أثر الثقافة الهندية في الثقافة العربية:
كان تأثير الهند في العلوم الإسلامية من نواح عدة أهمها: الرياضيات والحساب والنجوم والآليات والأدب والطب.
• ففي العلوم الرياضية والفلك والحساب أخذ المسلمون عن الهند قبل اتصالهم الوثيق بالفكر الإغريقي، ففي سنة 154 هـ قدم بغداد رجل هندي متضلع في العلوم الرياضية ومعه رسالة في الفلك تدعى "سدذانتا"، واسمها "السند هند"، فترجمها "محمد بن إبراهيم الفزاري" بأمر "المنصور" واتخذها العلماء مثالًا يحتذونه[1].
• وقد اطلع العرب على "السند هند"، وكان له أثر كبير في كتابة الأرقام الهندية، فقد تعلم العرب الأرقام الهندية من ترجمتهم كتاب "السند هند"، إذ يحتوي البابان الثالث عشر والعشرون منه على بسط وبيان تلك الأرقام، وهي الأرقام المعروفة عند العرب بالأرقام الهندية، وعند الإفرنج بالأرقام العربية، لأنهم أخذوها من عرب الأندلس.
• ترجم العرب كتابين آخرين في علم الهيئة هما "الأرجبهر" و"الأركند"، نقل الأول "أبو الحسن الأهوازي" والثاني "يعقوب بن طارق" في سنة 162 هـ، واستفاد منهما العرب كثيرًا[2].
• أخذ العرب الاصطلاحات الرياضياتية من الهنود كلفظة الجيب، في حساب المثلثات، كما اقتبسوا كثيرًا من نظريات الهند في الحساب والهندسة، وقد شرح "أحمد النسوي" في كتاب "المقنع في الحساب الهندى" قسمة الكسور واستخراج الجذور المربعة في طريقة تقرب من الطريق الحديثة، وقد اعتمد على الأرقام الهندية.
• في علم الطب برز أطباء هنود كثيرون كان من أبرزهم "يحيى بن خالد" حفيد "أبي خالد" الذي نشأ في بلاد "كشمير" وتعلم هناك النحو والطب وأنواع الحكمة، وقد جلب من الهند علماء وأدباء أمثال "بهلة" و"منكة" و"سندباد" الذين أسلم بعض أولادهم مثل "صالح بن بهلة" وصاروا علماء وأطباء[3].
• في مجال الأدب عُرِّبتْ بعض الألفاظ الهندية وقد كان ذلك أيام العرب الذين تاجروا مع الهند ونقلوا سلعًا هندية، وحملوا مع هذه السلع أسماءها، وهناك ألفاظ هندية عربت، وورد بعضها في القرآن، مثل: زنجبيل، وكافور، وأبنوس، وببغاء، وخيزران، والأهليج، وغير ذلك من أسماء النباتات والحيوانات الهندية[4].
• إلى جانب نقل الملاحم والقصص التي تجري على ألسنة الحيوانات، ككتاب "كليلة ودمنة" هندي الأصل الذي نقل إلى الفارسية ثم نقل من الفارسية إلى العربية مع زيادات على الأصل الهندي، وقصة "السندباد" هندية الأصل، وقد ذكر "ابن النديم" في "الفهرست" كتبًا كثيرة للهند في الخرافات والأسفار والأحاديث[5].
السند في المصادر العربية:
ذكر بلاد السند والملتان كثير من الجغرافيين والمؤرخين والرحالة، وذكروا أنها حد بلاد الإسلام، ففي القرن الثالث الهجري أي بعد قرن ونصف من فتح العرب لبلاد السند، بدأ المؤرخون في جمع المعلومات عن ديار الإسلام، ومنها شبه القارة الهندية؛ فهذا هو "المسعودي" الذي زار بلاد السند بعد سنة 300 هـ يشير في كتابه "مروج الذهب" إلى أن السند من ديار الإسلام، ويوجد بها كثير من العلماء العرب والقضاة والخطباء الأفاضل الذين يبذلون الجهود لخدمة اللغة العربية ونشرها، وإن الناس في هذه البلاد يقدسون اللغة العربية وكثيرون منهم يتحدثون بها ولا سيما الطبقة الحاكمة والخواص من أهل السند[6].
