• أهم مدن أذربيجان وقت الفتح الإسلامي كانت "تبريز" و"أردبيل" و"أرمية" و"خُوَيّ"، و"أرَّان"، وكان السكان أتراكًا اختلطوا بالعناصر الفارسية العربية، وكانت لغتهم تركية آذرية، ثم صارت اللغة عربية. • وصف المؤرخون والجغرافيون العرب أذربيجان وكورها، وذكروا ثراء مدنها، وكثرة أنهارها ومزارعها. • نزل أذربيجان كثير من الصحابة والتابعين، وممن أقام بها: جرير بن عبد الله البَجَليّ، والبراء بن عازب، وصفوان بن المعطل السلمي. • اشتهرت أذربيجان بصناعة المنسوجات، وتجفيف الفاكهة، والصناعات المعدنية وصناعة الزجاج. • لعبت أذربيجان دورًا هامًّا في حركة التجارة منذ دخلها الإسلام؛ لموقعها الجغرافي الهام والمتحكم في عدد من طرق التجارة العالمية والإقليمية. • شهدت أذربيجان حركة علمية زاهرة في مدنها، ووفد عليها الفقهاء والأدباء والشعراء لعقد المناظرات ومدارسة العلم. |
تنقسم أذربيجان – التي فتحها المسلمون – حاليًّا إلى قسمين: قسم في شمال إيران وعاصمته "تبريز"، وقسم احتله الاتحاد السوفيتي السابق، يعرف الآن بجمهورية أذربيجان، وعاصمته "باكو"، ويفصل بينهما نهر الرس، فما كان شمال نهر الرس فهو "أرَّان" (القديمة) التي احتلها الروس وكانوا يطلقون عليها جمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفيتية، وما كان جنوب النهر فهو إقليم أذربيجان التابع لجمهورية إيران.
التقسيم الإداري بعد الفتح الإسلامي:
بعد أن فتح المسلمون "أذربيجان" سنة (18-22 هـ)، واستتب أمر الإسلام بها خلال القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي، قاموا بتقسيم أذربيجان إلى كور (أقاليم أو مقاطعات) متعددة هي:
(1) مراغة (۲) ميانج (۳) أردبيل (4) سيسر (5) برزه (6) تبريز (۷) سابر خاست (۸) مرند (۹) خُوَيّ (۱۰)کولسره (۱۱) موقان (۱۲) برزند (۱۳) جنزة (14) باجروان (15) نريز (16) أرمية (۱۷) سَلماس (۱۸) سندبايا (۱۹) البذ (20) أرم (۲۱) سراه (۲۲) بلوان کرج (۲۳) دسکياور (24) ماي بهرج.
وكانت أذربيجان الإيرانية، وأرَّان، وأرمينية، تخضع لعامل واحد، وتمثل كلها إقليمًا إسلاميًّا واحدًا، ومن أخص خصائص أذربيجان سلسلة الجبال الشاهقة التي ترتفع في أنحاء مختلفة من الأقاليم، وهي جبال "سبلان" غربي "أردبيل"، وجبال "سهند" جنوبي "تبريز"، وجبل "أرارات" الأصغر مكونة الحد بين تركيا والعراق[1].
أما أهم مدن أذربيجان وقتها فكانت "تبريز" و"أردبيل" و"أرمية" و"خُوَيّ"، وكان السكان أتراكًا اختلطوا بالعناصر الفارسية العربية، وكانت لغتهم تركية آذرية، ثم صارت اللغة عربية بعد الفتح الإسلامي، وأخرجت العديد من العلماء والفقهاء.
أذربيجان في المصادر العربية:
وصف المؤرخون والجغرافيون العرب أذربيجان وكورها، وذكروا أن حد أذربيجان الإيرانية من "برذعة" شرقًا إلى "أرزنجان" غربًا، وتتصل شمالًا ببلاد الديلم والجبل والطرم، ومن مدنها "تبريز" وهي قصبتها، ومن مدنها "المراغة" و"خُوَيّ" و"سَلمَاس" و"أرمية" و"أرْدَبيل" و"مَرَند"، وغيرها من حواضر الإسلام.
وقد وصفها "ياقوت الحموي" فقال: "وهو صُقْع جليل، ومملكة عظيمة، الغالب عليها الجبال، وفيه قلاع كثيرة، وخيرات واسعة، وفواكه جمة، ما رأيت ناحية أكثر بساتينَ منها، ولا أغزر مياهًا وعيونًا.. لا يحتاج السائر فيها إلى حمل إناء للماء؛ لأن المياه جارية تحت أقدامه أين توجه، وهو ماء بارد، وأهلها صِباحُ الوجوه حُمْرها، رقاق البَشَرة، ولهم لغة يقال لها الأذرية لا يفهمها غيرهم.. وفي أهلها لين وحسن معاملة، إلا أن البخل يغلب على طباعهم.. وهي بلاد فتنة وحروب ما خلت منها قط؛ فلذلك أكثر مدنها خراب وقُراها يَباب"[2].
