذربيجان يحمل لقب "المرزبان"، ويتخذ من مدينة أردبيل مقرًّا له، والمَرْزُبَانُ هو: رئيس الفُرْس، أو الفارس الشجاع المقدَّمُ على القوم، وهو دون الملك في الرُّتبة.

[8] جمهورية أذربيجان، محمد بن ناصر العبودي، صـ136-137.

[9] فتوح البُلدان، البلاذري، تحقيق رضوان محمد رضوان، ط القاهرة، 1932 م، صـ323-324.

[10] تاريخ الإسلام في أذربيجان من الفتح الإسلامي إلى نهاية العصر العباسي الأول، د. رجب محمود إبراهيم بخيت، صـ59.

[11] فتوح البُلدان، البلاذري، صـ324.

[12] جمهورية أذربيجان، محمد بن ناصر العبودي، صـ137.

[13] انتشار الإسلام حول بحر قزوين، د. حامد غنيم أبو سعيد، دار الثقافة - القاهرة، 1974 م، صـ169-171.

[14] تمركزت دولة الخزر في إقليم يقع بين الحوض الأدنى لنهر الفولجا شمال جبال القوقاز، وبحر أزوف، ونجد أنه مع تنامي الوجود الإسلامي على حساب كل من دولة الخزر والدولة البيزنطية، فرضت عليهما الظروف السياسية والعسكرية التحالف في وجه المد العسكري.. انظر: تاريخ يهود الخزر، دنلوب، تعريب: د. سهيل زكار، ط2، دمشق، 1410 هـ- 1990 م، صـ19-23.

[15] جمهورية أذربيجان، محمد بن ناصر العبودي، صـ137.

[16] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، صـ334.