الاستعمار وإندونيسيا المسلمة (2)مقالات


مقاومة المسلمين للغزوات الاستعمارية التغريبية:

ظهرت حركات مقاومة للبرتغاليين والبريطانيين والهولنديين من جانب مسلمي أندونيسيا، على مر القرون، قدم فيها المسلمون مئات الألوف من الضحايا، وظهرت أسماء مشرفة في حركة الجهاد ضد المحتل الغربي أيًا كانت هويته، ومن ضمن تلك الحركات:

القرن الحادي عشر الهجري:

يعتبر القرن الحادي عشر الهجري (1592 - 1689 م) قرن الصراع بين الاستعمار الغربي وبين المسلمين في أندونيسيا، وتصدرته مقاطعة "آتشيه" بمقاومة البرتغاليين، وبرز من زعمائها السلطان "علي مغايت شاه" الذي هاجم البرتغاليين ليسترد ميناء "باسي" منهم عام 1522 م - 928 هـ[1].

ومن بعده واصل السلطان "علاء الدين" ( 1537 - 1568 م / 944-976 هـ) مقاومة البرتغاليين وحاول استرداد ميناء "ملقا" منهم إلا أنه لم يوفق في ذلك[2].

أما مملكة "ماتارام" فقد قام سلطانها "عبدالرحمن" المعروف بلقبه "سلطان أغونغ" Sultan Agung بمحاربة المستعمرين الهولنديين، وحاول استرداد "جاكرتا" منهم بجيشه المسلم عام 1628 م (1038 هـ)، وعام 1629 م لكنه فشل بسبب انتشار وباء الكوليرا في "جاكرتا"، ورغم تصوفه واعتقاداته الخاطئة عن الإسلام فقد كان مخلصًا في محاولة إخراج الهولنديين من بلاده[3].

وفي مملكة "ماكسّار" تصدى السلطان "حسن الدين" لمحاولة الهولنديين غزو مملكته سنة 1633 م (1042 هـ)، وقد قام الهولنديون بمحاصرة ميناء "ماكسّار" حتى عام 1636 م، إلا أن دفاعات السلطان القوية أحبطت محاولتهم اليائسة دخول "ماكسار"، واضطروا للانسحاب لتصير "ماكسار" أقوى دولة في جزر أندونيسيا الشرقية، مما أدى لتحالف ملوك الإمارات المجاورة مع الهولنديين لشعورهم بالغيرة والخوف، وكان نتيجة الحصار المشترك لمملكة ماكسار من الهولنديين ومملكة "بوني" Bone سنة 1666 م (1077 هـ) أن اضطر السلطان "حسن الدين" لتوقيع اتفاق مع الهولنديين يقضي بانسحاب الماكسّاريين من جزر "مالوكو" و"نوساتينغارا"[4].

ومن أشد حروب المسلمين ضد الهولنديين حرب الأمير "تروناجايا" ابن حاكم جزيرة "مادورة" التابعة لمملكة "ماتارام" عام 1674 م (1085)، وساعده في تلك الحرب الداعية "سونان غيري" من أبرز علماء "جاوة"، و"رادين كاجوران" أحد كبار أمراء "ماتارام"، واستطاع الثوار أن يستولوا على "جاوة" الشرقية، ويهددوا عاصمة "ماتارام"، والتي دخلوها بمساعدة مجاهد قوي آخر هو سلطان "بنتن": "أبي الفتح عبد الفتاح" عام 1677 م (1088 هـ)، لكن تكالب القوى الاستعمارية أدى لفشل الصحوة الجهادية باغتيال الأمير "تروناجايا"، واستشهاد  الداعية "سونان غيري" وأولاده في معركة "سورابايا" عام 1680 م (1091 هـ) لتنتهي أقوى ثورة ضد الهولنديين خلال القرن الحادي عشر[5].

القرن الثاني عشر الهجري:

خلال القرن الثاني عشر الهجري (1689-1786 م) برزت عدة ثورات وانتفاضات ضد التوسع الهولندي بالجزر الأندونيسية، منها: مقاومة "سوراباتي" Surapati في "جاوة الشرقية" وانتهت عام 1706 م (1118 هـ)، ومقاومة ملك "جوا" Gowa في "سولاويسي" الجنوبية عام 1710 م، ومقاومة ملك "ماكسّار" في عام 1776 م (1190 هـ)[6].