ووصف مدينة "أرَّان" – بالفتح وتشديد الراء – فقال: "ولاية واسعة وبلاد كثيرة، منها جَنزة المشهورة باسم كَنْجَة وبَرْذَعة وبَيْلَقان، وبين أذربيجان وأرَّان نهر يقال له الرس. كل ما جاوره من ناحية المغرب والشمال فهو من أرَّان وما كان جهة المشرق (والجنوب) فهو من أذربيجان.. وأرَّان أيضًا من قلاع قزوين مشهورة، وممن ينسب إلى أرَّان عبد الخالق بن أبي المعالي الأرَّاني الشافعي.. قدم الموصل وتفقه على أبي حامد بن يونس، واشتهر بالفقه الشافعي"[3].
وذكر "الإصطخري" أذربيجان ومدنها الكثيرة العامرة؛ مما يدل على اتساع الإقليم أيام الفتح الإسلامي لها، وكثرة العمران بها، فقال: "فأمَّا أذربيجان فإنَّ أكبر مدينة بها أردبيل، وبها المعسكر ودار الإمارة، وهي مدينة عليها سور فيه ثلاثة أبواب، وبناؤها الغالب عليه الطين، وهي مدينة خصبة، وأسعارها رخيصة، وبها رساتيق وكور، وبها جبل نحو فرسخين يُسمَّى سبلان، عظيم مرتفع، لا يفارقه الثلج شتاءً ولا صيفًا، ولا يكون به عمارة، وتلي أردبيل في الكبر المراغة، وكانت في قديم الأيّام المعسكر ودار الإمارة، والمراغة نزهة جدًّا خصبة، كثيرة البساتين والرساتيق والزروع، وكان عليها سور خرَّبه ابن أبي الساج، ثمّ تلي المراغة في الكبر أرمية، وهي مدينة نزهة كثيرة الخير رخيصة الأسعار، على شطِّ بحيرة الشَّراة، وأمَّا الميانج والخونج وأجن وداخرّقان وخُوَيّ وسلماس ومَرَند وتبريز وبرزند وورثان وموقان وجابروان وأشنه فإنَّها مدن صغار متقاربة في الكبر، وأمَّا جابروان وتبريز وأشنه الأذريّة فإنَّ هذه الثلاث المدن وما تحتفُّ به تعرف بالرّديني، وأمَّا برذعة فإنَّها مدينة كبيرة جدًّا تكون أكبر من فرسخ في فرسخ، وهي نزهة خصبة، كثيرة الزرع والثمار جدًّا، وليس فيما بين العراق وخراسان بعد الريّ وأصبهان مدينة أكبر ولا أخصب ولا أحسن موضعًا ومرافق من برذعة، ومنها على أقلّ من فرسخ موضع يُسمَّى الأندراب ما بين كرنة ولصوب ويقطان أكثر من مسيرة يوم في يوم، مشتبكة البساتين والباغات، كلُّها فواكه، وفيها البندق الجيِّد أجود من بندق سمرقند، ولهم فاكهة تسمَّى الروقال في تقدير الغبيراء، وله نوى حلو الطعم...."[4].
وذكرها "اليعقوبي" في "البُلدان" حيث ذكر أن "لأذربيجان من الكوار أردبيل، وبرزند، وورثان، وبرذعة والشيز، وسراة، ومرند، وتبريز، والميانج، والرومية، وخُوَيّ، وسَلماس، وأهل مدن أذربيجان وكورها أخلاط من العجم الآذرية والجاودانية القدم أصحاب مدينة البذ التي كان فيها بابك، ثم نزلتها العرب لما افتتحت.. وافتتحت أذربيجان سنة اثنتين وعشرين، افتتحها المغيرة بن شعبة الثقفي في خلافة عثمان بن عفان، وخراجها أربعة آلاف ألف درهم يزيد في سنة وينقص في أخرى"[5].
وذكر "ابن حوقل" مدينة أردبيل، وثراءها، وخصبها فقال: "وهي مدينة خصبة، وأسعارها رخيصة، ولها رساتيق وكور جليلة، ولها جبل صعوده ونزوله نحو ثلاثة فراسخ يُسمّى سبلان، عظيم رفيع شامخ مطلّ عليها من غربيها، لا تفارقه الثلوج صيفًا ولا شتاءً، وهي مدينة لها أنهار جارية وآبارها طيّبة عذبة، وأكثر الأوقات خبزها بالعدد خمسون رغيفًا بدرهم، ولحمها بمنِّها منًّا ونصف بدرهم، والعسل والسمن والجوز والزبيب وجميع المآكل رخيصة كالمجّان، وأكثر البُلدان المشار إليها بالرخص دونها في رطوبة الحال من وجود سائر المطلوبات"[6].
وممن أخرجت مدينة "أردبيل" من العلماء: الحافظ نصر الأردبيلي، والفقيه محمد بن جعفر، وأحمد بن حرب الأردبيلي، ومحمد بن إبراهيم الأردبيلي، وعز الدين بن يوسف الأردبيلي، وفرح بن محمد بن الحسن الأردبيلي.
وكانت أذربيجان بصفة عامة وأردبيل بصفة خاصة تعجُّ بالفقهاء والمحدِّثين، وشهدت نهضة علمية كبيرة.
