النقود العربية في العصر الإسلاميمقالات

د. سيدة إسماعيل كاشف

المصدر: مجلة البيان الكويتية – العدد 27 – بتاريخ 1 يونيو 1968 – (ص26 – 27).

 

كان اختراع النقود من أعظم الأمور التي اهتدى إليها الإنسان منذ العصور القديمة، شأنه في ذلك شأن اختراع أحرف الكتابة، أو استكشاف كيفية إشعـال النار. ولا شك أن تطور المجتمعات البشرية، جعل من العسير على الإنسان أن يلجأ دائما إلى نظام المقايضة أو أن يستمر هذا النظام بما فيه من عيوب. ولعل سك النقود هو أهم حادث تاريخي أعقب اختيار المعادن النفيسة للتداول أما النقود والنقد فقد جاء في لسان العرب: النقد والنقاد تمييز الدراهم وإخراج الزيف منها، وقيل: النقد مصدر نقدته دراهمه ونقدت له الدراهم أي اعطيته فانقدها، أي قبضها. ونقدت الدراهم وانتقدتها: إذا أخرجت منها الزيف.

ويشبه العرب الدينار بالشمس، والدرهم بالبدر. وفي ذلك قال الشاعر:

 ويظلم وجه الأرض في أعين الورى  بلا شمس دينـار ولا بـدر درهم

ومنه كذلك تسمى الرجال بالدرهم والدينـار. ومن مشاهير الرجال، الجعد بن درهم، مؤدب مروان بن محمد آخر خلفاء الدولة الأموية في المشرق والذي ينسب إليه فيعرف باسم مروان الجعدي. وكذلك من مشاهـير الرجال عيسى بن دينار فقيه الأندلس المالكي الشهير على عهد عبد الرحمن الداخل الأموي وابنه هشام. ويعتبر علم النقود من أهم فروع علم التاريخ، ودراسة النقود الإسلامية من بين الدراسات المختلفـة التي تؤلف علم الآثار الإسلامية والتي يجب أن يستخدمها المؤرخ إذا أراد أن تكون بحوثه في تاريخ العرب والمسلمين أقرب إلى الكمال. وكان ضرب النقود في ديار الإسلام من اختصاص رئيس الجماعة السياسية من خليفة أو سلطان أو أمير الذين يمثلونه من الولاة والحكام. ولذا فإننا ندر الكتابات المنقوشة على السكة، القـبـاب الأمراء والحكام، وتاريخ الضرب، وبعض عبارات خاصـة بالمذهب الديني، كما أنها تبين تبعية الولاة للخلافة أو استقلالهم عنها، ومدى هذا الاستقلال.

 

كذلك يتضح لدى دراستنا للنقود المواد التي اتخذت منها النقود، والموازين، والمكاييل، والأثمان كما تكشف السكة الإسلامية عن أسماء مدن كانت تضم دورا لضرب النقود مما يشهد بما كان لهذه المدن من شأن إداري كبير.

ولا شك أن قيمة النقود التاريخية كبيرة وذلك لأنها وثائق صحيحة وقديمة ورسمية وليس من السهل الطعن فيها.

والحق أن دراسة النقود الإسلامية تكشف للباحث كثيرا من الحقائق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية في التاريخ الإسلامي. فدراسة النقود الإسلامية ترتبط بالزكاة والصداق وغير ذلك مما يهتم به المجتمع الإسلامي وتهتم به الدراسات الفقهية الدينية كذلك تكشف دراستنا للنقود الإسلامية عن الكثير من الحقائق الاقتصادية في التاريخ الإسلامي.

