موقف الأخلاق الإسلامية من صعود التكنولوجيا الرقميةمقالات

محمد إسلام

مترجم عن اللغة الإنجليزية

 

موقف الأخلاق الإسلامية من صعود التكنولوجيا الرقمية[1]

 

لقد غذت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في القرن الحادي والعشرين أحلامًا مستقبلية لا حصر لها، حيث أدى ظهور أجهزة الكمبيوتر الشخصية والإنترنت إلى تحويل المجتمع العالمي من مجتمع صناعي إلى مجتمع معلوماتي، فانتشرت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى الحد الذي لم يبق معه اليوم أي بُعد من أبعاد الحياة البشرية بمنأى عنها، فنتج عن هذه التقنيات عالم مترابط يمكن تجاوز الحدود الزمانية والجغرافية فيه، ويمكن للناس من جميع مناحي الحياة الاتصال والتواصل، فقد صارت الأجهزة المحمولة السحرية التي توفر منصات رقمية لخدمات الوسائط الاجتماعية في متناول أيدي الملايين، ولقد رأى المسلمون العديد من الإيجابيات في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتبنوا مثل هذه التقنيات، بل وكانوا أسرع في قبولها دون تردد، حيث رأوها أداة محتملة لتحدي السيطرة المهيمنة للقوى العالمية الكبرى، ويرى العديد من المسلمين أيضًا في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وسيلة بالغة الأهمية لتعاليم الإسلام، إذ إنها تساهم وتسهل تعليم المسلمين دينهم والدعوة إليه.

ومما يؤسف قوله هو أنه لا تزال الحصة السوقية لاقتصاد المعلومات في أيدي عدد قليل من الشركات العملاقة متعددة الجنسيات، ويستمر استغلال الأضعف في سلسلة التوريد لاقتصاد المعلومات هذا، ولكن ما الذي يقوله الإسلام في هذا؟ يميل الخطاب الإسلامي حول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى التركيز على الغرض الذي يستخدم المرء التكنولوجيا من أجله؛ لذلك إذا كنت تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لغرض جيد، فلن تضطر إلى التفكير كثيرًا فيما هو أبعد من ذلك، بيد أن ثمة حاجة إلى نهج أكثر شمولية يأخذ في الاعتبار عواقب التبني الجماعي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في جميع أنحاء العالم.

وهنا نضرب مثالًا على سلسلة التوريد للأجهزة المحمولة في أيدينا للتنبيه إلى ضرورة عدم تبني كل ما تأتي به تكنولوجيا المعلومات والاتصالات جزافًا فنقول: يتم جلب العديد من المواد المستخدمة في معظم الأجهزة المحمولة من مناجم المعادن الثمينة في إفريقيا، والتي غالبًا ما يتم التحكم فيها من قبل أمراء الحرب الذين يعمل عمالهم في ظل ظروف قاسية، فيتم تجميع الأجهزة نفسها بشكل عام في المصانع المستغلة للعمال في آسيا، حيث يتم استغلال العمال مرة أخرى للعمل أكثر مقابل أجر أقل، ويذهب الربح الأكبر إلى الصناعات التي تصنعها، وليس العمال أنفسهم، فهلا تساءلنا عن سبب التكلفة الرخيصة لهذه الأجهزة المحمولة؟ وألا نصبح بشرائنا لهذه الأجهزة جزءًا من سلسلة التوريد الاستغلالية هذه؟؛ لذا نقول إن استبداد المنصات الرقمية معضلة أخلاقية، فالخدمات المجانية التي تقدمها لنا العديد من المواقع والتطبيقات التي نستخدمها على أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة الخاصة بنا، مثل  Google و Facebook التي تقولان أنهما تقدمان خدمات رائعة مجانًا، ولكن كما قال ميلتون فريدمان ، "لا يوجد شيء اسمه وجبة غداء مجانية"، حيث يتبع نموذج الأعمال لهذه المنصات الرقمية نموذج دور الإعلام القديمة التي اعتمدت بشكل أساسي على الإعلانات، وما يميز استراتيجية الإعلان لهذه المنصات الرقمية الجديدة عن سابقاتها هو القدرة على تقديم إعلانات هادفة، إذ تنفق هذه المنصات الرقمية ثروات في جمع وتحليل كل أثر نتركه عند استخدام أجهزتنا الرقمية، وبينما نستفيد من هذه الخدمات المقدمة مجانًا، فإننا نقدم المزيد والمزيد من المعلومات عن أنفسنا، ورغباتنا، وأهدافنا، وأنماط سلوكنا، وكل هذا يساعد هذه المنصات الرقمية على معرفة المزيد عما من المحتمل أن نشتريه، مما يزيد من احتمالية شراء المشاهد للمنتج الذي يتم الإعلان عنه، وبعد أن أثبتنا أن هذه الخدمات ليست مجانية في الواقع، وأنها تكسب المال عن طريق تحويل انتباهنا إلى سلعة ما يجب علينا أن ندرك الخطر الكامن فيها، فالهدف الأساسي لهذه المنصات الرقمية ليس تقديم الخدمات لنا، ولكن تعظيم أرباحها، وعلى هذا النحو تحاول منصات الوسائط مثل YouTube و Facebook جعل خدماتها مسببة للإدمان قدر الإمكان، وهو ما يسبب في ظهور مجتمع فرط استهلاكي كل همه اقتناء ما يشاهده أثناء تصفحه لمنصات التواصل الرقمية؛ ولهذا السبب تذهب الحصة السوقية الأكبر من اقتصاد المعلومات الحالي إلى عدد قليل من الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات، مثل Google، و Microsoft، و Facebook، و Amazon.

