أثر حضارة الإسلام في باكستان (1)مقالات


• تأثر الهنود المسلمون في شبه القارة الهندية بتأثيرات عربية، وتأثيرات تركية أفغانية.

• ظلت اللغة العربية في بلاد السند حتى القرن الخامس الهجري لغة رسمية مستعملة في الدواوين الحكومية ودور القضاء والمدارس والمعاهد والأسواق التجارية الكبيرة.

• تأثرت أبجديات اللغات الباكستانية الكبيرة الخمسة تأثرًا كبيرًا عميقًا بالأبجدية العربية.

• نشأت بمرور الوقت مدرسة إسلامية علمية زاهرة بمنطقة السند، شأنها شأن مدارس الأمصار التي نشأت في أعقاب الفتوح العربية.

• كان تأثير الثقافة الهندية في العلوم الإسلامية من نواح عدة أهمها: الرياضيات والحساب والنجوم والآليات والأدب والطب.

• ذكر كثير من الجغرافيين والمؤرخين والرحالة بلاد السند والملتان، وذكروا أنها حد بلاد الإسلام، وعلى رأسهم ابن بطوطة في رحلته.

• ساهم علماء القارة الهندية في حركة التأليف بالعربية، حيث ألفوا في جميع مجالات العلم والفن، وفي المعقولات والمنقولات.

 

الهنود والحضارة الاسلامية:

مرَّ الهنود المسلمون في شبه القارة الهندية بدورين متمايزين:

الدور العربي: وفيه اتصلوا بالثقافة العربية وتأثروا بها وأثروا فيها. وقد استمر هذا الدور منذ إتمام فتح الهند في عهد "محمد بن القاسم الثقفي" حتى النصف الأول من القرن الرابع الهجري، حين ضعفت الخلافة العباسية وخضعت لوصاية أتراك الجيل الأول ثم البويهيين، وتأثرت السند بهذه الاضطرابات، وقامت بها الإمارة الإسماعيلية الشيعية التي استمرت حتى آخر القرن الرابع.

والدور الثاني: ويسمى بالدور الطوراني أو الأفغاني التركي، وفيه حمل الأتراك والأفغانيون المؤثرات الإسلامية إلى شمال الهند كلها، وتدفق العصر التركي إلى البلاد منطلقًا من إمارة البنجاب (بباكستان حاليًا)، واتصلت الهند بآسيا الوسطى اتصالًا وثيقًا، وتأثر الهنود بثوابت الترك وتعصبهم للسنة وتبنيهم للثقافة الفارسية الجديدة في عصر الإحياء وما عرفوا به من تنظيمات سياسية وعسكرية، وقد بدأ هذا الدور بفتوح "محمود بن سبكتكين" واستمر حتى توطد الحكم المغولي في البلاد في النصف الأول من القرن السادس عشر الميلادي[1].

وقد أثرت الحضارة العربية وصبغت شبه القارة الهندية بصبغة إسلامية خالصة، بهتت ملامحها في العصر الحديث مع الاحتلال البريطاني الطويل للهند وجاراتها، وتأثرت الحضارة الإسلامية بالجانب العقلي للحضارة الهندية، وأسهم كثير من علماء الهند في ركب الحضارة الإسلامية بالعديد من الإسهامات والإنجازات.

اللغة العربية وأثرها في أبجديات اللغات الباكستانية:

ظلت اللغة العربية في بلاد السند حتى القرن الخامس الهجري لغة رسمية مستعملة في الدواوين الحكومية ودور القضاء والمدارس والمعاهد والأسواق التجارية الكبيرة، كما كانت لغة الطبقة الحاكمة والطبقة العالية والعلماء والخواص من أهل السند والملتان (البنجاب حاليًا) وأهالي المدن المعروفة في تلك البلاد، وكان من الممكن أن نجد جميع أهالي السند والملتان، بعد زمن قليل يتكلمون باللغة العربية، ولولا زوال الحكم العربي منها وقيام الأتراك بعدة دول مستقلة في منطقة السند في سنة 316هـ، لكان للغة العربية شأن آخر[2]، حيث بقدوم الغزنويين تم الترويج للغة الفارسية في تلك البلاد وأُحلت مكان اللغة العربية لأن الفارسية كانت لغة الدولة الغزنوية، وبذلك صارت الفارسية منذ ذلك العهد لغة الثقافة والتعليم لقرون عديدة.

