أرمينيا وفتوح العصر الأموي:
بعد مقتل الخليفة "عثمان بن عفان"، والفُرقة التي حدثت بين المسلمين في عهد خليفته "علي بن أبي طالب"، خرجتْ كثير من البلدان - التي فتحها المسلمون من قبل - عن سلطة الدولة الإسلامية، وأعلنت عصيانها، وانتقض أهلها، ومنهم أرمينيا التي تمردت على الأمويين أيام فتنة "عبد الله بن الزبير"، وما أن استتب الأمر للأمويين من جديد، حتى استؤنفت الفتوحات الإسلامية في أرض الروم من جديد.
فتوح مروان بن محمد:
في سنة 73 هجرية (692 م) ولى الخليفة الأموي "عبد الملك بن مروان" أخاه "محمد بن مروان" على "الجزيرة" و"أرمينية"، وأعاد "محمد بن مروان بن الحكم" فتح إرمينية، وأوقع بالمنتقضين على المسلمين في "خلاط"، وظل يغزو فيهم كلما تمردوا على حكمه حتى سنة 91 هجرية (709 م) حينما عزله ابن أخيه الخليفة "الوليد بن عبد الملك"، واستعمل عليها أخاه "مسلمة بن عبد الملك"[1]، والذي تولى بدوره إرمينية عدة ولايات مختلفة، قاتل خلالها الأرمن والخزر كلما ثاروا على المسلمين[2].
فتوح الجراح بن عبدالله الحكمي:
تولى "الجراح بن عبد الله الحكمي" إرمينية ليزيد بن عبد الملك سنة 104 هجرية (722 م)، وذلك لوقوع مقتلة عظيمة بالمسلمين في رمضان من سنة 103 هجرية حينما دخل المسلمون بلاد الخزر (القفقاس) من أرمينيا في موضع يعرف بـ"مُرْج الحجارة"، وقد طمع الخزر وحلفاؤهم بعدها في الاستيلاء على البلاد، وجمعوا حشودهم، فتوجه إليهم "الجراح بن عبد الله" من "برذعة" شمالًا عبر نهر الكرج ونهر السمور وهزم الخزر عند نهر "أران"، وسار إلى "حصن بَلَنْجر" وفتحه، وعاد إلى "برذعة" و"البيلقان"، وفي سنة 106 هجرية (724 م) غزا "الجراح" بلاد "اللَّان" فصالح أهلها وأدوا الجزية، بعد أن أوغل في بلاد الخزر، وهو أول من قفل من باب "اللَّان" في أرمينية، إلا أن الخزر عادوا إلى الهجوم على شمال إرمينية سنة 112 هـ (730 م)، وهزموا جيش "الجراح"، واستشهد ومن معه في "أردبيل"[3].
فتوح مسلمة بن عبد الملك:
وتولى "مسلمة بن عبد الملك" إرمينية للمرة الثالثة لأخيه الخليفة "هشام" عام 112 هجرية (730 م)، وقاد حملة كبيرة ضد الخزر عام 113 هجرية وهزمهم في "ورثان"، وقتلَ "نارستيك" ابن ملك الخزر، وبعدها احتل "مسلمة" مدينة "دربند" أو "باب الأبواب" ودخل قلعتها الكبرى بعد حصار مرير لأسوارها، وأنزل بها أربعة وعشرين ألفًا من عرب الشام[4].
وقد كان من أبرز قادته على مقدمة جيشه القائد "سعيد بن عمرو الحرشي" الذي هزم جيش "الخَزَر" في معركة "بَرْزَنْد" وطاردهم حتى نهر "الرَّسّ"[5].
وغزا "مروان بن محمد" الصقالية بأرض الخزر سنة 114 هجرية (732 م)، ودخل ملك الخزر في الإسلام، وفتح مروان "أرض السرير" و"زرير كراه" و"حمزين" و"سندان" و"اللّكْز" و"خِرْس" في "شَرْوان"[6].
وقد وطد "مروان بن محمد" أركان الأمن والاستقرار في أرمينية، وأصبح للدولة الإسلامية هيبة في نفوس السكان، وقد عاش الأرمن مدة خلافة "هشام" وإمارة "مروان بن محمد" عيشة هانئة وسعيدة وازدهرت الصناعة والتجارة في أرمينية، وأنقذ "مروان" الأرمن من غزوات "الخزر" الذين غدوا خطرًا يتهدد حياة العرب والأرمن في المنطقة على السواء، وفرضَ العقوبات القاسية ضد اللصوص وقطاع الطرق ومشيري الفتن والدسائس، فقطع أيدي الكثيرين منهم وأرجلهم وصلب بعضهم، فاستقرت الأمور وساد الأمن والنظام أرجاء البلاد[7].
وما لبث أن عاد "مروان" إلى دمشق على رأس جيش ضخم سنة 127 هـ (744 هـ) مطالبًا بالخلافة التي نالها، وصار خاتمة خلفاء بني أمية.
قادة فتح أرمينية
القادة الفاتحون
والقادة الذين استعادوا الفتح
1- عياض بن غَنم الفِهرِي.
2- عثمان بن أبي العاص الثًّقَفِي.
3- سُراقَة بن عمرو.
4- عبدالرحمن بن ربيعة الباهِلي.
5- سلمان بن ربيعة الباهِلي.
6- حبيب بن مَسلَمة الفِهرِيّ.
7- محمد بن مَروان بن الحَكَم.
8- مَسلَمَة بن عبد الملك بن مروان.
9- الجرَّاح بن عبد الله الحَكَمِي.
10- سعيد بن عمرو الحَرَشِي.
11- مَروان بن محمد بن مَروان.
