وصول الإسلام إلى باكستان (1)مقالات


• معنى كلمة "بَاكِسْتَانْ" باللغة الأردية: "الأرض الطاهرة"، وتتألف "باكستان" من أربع أقاليم تحكم بطريقة فيدرالية، وهي: "بنجاب، والسند، وخيبر بختونخوا، وبلوشستان".

• اتفقت الأقوال أن اتصالات العرب بشبه القارة الهندية كانت قائمة حتى قبل ظهور الإسلام، وذلك عن طريق التجار العرب الذين تعاملوا مع موانئ سواحل الهند.

• كان أول فتح إسلامي لمنطقة السند في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.

• يعد "محمد بن القاسم الثقفي" هو فاتح منطقة السند والهند، واستمرت الفتوحات فيما بين سنة (92-96 هـ).

• توالى على السند عدد من الأمراء وقادة الجيوش الإسلامية يوسعون رقعة الفتوحات، واستقلوا بحكم المنطقة عن الخلافة العباسية الضعيفة.

• من السلاطين الذين كان لهم دور كبير في حركة الدعوة الإسلامية في السند: السلطان محمود الغزنوي، والسلطان محمد بن تغلق، والسلطان "أورنكزيب عالم كير".  

• ارتكب الإنجليز أفظع المجازر ضد المسلمين أثناء ثورة الهند الكبرى عام 1857 م.

• تم إعلان تقسيم الهند إلى دولتين مستقلتين في 14 أغسطس عام 1947 م، وإعلان دولة باكستان المسلمة.

• بعد الاستقلال قامت حرب بين كل من الهند وباكستان، ما زالت أصداء مأساتها تتجلى في "إقليم كشمير المسلم" المتنازع عليه بين الدولتين.

 

نبذة عامة:

تقع "باكستان" في جنوب قارة آسيا، ويحدها من الجنوب بحر العرب وخليج سلطنة عمان، ومن الشرق والجنوب الشرقي شبه القارة الهندية، والصين من جهة الشمال الشرقي، وتشترك في حدودها من الغرب والجنوب الغربي مع أفغانستان وإيران.

ومعنى كلمة "بَاكِسْتَانْ" باللغة الأردية: "أرض الطُهر"، وتعني أيضًا "الأرض الطاهرة"، وتتألف "باكستان" من أربع أقاليم تحكم بطريقة فيدرالية، وهي: "بنجاب، والسند، وخيبر بختونخوا، وبلوشستان"، أما عاصمتها فهي "إسلام آباد".

وتنقسم باكستان إلى ثلاث مناطق جغرافية رئيسية: المرتفعات الشمالية، وسهل السند، وهضبة بلوشستان، وتشارك باكستان حدودها البرية مع الهند والصين وأفغانستان وإيران، كما أنها تشارك حدودها البحرية مع عمان[1].

 

وصول الإسلام إلى باكستان:

اتفقت الأقوال أن اتصالات العرب بشبه القارة الهندية كانت قائمة حتى قبل ظهور الإسلام، وذلك عن طريق التجار العرب الذين تعاملوا مع موانئ سواحل الهند[2]، برًا وبحرًا، وقد حمل التجار العرب الإسلام في بدايته إلى بلاد السند والهند منذ القرن الأول الهجري[3]، وكان العرب قديمًا يطلقون اسم "السند" على كل المنطقة الواقعة غربي نهر السند بما فيه البنجاب الجنوبية، ومقاطعة بلوجستان، ويطلقون على البلاد الفسيحة العريقة الواقعة بشرقيها اسم الهند[4].

أما عن الجهود الرسمية من جانب الدولة الإسلامية لنشر الإسلام فيمكن تلخيصها على النحو الآتي:

1- في عهد الخليفة "عمر بن الخطاب" - رضي الله عنه - (13 - 23 هـ) خرج المسلمون في حملات استطلاعية خفيفة إلى بعض سواحل الهند على مقربة من ميناء "ديبُل" (كراتشي الحالية) و"تانه" (مومباي الحالية)، ولكن عمر - رضي الله عنه - نهى عامله بالبحرين - الحكم بن أبي العاص - رضي الله عنه - من المضي في هذا الأمر؛ لتخوفه على جند المسلمين من ركوب البحر.

2- امتنع ابن أبي العاص عن المضي بجند المسلمين في هذا الأمر، ولكنه وجَّهَ أخاه "المغيرة بن أبي العاص" إلى خور الدبيل فلقي العدو فظفر، وهي أقدم ما عرف من غزوات الصحابة وفتوحاتهم في شبه القارة الهندية، وأغلب الأمر أنها كانت سنة 15 هـ/ 636 م[5].

