مسلمو أستراليا وخطر ذوبان الهويةمقالات

أحمد أبو زيد محمد

المصدر: موقع مداد، 08-11-2007م.

 

المسلمون في أستراليا أحد التجمعات الإسلاميّة الهامّة في الخارج، وهذه الأقلية لها وضعها المتميّز ودورها الفعّال، والإسلام في أستراليا له وجود ظاهر وضارب في القدم، فالمساجد شُيّدت هناك قبل دور العبادة الأخرى، وهي قديمة وتاريخيّة، بُنيت في غرب أستراليا مع بداية اكتشاف الإنجليز لهذه القارة، وعدد المساجد كان في عام 1982م لا يتجاوز 20 مسجداً، بينما وصل الآن إلى مئات المساجد والمراكز الإسلاميّة التي تؤدي دورها في المجالات الدينيّة والدنيويّة، وإرشاد المسلمين لما فيه الخير.

فعندما اكتشف الإنجليز أستراليا منذ قرابة 200 سنة استعانوا ببعض الأفغان الذين يجيدون رعاية الإبل ليساعدوهم في اكتشاف المناطق المجهولة في القارة الواسعة، وكان من بين هؤلاء الأفغان سبعة مسلمون يرجع الفضل إليهم - بعد الله - سبحانه - في انتشار الإسلام بالقارة، وقد تكاثر المسلمون وبنَوا لأنفسهم مسجداً في مدينة "أولايد" جنوب أستراليا عام 1889م، إلا أنّ هؤلاء المسلمين بدؤوا في الذوبان في المجتمع الأسترالي، ولم يجدوا ما يقاومون به التيار الغربي والمجتمع الأسترالي صاحب العادات والتقاليد البعيدة عن الإسلام.

مسلمون مهاجرون

وفي بداية الستينات من القرن العشرين فتحت أستراليا باب الهجرة أمام العرب والمسلمين، فهاجر إليها أعداد كبيرة من لبنان وفلسطين ومصر وتركيا وإيران ويوغوسلافيا بحثاً عن الرزق، وقد تمكن هؤلاء في ظلّ الحريّة المكفولة لهم، من نشر الإسلام وتثبيت أركانه حتى وصل عدد الجالية المسلمة هناك اليوم إلى 650 ألف مسلم، مكونة من سبع عشرة جنسيّة، أكبرها تعداداً الجالية اللبنانيّة ثم التركيّة ثم الباكستانيّة والإندونيسيّة والمصريّة والماليزيّة وغيرها من الجنسيّات الإسلاميّة، ويتركز قرابة 80% من المسلمين في مدينتي سيدني ومالبورن.

ومن هنا فإن معظم المسلمين الموجودين هناك هم من المهاجرين الذين قدموا من المنطقة العربية وجنوب شرق آسيا، وقد اهتمت كل جنسيّة بالمحافظة على هويّتها بعدة طرق مثل: إنشاء المدارس والجمعيّات الإسلاميّة، كالجمعيّة الإسلاميّة التركيّة، والمصريّة، والهنديّة. ويمثل هذه الجمعيّات على مستوى الولاية مجلس إسلاميّ يضمّ مندوبين عن هذه الجمعيّات، وعلى مستوى أستراليا كلها يجمع هذه المجالس مجلس أعلى هو "الاتحاد الأسترالي للمجالس الإسلاميّة" الذي يعتبر الممثل الرسمي لعموم المجالس الإسلاميّة لدى الحكومة الأستراليّة، ويحصل على إعانات حكوميّة لتنمية المجتمع الإسلاميّ هناك، كتعيين الأئمة وصرف رواتبهم، والمساهمة في بناء المساجد والمدارس، والقيام ببعض الأنشطة الإسلاميّة للطلاب المسلمين داخل المدارس الأستراليّة.

