• علاقة الصين بالعرب لم تكن وليدة لعصر الإسلام، بل ابتدأت قبل الإسلام بقرون، عن طريق التجارة في موانئها بحرًا، وطريق الحرير برًا. • أول بعثة دبلوماسية إسلامية أرسلت للصين كانت في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان سنة 31 هـ - 651 م. • اندمج المسلمون وسط المجتمع الصيني، وتزوجوا من صينيات، وعاشوا في مقاطعات "تشانغآن" و"كانتون" و"يانغتشو" وجزيرة "هاينان"، وشكلوا نواة المسلمين الصينيين. • برز خلال التاريخ الصيني القديم شخصيات مسلمة عظيمة منها: السيد الأجل "شمس الدين عمر"، والبحار المسلم "تشنغ هو" أو "الحاج جهان"، و"خوونغ تشو" أو "أستاذ الأساتذة". • مع دخول الشيوعية الصين، ضيقت منافذ الدعوة، وأنكرت الأديان بما فيها الإسلام، وما زال يعاني أهلنا المسلمون في تركستان الشرقية التمييزَ العرقي. |
معرفة الصين بدين الإسلام:
اختلف المؤرخون - ومنهم الصينيون أنفسهم - على أقوالٍ شتى في تاريخ دخول الإسلام الصين، أو معرفة الصين بأمر الدين الجديد "الإسلام"، فثمة أقوال تؤكد أن الإسلام دخل إلى الصين على يد تجار عرب ساروا في الطريق البحري الذي كانت تتبعه السفن التجارية من جزيرة العرب حتى جزر الصين[1]، أو أنه جاء برًا من الغرب أو ما يسمى بـ"طريق الحرير" المنطلق من المناطق شمال غربي الصين، وقد جاء المسلمون (عرب وفرس وأتراك) من وسط آسيا حاملين معهم دين الإسلام[2].
وذكر الأستاذ "بدر الدين حي" في كتابه "العلاقات بين العرب والصين": "أن علاقة الصين بالعرب لم تكن وليدة لعصر الإسلام، بل ابتدأت قبل الإسلام بقرون، غاية الأمر أن عراها لم تكن أوثقت كما في زمن الإسلام، لكن العلاقة كانت موجودة على طريقة غير مباشرة أولًا، ثم تطورت إلى علاقة مباشرة عندما قرب ظهور الإسلام... واتفقت المصادر الثلاثة: الصينية والإيرانية والرومانية، على وجود العلاقة بين العرب والصين قبل الإسلام ببضعة قرون في شكل غير مباشر... من خلال اتصال تجار العرب بالصينيين، عن طريق التجار الإيرانيين والرومانيين"[3].
وقد اتفق المؤرخون على أن أول بعثة إسلامية جاءت إلى الصين كانت في زمن الخليفة "عثمان بن عفان" - رضي الله عنه -، أي في عام 31 هـ - 651 م، في عصر الإمبراطور (قاوتسنغ) الملك الثالث للأسرة الملكية "تانغ" (618-907م)، وقد ذُكِرَ في "تاريخ تانغ"[4] أن الخليفة "عثمان" أرسل بعثته الرسمية إلى عاصمة الصين "تشانغ آن" CHANG'ANلزيارة الإمبراطور وتبليغه رسالة الإسلام وتطورها في العالم العربي ومسيرة توحيدها القبائل العربية، لكي يساهم في الدعوة الإسلامية في الصين، وهذه البعثة قد أثرت في تاريخ الصين تأثيرًا عميقًا، وساهمت في تطور العلاقات بين الصين ودولة الإسلام الجديدة[5].
وقد نتج عن هذه الوفادة موافقة الإمبراطور الصيني (قاوتسنُغ) (650 - 684 م) (30 - 65 هـ) على إعطاء الحرية للمسلمين على أرض الصين، كما وافق على إقامة مسجد لهم في "خانفو" أو "خانقو" يمارسون فيه شعائر دينهم, وتضيف المصادر الصينية أن المسلمين أقاموا لهم بيوتًا جميلة تختلف في طراز عمارتها عن العمارة الصينية, كما عينوا لهم رئيسًا "إمامًا أو قاضيًا" يطيعون أوامره[6].
