تاريخ الفتح الإسلامي لأرمينيا (1)مقالات


• كانت أرمينيا معبرًا تجاريًا هامًا تتنازع عليه كل من الإمبراطورية الساسانية، والإمبراطورية البيزنطية قبل قدوم المسلمين.

• يعد الصحابي "عياض بن غنم" - رضي الله عنه - هو أول من وطأ أرض أرمينيا في عهد خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.

• كان الفتح الأكبر لأرمينيا على يد "حبيب بن مسلمة الفهري" في عهد الخليفة عثمان بن عفان - رضي الله عنه -.

• استتب الأمر عسكريًا وإداريًا في أرمينيا وآلت للمسلمين في العهد الأموي بعد فتح "مسلمة بن عبد الملك "مدينة: باب الأبواب" في حملته الأكبر لمحاربة الخزر (112 هـ-114 هـ).

 

بين حجر الرحى والسندان:

لم تكن أرمينيا - عشية الفتح الإسلامي لها - دولة ذات سيادة مركزية، وإنما كانت منطقة حدودية تتعاورها إمبراطوريتان كبيرتان هما: الإمبراطورية البيزنطية والإمبراطورية الساسانية أو الفارسية[1]، وكانت كل إمبراطورية منهما تحاول السيطرة عليها لحماية أقاليمها الحدودية من توسع الدولة الأخرى، أما حكامها المحليون من أمراء طبقة "الناخارار"، أو "الخزر"[2] فقد كانوا عاجزين عن قيام سلطة مركزية قوية قادرة على السيطرة على الأمور في منطقة أرمينيا[3]، لذا لم يكن هناك بدّ من المهادنة للفرس تارة وللروم تارة أخرى، حتى قدوم المسلمين بعد القضاء على الإمبراطورية الفارسية وحيازة أملاكها في بلاد الشام والعراق منتصف القرن السابع الميلادي، ولم يعد أمام المسلمين سوى غزو "أرمينيا" لحماية توسع فتوحاتهم السريعة، وبدء تهديد الإمبراطورية الرومانية المتاخمة لفتوحاتهم، والقضاء عليها بالمثل كما قضوا على إمبراطورية "كسرى"[4].

أرمينية.. إقليم جبلي ومعبر تجاري هام:

تقع إرمينية جنوب القوقاز، في الشمال الشرقي من هضبة الأناضول، وهي إقليم جبلي، تمتد من مدينة (برذعة) إلى (باب الأبواب) شرقًا، ويحدها جبل (القبق) - وهو القفقاس الكبرى حاليًا - من جهة الشمال، وبلاد الروم غربًا، وبلاد العراق وبعض حدود الجزيرة جنوبًا[5].

وهذه الحدود العامة، تعطي صورة تقريبية عن حدود إزمينية في أيام الفتح الإسلامي، وكانت حدودها الغربية بخاصة تقررها الأوضاع السائدة بين الفرس والروم[6].

ومن حيث أهمية أرمينية من الناحية الاقتصادية فإنه يمر عبرها الطريق التجاري القادم من الشرق الأقصى إلى طرابزون على البحر الأسود، وأي من الدولتين (الفارسية أم الرومية) تضم أرمينية إلى تبعيتها فإنها تتحكم بالتالي في الطريق التجاري الذي يصب في طرابزون، ويصبح لها منفذ بحري على البحر الأسود، وبالتالي تبرز أهمية أرمينية العسكرية للقوى الدولية آنذاك، وتبرز أهميتها الاقتصادية من كون تجارة الشرق إلى الغرب أو البحر المتوسط كانت تسلك عدة طرق، أحدها هو الطريق عبر أرمينية الذي يصب في طرابزون[7].

ويتكون إقليم إزمينية من أربعة أقسام إدارية:

• إرمينية الأولى: تتكون من (السيسجان) و(أَرَّان) و(تَفْلِيْس) و(بَرْذَعَة) و(البيلقان) و(قَبَلَة) و(شَرْوَان).

• وإرمينية الثانية: تتكون من (جُرْزَان) و(صُغْدَ بِيْل) و(باب فَيرُوز قُبَاذ) و(اللَّكْز).

• وإرمينية الثالثة: وتضم (البُسْفرَّ جان) و(دَبِيْل) و(سِراج طَيْر) و(بَغْرَوَنْد) و(نَشْوَی).

• وإرمينية الرابعة: وتشمل (شِمْشَاط) و (خِلاط) و(قاليقلا) و(أَرجِيْش) و(باجُنَيْس).

والجغرافيون العرب والمسلمون القدامى، متفقون على هذا التقسيم، ولكنهم مختلفون على التفاصيل، واختلاف الجغرافيين الذين جاءوا بعد جغرافيي القرن الرابع الهجري هو بإضافة أسماء المدن الجديدة التي أنشأها المسلمون بعد الفتح [8].