أرمينيا ولاية إسلامية منذ نهاية العهد الأموي:
بعد إتمام فتوحات المسلمين في العصر الراشدي والدولة الأموية، استتب الأمر للمسلمين فيها، وقُسِّمَ الإقليم لأربع كور أو أقسام إدارية، واتخذت العاصمة في مدينة "دُبيل" وقام الأمراء بتحصينها، وجعلها مقر الحاكم للولاية، مع تمركز حامية إسلامية لرد غارات الخزر والروم، وقد شكَّلت أرمينية مع أذربيجان والجزيرة الفُراتيَّة ولايةً كُبرى يتولَّاها قائدٌ واحد يُعيِّنه الخليفة من دمشق، ويتخذ من "دُبيل" مقرًا له إلى جانب الأمير الأرمني[8].
أمَّا السُلطة السياسية فكانت بِيد الأمير الأرمني الذي كان يُلقَّب "بطريق البطارقة" بِالعربية، ويغلب الظن أنَّ أول من حمل هذا اللقب من الحُكَّام الأرمن كان "بُقراط بن أشوط البقرادوني" (تُوفي بعد سنة 851م)[9]، وبذلك انسلخت أرمينية كليةً عن الإمبراطورية البيزنطية، وخضعت للسيادة الإسلامية عن طيب خاطر. وليس هذا بغريب، فقد كانت العلاقات بين البيزنطيين والأرمن يشوبها الكره والحقد المتبادل بين الطرفين، فمن الأقوال البيزنطية المأثورة: "إن الصديق الأرمني هو أسوأ الأعداء: فالأرمني كاذب وخائن ومحتال". أما الأرمن، فكانت من أقوالهم المأثورة "يتميز البيزنطيون بالضعف والخداع"، وأضاف المؤرخ "ميخائيل السرياني" أن الأرمن قالوا عن البيزنطيين: "أنهم أسوأ الأسياد، يتسمون بسوء النية، ويسيطر على عقولهم الجنون بسبب حقدهم على كل الأرثوذکس"، كذلك اتهمهم المؤرخ الأرمني "أسوليك" بالبخل الشديد فقال: "ليس من المعتاد عند البيزنطيين أن يتسم الإنسان بالكرم، بل إن كلمة الكرم لم ترد في قواميس لغتهم"، وقد فاق المؤرخ الأرمني "متى الرهاوی" (أنهى حوليته سنة 1136م - 531 هـ) في حقده وكرهه للبيزنطيين غيره من مؤرخي الأرمن حين قال "فقدت مملكتنا أصحابها الشرعيين نتيجة عملية الضم إلى الامبراطورية البيزنطية منخورة القوى، تلك الأمة المخنثة الخسيسة الدنيئة، ولقد اشتهر الروم بسرعة الفرار من ميادين القتال، فكانوا أشبه بالراعي الذي يلوذ بالفرار بمجرد أن يلاحظ ذئبًا..."[10].
وقد ارتضى الأرمن الانضواء تحت دولة الخلافة الإسلامية في عهد العباسيين وما تلاها من عهود، وتبع الخُلفاء العباسيون نفس الأُسلوب الإداري الذي انتهجه الخُلفاء الراشدون والأُمويون في أرمينية، وهو تعيين وُلاة مُسلمين إلى جانب أُمراءٍ محليين من البيت البُقراطي البقرادوني الحاكم، وبِشكلٍ وراثيٍّ على العكس من نظام الولاية في بقية البلاد الإسلامية الأُخرى، وامتازت إدارة "أرمينية" خِلال هذا العهد بِكونها إدارة قوية مُنضبطة[11].
• كانت أرمينيا معبرًا تجاريًا هامًا تتنازع عليه كل من الإمبراطورية الساسانية، والإمبراطورية البيزنطية قبل قدوم المسلمين. • يعد الصحابي "عياض بن غنم" - رضي الله عنه - هو أول من وطأ أرض أرمينيا في عهد خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. • كان الفتح الأكبر لأرمينيا على يد "حبيب بن مسلمة الفهري" في عهد الخليفة عثمان بن عفان - رضي الله عنه -. • استتب الأمر عسكريًا وإداريًا في أرمينيا وآلت للمسلمين في العهد الأموي بعد فتح "مسلمة بن عبد الملك "مدينة: باب الأبواب" في حملته الأكبر لمحاربة الخزر (112 هـ-114 هـ). |
[1] الكامل في التاريخ لابن الأثير (4/476)، وفتوح البلدان لياقوت الحموي، صـ289.
[2] تاريخ ابن خياط، دار طيبة، الرياض، طـ2، 1985 م (2/359).
[3] قادة الفتح الإسلامي في أرمينية، اللواء محمود شيت خطاب، صـ689.
[4] أطلس تاريخ الإسلام، د. حسين مؤنس، صـ133.
[5] قادة الفتح الإسلامي في أرمينية، اللواء محمود شيت خطاب، صـ89.
[6] فتوح البلدان لياقوت الحموي (292-294)، والكامل لابن الأثير (5/187-179).
[7] أرمينية في التاريخ العربي، أديب السيد، صـ99، 100.
[8] دراسات في علاقات الأرمن والكرج بالقوى الإسلامية في العصر العباسي، فتحي سالم حميدي اللهيبي، دار الكتب العلمية، بيروت، 2013م، صـ 125 - 126.
[9] تاريخ الدولة الأرمنية، د. ك.ل.استارجيان، مطبعة الاتحاد الجديدة، الموصل، 1951 م، صـ200.
[10] الفتوحات الإسلامية لأرمينية، د. فايز نجيب إسكندر، صـ63، 64.
[11] مواطن إسلامية ضائعة، مشاهدات في مولدوفا وأرمينيا، محمد بن ناصر العبودي، طـ1، 2000 م، صـ153.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.