ولقد وصلت "سبع وثلاثون" بعثة رسمية منذ بداية البعثة الأولى ( 651 م ) في عهد أسرة "تانغ"[7]، و"تسع وأربعون" بعثة في عهد أسرة "سونغ" حسب ما جاء في التدوِينات التاريخيَّة[8].
وقد استغرقت البعثات الدبلوماسية التي أرسلت في فترة أسرة "تانغ" فترة زمنية بدءًا من عهد سيدنا عثمان بن عفان مرورًا بعهد الدولة الأموية (40-132 هـ) (661-750 م) التي سمتها الصين "التازيان البيض"؛ إذ يغلب على الأمويين لبس العمائم البيضاء، وفي عهد الدولة العباسية التي سمتها "التازيان السود"؛ إذ يغلب على العباسيين لبس العمائم والعباءات السوداء[9].
فتح "كاشغر" على يد القائد "قتيبة بن مسلم":
وفي أواخر عهد الخليفة الأموي "الوليد بن عبد الملك" اتسعت رقعة الفتوحات الإسلامية، وكان من أبرز الفتوح "فتح كاشغر[10]" على يد القائد العربي "قتيبة بن مسلم الباهلي" فاتح أواسط آسيا، حيث وصلت قواته إلى "كاشغر" عام 96 هـ، على حدود الصين، وأوردت المصادر العربية ذكر هذه الواقعة وتفاصيلها، فقد أورد "الطبري"[11] و"ابن الأثير"[12] أنه بعد فتح "كاشغر" أراد "قتيبة" استكمال فتوحه لبلاد الصين واختراق حدودها الغربية، فطلب ملك الصين التفاوض بين الجانبين، وكتب إليه ملك الصين: "ابعث إلي رجلًا شريفًا يخبرني عنكم وعن دينكم"، فوافق "قتيبة" على طلب ملك الصين، واختار "قتيبة" من بين رجال جيشه اثني عشر رجلًا، لهم جَمال وألسن وبأس وتجمّل وصلاح، وأمر لهم بعُدّة حسنة ومتاع حسن من الخز والوشى وغير ذلك وخيول حسنة، وكان منهم "هُبيرة بن المشمرج الكلابي" مفوّهًا سليط اللسان، وقال لهم: "إذا دخلتم على ملك الصين، فأعلموه أني حلفتُ أني لا أنصرف حتى أطأ بلادهم، وأختم ملوكهم، وأجبي خراجهم".
ولما هدد ملكُ الصين الوفدَ المسلم، بإمبراطوريته العظيمة وسلطانه الواسع، بادله "هبيرة" تهديدًا بتهديد، حتى لان الملك، وخاف من المسلمين وطلب منهم الرجوع، وهنا أجابه "هبيرة" بأن قائدهم "حلف ألا ينصرف حتى يطأ أرضكم، ويختم ملوككم، ويعطى الجزية"، ولابد أن يبر بقسمه، فقال ملك الصين: "فإنا نخرجه من يمينه: نبعث إليه بتراب من تراب أرضنا فيطأه، ونبعث أبناءنا فيختمهم، ونبعث له مالًا يرضاه".
ودعا الملك بصحاف من ذهب فيها تراب من أرض الصين، وبعث بحرير وذهب وأربعة غلمان من أبناء ملوكهم، ثم أجاز الوفد فأحسن جوائزهم، فقدموا على "قتيبة" الذي قبل الجزية، وختم الغلمان، وردّهم إلى الملك، ووطئ تراب الصين.
ويرى المؤرخون أن السبب الحقيقي لعودة "قتيبة" وجيشه عن حدود الصين الغربية، كما تذكر المصادر التاريخية المعتمدة، هو وصول خبر وفاة "الوليد بن عبد الملك"، وتولّي "سليمان بن عبد الملك" الخلافة بعده، وكان ذلك سنة ست وتسعين الهجرية[13].
