نيجيريا أكبر بلدان إفريقيامقالات

مجلة الكوثر

المصدر: مجلة الكوثر، العدد 19، السنة الثانية، محرم، ربيع الأول 1422هـ.

 

نيجيريا أكبر البلدان الإفريقية من حيث تعداد السكان، كما أنها أحد أهم البلدان الإفريقية من ناحية الجغرافية السياسية، وهي تتكون من أكثر من 250 تجمعًا قبليًّا، أهمها الهوسا والفولاني في الشمال، واليوروبا في الغرب، والإيبو (أو الإيجبو) في الشرق، وقد عرفت بعض التطاحنات القبلية في فترات متقطعة من تاريخها، لعل أشهرها انفصال المنطقة الشرقية وتكوينها لجمهورية بيافرافي العام 1966، وما أعقب ذلك من حرب أهلية شارك فيها الفاتيكان وفرنسا بشكل واضح من أجل فصل الإقليم عن باقي نيجيريا ولكن الحرب انتهت باستسلام الإقليم المنشق في العام التالي.

أكبر قبائل إفريقيا:

ويعتبر أبناء قبيلة الهوسا، التي تتركز في الشمال وفي جمهورية النيجر هم أكبر جماعة عرقية في نيجيريا، وجميعهم مسلمون يعملون في الزراعة، والتجارة والصناعات الصغيرة، وبينما يعيش معظمهم في البلدات الصغيرة والقرى، فإن الآخرين يعيشون في العديد من المدن الكبيرة، والواقع أن كثيرين من أصول غير هوساوية، بما في ذلك أبناء قبائل الفولاني الذين يعيشون في المدن، قد استوعبوا داخل الهوسا من خلال التزاوج المتبادل أو التفاعل الثقافي، وواصل آخرون من أبناء قبيلة الفولاني الاعتماد على قطعان ماشيتهم وحافظوا على لغتهم، "الفولفولد" واستقلالهم الثقافي.

وتتكون قبائل اليوروبا -معظم أفرادها مسلمون ومنهم بعض النصارى- التي تعيش جنوبي غربي نيجيريا من سبع قبائل أصغر، ومعظم أبناء اليوروبا مزارعون أو تجار يعيشون في المدن الكبيرة منذ أيام ما قبل الاستعمار.

أما قبائل الإيبو في الجنوب الغربي لنيجيريا فيعيش أبناؤها في قرى صغيرة مستقلة، كل منها يحكمه مجلس منتخب وليس رئيس قبيلة وأغلبهم من النصارى والوثنيين.

وهناك جماعات عرقية كبيرة أخرى تعيش في نيجيريا، ورغم أنها صغيرة وفقًا للمعايير النيجيرية، إلا أنها في الواقع أكبر عددًا من أي جماعة عرقية أخرى في القارة الإفريقية.

الأديان:

يعتبر الإسلام والمسيحية والديانات المحلية الأخرى ذات أهمية محورية عند النيجيريين، والمسلمون يكوِّنون الأغلبية العظمى من السكان، بل إن تعداد المسلمين في نيجيريا يفوق تعداد مسلمي الدول العربية في شمال إفريقيا.

وكانت المسيحية قد رسخت مواقعها في أواخر القرن التاسع عشر في جنوبي نيجيريا، وفي الجنوب الغربي الذي تقطنه قبائل اليوروبا، تولت الكنيسة الإنجليزية نشر المسيحية، بينما هيمنت الكنيسة الكاثوليكية على الجنوب الشرقي الذي تقطنه قبائل الإيبو، واليوم يشكل المسيحيون قرابة نصف سكان الجنوب الغربي وأكثر بكثير من نصف سكان الجنوب الشرقي، ويتوزعون على الكنائس الكاثوليكية، والأنجليكانية، والميثودية، واللوثرية، والمعمدانية، وتنتشر المسيحية أيضًا في منطقة الحزام الأوسط، لكنها تختفي تمامًا في الشمال، وقد شهدت السنوات الأخيرة في نيجيريا صعودًا للأصولية البروتستانتية، خاصة في منطقة الحزام الأوسط، ويوجد في نيجيريا أيضًا العديد من الكنائس الإفريقية المستقلة، مثل الكنيستين الشيروبيمية والسيرافيمية، التي أدمجت داخل المسيحية ممارسات ثقافية إفريقية، مثل دق الطبول، والرق وتعدد الزوجات.

