• إقليم "تركستان الشرقية" من أقدم ممالك الإسلام فتحًا ودخولًا للإسلام منذ أن فتحها القائد المسلم "قتيبة بن مسلم الباهلي" في القرن الأول الهجري سنة 96 هـ. • استولى الصينيون في عهد الأسرة المانشورية Manchu على تركستان الشرقية سنة (1172 هـ = 1759م)، وقامت بالتضييق على المسلمين الذين قاموا بثورات عديدة ضدهم فقدوا فيها أرواح الكثير من الإيغوريين. • بعد وصول "ماوتسي تونج" إلى الحكم حورب الإسلام في إقليم تركستان، وسيطرت عرقية الهان الصينية على مفاصل الإقليم السياسية والإدارية • في يوليو عام 2009 م قامت الحكومة الصينية باقتحام مقاطعة تركستان، وقامت بمذبحة بحق المسلمين، ولا يعلم عدد القتلى والمفقودين الحقيقي بالمذبحة حتى اليوم. • رغم كل حملات الاعتقال وتقييد الحريات وتعقيم نسل المسلمين بتركستان، فإن "الإيغور" المسلمين محافظون على ما تبقى من مظاهر هويتهم الإسلامية. |
تعد أزمة إقليم "تركستان" المسلمة في الصين من أهم مشاكل العرقيات المسلمة في العصر الحديث، حيث تفرض الصين تعتيمًا إعلاميًا على مأساة المسلمين في تلك المنطقة، وتفرض عليهم أقسى أساليب القمع والاضطهاد، وإقليم "تركستان الشرقية" من أقدم ممالك الإسلام فتحًا ودخولًا للإسلام منذ أن فتحها القائد المسلم "قتيبة بن مسلم الباهلي" في القرن الأول الهجري سنة 96 هـ، ولكن مع بزوغ القومية الصينية خلال العصر الحديث بدأت عملية "تصيين" تركستان المسلمة من قبل إمبراطورية الصين سنة 1878 م حيث بدأت عملية استئصال الشخصية الإسلامية من ذلك الإقليم الإسلامي المنسي[1].
الاسم والموقع:
تعرف جمهورية "تركستان الشرقية" في الصين باسم "شينج يانج" أي "المستعمرة أو المقاطعة الجديدة" أو "الحدود الجديدة"[2]، أما المسلمون الصينيون فيعتزون باسم "تركستان" وهو اسم جامع لجميع بلاد الترك[3]، أي أن تركستان هي الوطن الأم لشعب التركمان، واسم تركستان إيراني الأصل وهو يعني "أرض شعب التركمان"، ويرجع هذا الاسم إلى القرن السابع[4].
وتعرف عند العرب في صدر الإسلام باسم "بلاد ما وراء النهر" - أي الواقعة خلف نهر جيحون (أموراديا) وسيحون (سيرداريا)، وتقع هذه البلاد شرق بلاد فارس (إيران)[5].
وتعرف عند الفرس باسم (توران)، وتعرف عند اليونانيين باسم (صغديانا)، وذلك نسبة إلى وادي الصغد، وتعرف عند الأوربيين باسم "بلاد التتار"، ويطلق عليها الجغرافيون اسم "منطقة وسط آسيا"، و"بلاد تركستان".
وقد سميت "ترکستان" بهذا الاسم، نسبة للقبائل التركية التي كانت تنتقل في أرجائها منذ قديم الزمان[6].
وتقع تركستان في آسيا الوسطى بين الصين وروسيا، وقد اجتهدت الدولتان في أن تتقاسما هذه البلاد الإسلامية فاستولت روسيا على الجزء الغربي وأخذت الصين ما يليها شرقًا.
ويحدها شمالًا سبيريا وبحر الخزر (قزوين) ومنغوليا، وغربًا البحر الأسود وروسيا السلافية، وشرقًا الصين، وجنوبًا إيران وأفغانستان والتبت وكشمير وباكستان.. وتبلغ مساحتها قرابة اثنين مليون كلم مربع.
أما تركستان الغربية: فقد استولي عليها قيصر روسيا في عام 1865م، وأصبحت تعرف عندئذ باسم "تركستان الغربية"، وبعد قيام الاتحاد السوفيتي في عام 1922م، قسمت تركستان الغربية إلى خمس جمهوريات هي: أوزبكستان، وکازخستان، وقيرغستان، وتركمانستان، وطاجكستان[7].
