قيرغيزستان وحضارة الإسلام (1)مقالات


• عاش "القيرغيز" حول أعالي نهر "ينيسي" Yenisei ولكنهم هاجروا قبل (1600 م) إلى ما يعرف الآن بقيرغيزيا.

• عرفت قيرغيزستان عند المسلمين بوادي فرغانة، ويشغل هذا الوادي وسط قيرغيزيا حاليًّا، ويمثل دعامة التجمع السكاني والقلب الاقتصادي بقيرغيزيا

• يعد "قتيبة بن مسلم الباهلي" أول من أدخل الإسلام بقيرغيزستان، وتوفي بها، ولا يزال قبره في "رباط سرهنك" بإقليم فرغانة موجودًا حتى اليوم.

• شكل القيرغيز مع إخوانهم من الجنود الترك طليعة الجيش الإسلامي في العهد العباسي الثاني، وأسسوا ممالك مستقلة في بلاد ما وراء النهر.

• مع الاحتلال الروسي لقيرغيزستان تعرض المسلمون لسياسة الإقصاء والتجويع وتخوين القيادات الإسلامية المتعاونة مع الشيوعيين.

• قام الروس بتوطين العرقيات الروسية في القرى القيرغيزية، لإحداث تغيير ديموغرافي في بنية السكان القيرغيز المسلمين، حتى صار المسلمون أقلية في بعض المقاطعات.

• كان القيرغيز في طليعة الثورات على الحكم السوفيتي، ومنها ثورة "الآش أورده"، وكذلك ثورة "باسمه جي".

 • بعد استقلال قيرغيزستان عن الاتحاد السوفيتي عام 1991 م، يحاول القيرغيز العودة إلى الإسلام من جديد، واستعادة هويتهم الإسلامية.

 

نبذة عن قيرغيزستان:

تعد "قيرغيزستان" من جمهوريات آسيا الوسطى، تقع في شمال شرق آسيا الوسطى على سفوح جبال "تنكري تاغ" شرقًا، وجبال "آلاو" المتفرعة من "عقدة بامير" شمالًا.

تحدها "كازاخستان" شمالًا، و"أوزبكستان" من الغرب والجنوب الغربي، و"طاجيكستان" من الجنوب الشرقي، و"تركستان الشرقية" في الصين شرقًا.

وهي بلاد جبلية؛ إذ يبلغ متوسط ارتفاعها عن مستوى سطح البحر حوالي 500 متر، وأما "وادي مارين" الذي يقطع هذه الجبال فيبلغ ارتفاعه عن سطح البحر ما بين ۱۳۰0 - ۳۲۰۰ متر، وطوله 300 كلم، ومتوسط عرضه كلم، وبها بحيرة "إيسيك كول" من أكبر البحيرات في العالم؛ إذ تبلغ مساحتها 622 كلم، وتقع على ارتفاع 1609 أمتار فوق مستوى سطح البحر.

وتتألف "قيرغيزستان" من سلسلتين جبليتين شمالية وجنوبية وبينهما منطقة من الهضاب تتجمع فيها المياه فتشكل في الشمال الشرقي بحيرات واسعة وعديدة، بينما يجري في القسم الغربي "نهر تارين" وهو المجرى الأعلى لنهر سيحون، وهو ينبع من شرق البلاد ويستمر في جريانه حتى الغرب؛ حيث يدخل جمهورية "أوزبكستان"، وتأتيه الروافد من جانبيه وتقترب السلسلتان من بعضهما في الغرب مكونة مرتفعات" فرغانة"[1].

 

وتبلغ مساحة "قيرغيزستان" 198500 كلم، وتشتمل على أربع مقاطعات و۱۸ مدينة و40 مستوطنة، وعاصمتها "بيشكك" Biskek وعرفت خلال الحكم السوفيتي باسم "فرونزه"[2].

ويبلغ طول الجمهورية من الشرق إلى الغرب حوالي 560 كيلو مترًا، ولا تزيد بين شمالها وجنوبها عن 400 كيلو متر.

وقد عاش "القيرغيز" حول أعالي نهر "ينيسي" Yenisei ولكنهم هاجروا قبل (1600 م) إلى ما يعرف الآن بقيرغيزيا.

كيف دخل الإسلام قيرغيزستان؟

عرفت هذه المنطقة عند المسلمين بوادي فرغانة، ويشغل هذا الوادي وسط قيرغيزيا حاليًّا، ويمثل دعامة التجمع السكاني والقلب الاقتصادي بقيرغيزيا[3].

ووصول الإسلام إليها ارتبط بوصوله إلى وسط قارة آسيا، حيث إقليم التركستان، ووصل الإسلام هذا الإقليم بعد أن فتح المسلمون "خراسان"، وذلك خلال القرن الأول الهجري، ففي عهد الخلفاء الراشدين كانت الحملات الإسلامية تقترب من منطقة "قيرغيزستان"، ولكن الفتح الحقيقي لبلاد "فرغانة" بدأ في نهاية القرن الهجري الأول، في أثناء الفتوح التي قام بها القائد "قتيبة بن مسلم الباهلي"، وذلك أثناء "خلافة الوليد بن عبد الملك" أيام الدولة الأموية، في الفترة بين سنتي أربع وتسعين وست وتسعين هجرية، فلقد عبر خلالها نهر سيحون، وفتح جميع البلاد ما وراء النهر[4]، ووصل إلى فرغانة (قيرغيزستان) وفتحها للإسلام، بل تجاوزها إلى "كاشغر" - عاصمة تركستان الشرقية - على حدود الصين[5].