3- لم يزل المسلمون يغيرون إغارات خاطفة على تلك النواحي حتى تقدموا أيام "معاوية بن أبي سفيان" - رضي الله عنه - يفتحون بلدًا بعد بلد فتقدموا إلى أبعد من حدود "مکران" حيث استولوا على القسم الشرقي من "بلوچستان" وعلى إمارة "قلات" التي كانت تابعة للسند، فضموها إلى "مكران" ثم تقدموا واستولوا على "قندهار"، وعلى "كابل"[6].

4- وفي "عهد الوليد بن عبد الملك" (86-96 هـ) أيام الدولة الأموية استأذن والي البصرة "الحجاج بن يوسف الثقفي" الخليفة بتسيير جيش لفتح السند، لاعتداء القراصنة السنديين على سفينة مهداة للحجاج[7]، ولضرورة الرد على الإهانة التي تلحق بهيبة السلمين وخطورتها إن هو سكت على هذا الاعتداء، وقد سيَّر "الحجاج" جيش المسلمين إلى الديبُل بقيادة: "عبدالله بن نبهان" فلم يوفق في مهمته، وانتهى أمره إلى الهزيمة، ثم عهد بالقيادة إلى "بديل بن طهفة البجلي" وأمره بالاستيلاء علي "ديبل"، وعلى جنوب السند - مقر القراصنة - ولكنه قتل في المعركة أيضًا[8].

5- ثم أرسل "الحجاج بن يوسف الثقفي" جيشًا تحت زعامة القائد "محمد بن القاسم الثقفي" إلى بلاد السند سنة 92 هـ، وكان عمر هذا الفتى الشجاع دون العشرين من عمره، وبلغ عدد المجاهدين الذين كانوا معه خمسة عشر ألفًا، ويسر الله لمحمد بن القاسم أمر الفتح حيث انطلق من "مكران" وفتح مدينة "فتربور" ومدينة "أرمائيل"، تمهيدًا للغزوة الكبرى، حيث وصل إلى مدينة "ديبل" (كراتشي حاليًا) وفتحها عنوة بعدما فتح حصن الصنم (بد)[9] - بعد قتال استمر ثلاثة أيام - ثم زحف إلى سائر المدن التي في طريقه يفتحها قتالًا، أو صلحًا، حتى وصل إلى مدينة "راود"، وهناك واجه حاكم السند "راجه داهر" الذي كان عدد جيشه ستين ألف جندي[10].

وقد أيد الله المسلمين بنصر كبير، وانهزم جنود "داهر" عندما اشتد بفيله العطش فثار عليه واندفع إلى النهر، فترجل الملك "داهر" وأخذ يبارز على قدميه حتى أصابت سيوف العرب منه مقتلًا.

سيطر المسلمون بعد هذا النشاط الجهادي، على كامل إقليم السند ثُم زحفت جُيُوشهم نحو الشمال الشرقي حتى وصلوا مدينة "بُرهمنا باد" وقد لجأت إليها فُلُول جيش داهر بِقيادة ابنه "جيسيه"، فقاتلهم المسلمون وانتصروا عليهم وفتحوا المدينة عنوة، وفرَّ "جيسيه" إلى الشمال، وتحصَّن بِالراور عاصمة السند، فلحقهُ المسلمون وحاصروا المدينة مدة أربعة أشهر قبل أن يفتحوها.

وقد فتح المسلمون مدينة "ساوندي" ومدينة "السكة"، ووصلوا إلى مدينة "ملتان" أعالي وادي السند حيث صنم "البد العظيم"، وقاموا بفتحها، وكان "محمد بن القاسم" يبني مساجد في كل مدينة يفتحها، ويعامل أهلها بالحسنى، مما فتح قلوب أهل السند للإسلام، ولم تستكمل فتوحات "محمد بن القاسم الثقفي" لموت "الوليد بن عبد الملك"، واستدعاء الخليفة الجديد "سليمان بن عبد الملك" له للعودة للعراق[11]، وقد استمرت فتوحات ابن القاسم حتى سنة 96 هـ.

6- وقد توالى على السند عدد من الأمراء وقادة الجيوش الإسلامية يوسعون رقعة الفتوحات، لكن يظل القسط الأكبر من فتوحات تلك المنطقة قد تمت على يد "محمد بن القاسم الثقفي"، وقد ظلت الحال كذلك حتى شهدت شبه القارة الهندية الباكستانية أسرًا متعددة من المسلمين يحكمونها ويديرون شئونها، ومن الأسر المسلمة التي حكمت شبه القارة الهندية في أزمان مختلفة:

أ- الغزنويون.                                   ب- الغوريون.

جـ- المماليك                                  د- الخلجيون.

هـ- آل تغلق.                                 و- ملوك الطوائف.

ز- اللودهيون الأفغان.                         ح- الأتراك المغول.