وبالإضافة إلى هذه المجالس هناك عدة جماعات إسلاميّة تحاول المحافظة على الهويّة الإسلاميّة، على رأسها "جماعة التبليغ والدعوة" التي تتخذ من المساجد مركزاً لنشاطاتها، وهناك كذلك "اتحاد الجماعة الإسلاميّة"، وكان يُعرف قبل عدة سنوات بالاتحاد الأسترالي لجمعيّات الطلاب المسلمين، ويتكون في أغلبه من جمعيّات الطلبة المسلمين في المدارس والجامعات الأستراليّة، وبالأخص الطلاب الماليزيين. ولهذه الجماعة أنشطة متعددة خاصة في مجال إحياء المناسبات الدينيّة داخل المجتمعات الطلابيّة.

ومن المشكلات التي تواجه تلك المجالس والجماعات ضعف التنسيق والتعاون المشترك فيما بينها، وتقوقع كل جنسيّة على نفسها إلى حد كبير. إضافة إلى ذلك هناك مشكلة ضعف الكوادر الإسلاميّة المؤهلة للعمل في المجال الدّعوي، خاصة تلك التي تتقن اللّغة الإنجليزيّة حتى تتمكن من تعليم مبادئ الإسلام واللغة العربيّة للأجيال المسلمة التي تعاني ضعفاً شديداً في ذلك.

مشكلة ذوبان الهويّة

ورغم أن أستراليا أرض خصبة صالحة للدّعوة الإسلاميّة، فإن الأقليّة المسلمة هناك تعاني من مشكلة الهويّة والثقافة الإسلاميّة المعرّضة للذوبان، وخاصة لدى الجيل الثاني من أبناء المسلمين حيث إن القانون الأسترالي يمنع قِوامة الأسرة على الأبناء في حال بلوغ الواحد منهم السادسة عشرة من العمر، حيث يمنح مرتباً شهرياً ليتمكن من العيش منفرداً بعيداً عن الأسرة، والمرأة لها حقّ الحصول على الطلاق بغير علم زوجها ورضاه، والقانون يسمح بزواج الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، ولهؤلاء الشواذ نقابتهم ومؤسساتهم، ويتم تدريس مادة الجنس "الثقافة الجنسيّة " في المدارس الثانوية، هذا إلى جانب الإعلام بكل ما فيه من مساوئ وإباحيّة… فكل هذه عوامل جذب واستقطاب للجيل الثاني في بلاد المهجر، وهي بلا شك مخاطر تهدد الأجيال المسلمة بالضياع والانحلال الأخلاقيّ والاجتماعيّ.

توعية الأجيال المسلمة

وعلى حد قول مفتي المسلمين هناك الشيخ تاج الدين الهلالي، فإن المؤسسات الإسلاميّة وعلى رأسها دار الإفتاء والدعوة، والاتحاد الإسلاميّ، والمجالس الإسلاميّة والجمعيّات تبذل أقصى جهدها في نشر الدعوة الإسلاميّة، ومواجهة هذه المخاطر وتوعية الأجيال المسلمة، وذلك عن طريق إحياء دور المسجد وزيادة عدد المدارس الإسلاميّة، والحضور الإسلاميّ في وسائل الإعلام والإذاعات الإسلاميّة التي بدأت تنتشر وخاصة في مدينة سيدني، وكل هذه محاولات تحتاج إلى الدعم والرعاية من الدول والهيئات الإسلاميّة وعلى رأسها الأزهر الشريف ورابطة العالم الإسلاميّ بمكة المكرّمة.

ويؤكد المفتي أنّ المسلمين في أستراليا من أفضل الجاليات المهجريّة في الغرب وأقلّها أمراضاً، فقد رفضنا استيراد الخلافات المذهبيّة التي حاول البعض فرضها علينا، ووقفنا في وجه الصّراعات السياسيّة التي تفرق المسلمين، من منطلق أنّ عزة المسلمين تتوقف على وحدتهم وتماسكهم.

والتنظيم الرسمي للمسلمين في أستراليا يبدأ بالجمعيّات الإسلاميّة الرسميّة التي تمثل الجاليات والمناطق، ومن مجموع هذه الجمعيّات التي تزيد عن الخمسين يتكون المجلس الإسلاميّ لكل ولاية، ومن مجالس الولايات يتكون الاتحاد الأسترالي للمجالس الإسلاميّة، وهو الممثل الرسمي للمسلمين هناك.