القرن الثالث عشر الهجري:

في القرن الثالث عشر الهجري (1786-1883 م) اشتعلت حروب عديدة ضد الاستعمار الهولندي، أهمها حرب "جاوة" من عام 1825 م إلى عام 1830 م (1241-1246 هـ) وكان المجاهدون بقيادة الأمير التقي "عبد الحميد ديبانيغارا" Dipanegara ابن سلطان "ماتارام"، وانتهت الحرب بأسر الأمير عام 1830 م، ونُفِي إلى جزيرة "سولاويسي".

وقد ساند الأمير عدد من العلماء البارزين، الذين جاهدوا تحت لوائه ومنهم: "كياي ماجا" Kiyai Maja، والشيخ حسن بصري[7].

وقامت أيضًا في ذلك القرن حرب "سومطرة الغربية" عام 1821 م (1237 هـ) وانتهت عام 1837 م (1253 هـ) وكان المجاهدون بقيادة "توانكو إمام بونجول" أي: سيدي الإمام في قلعة "بونجول" وهو أحد العلماء المعروفين في "سومطرة" الغربية، وقد انتهت الحرب بتدمير سومطرة بعد سقوط قلعة "بونجول" في أيدي الهولنديين، ونفي زعيمها إلى جزيرة "سولاويسي" الشمالية، وكان من نتائج الحرب التي استمرت خمسة عشر عامًا احتلال سومطرة الغربية بالكامل.

وقد اشتهرت تلك الحروب تاريخيًا بحروب قوم "بدري" Padri War أو "حرب المينانغكابو"، و"بدري" جميعة دينية تأسست قبل وصول الهولنديين، ومعناها "البيضاء" رمزًا لطهارة القلوب والملابس البيضاء التي لبسوها، وعندما نزل الهولنديون البلاد أعلن قوم "بدري" الجهاد، واستطاعوا الانتصار في بعض المعارك حيث أقاموا حكمًا يرأسه ثمانية علماء، ومن أشهر علمائهم الشيخ "مصطفى سحاب"[8].

أما في جزيرة "كاليمانتان" فقد حدثت حرب "بنجر" عام 1859 م (1276 هـ) بقيادة الأمير "أنتاساري" Antasari، وبعد وفاته استمر القتال بقيادة أبنائه ومساعديه، وانتهى القتال عام 1905 م بعد مقتل "غوستي محمد سمان" ابن الأمير "انتاساري"، وآخر قواد المجاهدين في الجزيرة، وقد ساعد أمراء "كاليمانتان" في قتال هولندا كثيرٌ من العلماء المجاهدين منهم: الشيخ الحاج "محمد ياسين"، والقاضي "محمد خالد" وتلاميذهما[9].

القرن الرابع عشر الهجري:

لم يدخل القرن الرابع عشر الهجري إلا وكانت الجزر الأندونيسية جميعها تحت قبضة الاستعمار الهولندي، ولم تبق خارج نفوذها سوى منطقتين كانت روح الثورة فيهما مشتعلة، مقاطعة "آتشيه" و"كاليمانتان" الجنوبية، وقد استسلم سلطان آتشيه عام 1903 م (1321 هـ)، وأما "كاليمانتان" فقد كانت مسرحًا لحرب "بنجر" التي انتهت عام 1905 (1323 هـ) بمقتل زعمائها.

ومع ذلك لم تخب شعلة الجهاد، وقاد حركة المقاومة بعد ذلك مشايخ المعاهد الإسلامية، ومن أبرز ثوراتهم:

• المقاومة الشعبية في منطقة "سيدوهارجو" Sidoharjo في "جاوة الشرقية" عام 1904 م (1322 هـ) والتي تزعمها الشيخ "حسن مؤمن" وانتهت المقاومة في نفس السنة بمقتل زعيمها.

• حركة الحاج "مرزوقي" وزملائه في "شيليغون" Cilegon في "جاوة الغربية" عام 1888 م (1306 هـ).

• حركة الحاج "حسن" في "شيماريمي" Cimareme في "جاوة الغربية" عام 1919 م (1338 هـ).

• حركة "ديرما جايا" Dermajaya أحد زعماء الفلاحين في منطقة "كديري" Kediri عام 1907 م (1325 هـ)، والذي كان يدرس العلوم الإسلامية في بعض المعاهد الدينية في "جاوة الشرقية".

