تركستان الشرقية: القضية المنسيةمقالات

ثائر منيب الدندح

المصدر: موقع مجلة البيان: 25/ 4/ 2016م.

 

ربما قليل من المسلمين من يسمع عن تركستان الشرقية التي تئن تحت الاحتلال الصيني الشيوعي الذي يمارس بحق طائفة المسلمين مختلف السياسات القمعية والأساليب الوحشية لمحو إسلامية الأرض والبشر وطمس كل معالم الإسلام ليل نهار تحت سمع وبصر المجتمع الدولي الذي لم يحرك ساكناً كالعادة.

خلفية تاريخية:

تركستان مصطلح تاريخي يتكون من مقطعين "ترك" و "ستان" ويعني أرض الترك، يحدها من الشمال الغربي ثلاث جمهوريات إسلامية هي: كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، ومن الجنوب: أفغانستان وباكستان والهند، ومن الشرق إقليم التبت.

وتبلغ مساحتها حوالي 1,664 كم2 وتأتي في الترتيب التاسع عشر بين دول العالم من حيث المساحة؛ إذ تعادل مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا، وتشكل خمس المساحة الإجمالية للصين.

وقد فُتحت تركستان على يد القائد المسلم قتيبة بن مسلم الباهلي، ويتكون سكانها المسلمون من أجناس مختلفة: كالإيغور والتركمان والقازاق والأوزبك والتتار والطاجيك ونسبة المسلمين فيها حوالي 95%.

وقد أطلق الصينيون على (تركستان الشرقية) اسم (سكيانج)، وتعني الوطن الجديد أو المستعمرة الجديدة. والمسلمون في تركستان الشرقية كلهم سُنَّة أحناف؛ فقد عُرف الإسلام هناك -على وجه التحديد عام 96هـ وازدادت قوته وانتشر انتشاراً واسعاً بعد اعتناق "سلطان ستوق بوغرا عبد الكريم خان الإسلام.

عاصمة تركستان هي مدينة "كاشغر"، وهي أشهر مدن تركستان، ويتكلم سكانها اللغة التركية واللغة المفروضة عليهم من قبل المحتل وهي الصينية. كما ينسب إلى كاشغر علماء كثيرون، منهم أبو المعالي طغرل شاه محمد بن الحسن بن هاشم الكاشغري الواعظ وكان عالماً فاضلاً.

استولى الصينيون على تركستان الشرقية سنة (1174هـ - 1760م) بعد أن ضعف أمر المسلمين بها، وتعرضت تركستان الشرقية لغزوات صينية عديدة وقامت في تركستان الشرقية ثورات عارمة ضد المحتلين.

سياسة الشيوعين في تركستان:

كان عدد المسلمين في تركستان الشرقية عندما سيطر الشيوعيون عليها حوالي 3 مليون مسلم، وعدد المساجد يزيد على 2000 مسجد. بدأ الشيوعيون احتلالهم بارتكاب مذابح رهيبة، أعقبها عملية احتلال استيطاني واسعة، وألغى الصينيون الملكية الفردية، واسترقوا الشعب المسلم، وأعلنوا رسميّاً أن الإسلام خروج على القانون، ومنعوا السفر خارج البلاد أو دخول أي أجنبي إليها، وألغوا المؤسسات الدينية، وهدموا أبنيتها، واتخذوا المساجد أندية لجنودهم، وغيَّروا الأبجدية الوطنية بحروف أجنبية، وجعلوا اللغة الصينية هي اللغة الرسمية، واستبدلوا بالتاريخ الإسلامي تعاليم "ماوتسي تونج"، وأرغموا المسلمات على الزواج من الصينيين، ولما قامت الثورة الثقافية في الصين زاد الأمر سوءاً، وزادت حدة اضطهاد المسلمين، وكان ضمن شعارات الثورة: "ألغوا تعاليم القرآن".