الفتح الإسلامي لأرمينيا:

بدأت فتوح أرمينيا في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وذلك إثر فتح بلاد الجزيرة ومنطقة أذربيجان الفارسية، وقد انطلقت الجيوش الإسلامية الظافرة لفتح أرمينية من جهة الجنوب، لاتخاذها قاعدة في حربهم المرتقبة ضد البيزنطيين[9].

فتح عياض بن غنم رضي الله عنه:

تولى الحملة الأولى الصحابي "عِيَاضُ بن غَنْمِ" - رضي الله عنه -، سنة 17 هجرية (638 م)، فاجتاز الطريق ما بين طرسوس وبلاد الروم، ووصل "بَدْليس"، وبلغ مدينة "خِلاط" فصالح بطريقها، حتى انتهى إلى "العين الحامضة" من أرمينيا.

وبذلك يكون "عِيَاضُ بن غَنْمِ" أول من اجتاز الدرب عبر الجزيرة إلى أرمينيا، وقد عاد إلى الرقة، ومنها إلى حمص بعدها، ولم يجابه كبير مقاومة[10].

فتح عثمان بن أبي العاص الثقفي:

كان فتح "عياض" السريع غير مكتمل الأركان، فوجَّهَ "عياض" إلى أرمينيا "عثمان بن أبي العاص" سنة 19 هجرية (640 م) فوقع قتال أصيب فيه "صفوان بن المعطل"[11]، وارتقى شهيدًا، ثم صالح "عثمان" أهل أرمينيا على الجزية، على كل أهل بيت دينار[12].

وكان فتحه أشبه بالغارة السريعة، لشل قوات الروم في بلادها[13].

فتح سراقة بن عمرو:

وكانت بعد عامين سنة 21 هجرية (642 م) حيث زحف الجيش الإسلامي في أربع فرق قاصدًا مدينة "الدربند" في الشمال، وتسميها المصادر العربية "باب الأبواب"، وكان الهدف هو الوقوف في وجه الخطر الذي بات يتهدد الناس في أذربيجان من شعوب الترك المنتشرة في تلك الجبال النائية، وقام "سراقة بن عمرو" بفتح "الدربند" وصالح ملكها على جزية يؤديها، وقام بندب عدد من القادة على رأس كتائب صغيرة من الجيش لغزو بعض المواقع، وهم: (سراقة بُكير بن عبدالله، وحبيب بن مسلمة، وحذيفة بن أَسِيْد، وسلمان بن ربيعة) إلا أنهم عجزوا عن تحقيق انتصارات أخرى في أرمينيا، وتراجعوا أمام بسالة المدافعين الأرمن عن المناطق التي توجهوا إليها[14].

وقد مات "سراقة" في "باب الأبواب" قبل أن يرى ثمرات جهاده، واستخلف قبل موته "عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي"، فأقره الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -[15].

الفتح الأكبر لأرمينيا:

وكان ذلك سنة 25 هجرية (646 هـ) حيث توجه "حبيب بن مسلمة الفهري" الذي قاد جيشًا من أهل الشام والجزيرة، ففتح مدن: "قاليقلا" و"دبيل" و"الشنوى" و"السيسجان"، ثم سار إلى جرزان (كرجستان) ومنها إلى عاصمة الإقليم "تفليس"، كما شملت فتوحاته عدة مواقع أخرى منها "بردعة" و"جيزان".

ولما اتسعت فتوح "حبيب بن مسلمة" في تلك المنطقة في قلب الروم، أرسل "عثمان بن عفان" جيشًا من أهل الكوفة مددًا لجيش "حبيب بن مسلمة"، وقاد جيش الكوفة "سلمان بن ربيعة الباهلي"، غير أن هذا الجيش وصل متأخرًا، فأمره "عثمان" أن يتوجه لفتح مدينة "أران"، ففتح "البيلقان" و"بردعة" و"شمكور" وغيرها من نواحي "أران"، واجتاز نهر الكرج وفتح "شروان"، ووصل في فتوحه إلى مدينة "الباب" فاجتازها، غير أن العدو لقيه بعدها فاستشهد هو وجميع من معه تقريبًا[16].

ولقد لقب المؤرخون "حبيب بن مسلمة" بلقب "حبيب الروم"[17] لكثرة دخوله إليهم، ونيله منهم، ويعتبر "حبيب بن مسلمة" فاتح أرمينيا الحقيقي، لتوغله في أراضيها، وفتحه أكثرها[18].