و"ابن حوقل" الرحالة المعروف زار بلاد السند والملتان سنة 331هـ وصوّر بلاد السند ومدنها وطرقها وسبلها وبحرها وما عليه من مدن، ويصف من مدن باكستان وحواضرها مدن "المنصورة واسمها باميرامان بالسنديّة، والديبل، والنيرون، وقالرى، وانرى، وبلرى، ومسواهى، والفهرج، وبانيه، ومنجابرى، وسدوستان، والرور، والجندرور".
وذكر أن ببلاد "بلهرا" المساجد تجمع فيها الجمعات ويقام بسائرها الصلوات بالأذان في المنار والإعلان بالتكبير والتهليل، وأنها مملكة عريضة، وأن بالمنصورة يحكمهم عرب من قريش، ويعتزون بأنسابهم، وأن الملوك لا زالوا يستخدمون العربية في معاملاتهم، وأما العوام في بلاد السند والملتان ومدنها الكثيرة فكانوا يتكلمون اللغة السندية واللغات المحلية الأخرى في حياتهم العامة[7].
والإصطخري الجغرافي الكبير يشير في كتابه أيضًا إلى نفس المعلومات التي يذكرها "ابن حوقل" ويضيف عليها بأن الديبل وقراها البالغ عددها نحو مائة قرية كانت مدينة تجارية كبيرة لأهل السند، وأن مدن السند وما يجاورها من بلاد الهند مدن خصبة واسعة وبها النارجيل والموز وانبج والغالب على زروعهم الارزّ وبها عسل كثير وليس بها نخيل[8].
أما "ابن بطوطة" فقد زار بلاد السند عام 734 هـ، ودخل مدنها، وذكر أنها من ممالك السلطان المعظّم "محمد شاه تغلق" ملك الهند والسند، ويذكر الوقائع العجيبة التي صادفها في هذه البلاد، وتملك المسلمين في تلك البلاد، وعلى إدارة أمورها[9].
ويعد وصف "ابن بطوطة" أوسع وصف لتلك البلاد في القرن الثامن الهجري، وقد بلغت مدة إقامته في الهند نحو عشر سنوات مقربًا من السلطان "محمد شاه"، لذا تحدث عن أحواله وحاشيته وبلاطه. وتنقل خلال العشر سنوات في البلاد الهندية حتى ألِف العيش بها، واطلع على أحوالها ومعالمها المختلفة، وشاهد عاداتها وتقاليدها؛ من ذلك عادة إحراق النساء أنفسهن بعد وفاة أزواجهن...، ولم يغادر "ابن بطوطة" الهند إلا للقيام بسفارة عظيمة إلى الصين، لكنها فشلت رغم الاستعدادات الفائقة.
المسلمون في شبه القارة الهندية وحركة التأليف:
ساهم علماء القارة الهندية في حركة التأليف بالعربية، حيث ألفوا في جميع مجالات العلم والفن، وفي المعقولات والمنقولات، ورغم أن منطقة السند دخلت في مجال علم الحديث متأخرة، في القرن العاشر الهجري، ولكنها سبقت كثيرًا من الأقطار، ونهض منها الأئمة الكبار، وانتهى إليهم تدريس هذا الفن والقيام بحقوقه، حتى أصبحت هذه البلدان مركزًا لهذا الفن، يشد إليها الرحال حتى وقتنا الحالي.