7- كان عهد السلطان "محمود الغزنوي" والذي يعتبر فاتح إقليم الهند الثاني بعد "محمد بن القاسم" من أقوى الفتوحات الإسلامية إذ حمل على الهند سبع عشر مرة، فيما بين عامي (391-417 هـ/ 1000-1026 م) وانتصر في كل هذه الغزوات، ووصل بالإسلام إلى آخر حدود الهند، حيث شملت فتوحاته الهند وباكستان وأفغانستان، وكان محبًا للعلم والعلماء، حيث أقام لهم دور العلم، ودعا العلماء وجاد عليهم، وكان خادمًا للدعوة الإسلامية بجانب كونه فاتحًا وحاكمًا مسلمًا[12].

8- ويعد السلطان "محمد تغلق" (725 - 752 هـ/ 1325-1351م) من السلاطين المصلحين من دولة "آل تغلق" التي قامت بالمنطقة، وكان مشتغلًا بالعلم قبل السلطنة، فعرف قدر العلماء، وأنفق عليهم، وهو ممن أحيا شعائر الإسلام، وقضى على كثير من البدع والمنكرات التي تسربت للمجتمعات الإسلامية بمنطقة شبه القارة الهندية في ظل ضعف أمر الخلافة، وقيام الإمارات الإسلامية المستقلة بالهند، وقد زار الهند أيامه الرحالة "ابن بطوطة" وكتب عن عهده، والعدل الذي ساد فترة حكمه، ورخاء المسلمين في الهند على أيامه[13].

9- من أكثر العهود اضطهادًا للمسلمين وتغيير لمعتقداتهم عهد الملك المغولي "جلال الدين أكبر" (964-1014 هـ) والذي أعلن "الدين الإلهي" الجديد، وأباح الردة، وألغى الجزية، ومنع المسلمين من الختان ومن التزوج من بنات العم والخال، وقام بتحليل الخمر والربا والمقامرة، وقد حاول من خلفه في الحكم إصلاح ما وضعه "جلال الدين أكبر" من منكرات وبدع، وكان منهم السلطان "أورنكزيب عالم كير" (1068-1118 هـ) الذي يعد آخر سلاطين مغول الهند العظماء في الهند، فأبطل الاحتفال بالأعياد الوثنية مثل عيد النيروز، ومنع عادة تقبيل الأرض بين يديه والانحناء له، كما منع دخول الخمر إلى بلاده، وصرف أهل الموسيقى والغناء عن بلاطه، وأمر بتعمير المساجد ومدها بالعلماء والوعاظ، وأجرى الرواتب عليهم وعلى طلابهم، وعني بإقامة نظام الحسبة ودعمه بما يكفل قيامه بوظيفته من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكانت هذه السياسة ضرورية لإنقاذ الدولة مما أصابها من عوامل الضعف والتفكك، وإصلاح أحوال المسلمين بعد أن ساد بينهم منذ عهد السلطان "أكبر" تهاون شديد في أمور العقيدة.

 

[1] باكستان، محمود شاكر الحرستاني، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1382 هـ - 1972 م، صـ6.

[2] باكستان في ماضيها وحاضرها، د. عبد الحميد البطريق، دار المعارف- القاهرة، 1955 م، صـ10.

[3] تاريخ الإسلام في الهند، د.عبد المنعم النمر، دار العهد الجديد للطباعة- القاهرة، 1378 هـ - 1959 م، صـ61.

[4] إسهامات علماء شبه القارة في آداب السيرة والتاريخ والتراجم بالعربية، دراسة نقدية وتحليلية، محمد ارشاد، شهادة دكتوراه، الكلية الشرقية، جامعة بنجاب، لاهور، باكستان، 2006 م، صـ27.

[5] فتوح البلدان، أبو الحسن البلاذري، دار ومكتبة الهلال- بيروت، 1988 م، صـ420.

[6] الدعوة الإسلامية في باكستان: مشاكلها، وطريق النجاح فيها، محمد يعقوب طاهر، رسالة ماجستير، قسم الدراسات العليا، الجامعة الإٍسلامية بالمدينة المنورة، 1406 هـ- 1986 م، صـ5.

[7] بطل السند، محمد عبد الغني حسن، دار المعارف- مصر، 1954 م، صـ78.

[8] تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية، أحمد محمود الساداتي، مكتبة الآداب ومطبعتها- القاهرة،  صـ58.

[9] أغلب الأمر يقصد بصنم البد تمثال هائل لِبوذا.

[10] تاريخ اليعقوبي، أبو العباس اليعقوبي، نشر ليدن، 1860م، ج2، صـ289.

[11] بطل السند، محمد عبد الغني حسن، صـ33، 34.

[12] حقائق عن باكستان، محمد حسن الأعظمي، الدار القومية للطباعة والنشر- القاهرة، 1970 م، صـ17.

[13] "رحلة ابن بطوطة"، (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار)، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي ابن بطوطة، ط أكاديمية المملكة المغربية، الرباط، 1417 هـ، (3/ 149).