وحتى عند محاولة استخدام هذه المنصات غالبًا ما تكون هناك عواقب سلبية، فضعْ في اعتبارك الجدول الزمني لمنصة وسائط اجتماعية نموذجية، فإنك ترى من خلال التصفح منشورًا تلو الآخر، وفي لحظة تشعر بالحزن، ولحظة أخرى بالسعادة، وهذا التحول السريع في انتباهنا يمنعنا من التفكير بعمق في قضية واحدة، وهذا هو الحال مع نشاط وسائل التواصل الاجتماعي، وتهدف المنشورات حول الجرائم المرتكبة في جميع أنحاء العالم إلى لفت الانتباه، واتخاذ إجراءات إيجابية، ولكن في كثير من الأحيان تؤدي إلى فقدان التعاطف وإزالة الحساسية الجماعية، مما يؤدي إلى نتيجة محزنة هي أن أخبار السرقة، والقتل خارج نطاق القانون، والاغتصاب، وغيرها من المآسي لا تستغرق أكثر من بضع ثوان من الحزن أو القلق، إذ سرعان ما ننساها بعد أن نرى المنشور التالي، وحتى مشاركتنا في هذه القضايا عندما تقتصر على المجال الافتراضي تجعلنا دون وعي سلبيين لدرجة أننا لا نفكر في فعل أي شيء يتجاوز الإعجاب والمشاركة، كما  يمكن أن تنتشر الأخبار المزيفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي اليوم بسهولة فيروسية لتصل إلى ملايين المشاهدين في مدة قصيرة لا تتجاوز الساعات ربما، وهذا أمر مثير للقلق؛ لأن الأخبار الكاذبة ليست ضارة، بل غالبًا ما يتم تصميمها بأهداف سياسية خبيثة محددة، ومع هذا تمر مثل هذه الأخبار دون ضوابط على المنصات الرقمية في كثير من الأحيان، التي تجني من وراء نشر هكذا أخبار أرباحًا طائلة، وللأسف غالبًا ما تتمتع الأخبار المزيفة بدرجة من الإثارة لجذب اهتمام الجماهير، وتصبح فيروسية بطريقة لا تفعلها التقارير الدقيقة، ونظرًا لأنه يمكنك الإعلان عن أي شيء على هذه المنصات الرقمية، فإن الجهات الفاعلة السياسية تكسب دعمًا لحركتها من خلال شراء إعلانات تحرض على الخوف والانقسام بين الجماهير، وهذا التلاعب السياسي بالجماهير يعرض الديمقراطية في جميع أنحاء العالم لخطر كبير.

وبعد ذكر المخاطر التي تشوب استخدام المنصات الرقمية بشكل أعمى، ودون توخي أدنى درجات الحذر، فما هي أسلم وسيلة للتعامل معها؟، وهل يسمح لنا الإسلام بأن نكون جزءًا من أنظمة المراقبة الرأسمالية المفترسة هذه؟، وهل الأفكار الإسلامية في المعرفة، والتعليم، والفن، والثقافة سلعة إلى هذا الحد؟، وهل يشجع الإسلام مثل هذا النوع من نقص الانتباه، والاستهلاك السلبي للإعلام؟ وهل الأخلاق الإسلامية تشجع أي نوع من المراقبة؟ فكيف نسمح لهذا النظام بالازدهار دون إثارة أي مخاوف ضده؟ وإذا كنا نشجع نفس النظام طوال الوقت دون أي قلق، فإلى أين سيأخذنا كل هذا؟..

لقد سلطنا في هذه المقالة الضوء على الجانب المظلم من العالم الرقمي الحالي الذي نعيش فيه، دون قصد القول بأنه لا يوجد شيء مفيد في هذه التكنولوجيا، فلا شك أن الأشخاص ذوي النوايا الحسنة سيجدون فرصًا في أي نظام لسنّ بعض الخير، ولكن وللأسف فإن العواقب السلبية تفوق الإيجابية، فهناك كراهية فيها أكثر من الحب، وجشع أكثر من الكرم، فقد كان عصر الإنترنت بدأ بإمكانية كبيرة لإضفاء الطابع الديمقراطي على المعلومات والاتصالات، بيد أن الميول الرأسمالية استحوذت على هذه الإمكانات وعطلتها، ولهذا السبب نحتاج إلى أن نكون أمناء وحذرين عندما يتعلق الأمر باستخدام التكنولوجيا، بدلًا من القبول الأعمى لكل ما ينشر فيها.

 

[1] الترجمة نقل دقيق لمحتوى المقالة ولا يعني ذلك بالضرورة الموافقة على آراء الكاتب. يمكنكم الوصول إلى المقالة عبر الرابط التالي: https://themaydan.com/2021/07/islamic-ethics-and-the-rise-of-digital-technology/