وقد أغفلت المصادر الصينية هذه الوقعة الهامة، لحرج موقف الإمبراطور الصيني، في تلك الخطوة المهددة لأمن وحدود الإمبراطورية[14].
وكذلك في عهد "هشام بن عبد الملك بن مروان" وصلت جيوش المسلمين مرة أخرى إلى أرض الصين، ودعي ملكها إلى الإسلام[15].
نجدة أبي جعفر المنصور إمبراطور الصين:
استمرت العلاقات الدبلوماسية مع الصين طيلة العهد الأموي، وتأصلت أواصرها مع قيام الدولة العباسية، حيث تورد المصادر أنه في منتصف القرن الثامن الميلادي عام 139 هـ (756 م) تعرضت الإمبراطورية لتمرد كبير قاده الثائر "شي غولي" مما اضطر إمبراطور الصين "هس وان تسنغ" إلى التنازل عن عرشه لابنه "سو"، الذي لم يستطع مجابهة المتمردين، فاستغاث بالخليفة العباسي وقتنذاك "المنصور" الذي أسرع بإرسال بعضًا من وحدات جيش المسلمين، يقال إنهم كانوا حوالي 4 آلاف رجل، نجحوا في قمع المتمردين، ومطاردتهم، وإعادة الإمبراطور إلى عرشه، واستعادة عاصمتى الصين الشرقية والغربية (كايفنغ وتشانغآن) حيث قاتلوا جنبًا إلى جنب مع القوات الصينية [16].
وقد استبقى الإمبراطور هؤلاء الجنود، واستوطنوا "تشانغآن" (الآن تسمى شيان)، وتزوجوا من صينيات، وقيل بأن الإمبراطور بنى مسجدًا ليمارسوا فيه عباداتهم عام 65 هـ (684 م)، وقد أسهم هؤلاء الجنود من ناحية ثانية في غرس بذور سلالة الصينين العرب المسلمين، ويعدوا هم نواة المسلمين الصينيين الموجودين حاليًا[17].
وكان عدد المسلمين المقيمين فى كل من "تشانغآن" و"كانتون" و"يانغتشو" وجزيرة "هاينان" إبان حكم أسرة "تانغ" يربو على ألف نسمة.
وتشير سجلات أسرة "تانغ" إلى أن الدولة كانت تدفع لأسر الجنود المسلمين الذين أوفدهم المسلمون واستبقاهم الإمبراطور خمسمائة ألف أوقية من الفضة كل سنة، وهو عطاء فرضته الدولة على نفسها مكافأةً لهم على نجدتهم للعاهل "سوتسنغ".
أما العرب والفرس الذين كانوا يقدمون للتجارة في مدن الصين، ويلبثون فيها مدة تجارتهم، فقد جرت العادة على تسميتهم "تشو تانغ" أي "المقيمون في إمبراطورية تانغ الصينية"، حيث مثَّلَ المسلمون نسبة لا بأس بها داخل حدود الإمبراطورية الصينية وسط علاقات دبلوماسية طيبة[18].
ويبدو أن المسلمين كان لهم وجود مؤثر في "كانتون" خلال تلك الفترة، حتى إن المؤرخ الفرنسي "كورديه" يذكر في كتابه "مسلمو يوننان" إن التجار المسلمين بالمدينة ثاروا على الحكومة سنة 758 م، بسبب ضريبة أرهقتهم، فنهبوا البلدة وأحرقوها وخرجوا - على حد قوله - ولكنهم رجعوا بعد ذلك لأن العلاقات التجارية لم تنقطع بين "سيراف" و"كانتون"[19].
[1] عن انتشار الإسلام في الصين، مقال الأستاذ "هارتمان" Hartmannفي دائرة المعارف الإسلامية، مادة "الصين" الطبعة الفرنسية ج 1 ص 866 وما بعدها.
