سعى المؤلف من خلال هذا الكتاب إلى أن يسجل بشكل موجز شيئًا عن تاريخ المسلمين في الإمبراطورية الروسية، موضحاً حقيقة الأجزاء التي تخص الروس وقبائلهم، ثم حربهم للمسلمين، وسيطرتهم على أمصار إسلامية واسعة واستعمارهم لها، وبقاء هذا الاستعمار حتى اليوم مع حرب دائمة ضد الإسلام وأهله، وما يعانيه المسلمون اليوم هناك، وما هي بلدانهم وأحوالهم في الوقت الحاضر.
إن كلمة "إمبراطورية" كلمة أجنبية وتعني سيطرة شعب على شعوبٍ أخرى، وتسخير هذه الشعوب، وخيرات بلادها كلها لمصلحة الشعب المسيطر وأهله. ففي الإمبراطورية الروسية سيطر الروس على شعوبٍ كثيرة منها التتار، والترك، وشعوب القفقاس، وهذه كلها شعوب إسلامية إضافة إلى شعوب ثانية تخضع مثلها للروس. فقبل الثورة الشيوعية كان يطلق على روسيا اسم "الإمبراطورية الروسية" فلما قامت الثورة تبدل اسمها وصارت الاتحاد السوفييتي تغير نظام الحكم، وتبدلت مراكز القوة، وساد نظام اقتصادي غير الذي كان من قبل، أما سيطرة الروس على بقية الشعوب فقد استمرت، واستمر معها الروس يستغلون خيرات أراضي الشعوب لمصلحتهم، فنعم الروس بالسيطرة وبالرفاهية على حساب تلك الشعوب المستضعفة الصغيرة. من هنا فإن المعرفة الجامعة والدراسة الإجمالية تضيع معها البقاع الصغيرة، والمعرفة بالبلدان الإسلامية لا تتجاوز ذلك عن الإمبراطورية الروسية كما لا تتعدى الدراسة ذلك. وتساؤلات تطرح عن حال المسلمين في تلك البقعة من العالم، فهل بقي المسلمون الذين يخضعون لنير السيطرة الإلحادية كواقعهم في الإمبراطورية الروسية وغيرها، على شيء من عقيدتهم أم انحرفوا عنها تماماً وابتعدوا ما تمليه عليهم الشيوعية بآرائها وأفكارها وحربها للإسلام خاصة؟ والواقع أن الجواب أمر صعب إذ الحكم على عقيدة أناس يصلت السيف على رقابهم لترك هذه العقيدة لا يمكن أن يكون دقيقاً، وإن كانت هناك مؤشرات تنفي ذلك الانحراف عن جماعات وتؤيده على أخرى. إلا أن الحكم يكون صحيحاً عندما يزول الطغيان. ويعطوا الحرية الدينية. ومن خلال أحداث التاريخ المعاصر كانت الوقائع كلها إيجابية عندما منحوا شيئاً من الحرية الدينية في سبيل استغلال الوقت، وكسب المسلمين إلى جانب المتسلطين، أو ظناً من الطغاة من أن أثر الدين الإسلامي قد زال من نفوس من يتسلطون عليهم. إلا أنه وما كان من نتائج إيجابية لمصلحة الإسلام قد أذهلت الطغاة الأمر الذي يجلعهم في كل مرة ينقضون ما أعطوه ويزيدون من شدة بغيهم وظلمهم، وضغطهم، والتنكيل بمن يشتم منه رائحة التدين والعمل للإسلام أو الدعوة إلى الترابط على أساس العقيدة.
من هنا رأى مؤلف هذا الكتاب أن من واجبه توضيح ذلك كله، وإن كان من أوائل الذين نبهوا إلى دراسة المسلمين الذين أغفلهم إخوانهم، وهم الذين يخضعون للسيطرة الروسية، ويعيشون وراء الستار الحديدي مصدراً كتابه "تركستان الغربية" ليتبعه بكتاب "قفقاسيا" وكتاب "المسلمون تحت السيطرة الشيوعية". وكلها تكررت طبعاتها.
ويأتي هذا الكتاب الذي حاول من خلاله أن يسجل وبشكل موجز شيء عن المسلمين في الإمبراطورية الروسية موضحاً حقيقة الأجزاء التي تخص الروس وقبائلهم، ثم حربهم للمسلمين، وسيطرتهم على أمصار إسلامية واسعة واستعمارهم لها، وبقاء هذا الاستعمار حتى اليوم مع حرب دائمة للإسلام وأهله، وما يعانيه المسلمون اليوم هناك، وما هي بلدانهم وحالتهم فيها في الوقت الحاضر، وذلك كي يتبين القارئ حقيقة الأمر، فيستطيع المقارنة بين الواقع وبين ما كتبه الناس دعاية أو خداعاً أو جهلاً.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.