قيرغيزستان وحضارة الإسلام (2)مقالات


قيرغيزستان تحت حكم الخانات:

ونتيجة للنفوذ الكبير لأتراك ما وراء النهر، أسسوا دولًا إسلامية تركية متخذة من تلك المنطقة مسرحًا للأحداث التي شكلت العالم الإسلامي في العصر العباسي الثاني، حيث أسس "القراخانيون" دولتهم، وذلك بعد إسلام الخان "ستوق بغراخان" عام 349  هـ (960 م)، وإسلام نحو مائتي ألف خيمة من الأتراك الشرقيين تبعًا لإسلامه؛ أي: ما يقرب من مليون نسمة دخلوا الإسلام من الأتراك المتمردين في عام واحد[1]، وقد ازداد الإسلام تمكينًا في "قيرغيزستان" وجاراتها في عهد السلاجقة (1040 م - 1118 م)، وتعرض لفترة من الجمود في بداية غزو المغول ثم تحولت الدعوة إلى مرحلة من الازدهار بعد إسلام ملوك المغول والتتار، فأخذ العديد من خواقين المغول الدعوة على عاتقهم بعد إسلامهم.

وفي القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) وبالتحديد في سنة 842 هـ (1438 م) تحولت أملاك القبيلة الذهبية إلى عدة دويلات، وانقسمت إلى عدة خانيات، وفي فرغانة (قيرغيزستان) نما فرع من فروع "الشيبانية" وأسس خانية خوقند (خجند)[2]، وهكذا ازدهرت الدعوة الإسلامية بقيرغيزيا قبل استيلاء الروس على حكمها، الذين احتلوا المنطقة في نهاية القرن الثالث عشر الهجري (1284 هـ- 1866 م) منتهزين فترة من الضعف والتفكُّك، وأسس الروس العديد من القرى بوادي فرغانة، ثم تدفقت هجراتهم إليها، وفي عهد السوفيت تحولت قيرغيزيا إلى جمهورية اتحادية في سنة ألف وثلاثمائة وخمس وخمسين هجرية (1355 هـ- 1936 م)[3].

 

اضطهاد الشيوعيين للقيرغيز:

عقب الاحتلال أثناء الدولة القيصرية بدأت روسيا تنفذ سياسة التهجير والاستيطان حيث أنشأت عشرين مستوطنة روسية فيما بين 1907 – 1914 م، وقد أدى هذا إلى تدفُّق الروس المهجرين، ومصادرة أراضي مسلمي قيرغيزيا وأملاكهم ومواشيهم وأغنامهم؛ مما تسبب في انتشار المجاعة بين المواطنين وتعرضهم لأعمال الإبادة والتقتيل حتى بلغ عدد القتلى 150,000 قيرغيزي، وانخفضت نسبة المسلمين فكان عددهم أقل من المستوطنين الروس.

وإبان الثورة الشيوعية عام 1917 نهض القيرغيز مع إخوتهم الأوزبك والقازاق ضد الحكم الروسي، ولكن الوالي العام الجنرال "كوروباتكين" Kuvopatkin أصدر أمره بقتل جميع الثوار الوطنيين في الأول من فبراير ۱۹۱۷ م[4].

وعندما تولى الجنرال "فرونزه" Frunze - من مواليد قيرغيزستان - قيادة الجيش الأحمر السوفيتي، عمل على بسط السيطرة الشيوعية وإبادة المناضلين الوطنيين بوحشية، حتى إن سكان ولاية "بيتي سو" القيرغيزية البالغ عددهم 89864 أسرة لم يبق منهم إلا 30787 أسرة.

وقد فاز الجنرال "فرونزه" بمكافأة على وحشيته بأن سُميت مدينة "بشكك" باسمه، إلى أن تم تغييره مؤخرًا إلى "بشكك" عاصمة قيرغيزستان.

ونتيجة لهذا الاضطهاد المستمر فقد اشترك القيرغيز في الثورات الوطنية التي عرفت باسم "الآش أورده" في "كازاخستان"، واستمرت إلى نهاية عام 1920، وكذلك في ثورة "باسمه جي" في وادي فرغانة التي استمرت إلى أوائل عام 1931 م[5].

ونجد سياسة التخوين طالت حتى القيرغيز الشيوعيين الذين كانوا يساندون "ستالين"، فقد كان أولئك القيرغيز الذين تظاهروا بالشيوعية كانوا يواجهون الموت أو السجن إذا طالبوا بتوفير المنتجات الغذائية المنتجة في قيرغيزيا لأهل قيرغيزيا أولًا، ثم يصدر الفائض بعد ذلك إلى روسيا.. ولهذا السبب طرد رئيس وزراء قيرغيزيا "يوسوف عبد الرحمانوف" (يوسف بن عبد الرحمن) وإعدام الرفيق "رزفيلوف القيرغيزي" و"عبد الكريم صديقوف".. ولم يكن لهم من ذنب إلا مطالبتهم بإشباع مواطنيهم من منتجات قيرغيزيا الزراعية الوفيرة[6].