ويقال إن "قتيبة بن مسلم" قد مات ودفن بفرغانة حيث تم دفنه في "رباط سرهنك" عام 96 هـ، ولا يزال ضريحه موجودًا حتى يومنا الحالي.

وفي العصر الأموي، اعتنق العديد من أهل المنطقة الإسلام طواعية، في خلافة "عمر بن عبد العزيز"، حيث أسقط عنهم الجزية.

قيرغيزستان إبان الدولة العباسية:

وقد تجذَّر الإسلام بعمق في وادي "فرغانة" في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، وفي عهد الدولة العباسية كانت القبائل التركية التي لم تكن قد آمنت بعد تستغل اضطرابات الأمور في إقليم "خراسان"، وتقوم بالإغارة على مدن ما وراء النهر مثل: بخارى وسمرقند وفرغانة وبنحكث (طشقند) بالتحالف مع إمبراطور الصين لمناوأة المسلمين وإبعادهم عن حدوده[6].

ونتيجة لذلك؛ أرسل الخليفة العباسي "أبو جعفر المنصور" عامله "أبا مسلم الخراساني" لإقليم تركستان في حملة كبيرة لتأديب الصينيين عام 133 هـ (751 م)، وسار "أبو مسلم" بهذا الجيش إلى "سمرقند"، وانضم بقواته مع قوات "زياد بن صالح الحارثي" الوالي السابق للكوفة، وتولى "زياد" قيادة الجيش، وقد اشتبكت الجيوش الصينية مع الجيوش الإسلامية بالقرب من مدينة "طلاس" أو "تراز" والتي تقع على نهر الطلاس الذي يفصل بين كل من "قيرغيزستان" و"كازاخستان"[7].

وقد انتهت المعركة بسقوط الآف القتلى من الجانب الصيني، وهرب القائد الصيني "قاو شيان جه" من المعركة بعد أن خسر زهرة جنده، أما عن "زياد بن صالح" فقد أرسل الأسرى، وكانوا 20 ألفًا إلى بغداد، وكان منهم بعض صُنَّاع الورق الصينيين، ومنهم انتقل سر صناعة الورق إلى بغداد ودمشق والقاهرة، ثم الأندلس ومنها إلى أوروبا وسائر العالم.

وترجع أهمية المعركة إلى أنها كانت أول وآخر صدام عسكري حدث بين المسلمين والصينيين، كما أنها أنهت نفوذ الصين في آسيا الوسطى - بعد أن سقطت قيرغيزيا في أيدي المسلمين - حيث تم صبغ تلك المنطقة (آسيا الوسطى) بصبغة إسلامية بعد أن أسلم أكثر قبائلها وغدت مناطق إشعاع إسلامي وحضاري.

وفي عهد "المعتصم" زاد نفوذ الأتراك في البلاط العباسي، حيث كان الإسلام قد رسخت قدمه في بلاد ما وراء النهر، وبدأ الأتراك أنفسهم - ومن ضمنهم أهل إقليم فرغانة (قيرغيزستان) - يتبنون حركة الجهاد بين جيرانهم الأتراك الشرقيين، يقول "البَلاذُرِيُّ": "استخلف المعتصم بالله فصار جُلُّ شهود عسكره من جند أهل ما وراء النهر من السغد والفراغنة والأشروسنية وأهل الشاش وغيرهم، وحضر ملوكهم بابه، وغلب الإسلام على ما هناك، وصار أهل تلك البلاد يغزون من وراءهم من الترك.. ففتح مواضع لم يصل إليها أحد من قبله"[8].

وقد تبع انتشار الإسلام على ذلك النحو سير الثقافة العربية في طريقها المرسوم؛ فلم تعد ثقافة الوافدين من العرب، إنما توطنت بين أهل البلاد الذين بدءوا بعد تعلم اللغة العربية يضيفون الكثير إلى حضارة الإسلام، وكانت مدارس ما وراء النهر قد ازدهرت في عهد "الطاهريين" و"السامانيين" حينما برزت ممالك "بُخارى" و"فرغانة" و"سمرقند" كمراكز للعلم والثقافة، والدعوة إلى الله عن طريق التجارة أيضًا.

 

[1] مواطن الشعوب الإسلامية: تركستان، محمود شاكر الحرستاني، دار الإرشاد - بيروت، 1390 هـ - 1970 م، صـ96.

[2] حديث قيرغيزستان، دراسة ومشاهدات ميدانية، محمد بن ناصر العبودي، دار خضر للطباعة والنشر، 1418 هـ- 1998 م، صـ21.

[3] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، دار الأصفهاني للطباعة بجدة، 1393 هـ، صـ312.

[4] بلاد ما وراء النهر، هي منطقة تاريخية وجزء من آسيا الوسطى، تشمل أراضيها أوزبكستان والجزء الجنوبي الغربي من كازاخستان والجزء الجنوبي من قيرغيزستان، أطلق العرب المسلمون على تلك المنطقة اسم "بلاد ما وراء النهر" عندما فتحوا تلك المنطقة في القرن الهجري الأول؛ إشارة إلى النهرين العظيمين اللذين يحدّانها شرقًا وغربًا: نهر سيحون (2212 كم) ونهر جيحون (1415 كم)؛ وهي ترجمة للتسمية الفارسية القديمة "فرارود".

[5] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، دار الشروق- مصر، 1983 م، صـ376، 377.

[6] المصدر السابق، صـ285.

[7] الإسلام في آسيا الوسطى.. بين الفتحين العربي والتركي، د. حسن أحمد محمود، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1973 م، صـ157.

[8] فتوح البلدان، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَلَاذُرِيّ، دار ومكتبة الهلال- بيروت، 1988 م، صـ416.