وهذا الاتحاد الإسلاميّ يشرف على المدارس الإسلاميّة، ويتعاقد مع الأئمة للعمل داخل أستراليا، ويعبر عن موقف الجالية من القضايا المحليّة والخارجيّة، كما يشرف على الذّبح الحلال، وعلى تصدير اللّحوم للدّول الإسلاميّة، وكذلك يقوم بترشيح المفتي، ويعرض الترشيح في الاجتماع العام للكونجرس الإسلاميّ الذي يضم رؤساء الجمعيّات الإسلاميّة في كل الولايات والجزر التابعة لأستراليا حيث يتمّ اختيار المفتي.

أما المساجد في أستراليا فقد وصل عددها حاليا إلى (310) مساجد ومراكز إسلامية، وزاد عدد المدارس الإسلاميّة الخاصة، وأسس أول برلمان أسترالي للشباب المسلم، ويجري العمل حالياً في إنشاء أول كلية للدعوة الإسلاميّة وأول نادٍ, رياضيّ ثقافيّ.

وهناك مساجد قديمة تحمل تاريخاً يعود إلى أكثر من مائة سنة، وقد تحول بعضها إلى آثار تاريخيّة، وسقط بعضها الآخر، وتهدّم باستثناء ما اهتم المسلمون بترميمه.

ومكتب الإفتاء في أستراليا يقدم خدماته المختلفة في المجالات الدعويّة والاجتماعيّة والفكريّة والسياسيّة، بالإضافة إلى توثيق عقود الزواج ومواثيق الإرث، والزواج، والطلاق، وزيارة المدارس، والجامعات، والتصدي للحملات المغرضة، وإقامة المعسكرات الشبابية، كما أنّ الحكومة الأستراليّة استجابت لطلب دار الإفتاء بتخصيص مقبرة للمسلمين، ليدفنوا فيها موتاهم حسب الشريعة الإسلاميّة.

مستقبل الدعوة الإسلاميّة

ومستقبل الدعوة الإسلاميّة في أستراليا يبشر بالخير إلى حد كبير، فأستراليا قارة تتبنى سياسة التعدّد الحضاري الثقافي، ورغم كثرة الأديان هناك إلا أنّ الحكومة لا تعترف إلا بالمسيحيّة والإسلام واليهوديّة والبوذيّة. والتعدّد الحضاري والثقافي، ووجود حريّة العبادة يعطي المجال للداعية الإسلاميّ لنشر الدين الحنيف والعلوم والمفاهيم الإسلاميّة بين السكان، خاصة مع حرية العمل الدعوي، ووجود التآلف بين جميع المسلمين، وتوحيد طوائفهم لخدمة الإسلام والمسلمين، ونشر الدعوة، ولذلك تعتبر أستراليا من أفضل وأنسب بلاد العالم صلاحيّة وخصوبة وملاءمة لبيئة الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى -، وهي تشهد بفضل الله - تعالى -صحوة دينيّة دعويّة فكريّة قلما تشهدها دولة من الدول، وهذه الصحوة أثمرت عن زيادة المقبلين على الإسلام الذين يتزايد عددهم كلّ يوم.

فآلاف الأستراليّين دخلوا الإسلام، وحسُن إسلامُهم، وازداد يقينهم بالله على الرغم من شدة التحدّيات الصليبيّة والصهيونيّة في مواجهتهم، وأعداد هؤلاء تزداد يوماً بعد يوم ببركة الإسلام، وجهود الدعوة، وهم يعتزون بإسلامهم، وقد أصبحنا نرى المرأة المسلمة تسير في شوارع أستراليا ملتزمة بالزيّ الإسلاميّ بكل عزة وفخر بعد أن كانت تستحي من إظهار إسلامها، ومع هذه الصحوة الإسلاميّة زاد الإقبال على المساجد، وخاصة المركز الإسلاميّ في "سيدني"، وهناك آلاف المصلين رجالا ونساء يشاركون في صلاة الجمعة، ويحرصون على حضور الدروس الدينيّة.

8 شخص قام بالإعجاب