النرويج والجمعة الداميةمقالات

علي فطيني

المصدر: مجلة البيان، 4/ 9/ 2011م.

 

نبذه عن النرويج والإسلام فيها:

تقع النرويج في أقصى شمال القارة الأوروبية يحدها برياً من الشرق كل من: روسيا وفنلندا والسويد.

وبحرياً يحدها: جنوباً بحر الشمال وغرباً المحيط الأطلنطي وتبلغ مساحتها 385 ألف كلم مربع ولا يتجاوز عدد سكانها خمسة ملايين نسمة.

وتتميز النرويج بأنها أفضل دولة في العالم من حيث جودة المعيشة وهي أكبر منتج للنفط في القارة الأوروبية وثالث منتج في العالم كما تتميز بالأمن والسلام والتسامح والحرية والديمقراطية وتعدد الثقافات والشعب النرويجي من أكثر الشعوب الأوروبية شغفاً بالقراءة.

كما أنها تتميز بالقانون الذي لا يميز الكنيسة عن أية مؤسسة دينية أخرى من أي دين كان وبالتالي فالمؤسسات الدينية الإسلامية كالمسجد تتمتع بالحقوق والواجبات مثله مثل أي كنيسة وهذه من الميزات النادرة وخاصة في أوروبا.

بدأ دخول الإسلام إلى النرويج في بداية الستينات حيث كانت النرويج بحاجة إلى أيدي عاملة فكان العمال الباكستانيون وبعض العرب مثل المغاربة من أوائل المهاجرين المسلمين الذين دخلوا النرويج ثم توالت جنسيات أخرى كالأتراك والبوسنيين والألبان والصوماليين والعراقيين ليصل عدد المسلمين في بعض الإحصائيات إلى ما يقارب 150 ألفاً وقد تم إنشاء أول مسجد في العاصمة أوسلو عام 1974 ثم توالت الجمعيات والمساجد لتصل اليوم إلى أكثر من خمسين في العاصمة فقط ما بين مصلى ومسجد ومنها مراكز إسلامية كبيرة تشتمل على مرافق دعوية وثقافية عديدة وتعلو بعضها القبب والمنارات .

كما تجدر الإشارة إلى أن الدولة النرويجية تعترف بالإسلام ديناً رسمياً منذ عام 1969 كما أنها تسمح بتدريس التربية الدينية الإسلامية في المدارس وتقدم دعماً مالياً للمدارس والمراكز الإسلامية ولا تفرض أي نوع من القيود على حرية المسلمين في ممارسة الشعائر الإسلامية تكريساً لمبدأ حرية الأديان الذي يقره الدستور النرويجي.

وتذكر بعض الدراسات التاريخية ومنها دراسات سويدية ونرويجية إلى أن الرحالة المسلم ابن فضلان قد وصل السويد والنرويج في القرن العاشر الميلادي بصحبة مجموعة من القراصنة الـ (الفايكنج) وبذلك يكون هو أول مسلم يطأ أرض النرويج.

كما تشير التقارير التي نشرت في السنوات الأخيرة إلى أن الشاعر والأديب النرويجي المعروف مؤلف النشيد الوطني والمشرف على وضع أول دستور للبلاد "هنريك فارجلند" قد دخل الإسلام في بدايات القرن التاسع عشر (حوالي 1820) وأنه قد مات مسلماً ويعتبر هذا الأديب من أكبر الأدباء النرويجيين على الإطلاق وتشير الدراسات إلى عدم وجود مسلمين في النرويج في ذلك الوقت لكن السبب في إسلامه هو دراسته الإسلام من بعض الكتب التي كانت متوفرة في المكتبات التي كان يعمل بها ومنها المكتبة الملكية في النرويج وكان مما كتبه لوالده قبيل وفاته : إنني أموت وأنا أؤمن بالإله الواحد.

الجمعة الدامية :

في يوم الجمعة 21 شعبان 1432 الموافق 22 يوليو 2011 قام شاب من اصل نرويجي عمره 32 عاما وهو متطرِّف مسيحي ويُدْعَى "أندرس برييفيك" بتفجير سيارة مفخخة في قلب حي الوزارات بالعاصمة أوسلو قرب مقر رئيس الوزراء ثم انتقل منفذ الهجوم إلى مخيم صيفي في جزيرة أوتويا القريبة ليقتل عشرات الشباب من حزب العمال الحاكم وكانت حصيلة الهجوميين قد أودت بحياة 76 شخصًا بينهم ثمانية قُتِلوا في تفجير سيارة مفخخة في حي الوزارات و68 قتلوا بالرصاص في جزيرة أوتويا التي تبعد 40 كلم عن أوسلو أثناء مشاركتهم في مُخَيّم صيفي لشبيبة حزب العمال.