والعنصر الغالب في هذه الجمهوريات هي القوميات المسلمة، ويطلق على العنصر الغالب في منطقة "تركستان الشرقية" - التي تستولي عليها الصين الآن - اسم "الإيغور"[8].
دخول الإسلام تركستان:
فتح المسلمون "بلاد ما وراء النهر" في عهد الخليفة الأموي "الوليد بن عبد الملك" على يد الفاتح المسلم "قتيبة بن مسلم الباهلي" عام 95 هـ، وتوقفوا عند حدود الصين في "كاشغر" - أشهر حواضر "تركستان الشرقية" ومن أهم مدنها - وذلك عام 96 هـ- 714 م، وحاول "قتيبة" استكمال فتح الصين، ودخول حدودها، ولكن هادنه إمبراطور الصين، وأرسل إليه مع رسوله "هبيرة بن الشمرج الكلابي" الهدايا والتحف، وما لبث "قتيبة" أن عاد أدراجه ولم يكمل فتوحاته؛ لموت الخليفة "الوليد بن عبد الملك" في تلك الفترة، وتولي أخيه "سليمان بن عبدالملك" الحكم، وقيامه بعزل القائد "قتيبة"[9].
وقد دخل أتراك المنطقة في الإسلام نظرًا لتعاملهم مع التجار المسلمين، وكان لمعاملتهم الطيبة الأثر الكبير في انتشار الإسلام بتلك المنطقة، بحيث أنه في سنوات قليلة كان الإسلام ينتشر بين القبائل، بحيث تقلصت الديانات السابقة، وكان لأتراك "تركستان"[10] دور كبير في مسيرة الدولة العباسية حيث صار منهم الوزراء والقادة، ومن أبرزهم "أحمد بن طولون" مؤسس الدولة الطولونية في مصر؛ فقد كان من "التغزغز" أي "الإيغور"[11].
استيلاء الصين على "تركستان":
كان المسلمون الأتراك في صرع دائم مع الصين، حيث كانت "تركستان" تقع على حدودها، وقد حاولت الصين في تاريخ إمبراطوريتها شن عدة هجمات للاستيلاء على ذلك الإقليم المسلم، ولكن منيت كلها بالفشل، وقد قامت عدة دول سيطر فيها المسلمون على حكم الإقليم، وكانوا جزءًا من الحضارة الإسلامية، حيث قامت بها "الدولةُ الإِيلكَخَانِيَّة" أو "دولة قراخان" (850 م-1212م) والتي تعد أول دولة تركية مسلمة في تاريخ تركستان والأتراك معًا، وكانت عاصمتها "كاشغر"، ووصلت حدودها حتى منغوليا، ودامت هذه الدولة أكثر من ثلاثة قُرُون، وسقطت في بداية القرن السابع الهجري المُوافق لِلقرن الحادي عشر الميلادي، وعندما انهارت تلك الدولة قامت على أنقاضها الدولة "الغزنوية"، والدولة "السلجوقية"[12].
وفي عهد المغول تبوأ القادة التركستانيين المراكز المرموقة في الدولة، وتحسنت أحوال المسلمين فيها، وظل هذا الوضع إلى سنة 1052 هـ- 1642 م[13].
وقد كان المسلمون الأتراك في صراع دائم مع الصينيين الذين شنوا عدة هجمات فاشلة على الإقليم، إلى أن استولى الصينيون في عهد "الأسرة المانشورية" Manchu على تركستان الشرقية سنة (1172 هـ = 1759م) بعد أن ضعف أمر المسلمين بها، وقتلت القوات الصينية وقتها مليون مسلم، وألغى الصينيون نظام البكوات الذي كان قائمًا بها، ووحدوا أقسام تركستان في ولاية واحدة، كما اتبعت الصين سياسة استيطانية في تركستان الشرقية؛ حيث عملت على نقل كتل بشرية صينية إلى هذه المنطقة، وهذا ما يسمى بسياسة "تصيين تركستان الشرقية"؛ فقام المسلمون بثورات عنيفة، منها: "ثورة جنقخ" سنة (1241هـ = 1825م)، واستمرت سنتين، ولم تهدأ ثورات المسلمين طوال مائة عام، منها: ثورة سنة (1272هـ = 1855م) التي استمرت عشرين عامًا، بقيادة "يعقوب بك"، وقد تمكن المسلمون بعدها من الاستقلال بتركستان الشرقية سنة (1282هـ = 1865م)، وذلك أثناء الصراع مع أسرة مانشو، ولم تجد هذه الدولة الوطنية الوليدة تأييدًا ولا اعترافًا من العالم، وبقيت "تركستان" - حينذاك - تحت حكم الإيغور الإسلامي لمدة 13 عامًا، لكن الصين استطاعت مهاجمتها واحتلالها مرة أخرى بمساعدة البريطانيين سنة (1292هـ = 1875م)، وقد قامت الأسرة المانشورية فورًا بتغيير اسم التركستان الشرقية إلى إقليم "سنكيانج" أي المقاطعة الجديدة؛ في محاولةٍ لطمس الهوية الإسلامية، ومحو التاريخ العريق لهذا الإقليم[14].
