رسالة من أفريقيامقالات

الأستاذ طلعت غنام - توجو

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي – العدد 27 – السنة 3 – ربيع الأول 1387 – يونيو 1967 – الصفحة 70

توجلاند التي أصبحت توجو

 

لمإذا يحرم المسلمون لعب الكرة في توجو؟ لمإذا كان الذهاب إلى دور التعليم من المحرمات؟ ما هي ثقافة المسلمين في توجو؟ كيف يختار المسلمون نوابًا عنهم غير مسلمين؟.

موقعها

يحسن بنا قبل الحديث عن جمهورية التوجو، وأحوالها الداخلية، أن نأخذ فكرة عابرة عن موقع هذه الجمهورية المغمورة، جمهورية التوجو تقع في غرب أفريقيا على ساحل المحيط الأطلنطي جنوبا، مما يجعل مناخها في غاية الجمال والاعتدال، الأمر الذي تنفرد به عن سائر الدول المجاورة لها الشديدة الحرارة.

ومما يزيد في أهمية موقعها توسطها المجموعة من الدول الأفريقية الأخرى الحديثة الاستقلال، مما يجعل تمرکز الدعوة الإسلامية فيها على جانب كبير من الأهمية، خاصة إذا علمنا أن الحدود هناك مفتوحة بين تلك البلدان، مما يسهل مهمة الداعي في التنقل لنشر دعوته، أو ذهاب طلاب العلم إليه من كل فج ومكان.

فهي تقع بين جمهورية غانا غربا، وجمهورية الداهومي شرقا، وجمهورية فولتا العليا شمالا، ومع ذلك فهي على قرب واتصال دائم مع جمهوريات النيجر، وساحل العاج ونيجيريا، حيث المواصلات متوفرة وسهلة لكل شخص. ولهذا نجد التجارة تروج بها لما يفد إليها من البلدان المجاورة سابقة الذكر.

وقد ابتليت هذه الجمهورية بالاستعمار منذ زمن بعيد، وتداولها فترة بعد فترة فقد كانت التوجو قبل الحرب العالمية الأولى خاضعة للاستعمار الألماني، وتعرف بمستعمرة «تو جولاند»

ومعنی توجو في لغة «الأبفية» السائدة بها: «المستنقع المتصل بالبحر» نظرا لموقعها على المحيط، ومعنى «لاند» الأرض، فمعنى اسمها إذن هو «أرض المستنقع». وظلت تعرف بهذا الاسم حتى انتهت الحرب العالمية الأولى، وانتهى الاحتلال الألماني، فاقتسمها الإنجليز والفرنسيون، ووضعت المنطقة الأولى تحت الحماية الإنجليزية، وتعتبر الجزء الأصغر منها حيث يبلغ سكانها حوالي نصف مليون نسمة تقريبا، ومساحتها حوالي ۱۳۰۱ ميلا مربعا، أما المنطقة الكبرى فقد وضعت تحت الوصاية الفرنسية، ويبلغ عدد سكانها حوالى مليون ونصف مليون نسمة، وتبلغ مساحتها حوالي خمسة وخمسين ألف ميل مربع.

وهذا القسم هو ما يعرف الآن «بجمهورية التوجو» ومن أشهر المدن المعروفة فيها «لومي» العاصمة، وتقع على المحيط الأطلنطى مباشرة، وتمتاز بجو جميل معتدل، ومدينة «بالمية» وهي العاصمة الثانية في الحيوية التجارية والعمرانية ثم مدينة «سکودي» ذلك أن بها تركزا كبيرا من المسلمين ومدينة - «اتكايمية» ويليدا وانيشو. وقد حصلت هذه الجمهورية على استقلالها من الاستعمار الفرنسي السابع والعشرين من أبريل سنة ۱۹۹۰م بعد صراع مرير مع الاستعمار دام حوالي ثلاثة عشر عاما - ومن عادة الاستعمار التي أصبحت قاعدة له - أنه لا يكاد يحتل بلدا حتى يصبغها بطابعه الفکری والثقافي.

اللغة

ويبلغ العجب بالمرء أقصاه عندما يرى في توجو أكثر من سبع وعشرين لغة. هذا عدا اللهجات المختلفة لكل مدينة وقبيلة، ونجد منها حوالي ست لغات أكثر شهرة هي: الايفيه، وکتو کولی، و کابری، وبساري، وموبا في الشمال، ثم لغتي الهوسا واليوريا المنتشرة في الشمال والجنوب بين المسلمين. وقد جاءتا من نيجيريا المجاورة للتوجو، فليس بينهما إلا حدود داهومي - وإنك لتجد أحيانا أخوين، كل واحد منهما يعيش في مدينة أخرى - فإذا تقابلا لم يستطيعا التفاهم بغير مترجم!، هكذا أراد لهم الاستعمار، وهكذا فرض اللغة الفرنسية لغة عامة في جميع البلاد وأعمال الحكومة ودور التعليم.

حالة المسلمين

يبلغ عدد المسلمين حوالي الثلث أو30% من مجموع السكان، ويتركزون غالبا في الشمال حيث هم من أبناء التوجو أصلا، خاصة في أشهر مدنهم «اسکودی» كما يوجد كثير من المسلمين المستوطنين، حيث نزح آباؤهم وأجدادهم في الماضي من الدول المجاورة، وأقاموا في التوجو وكونوا أحياء خاصة بهم تعرف «بالزنجو ومعناها بلغة الهوسا: المنازل» وتكون عادة منعزلة قليلا عن سكان المدينة الأصليين، وقلما تجد مدينة على الساحل بغير هذه الأحياء «الزنجو»

وجميع المسلمين في توجو يدینون بمذهب الإمام مالك رضي الله عنه، ويتمسكون بالإسلام تمسكا شديدا، ولكن الجهل للأسف يجعلهم يدخلون عادات وأفعالا بعيدة عن الدين القويم، ذلك أن الاستعمار كان قد فرض عليهم عزلة حتى يبعدهم عن شئون الحياة ويخلو له الطريق. هذا بالإضافة إلى جهود المبشرين التابعين له، الذين ينشرون الإشاعات والعادات التي لا تمت أحيانا كثيرة إلى الإسلام بصلة، وأحيانا بنادون بتحريم أشياء أو تحليل أشياء لا يقرها الإسلام.