هذا الشاب المتطرف قال في التحقيقات أنه قرر شن حرب ضد ما اعتبره الغزو الإسلامي لأوروبا ونشر وثيقة من 1500 صفحة -مذكرات شخصية- حافلة بالأفكار المعادية للإسلام والمعارضة للتعددية الثقافية ومشيدة بالحروب الصليبية، وتتضمن لائحة بالدول الأوروبية الواجب استهدافها مرتبة بحسب نسبة المسلمين فيها وتتصدرها فرنسا.

ورغم فداحة المأساة إلا أن فشل الهجوم في تحقيق أهدافه وخروج الأطياف الدينية والعرقية النرويجية بعد الهجوم أكثر توحدًا من ذي قبل يبعث الأمل في غد أفضل كما قال نجيب الرحمن إمام البعثة الإسلامية العالمية في أوسلو.

قبل الحادث :

كانت الدراسات والتوقعات لعام 2011 ومنها توقعات للشرطة النرويجية مفادها الخوف من تهديدات التطرف الإسلامي "القاعدة " ولم تشر تلك التوقعات إلي تخوف من أي تهديد لليمين المتطرف فجاءت الحادثة كضربه محرجه جدا للخبراء وللشرطة النرويجية.

يجدر الثناء على الموقف الرسمي للحكومة وللشرطة وذلك على عدم التسرع في اتهام أحد ويعد هذا من الحكمة والتعقل بمكان بل وخلال الأسبوع الأول بعد الجريمة الإرهابية قام بعض وزراء الحكومة بزيارة لبعض المساجد وكان آخرها زيارة رئيس الوزراء في الجمعة التي تلت جمعة الحادثة لأحد أكبر المساجد بعد صلاة الجمعة وصرّح بتصريحات رائعة مفادها " أننا كلنا مجتمع واحد ضد العنف والكراهية ".

ولكنه وللأسف وتحت تأثير التوقعات والحملات الإعلامية السابقة وقعت الكثير من التحليلات الإعلامية من خبراء في الإرهاب في القنوات النرويجية والتي توجهت بأصابع الاتهام للمسلمين في الساعات الأولى فنتج عن ذلك أن عاش المواطن النرويجي حاله من الغيظ الكبير ضد الجالية الإسلامية من جهة ، ومن جهة أخرى تخوف كبير من المسلمين من أن يكون الفاعل مسلماً وبالتالي تخوف شديد من حصول اعتداءات وتضييق عليهم وقد حدث هذا فعلا وان كانت حالات قليله ونادرة ولكن سرعة القبض على المجرم واعترافه ومن ثم الإعلان الرسمي عن هويته جعل المسلمين يتنفسون الصعداء ويحمدون الله على ظهور الحقيقة سريعا ، و براءتهم من الحادث بقي التأثر والحزن على المأساة المروعة .

ففي لقاء "لفرانس برس" مع مصطفى اصفر أمين عام المجلس الإسلامي النرويجي ذكر بأن عدداً من المسلمين تعرضوا لهجمات في 22 تموز/يوليو قبل أن تعرف هوية القاتل.

وأوضح قائلاً "تعرض مسلمون لهجوم جسدي وكلامي في الساعات التي أعقبت الاعتداءات. مثل هذه الهجمات لا ينبغي أن تقع في مجتمع ديموقراطي".

وتابع "تعاملت السلطات النرويجية مع الوضع بشكل جيد لأنها لم توجه أصابع الاتهام إلى إي مجموعة أو فرد على أساس العرق أو الدين".

ومما يجدر الإشارة إليه أن الجالية المسلمة في النرويج عاشت الحدث ونالها من قريب وذلك أن مسجد الرابطة الإسلامية ومقرها في أوسلو وهي من أكبر المؤسسات الإسلامية و أكثرها تأثيراً في النرويج قد تأثر بالانفجار لقربه من الحادث وكان الصوت مدوياً واهتز المسجد والمبنى بأكمله وتحطم بعض زجاج نوافذه وكان ذلك أثناء خطبه الجمعة فأصيب المصلون بالذعر وخرج بعضهم ولم يكمل سماع الخطبة ولم يحضر الصلاة من شده الخوف كما أن عدداً من شباب المسلمين من أعضاء الحزب الحاكم كانوا من الحاضرين للمخيم و يقدر عددهم بأكثر من خمسين شاباً من الصوماليين والعراقيين والباكستانيين والأتراك وقد قتل عدد منهم يقدر بأكثر من عشرة أشخاص وقد حضر رئيس الوزارء  النرويجي "جينز ستولتنبرج " جنازة بعضهم وكان من ضمن القتلى "جزام دوغان "وهي فتاة في السابعة عشر من عمرها تنحدر من أصول تركية والتي شيعت في غرب البلاد بحضور وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو.