 

قادة فتح إِرمِينِيّة

 

التسلسل

القائد الفاتح البلاد المفتوحة الإقليم التاريخ ه التاريخ م الخليفة
1 عِياض بن غَنم الفِهرِي

1. بَدلِيس

2. خِلاط

3. العين الحامِضَة

أرمينية الرابعة 17 638

عمر بن الخطَّاب

2 عثمان بن أبي العاص الثّقًفِي إرمينية الرابعة إرمينية الرابعة 19 640

عمر بن الخطًّاب

3 سُراقة بن عمرو باب الأبواب إرمينية الأولى 22 642

عثمان بن عفّان

4 سلمان بن ربيعة الباهِلِي

1. البَيلَقَان

2. بَرذَعة

3. ولاية أرّان

4. شَمكُور

5. مجمع نهري الرَّسّ والكُرّ

6. شًروان

7. مَسقَط

8. الشَّابِران

إرمينية الأولى 25 645

عثمان بن عفّان

5 حبيب بن مسلمة الفهري

1. شِمشاط

2. قَالِيقَلا

3. مِربالا

4. فُكس

5. أَرجِيش

6. باجُنيس

7. أردَشَاط

8. دَبِيل

9. النَّشوَى

10. البُسفَرجان

11. جُرزان

12. تَفلِيس

إرمينية الرابعة

إرمينية الرابعة

إرمينية الرابعة

إرمينية الرابعة إرمينية الرابعة

إرمينية الرابعة

إرمينية الثالثة

إرمينية الثالثة

إرمينية الثالثة

إرمينية الثالثة

إرمينية الثانية

إرمينية الأولى

19

 

 

25

640

 

 

645

عمر بن الخطًّاب

 

 

عثمان بن عفّان

 

 


[1] قادة الفتح الإسلامي في أرمينية، اللواء محمود شيت خطاب، دار ابن حزم، ط1، 1419 هـ/1998م، صـ28.

[2] "الخزر" جنس حكم الأراضي الواسعة من القرن السابع إلى القرن الحادي عشر جوار بحر قزوين من بحيرة وان والبحر الأسود إلى كييف، ومن بحر آرال إلى المجر. وكلمة الخزر اشتُقت من (قاز) التي تعنى الذي يتجول حرًا ولا يرتبط بأي مكان، ووفقًا لإفادة بعض المصادر، فإن تاريخ ظهور الخزر على الساحة التاريخية كانت في نهايات القرن الثاني الميلادي. وفي عام 198 م قام الخزر بمهاجمة أرمينيا مع البرسيلين، وقد حاربوا مع الساسانيين من بداية القرن الثالث إلى أواسط القرن الرابع ضد البيزنطيين، ومن النصف الثاني من القرن الرابع اتبع الخزر سياسة الاستيلاء على أراضي الساسانيين وجيرانهم، وفي هذه المرة تفاهم الخزر مع البيزنطيين، وبدؤوا في محاربة أعدائهم معًا.

[3] دراسة تحليلية في الصراع البيزنطي الساساني حول أرمينية، عبد العزيز بن درويش حكيم، مجلة جامعة الملك سعود، م 4، 1412 هـ/ 1992 م، صـ555.

[4] أطلس تاريخ الإسلام، د. حسين مؤنس، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة ط1، 1407 هـ/1987 م، صـ131، 132.

 [5]أرمينية في التاريخ العربي، أديب السيد، المطبعة الحديثة، سوريا، طـ1، 1972 م، صـ8.

[6] قادة الفتح الإسلامي في أرمينية، اللواء محمود شيت خطاب، صـ21.

[7] الحضارة البيزنطية، ستيفن رنسيمان، ترجمة عبد العزيز جاويد، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1961 م، صـ194.

[8] المسالك والممالك لابن خرداذبة، طبعة ليدن العربية، دار بريل للنشر، 1306 م، صـ122.

[9] الفتوحات الإسلامية لأرمينية، د. فايز نجيب إسكندر، جـ1، القاهرة، 1983 م، صـ27.

[10] الكامل في التاريخ لابن الأثير، دار الكتب العلمية، بيروت - لُبنان، ط.1،  1385 هـ (2/535)، ومعجم البلدان لياقوت الحموي، طبعة القاهرة، 1323 هـ (2/90)، و(3/453).

[11] صفوان بن المعطل: صحابي شهد المريسيع، والخندق، وما بعدها، وكان شجاعًا مقاتلًا فاضلًا، انظر الإصابة (3/251)، والاستيعاب (2/725).

[12] الفتوحات الإسلامية لأرمينية، د. فايز نجيب إسكندر، صـ32.

[13] قادة الفتح الإسلامي في أرمينية، اللواء محمود شيت خطاب، صـ49.

[14] أرمينية في التاريخ العربي، أديب السيد، صـ55.

[15] تاريخ الطبري، دار المعارف- مصر، طـ2- 1967 م (4/157)، الكامل في التاريخ لابن الأثير (3/29).

[16] أطلس تاريخ الإسلام، د. حسين مؤنس، صـ132، 133.

[17] الاستيعاب لابن عبد البر، دار الجيل- بيروت، طـ1، 1992 م (1/320)، وأسد الغابة لابن الأثير، دار الفكر - بيروت، 1989 م (1/375).

[18] مقال منشور على شبكة الألوكة: https://www.alukah.net/culture/0/88770