استقلال قيرغيزستان وعودة الهوية الإسلامية:

بعد استقلال قيرغيزستان عن الاتحاد السوفيتي، عام 1991 م، لتصبح قيرغيزستان أول جمهوريات آسيا الوسطى الخمس التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي، ونتيجةً لانهيار الشيوعيين، أَملَ مواطنو "قيرغيزستان" في التخلص من قبضة الروس؛ حيث أثار لديهم الاستقلال الظاهري رغبة جامحة في العودة إلى الإسلام، عبّرت عن نفسها في إنشاء المساجد والمدارس الإسلامية، والعودة بقوة إلى تعلم أحكام الشريعة وإنشاء أحزاب إسلامية، حيث ظهرت مجموعة من أحزاب الصحوة الإسلامية؛ وكانت في أغلبها متأثرة بأفكار المدارس الفكرية الكبرى في العالم الإسلامي.

وقد اتسم موقف الأنظمة الحاكمة في آسيا الوسطى من الصحوة الإسلامية عمومًا ومن الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية بالعدائية[7]، وحظيت في موقفها هذا بتأييد أمريكا والدول الغربية وروسيا؛ لظنها أن أي نوع من الانفتاح والحرية سيؤدي إلى سيطرة الأحزاب الإسلامية على المنطقة.

ولكن الهوية الإسلامية الضائعة في جمهوريات وسط آسيا الوليدة ظلت حاضرة وبقوة على الصعيد الاجتماعي بين القيرغيز، واتسمت السنوات الأخيرة بإقبال الشباب على العودة إلى الإسلام، وممارسة شعائره، واستحضار التاريخ المجيد للمنطقة بعد الفتح الإسلامي وقبل الغزو الروسي، خاصةً مع الانفتاح السياسي والتغييرات التي مرت بها البلاد مؤخرًا.

 

• عاش "القيرغيز" حول أعالي نهر "ينيسي" Yenisei ولكنهم هاجروا قبل (1600 م) إلى ما يعرف الآن بقيرغيزيا.

• عرفت قيرغيزستان عند المسلمين بوادي فرغانة، ويشغل هذا الوادي وسط قيرغيزيا حاليًّا، ويمثل دعامة التجمع السكاني والقلب الاقتصادي بقيرغيزيا

• يعد "قتيبة بن مسلم الباهلي" أول من أدخل الإسلام بقيرغيزستان، وتوفي بها، ولا يزال قبره في "رباط سرهنك" بإقليم فرغانة موجودًا حتى اليوم.

• شكل القيرغيز مع إخوانهم من الجنود الترك طليعة الجيش الإسلامي في العهد العباسي الثاني، وأسسوا ممالك مستقلة في بلاد ما وراء النهر.

• مع الاحتلال الروسي لقيرغيزستان تعرض المسلمون لسياسة الإقصاء والتجويع وتخوين القيادات الإسلامية المتعاونة مع الشيوعيين.

• قام الروس بتوطين العرقيات الروسية في القرى القيرغيزية، لإحداث تغيير ديموغرافي في بنية السكان القيرغيز المسلمين، حتى صار المسلمون أقلية في بعض المقاطعات.

• كان القيرغيز في طليعة الثورات على الحكم السوفيتي، ومنها ثورة "الآش أورده"، وكذلك ثورة "باسمه جي".

 • بعد استقلال قيرغيزستان عن الاتحاد السوفيتي عام 1991 م، يحاول القيرغيز العودة إلى الإسلام من جديد، واستعادة هويتهم الإسلامية.

 


[1] الإسلام في آسيا الوسطى.. بين الفتحين العربي والتركي، د. حسن أحمد محمود، صـ 181.

[2] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، دار الشروق- مصر، 1983 م، صـ305.

[3] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، صـ313.

[4] حديث قيرغيزستان، دراسة ومشاهدات ميدانية، محمد بن ناصر العبودي، صـ29.

[5] المصدر السابق، صـ30.

[6] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، صـ372.

[7] مقال: آسيا الوسطى مع الإسلام بين الماضي والحاضر.. قيرغيزستان نموذجًا، منذر الأسعد، نشر على موقع المسلم بتاريخ 12 جمادى الآخرة 1436 هـ.