لعب الكرة

 قالوا لهم: إن لعب الكرة حرام، بل إن كل أنواع الرياضة حرام، وذلك أن الكرة هي رأس الحسين بن سيدنا علي ابن أبي طالب، هكذا أفهموهم، وهكذا اقتنع المسلمون الذين هم مازالوا على الفطرة، وقالوا لهم إن من يدخل المدارس فهو كافر: لأن الذين يديرونها کفار، وكانت المدارس آنذاك تحت سيطرة الإرساليات الكاثوليكية والبروتستانت، فاقتنع المسلمون، وامتنعوا عن إرسال أبنائهم إلى تلك المدارس، خوفا على دينهم. وبهذا تأخر المسلمون تأخرا ثقافيا وفكريا إلى حد بعيد، وانعزلوا عن الحياة العامة وإدارتها، وأصبحوا شبه مهملين في تلك البلاد، ولم تتجاوز نسبة المثقفين واحد ونصف في المائة من المسلمين. ولهذا كان النواب المسلمون في البرلمان لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة، إذ إن المسلمين يختارون نوابا عنهم من غير المسلمين. بلغ عددهم ثلث أعضاء المجلس الذي يبلغ عدده حوالي 51 عضوا.

أما في مجلس الوزراء فالوزير المسلم الوحيد هو السيد / محمد حسين الذي كان وزيرا للداخلية، ويشغل الآن وزارة التربية والتعليم، ويبذل قصارى جهده في مساعدة المسلمين، ورفعة شأنهم، وجلب المساعدات الخارجية لهم ماديا وأدبيا. وكان آخرها زيارته للجمهورية العربية المتحدة وإحضار بعثة إسلامية أوفدتها وزارة الأوقاف من خريجي الأزهر، وتتكون من خمسة أعضاء. أما الرجل المسلم الثاني فهو الحاج جبریل شفيع نائب رئيس مجلس البرلمان، وهو رئيس اتحاد المسلمين وآخر محاولاته كانت رحلته إلى البلاد العربية لجمع المعونات والمساعدات لبناء المدارس العربية العصرية والمساجد. ومن الجدير بالذكر أنه لم يكن يوجد حتى مدرسة واحدة باللغة العربية على الطريقة العصرية قبل وصول البعثة الأزهرية إلى هناك، اللهم إلا بعض الكتاتيب الصغيرة، لتحفيظ القرآن الكريم.

اللغة العربية

والمسلمون لهم إقبال شديد على تعلم اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن الكريم، ويطلبون بإلحاح تدريس اللغة العربية في المدارس الحكومية عندهم، بعد أن نالت البلاد استقلالها، وتضمن الدستور حرية الأديان للجميع، خاصة وأن هناك لفات تدرس إجباريا مثل الإنجليزية والإسبانية واللاتينية بدون مبرر.

وبدأ أبناء المسلمين الآن يتوافدون على مدارس الحكومة بعد أن اطمأن المسلمون قليلا على أبنائهم، وفي المساء يذهب الأبناء إلى المدارس العربية الحديثة التي أنشأتها البعثة في كثير من المدن وفي الصباح تستقبل المدارس العربية أبناء المسلمين الذين فاتهم الدور وإذا عرفنا الأعداد الهائلة التي تتزاحم على المدارس العربية صباح مساء، عرفنا مدى شدة الإقبال على تعلم اللغة العربية والدين الإسلامي الحنيف، حيث لا تقل كل فترة عن استيعاب أكثر من مائتي تلميذ في كل مدرسة، يقسمون لعدة فصول، مما يجعل المهمة شاقة وصعبة. هذا ولقد كان تأخر المسلمين الثقافي في أنهم تركزوا في أعمال الزراعة والتجارة ولهم فيها باع طويل، كما يزاولون بعض الحرف المحلية الصغيرة، ويستعملون طرقا بدائية في ممارستها.

أمل

وللمسلمين آمال عراض في مساعدة إخوانهم المسلمين العرب مساعدة فعالة، فهم يريدون منحا دراسية للعلوم الدينية والدنيوية الحديثة، حتى يمكن لهم مسايرة الآخرين - كما يريدون المزيد من إرسال البعثات الإسلامية والعلمية إليهم لمحو الجهالات الكثيرة التي بثها المبشرون بمساعدة الاستعمار، ويرجون موافاتهم بالمجلات العربية التي تصدر في العالم العربي، وحبذا لو كانت هناك مجلات مترجمة إلى لغات أجنبية کالفرنسية والإنجليزية السائدة في تلك البلاد، ذلك أن الدين الإسلامي في القارة الأفريقية لا يحتاج إلا إلى مساعدات طفيفة وهو ينتشر تلقائيا بإرادة الله، ويدخله الآلاف بالرغم من قلة إمكانيات دعاته، ويتفوق على الأديان الأخرى في جذب الناس إليه، بالرغم من ضخامة إمكانياتهم لأنه سهل ميسر بعيد عن التكلف والتعقيد، تستجيب له القلوب والعقول، وتتجاوب معه مصالح الأفراد والجماعات في كل تعاليمه.