والمعروف أن دراسة النقود من الدراسات الهامة جدا التي تفيد الاقتصاديين وعلماء الاقتصاد. ولا شك أن للنقود دورا أساسيا في النظام الاقتصادي، وأول ذلك هو توسيع نطاق التبادل بحيث يساعد ذلك على تقسيم العمل والتخصص في الانتاج بطريقة مثلى. فالنقود تستمد أهميتها من طبيعة توفرها على خدمة الاقتصاد القومي في مجموعه، فهي في ذاتها مثل المعادن النفيسة لا تستطيع ان تطعمنـا تكسونا أو توفر لنا المأوى، وانما يهيئ استعمالها بلوغ اقصی درجات تقسيم العمل والتخصص في الانتاج بحيث يترتب على ذلك زيادة كفاءة الاقتصاد القومي في انتاج السلع والخدمات التي يتسنى بها اشباع الحاجات الأساسية وغير الأساسية للأفراد. ويجدر بنا ان نشير إلى الكنوز الوافرة من النقود الإسلامية التي عثر عليها في الروسيا وفنلندة والسويد والنرويج وفي سويسرا وجزيرة أيسلندا والجزر البريطانية. وترجع قطع العملة المذكورة إلى الفترة الواقعة بين نهاية القرن الأول وبداية الخامس بعـد الهجرة (أو بين القرن السابع وبدايـة الحادي عشر الميلادي). وليس معنى ذلك ان كثيرا من التجـار المسلمين أنفسهم وصلوا إلى أيسلندا أو النرويج أو الجزر البريطانية، ولكن كتب الرحلات وتقديم البلدان عند المسلمين تشير إلى ترددهم على جنوبي الروسيا، وإلى وصولهم أوروبا الوسطى، ويشهد ذلك كله بما كان للمسلمين من سيادة تجارية في تلك البقاع. ولم يكن للعرب في شبه الجزيرة العربيـة نقود خاصة بهم حين ظهر الإسلام. فكانوا يتعاملون بالدراهم الفضية الساسانية، والدنانير البيزنطية الذهبيـة.

ولا شك أن تعاملهم بنقود الفرس والبيزنطيين يرجع إلى مجاورتهم لهاتين الدولتين، وإلى رحلاتهم التجاريـة العديدة.

ومع ذلك فقد كانت هناك نقود عربية متداولة بين العرب في الجاهلية في أطراف شبه الجزيرة العربية وفي نطاق ضيق جدا، مثل نقود اليمن الحميرية، ونقود الأنباط، ونقود دولة تدمر لكن النقود العربية التي ظهرت في أطراف شبه الجزيرة العربية كانت مقتبسة من نقود الإغريق والرومان، وكان النقد المتداول بـين العرب في شبه الجزيرة قبيل ظهور الإسلام هو الدينار البيزنطي والدراهم الفارسية الفضية.

واشتهر عند العرب الدينار الهرقلي، فكانت دنانير هرقل ترد على اهل مكة في الجاهلية. وكـان ذهب الدينار الهرقلي من أحسن الذهب، وشكله بديعا حسنا، ومنه قول الشاعر في صبيان النصارى:

كأن دنـانيرا عـلى قسمـاتهم  وإن كـان قـد شف الوجوه لقـاء

وكما استعمل العرب الدينار البيزنطي، نقلوا اسمه من اليونانية اللاتينيـة Denarius Aureus أو Denarius، فأطلقوا عليه اسم الدينار أو الدينر (من غير ألف). وورد لفظ دينار في القرآن الكريم، ففي سورة آل عمران الآية 75: ((ومن أهل الكتاب مَن إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون). وكان الدينار يزن مثقالا من الذهب أي 4،265 من الغرامات أو 66 حبة، وهذا الوزن هو وزن السوليدس Solidus أو Denarius وهـو النقد الذهب أو الدينار البيزنطي الذي كان شائعا في بيزنطة قبـل الإسلام. وكانت زنة المثقال اثنين وعشرين قيراطا الا كسرا كما يذكر البلاذري، أو الا حبة كمـا يذكر المقريزي. وكان كل عشرة من أوزان الدراهم سبعة مـن أوزان الدنانير أي ان وزن الدرهم كان 2،985 مـن الغرامات.

 ويذكر المقريزي أنواعا مختلفة من الدراهم الفضية الساسانية التي شاعت عند العرب قبيل الإسلام ونستنتج مما ذكره المؤرخون القدماء أن الدنانير قبـل الإسلام كانت ثابتة الوزن وكان الدينار يزن مثقالا، أما الدراهم فكانت متنوعة كما كانت أوزانها تختلف حسب أنواعها وكان العرب قبل الإسلام يتعاملون بالنقود بالوزن بحساب المثاقيل وذلك باعتبارها تبرا، اي مادة من ذهب أو فضة، ولا يقبلون التعامل بها بالعد، ويغضون النظر كونها نقودا مضروبة. ولعل عذر العرب في التعامل بالنقود وزنا وليس عدا، هو تنوع الدرهم وأوزانه، أما الدنانير فمع أنها كانت ثابتة الوزن والقيمة إلا قد ينقص وزنها بسبب التداول أو التزييف وكان العرب يطلقون على نقود الذهب كلمة ((العين)) وعلى نقود الفضة كلمة ((الورق)) واستمرت هذه التسمية بعد الإسلام.