معركة الاستقلال السياسية:

ونتيجة للهزائم المريرة المتتالية قرر العلماء المسلمون حمل راية الدعوة وإنشاء الجمعيات والمعاهد الإسلامية السياسية لمواجهة الهجمة الشرسة للتنصير في أندونيسيا، فأسس الشيخ "محمد هاشم أشعري" جمعية "نهضة العلماء" بعد عام 1926 م[10]، وأسس الشيخ "أحمد دحلان": "الجمعية المحمدية" في عام 1912 م في مدينة "يوجياكرتا" كحركة اجتماعية إصلاحية، وأسس الحاج "عمر سعيد شكرو أمينوتو" حزب "شركت إسلام" أي حزب الاتحاد الإسلامي عام 1914 م، وفي الفترة (1911-1921 م) كان هذا الحزب القوة السياسية الوحيدة التي تمثل المقاومة السياسية الشعبية ضد الاستعمار الهولندي، قبل ظهور الأحزاب القومية والشيوعية على ساحة النضال السياسي[11].

وقد بدأت حركة تقارب وتعاون بين الجمعيات والأحزاب الإسلامية، وتكون منها بين الحربين العالميتين شبه اتحاد باسم "المجلس الإسلامي الأعلى" الذي انشغل بعقد مؤتمرات إسلامية عامة، ومناقشة مسألة الخلافة، وبحلول الحرب العالمية الثانية وقفت اليابان بجانب دول المحور ضد الحلفاء، واتجهت نحو أندونيسيا لتستسلم هولندا في عام 1942 م، وتحل محلها في البلاد، وتشتعل الحركة القومية الأندونيسية وقتذاك، وبسقوط القنبلة الذرية على اليابان، أعلن القوميون الأندنيسيون استقلال بلادهم بعد يومين فقط من استسلام اليابان عام 1945 م، ولم تعترف هولندا باستقلال أندونيسيا وحكومتها الوطنية سوى عام 1949 م، حيث تنازلت هولندا عن كل الجزر الأندونيسية عدا غينيا الجديدة[12].

 

• بدأت الأطماع الغربية في أندونيسيا المسلمة بقدوم البرتغاليين ومن بعدهم الهولنديين واحتلالهم أندونيسيا من عام 1512 م حتى عام 1945 م.

• كان من أهم أهداف الاستعمار: حركة التنصير لشعب أندونيسيا المسلمة، وعلمنة التعليم، وتغريب القوانين والعادات الاجتماعية.

• ظهر التكامل بين أمراء السلطنات الإسلامية والعلماء في مقاومة الاستعمار الهولندي بأندونيسيا، بل وكان هناك كثير من الأمراء العلماء المجاهدين طيلة حرب التحرير التي استمرت ثلاثة قرون ونصف.

• ما زالت آثار الاستعمار في أندونيسيا المسلمة في العصر الحديث بمثابة تركة الماضي البغيض، والتي صبغت حاضر أندونيسيا بإثارة النعرات المذهبية والقبلية، ونشوء فكرة القومية.

 


[1] التبشير وآثاره في أندونيسيا في القرن الرابع عشر الهجري، مغفور عثمان، صـ43.

[2] التبشير وآثاره في أندونيسيا في القرن الرابع عشر الهجري، مغفور عثمان، ص46.

[3] التبشير وآثاره في أندونيسيا في القرن الرابع عشر الهجري، مغفور عثمان، صـ52، 53.

[4] التبشير وآثاره في أندونيسيا في القرن الرابع عشر الهجري، مغفور عثمان، صـ71-76.

[5] حرب تروناجايا، ف. سوشيبتو، ضمن كتاب: تاريخ المقاومات المسلحة ضد الاستعمار، المحرر: د. سارتونو كرتوديرجو (بالأندونيسية)، أندونيسيا، 1973 م، صـ7-8.

[6]  التبشير وآثاره في أندونيسيا في القرن الرابع عشر الهجري، مغفور عثمان، ص78.

[7] أندونيسيا، محمود شاكر الحرستاني، صـ43.

[8] أندونيسيا، محمود شاكر السوري، صـ43.

[9] التبشير وآثاره في أندونيسيا في القرن الرابع عشر الهجري، مغفور عثمان، صـ83.

[10] الحركة الإسلامية الحديثة في أندونيسيا، ديليار رنور، جاكرتا، 1981 م، صـ183-184.

[11] التبشير وآثاره في أندونيسيا في القرن الرابع عشر الهجري، مغفور عثمان، ص 402.

[12] أندونيسيا، محمود شاكر السوري، صـ49-57.