ومع ذلك؛ فقد تأثرت أبجديات اللغات الباكستانية الكبيرة الخمسة تأثرًا كبيرًا عميقًا بالأبجدية العربية، إذ أنها أخذت كل الحروف الهجائية العربية كما في (اللغة الأردية، واللغة البنجابية، واللغة السندية، واللغة البشتوية)، أو معظمها كما في (اللغة البلوتشية)، واستخدمتها في أبجدياتها[3].

 

نشأة مدرسة السند الإسلامية:

أقام العرب أول الأمر في مدن السند الكبرى مثل "المحفوظة" و"المنصورة" و"البيضاء" أو "الدبيل"، وبدأوا يحتكون بأهل البلاد عن طريق التزاوج، ويبدو أن التزاوج بين العرب وأهل السند كان مقصورًا على الطبقات التي يعتبرها البراهمة طبقات منبوذة، لأن الطبقات الممتازة عاشت حياة اجتماعية مغلقة وأباح لها الإسلام حرياتها الدينية، فاستمسكت بها إلى أبعد الحدود[4].

وقد نشأت بمرور الوقت مدرسة إسلامية علمية زاهرة بمنطقة السند، شأنها شأن مدارس الأمصار التي نشأت في أعقاب الفتوح العربية.

وقد شهدت البلاد هجرة العلماء والفقهاء والمحدثين وإقامتهم بها كنواة أولى للمدرسة العربية.

• وكان بعض الفاتحين من العلماء "كالربيع بن صبيح البصرى" أشهر المحدثين وأولهم تدوينًا للحديث، وكان "الربيع" في الجيش الذي سيره الخليفة المهدى سنة 159 هـ إلى السند[5]، وقد اشتدت هجرات العلماء العرب إلى السند في عهد الرشيد وحكم البرامكة الذين اهتموا بالسند اهتمامًا خاصًا، حيث اشتد رحيل العلماء إليها في عهد الترجمة من العلوم القديمة والبحث عن الكنوز العلمية الدفينة بتلك المنطقة التاريخية.

وقد برز في تلك المدرسة عدد من العلماء السنديين الذين كانت لهم العديد من الإسهامات بدولة الخلافة الإسلامية، ومنهم:

• "أبو معشر نجيح بن عبدالرحمن السندي" (ت 170 هـ) الذي اشترته ابنة الخليفة "أبو جعفر المنصور" الشهيرة بـ"أم موسى الحميرية"، ثم اعتقته، حتى صار محدثًا عظيمًا، وقد اعترف بمكانته العلمية الإمام "أحمد بن حنبل"، وصلى عليه الخليفة "هارون الرشيد" عند موته، وله كتاب "المغازي" وكتاب "تاريخ الخلفاء" نقل عنها الواقدي، وابن سعد البغدادي، وخليفة بن خياط، وفي تاريخ الطبري عنه 86 رواية. ويعد أحد كبار من دون التاريخ العربي الإسلامي، وهو من باب "ابن إسحاق" و"أبي مخنف" و"سيف بن عمر"، وأسن منهما.

قال "الذهبي": "أبو معشر السندي المدني الفقيه صاحب المغازي... كان من أوعية العلم"[6].