من نزل أذربيجان من الصحابة والتابعين:
وقد شرفت أذربيجان بوجود عدد من الصحابة والتابعين الذين دخلوا أذربيجان مجاهدين، سواء من أقام بها، أو مرَّ بها ولبث فيها حينًا من الدهر، ومما لا شك فيه أن دورهم كان نفسيًّا ومعنويًّا في إقبال الناس على مختلف طبقاتهم إلى الدخول في الإسلام وتعلُّم اللغة العربية، ومن أمثال هؤلاء:
• الصحابي الجليل "جرير بن عبد الله البجلي"؛ الذي أسلم في سنة 10 هـ /621 م، وأرسله النبي صلى الله عليه وسلم لهدم صنم ذي الخَلَصة الذي کان يعبده البجليون، وشارك في الفتوحات الإسلامية في نواحي وبُلدان شتى، ومن ثم استقر به المقام في أذربيجان، وأخذ يدعو الناس إلى الإسلام ويهديهم إلى طريق الله، وظل يدعو إلى الله إلى أن وافته المنية بها سنة 52 هـ / 672 م.
• وخلفه في الدعوة إلى الله من بعده حفيده "أبو زُرْعة" الذي قضى حياته يدعو للإسلام في أذربيجان.
• ومن أشهر البيوتات التي استوطنت أذربيجان بيت الصحابي الجليل "البراء بن عازب" الذي نزل أذربيجان وطاف مدنها يدعو، وبعد رحيله ترك ابنَيْه "يزيد" و"سويد" في أذربيجان حيث استقرا بها.
• وكذلك نزل أذربيجان "زيد بن وهب الجهني" الذي أسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره، وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم انساح في البلاد مجاهدًا وداعيًا إلى الإسلام إلى أن حل به الرحال في أذربيجان، وساهم في فتوحات أذربيجان ومناطق القوقاز.
• وقد ذكر المؤرخون أن "الزبير بن العوام" حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد العشرة المبشرين بالجنة قد أقام زمنًا في "أردبيل" بعد أن شارك في الفتوحات الإسلامية[7].
• وشهد فتوحات أذربيجان وطاف على مدنها المختلفة "عمرو بن معد يكرب" الذي أسلم بعد غزوة تبوك، وقد أقام بأذربيجان بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وكان مصاحبًا لسلمان بن ربيعة الباهلي في فتوحاته.
• وصحب كلًّا من "سلمان بن ربيعة الباهلي" و"عتبة بن فرقد" أثناء إقامتهما في أذربيجان، الصحابي "أبو عثمان النهدي" الذي صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد المخضرمين الذين شهدوا الإسلام والجاهلية.
• وكذلك نزل بأذربيجان "صفوان بن المعطل السلمي" الصحابي الجليل، الذي شهد فتوحات كل من أرمينية وأذربيجان، وطاف بمدنهما داعيًا إلى الإسلام، إلى أن وافته المنية بأرمينية[8].
• وكذلك نزل بأذربيجان "معضد بن يزيد العجلي" الذي صحب "الأشعث بن قيس" في فترة ولايته أذربيجان، ووقضى حياته فيها داعيًا للإسلام، وبعد عودة "الأشعث" من أذربيجان ظل مقيمًا بها.
• و"عبد الله بن شديل الأحمسي" من الصحابة، زار أذربيجان، وأقام فيها ردحًا من الزمن، ودخلها في صحبة "الوليد بن عقبة بن أبي معيط" عندما غزا أذربيجان في عهد "عثمان بن عفان".
• "وعمرو بن معاوية بن المنتَفِق" الذي أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وهاجر إلى أذربيجان وأقام بها، وولي أذربيجان لمعاوية بن أبي سفيان، قبل أن يوليه "الأهواز"، وساهم بدور فعَّال في غزوات الصوائف والشواتي.
وغيرهم الكثير ممن تذخر بهم كتبُ الطبقات، ممن ذكر في ترجمته أنه نزل أذربيجان، وأقام بها حتى أدركته الوفاة.
[1] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، دار الشروق- مصر، 1983م، صـ182.
[2] معجم البُلدان، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي، دار صادر، بيروت، ط2، 1995 م، (1/ 128).
[3] معجم البلدان: (1/ 136).
[4] المسالك والممالك أو مسالك الممالك، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسي الإصطخري، طبعة ليدن، دار صادر- بيروت، 2004 م، صـ 181.
[5] البلدان، أحمد بن إسحاق (أبي يعقوب) بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي، دار الكتب العلمية- بيروت، ط الأولى، 1422 هـ، صـ81.
[6] صورة الأرض، محمد بن حوقل البغدادي الموصلي، دار صادر، أوفست ليدن، بيروت، 1938 م، (2/ 335).
[7] حياة الصالحين، عبد المنعم قنديل، دار الجيل - بيروت، 1900 م، صـ79-80.
[8] تاريخ الصحابة والتابعين، حمزة النشرتي وآخرون، القاهرة، 1998 م، مج 4، صـ164-170.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.