ورغم هذا الكبت والاضطهاد فقد استمرت ثورات المسلمين التي تعمل الصين على إخفاء أنبائها عن العالم، ومنها ثورة (1386هـ - 1966م) في مدينة "كاشغر"، التي حاول فيها المسلمون أداء صلاة عيد الأضحى داخل أحد المساجد، فاعترضتهم القوات الصينية وارتكبت في حقهم مذبحة بشعة. وأقوى ثوراتها كانت الثورة الإسلامية التي انطلقت بقيادة علي خان عام (1364هـ - 1994م) وأعلن استقلال البلاد، غير أن روسيا والصين تعاونتا على إحباط هذا الاستقلال.

 تسعى الآن السلطات الصينية بشتى الوسائل للقضاء على الشعب الإيغوري؛ فتعامل النساء الإيغوريات في القرى كالمساجين، وتجري لهن عمليات تعقيم، وقد توفِّي كثيرات منهن بسبب نقص الإمكانيات والوسائل الطبية، وتواضُع مستوى الأطباء في مستشفيات القرى كما تمنع الصين سفر الإيغور - خاصة الشباب - إلى الخارج خوفاً من انضمامهم إلى الجماعات والمنظمات التي تكافح ضد الاحتلال الصيني وتسعى للاستقلال. كما مارست عدداً من السياسات الجائرة على مسلمي تركستان، منها التذويب العرقي والتجارب النووية وترويج المخدرات والإيدز.

أبرز مظاهر الاضطهاد الديني:

مارست السلطات الصينية كافة أنواع الاضطهاد على المسلمين، ومن أبرزها:

- حظر التعليم الإسلامي في المساجد تماماً؛ حيث أخذت السلطات الصينية تعهدات خطية مشددة من أئمة المساجد بعدم تجميع أطفال المسلمين وتعليمهم علوم الإسلام في المساجد.

- منع بناء المساجد.

- منع رفع الأذان من مكبرات الصوت.

- منع طبع الكتب الإسلامية أو إدخالها إلى تركستان.

- منع نشر المقالات الإسلامية في الصحف أو إذاعتها في الراديو والتلفزيون.

- منع استخدام الأحرف العربية في الكتابة.

- تطبيق قوانين أحوال شخصية تخالف أحكام الشريعة.

- إخضاع المدارس للمناهج التعليمية الصينية دون اعتبار للخصوصية الدينية والعرقية.

ما هو المطلوب من العالم الإسلامي؟

إن واقع المسلمين في تركستان الشرقية، ومثلها عدد من الدول التي تعاني منها طائفة المسلمين تقتضي التحرك الجاد من قبل العالم الإسلامي لإنقاذ المسلمين من هذا الجبروت والظلم الممارس عليهم في تلك الدول، ولعل أهم ما يجب أن تعمله دول العالم الإسلامي أمام قضية تركستان الشرقية ما يلي:

1- الفهم الصحيح للقضية والإلمام بجذورها التاريخية ومراحل تطورها.

2- التحرك بسرعة وخصوصاً من الناحية الإعلامية، وذلك بالتوعية والتثقيف وإلقاء الضوء على هذه القضية لوضعها في بؤرة اهتمام الرأي العام؛ حيث إن ما يحدث في تركستان الشرقية من ظلمٍ لا يقل عما يحدث في فلسطين والعراق.

3- الإعانة المادية لدعم أعمال المقاومة الشعبية في تركستان وذلك بعمل صندوق لدعم تركستان أو عن طريق التبرع لهيئات الإغاثة.

4- المواقف الإيجابية تجاه الدولة الصينية بمقاطعة منتجاتها مثلاً، ولنتخيل الضرر الواقع عليها إذا ما قاطعها العرب والمسلمون الذين يمثلون سوقاً رئيسية للمنتجات الصينية.

5- الدعاء لهم بالنصر والتثبيت والتمكين: 

وبشكل عام ورغم ما يعانيه المسلمون هناك من أهوال وظلم فما يزال المسلم متمسكاً بدينه صابراً على الأذى ثابتاً على التوحيد مقاوماً لكل الأساليب التعسفية التي ترتكبها الصين تجاههم.

إن هذا الثبات وهذه المقاومة يجب أن تشكل الحافز والدافع لكل مسلمي العالم للتحرك بسرعة لإنقاذ إخواننا هناك وإعادة حقوقهم وكرامتهم التي سلبت منهم. وإعادة مجدنا وتاريخنا التليد ونعود كما كنا خير أمة أخرجت للناس.