[2] المسلمون الصينيون - أسئلة وأجوبة، شيو يوان، دار النشر باللغات الأجنبية، بكين، الطبعة الأولى 1991 م، ص 1، ومقال: المسلمون في الصين، علي الدباغ، مجلة آفاق الثقافة والتراث، السنة الخامسة، العدد 18، ربيع الثاني 1418هـ.
[3] العلاقات بين العرب والصين، بدر الدين و.ل.حي، مكتبة النهضة المصرية- القاهرة، ط، 1، 1950 م، صـ 8-20.
[4] تاريخ تانغ القديم، الفصل 198، ص 17.
[5] تاريخ تطور ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الصينية، الشيخ: عبدالله قاسم سو جي يو آن، بحث مقدم في ندوة ترجمة معاني القرآن الكريم تقويم للماضي وتخطيط للمستقبل، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، عام 1422 هـ، صـ21.
[6] الإسلام في الصين، فنغ حين يوان (إبراهيم)، ترجمة: "لي هوا ينغ" (محمود يوسف)، طبعة دار النشر باللغات الأجنبية, بكين 1991 م, صـ 7، 8، ومساهمات المملكة العربية السعودية وقضايا المسلمين في الصين, لي تشين تشونج (علي)، من بحوث مؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عام، دارة الملك عبد العزيز- الرياض 1419 هـ, صـ 11.
[7] مختصر تاريخ العرب في العصور الوسطى، عبد الرحمن ناجونغ، من مطبوعات معهد اللغات الأجنبية في بكين، ط عام 1978 م، صـ 130.
[8] مقال: تأملات في بقاء وتطور الإسلام في الصين، أ. د. محمد علي يوي تشينغقوي و أ. مصطفى يانغ جي يوه، موقع الألوكة، نشر بتاريخ 6/6/2011 م، 5/7/1432 هـ.
[9] تاريخ العلاقات الصينية العربية، قوه ينغ ده، ترجمة: تشانغ جيا مين، الناشر: المرآز العربي للمعلومات، 2004 م، صـ1.
[10] كاشغر مدينة من أشهر مدن تركستان الشرقية وأهمها، وكانت عاصمة تركستان الشرقية، ولها مركز عظيم في التجارة مع روسيا من جهة، والصين من جهة ثانية وبلاد ما وراء النهر من جهة ثالثة، وتشتهر بمنسوجاتها الصوفية الجميلة.
[11] تاريخ الرسل والملوك، ابن جرير الطبري، دار الكتب العلمية، ط1، 1407 هـ - 1987م، ج 5 صـ 270.
[12] الكامل في التاريخ، لابن الأثير، دار الكتاب العربي - بيروت، 1417 هـ - 1997م، ج 5 صـ 5.
[13] "العبر في خبر من غبر" - وذيوله، شمس الدين الذهبي، تحقيق: محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية - بيروت 1405 هـ- 1985 م، ج1، صـ 86.
[14] تاريخ الخلافة الأموية الجهادي والمالي، صلاح حسن العاوور، مكتبة إيهاب- رفح، ط 1، 1994 م، صـ72.
[15]تاريخ اليعقوبي، أبو العباس اليعقوبي، طبعة ليدن، سنة 1860م، ج 2، صـ316، والبداية والنهاية، ابن كثير، دار الفكر- بيروت، 1407 هـ - 1986 م، ج1، صـ164.
[16] الإسلام في الصين، فنغ حين يوان (إبراهيم)، ترجمة: "لي هوا ينغ" (محمود يوسف)، طبعة دار النشر باللغات الأجنبية, بكين 1991 م, صـ25.
[17] الإسلام في الصين، د. فهمي هويدي، سلسلة عالم المعرفة، عدد 43، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، يوليو 1981 م، صـ40.
[18] الإسلام في الصين، فنغ حين يوان (إبراهيم)، صـ26.
[19] مسلمو يوننان، كورديه، صـ8.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.