يقول د. "أحمد إدريس" عن مجالات التأليف بالعربية التي نجب فيها المسلمون في شبه القارة: "الحقيقة بأن الباحث في هذا المجال لا يستطيع أن يحصر المؤلفات العربية في شبه القارة اذا اعتبر الأدب العربي - كما فعل كثير من الباحثين قديمًا وحديثًا، شرقًا وغربًا هو كل ما كتب باللغة العربية، ذلك أنه سيواجه تلالًا من المصنفات في الحديث وعلومه، وفي التفسير والفقه والتصوف والفلسفة والحكمة والمنطق والمناظرات والعقيدة وعلوم القرآن والرجال والجغرافية والطب والطبقات واللغة والإنشاء والرسائل والشعر والعروض والبلاغة والمعاجم والنحو وغير ذلك مما يحتاج إثباته إلى أسفار وموسوعات لن تخرج في النهاية عن كونها مجرد قيد وتدوين لهذه المؤلفات ومؤلفيها دون فحص لمحتويات هذا الأدب لمعرفة ما له وما عليه. فأمير مثل النواب "صديق حسن القنوجي" له ستة وخمسون كتابًا باللغة العربية، وللشيخ "أحمد رضا البريلوي" ثلاثمائة مصنف، كما للشيخ "عبدالحی بن عبدالحليم اللكنوي" ستة وثمانون، فكيف يمكن الحديث بإنصاف - إذن - عن الأدب العربي في شبه القارة التي أنجبت خلال ما يزيد على سبعة قرون من غلبة المسلمين عليها، ألوفًا من العلماء والأدباء إذا أدخلنا في نطاق الأدب العربي كل ما كتب باللغة العربية؟! فضلًا عن أن هذا المفهوم الواسع يجعل الأدب العربي مرادفًا للثقافة الإسلامية التي يحتاج تدوينها ونقدها إلى أعمار قد لا تتاح لفرد واحد"[10].
• تأثر الهنود المسلمون في شبه القارة الهندية بتأثيرات عربية، وتأثيرات تركية أفغانية. • ظلت اللغة العربية في بلاد السند حتى القرن الخامس الهجري لغة رسمية مستعملة في الدواوين الحكومية ودور القضاء والمدارس والمعاهد والأسواق التجارية الكبيرة. • تأثرت أبجديات اللغات الباكستانية الكبيرة الخمسة تأثرًا كبيرًا عميقًا بالأبجدية العربية. • نشأت بمرور الوقت مدرسة إسلامية علمية زاهرة بمنطقة السند، شأنها شأن مدارس الأمصار التي نشأت في أعقاب الفتوح العربية. • كان تأثير الثقافة الهندية في العلوم الإسلامية من نواح عدة أهمها: الرياضيات والحساب والنجوم والآليات والأدب والطب. • ذكر كثير من الجغرافيين والمؤرخين والرحالة بلاد السند والملتان، وذكروا أنها حد بلاد الإسلام، وعلى رأسهم ابن بطوطة في رحلته. • ساهم علماء القارة الهندية في حركة التأليف بالعربية، حيث ألفوا في جميع مجالات العلم والفن، وفي المعقولات والمنقولات. |
[1] تاريخ العرب، د. فيليب حتى، دار الكشاف للنشر والتوزيع، 1949 م، ج2، صـ456-458.
[2] ضحى الإسلام، أحمد أمين، ج2، صـ63.
[3] الإسلام في آسيا الوسطى (بين الفتحين العربي والتركي)، د. حسن أحمد محمود، صـ264.
[4] ضحى الإسلام، أحمد أمين، ج1، صـ258.
[5] الفهرست، ابن النديم، دار المعرفة بيروت - لبنان، ط2، 1417 هـ - 1997 م، صـ370.
[6] مروج الذهب ومعدن الجوهر، أبوالحسن المسعودي، المكتبة العصرية- بيروت، 1425 هـ- 2005 م، 1/129-135.
[7] صورة الأرض، ابن حوقل، دار صادر، أفست ليدن، بيروت، 1938 م، (2/ 320).
[8] "المسالك والممالك" أو "مسالك الممالك" للاصطخري، طبعة ليدن، دار صادر، بيروت، 2004 م، صـ170-180.
[9] "رحلة ابن بطوطة"، (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار)، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي ابن بطوطة، ط أكاديمية المملكة المغربية، الرباط، 1417 هـ، (3/ 71- 249).
[10] إسهامات علماء شبه القارة في آداب السيرة والتاريخ والتراجم بالعربية، دراسة نقدية وتحليلية، محمد ارشاد، صـ60.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.