رد فعل المسلمين ومؤسساتهم :

قام المسلمون من أول وهلة لسماعهم الخبر باستنكار الجريمة ومشاركة البلد حزنه ومأساته وقامت المؤسسات الإسلامية بإصدار بيانات عن بشاعة المأساة واستنكارها وتحدث الأئمة والخطباء عن ذلك في خطب الجمعة التي تلت الحدث ودعوا الناس إلى التضامن مع الشعب النرويجي باعتبارهم جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع وبينوا مفاهيم الإسلام ونظرته لما حدث كما خرج المصلون بعد الجمعة بالآلاف في مسيرة تضامنية نسقها المجلس الإسلامي النرويجي و تقدمها أئمة المساجد ورؤساء المؤسسات الإسلامية كما تقدمها معهم محافظ العاصمة أوسلو ورئيسة الحزب اليساري وهي وزيرة في الحكومة ولها مواقف مشرفة مع المسلمين وقضاياهم كما شارك فيها بعض القسس أيضاً وحملت فيها ورود السلام وقدم العزاء لأسر الضحايا وقد كان ذلك عملا ايجابيا واعيا أعطى نظره حسنه عن المسلمين وعن تفاعلهم مع المجتمع وقضاياه وما يتعرض له من مشاكل إلى درجه انه لوحظ مشاركه بعض النرويجيين في المسيرة كما كانت هناك تحايا وتصفيق من الناس في الأماكن التي مرت بها .

دروس من الحدث :

من أهم الدروس التي يجب الاستفادة منها بعد هذا الحادث الإجرامي:

أولًا: وقوف المسلمين في الغرب مع قضايا المجتمع ومشاركته مشاكله بل وقبل ذلك أن لا يكون المسلم سبباً في المشكلة ابتداء فيجسد بذلك مفهوم الاندماج الايجابي الذي يعطي ثمرة طيبة وصورة حسنة عن الإسلام وقد لاحظنا ذلك بوضوح في هذا الحدث باحترام المجتمع للمسلمين وفرحنا له والحمد لله.

ثانيًا : ظهر ولاشك خطر اليمين المتطرف سواء على المجتمع الأوربي أو الوجود الإسلامي فيه وهنا ينبغي أن يتعاون الجميع في محاربته والوقوف ضد أفكاره علماً أنه بدا يتنامى بقوة في الآونة الأخيرة ففي النرويج مثلاً فالحزب اليميني المتطرف الذي كان هذا المجرم الإرهابي عضوا سابقا فيه حصل على 20 بالمئة في الانتخابات السابقة ولكن بعد الحادث بدا يتغير مزاج المواطن النرويجي نحوه وسيفقد الكثير من شعبيته في المستقبل ان شاء وينبغي على المسلمين في النرويج العمل والتعاون في ذلك والدراسة والتخطيط له مع الجهات و الأحزاب المنافسة والمعادية للتطرف وان ينطلق المسلم من قوله تعالى {و تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} ( المائدة : 2 )

ثالثا: هذا العمل الإرهابي من الشاب النرويجي الأصل الذي انطلق في فعلته من أفكاره الدينية المتطرفة يظهر للعالم انه من الظلم والخطأ الكبير أن يربط الإرهاب بالإسلام وأن الحقيقة التي لا ينكرها احد اليوم أن الإرهاب لا دين له ولا جنسية.

أبرز التحديات التي تواجه المسلمين في النرويج:

وفي الختام أود الإشارة إلى العقبات والتحديات التي تواجه المسلمين وأهمها في رأيي وفي رأيي الكثيرين ممن له فترة طويلة في الدعوة ها هنا في النرويج:

1- النقص في أعداد الدعاة وخاصة من المتمكنين في العلم والدعوة ولغة البلد ومعرفة الواقع والبيئة والحكمة في التعامل مع ذلك كله بصياغة الخطاب الإسلامي المناسب للأوضاع كما قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل:125).

2- عدم وجود مدارس إسلامية ومحاضن تربوية تهتم بالأطفال والشباب من أبناء المسلمين ومن أسباب ذلك ضعف في الإمكانات المادية وهو ما ينعكس سلبا على حاضر الإسلام ومستقبله في النرويج ولذلك ينبغي تدارك ذلك بأسرع وقت ممكن.

3- جهل كثير من المسلمين بتعاليم الإسلام وأخلاقه، ومن ثم وقوعهم في تصرفات خاطئة وسلوكيات قبيحة للأسف، وحينئذ تقدم عن الإسلام الصورة المغلوطة، ويكون المسلم فتنه لغيره يصده عن الإسلام ومحاسنه ورحمته قال تعالى: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا} (الممتحنة: 5).

4- الخلاف الذي يقع بين العاملين في المؤسسات الإسلامية بسبب الفكر او المذهب أو الوطن الأصل وان كان هناك محاولات جيده لتجاوز ذلك لكنها كثيرا ما تتعثر.

5- ومنها الحملات التي تشنها المنظمات الصهيونية واليمينية المتطرفة في وسائل الإعلام الغربية بهدف تشويه صورة الإسلام وإلصاقه بالإرهاب والتطرف وهذا يؤثر على الإعلام والشعب في النرويج.


علي فطيني - إمام وخطيب الرابطة الإسلامية في النرويج.