• الإمام الأوزاعي يُقال كان موطنه السند، فقد ذهب "أبو زرعة الدمشقي" إلى ذلك حين قال إن: "اسم الأوزاعي عبد العزيز بن عمرو بن أبي عمرو، فسمى نفسه عبد الرحمن، وكان أصله من سبي السند، نزل في الأوزاع، فغلب عليه ذلك"[7] وهو إمام أهل الشام في زمانه، وصنف في الحديث والفقه كتبًا عديدة، قال "عبد الرحمن بن مهدي": "إنما الناس في زمانهم أربعة حماد بن زيد بالبصرة، والثوري بالكوفة، ومالك بالحجاز، والأوزاعي بالشام"، وتوفي في سنة 157 هـ، وقيل 158 هـ.

• وكذلك كان من علماء السند "محمد بن محمد الديبلي" (ت 326هـ) محدث سافر إلى بغداد وبصرة وفارياب لتعلم الحديث، حتى برع فيه.

• ومنهم أيضًا "خلف بن محمد الديبلي" (ت بعد 360هـ) وهو تلميذ "علي بن موسى الديبلي"، رحل إلى بغداد، ودرس هناك الحديث النبوي في سنة 360هـ.

• والعلامة "أحمد بن محمد الديبلي" تعلم ودرس الحديث في بغداد والكوفة، وتخرج عليه عدد كبير من التلامذة، ومكث بغداد وتوفي بها.

• والعلامة "الحسن بن حامد الديبلي" الذي كان تاجرًا، تعلم علم الحديث في بغداد، وكان ينسب إليه "خان ابن حامد" الذي كان فِي درب الزعفراني ببغداد، وتوفي بالقاهرة في سنة 407 هـ.

• وكذلك كان من الموالي السنديين الشاعر "أبو عطاء السندي" الذي شهد الدولة الأموية وصدر الدولة العباسية، وكان أبوه سنديًا لا يعرف العربية، أما "أبو عطاء" فضرب في فن الشعر بسهم وافر رغم احتفاظه باللكنة الهندية في النطق والحديث.

• أما في علوم اللغة فيبرز اسم "ابن الأعرابي" وكان من موالي السند، ومن أعلام اللغة وأغزر اللغويين إنتاجًا، حتى لقد قيل أن مؤلفاته كانت تحمل على إبل لكثرتها، ولم يبق من كتبه إلا كتاب في أسماء البئر وصفاتها، وكتاب في أسماء الخيل وأنسابها، كما ألف كتابًا سماه كتاب الأنواء، وهو أستاذ ثعلب وابن السكيت[8].

• كما اشتغل عدد كبير من أهل السند بالترجمة من اللغة السنسكريتية إلى العربية، وذلك إبان الدولة العباسية، خاصةً في عهد المأمون، ومن أشهرهم "الفزاري" الذي ترجم كتابًا في الفلك.

• أما من اشتهر بالطب من أهل السند فمنهم "صالح بن بهلة الهندي"، وقد ورد أبوه "بهلة" على العراق، وأقام بها حتى اعتنق الإسلام، ونشأ ابنه "صالح" عارفًا بالطب خبيرًا بلسان العرب.

 

[1] الإسلام في آسيا الوسطى (بين الفتحين العربي والتركي)، د. حسن أحمد محمود، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1972 م، صـ253، 254.

[2] إسهامات علماء شبه القارة في آداب السيرة والتاريخ والتراجم بالعربية، دراسة نقدية وتحليلية، محمد ارشاد، شهادة دكتوراه، الكلية الشرقية، جامعة بنجاب، لاهور، باكستان، 2006 م، صـ50.

[3] بحث: تأثير الأبجدية العربية في أبجديات اللغات الباكستانية، د. مقيت جاويد، بدون تاريخ، صـ50.

[4] الإسلام في آسيا الوسطى (بين الفتحين العربي والتركي)، د. حسن أحمد محمود، صـ254.

[5] ضحى الإسلام، أحمد أمين، مكتبة النهضة المصرية، 1933 م، ج1، ص242.

[6] سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي - ط الرسالة، الطبعة: الثالثة، 1405 هـ - 1985 م، (7/ 435).

[7] المصدر السابق، (7/ 109).

[8] الإسلام في آسيا الوسطى (بين الفتحين العربي والتركي)، د. حسن أحمد محمود، صـ232.