وقد تضامن سكان الإقليم في الثورة ضد الحكومة الصينية منذ عام 1759م ، ومن أشهر هذه الثورات ثورة الأوزبك عام 1866م ، وثورة عام 1881م، وتجددت الثورات في القرن العشرين بقيادة (الجنرال عثمان بانو)، ولكنها فشلت، وأُعِدمَ الجنرال في عام 1951 م[15].
ونجد أنه بعد قيام الثورة الشيوعية، وتسلط الحزب الشيوعي في كل من الاتحاد السوفييتي السابق والصين، وُئِدتْ جميع المحاولات الاستقلالية لإقليم تركستان الشرقية، على الرغم من قيام عدة حكومات وطنية جاهدت من أجل نيل استقلال الإقليم المسلم عن اضطهاد الحزب الشيوعي الصيني[16].
[1] التهجير الصيني في تركستان الشرقية، رحمة الله أحمد رحمتي، مجلة دعوة الحق، السنة الثامنة، العدد 93، عام 1410 هـ - 1989 م، صـ7.
[2] تقرير: المسلمون في سنكيانغ- الصين الشعبية، بدون اسم مؤلف (سري)، مترجم، 1980 م، صـ1، 2.
[3] معجم البلدان، ياقوت الحموي، دار صادر- بيروت، ط2، 1995م، ج2، صـ 23.
[4] الأقليات المسلمة في العالم ظروفها المعاصرة آلامها و آمالها، الندوة العالمية للشباب الاسلامي، 1406هـ- 1986 م، ج2، صـ 23، وما بعدها.
[5] محنة المسلمين في آسيا الوسطى والقوقاز (الواقع والتاريخ)، سعيد أحمد سلطان، الدار الثقافية للنشر- القاهرة، 1426 هـ- 2005م، صـ 185.
[6] محنة الأقليات المسلمة في العالم، محمد عبد الله السمان، إصدارات الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف- القاهرة، بدون تاريخ، صـ 146، 147.
[7] الإسلام في الصين، دراسة حول الأقلية المسلمة، محمد حسن محمد حمد، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة الخرطوم، 2006 م، صـ178، 179.
[8] مذابح الصين في تركستان الشرقية (فلسطين المنسية)، [مقالات مجمعة]، حررها: رجب محمود إبراهيم بخيت، منشور إلكترونيًا بدون معلومات، صـ107.
[9]تركستان الصينية (الشرقية)، محمود شاكر الحرستاني، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1393 هـ - 1973م، صـ10، 11.
[10] أضواء على تاريخ "توران"، السيد عبد المؤمن السيد أكرم بخارى، مطبعة رابطة العالم الإسلامي- مكة المكرمة، ط1، 1395 هـ، صـ85.
[11] التهجير الصيني في تركستان الشرقية، رحمة الله أحمد رحمتي، صـ36-39.
[12] مذابح الصين في تركستان الشرقية (فلسطين المنسية)، [مقالات مجمعة]، حررها: رجب محمود إبراهيم بخيت، صـ80 - 90.
[13] المدخل إلي التاريخ التركي، يلماظ أزطونا، نقله عن التركية أرشد الهرمزي، الدار العربية للموسوعات، 1426 هـ- 2005 م، صـ 209 - 220.
[14] تركستان الشرقية تحت الاحتلال الصيني، بولات تورفاني، ترجمة: إسلام صالح عبد الفتاح، دار اليسر- القاهرة، ط2، 2011م، صـ 25 - 28.
[15] القاموس الإسلامي، أحمد عطية الله، مكتبة النهضة المصرية- القاهرة،, 1963 م، ج 4، صـ 379.
[16] التهجير الصيني في تركستان الشرقية، رحمة الله أحمد رحمتي، صـ57.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.