أما الإسلام، الذي يهيمن تمامًا على الشمال فيواصل انتشاره، خاصة في منطقة الحزام الأوسط وفي جنوبي غربي نيجيريا، وقد شهد العقدان الأخيران من القرن العشرين صعودًا كبيرًا للإسلام بدأ بصدامات مع الدولة، ووقع أكبر هذه الصدامات في ديسمبر 1980 عندما قام أتباع الشيخ محمد مروا مايتاتسين بالاستيلاء على جزء من المدينة ونددوا بالتفسخ الأخلاقي السائد في المجتمع، وقد قمع الجيش الانتفاضة في عشرة أيام بعد أن لقي أربعة آلاف شخص مصرعهم، لكن السنوات الأخيرة شهدت انتصارات مظفرة للمسلمين بلغت ذروتها بتطبيق عدد من الولايات النيجيرية الشريعة الإسلامية.

الديانات التقليدية:

يوجد في نيجيريا عدد من الأديان التقليدية المختلفة، ويرتبط كل منها بجماعة عرقية معينة، وتتمحور هذه الأديان عادة حول آلهة وإلهات تؤمن بها الجماعات العرقية المعنية، وتشيد كل جماعة عرقية معبدًا أو هيكلًا تعبد فيه آلهتها، ولهذه الآلهة مهام كثيرة، منها –بزعمهم- من خلق الأرض، ومنها من يقدم حماية مقدسة، ومنها من يمنح البركة لأتباعه، ومنها من يتحكم في بعض أوجه الحياة في العالم (مثل المناخ أو الحرب)، فضلًا عن الأرواح التي يمكن لبعض البشر (السحرة والعرافين) السيطرة عليها، ولا تتوافر في معظم هذه الأديان وثائق مكتوبة تبين معتقداتها وممارساتها، لكنها تعتمد على كهان يدرسون تعاليمها ويتدخلون باسمها، وهؤلاء الكهان يكونون في العادة مدربين جيدًا على مهمتهم تلك...

وفي بعض الأحيان تجسد هذه الآلهة في صورة أشياء غير حية، وفي بعضها الآخر تتبدى على شكل كائنات حية، وقد أصبح بعضها الآن آثارًا ثمينة في المتاحف والأماكن التي يقدسونها، وتقام الاحتفالات والطقوس الروحية تبجيلًا لتلك الآلهة بعناية فائقة، حيث ينظر إليها على نطاق واسع باعتبارها مفتاحًا للأمن والازدهار، وتعتبر احتفالات تقديم القرابين من أهم هذه الطقوس، حيث تقام في أماكن وأوقات معينة لضمان ازدهار المحاصيل، وتتسم الديانات المحلية بين قبائل اليوروبا بأهمية خاصة، نظرًا لأنها لا تزال تمثل جانبًا من الممارسات الثقافية للمجتمع.

حياة اجتماعية غنية:

يتباين المجتمع النيجيري بشدة بين المناطق الحضرية والريفية، وعبر الحدود العرقية والدينية، ووفقًا للمستويات التعليمية، غير أن معظم النيجيريين يشتركون في ارتباطهم القوي بالأسرة، خاصة بالأطفال، مع أدوار متباينة للرجال والنساء وبناء اجتماعي تراتبي، وهيمنة الدين على صياغة القيم الاجتماعية.

ويشيع تعدد الزوجات بين المسلمين، وأتباع الديانات التقليدية، وأتباع الكنائس المسيحية الإفريقية المستقلة، وفي هذه المجتمعات تتزوج الفتاة بمجرد وصولها إلى سن البلوغ، بينما تتزوج بنات الأسر المتعلمة في أواخر سنوات المراهقة أو في بداية العشرينات، ويتزوج الرجال عادة في سن أكبر، خاصة إذا جاؤوا من الأسر الأفقر التي لا تستطيع تحمل نفقات الزواج والمهور الباهظة...

أما ملابس النيجيريين فهي رمز للانتماء الديني، والثروة والوضع الاجتماعي، ويرتدي رجال الشمال المسلمون ثوبًا طويلًا مع طاقية بزخارف ملونة، ويرتدي معظم أبناء اليوروبا عباءات وطاقيات مزخرفة، أما النساء فيرتدين أثوابًا أو فساتين مصنوعة من خامات ذات ألوان زاهية، فضلًا عن أربطة رأس متعددة الأشكال والألوان.

الزواج:

يتزوج معظم النيجيريين اليوم وفقًا للأعراف الغربية المستحدثة، فالزواج يقام في المسجد أو الكنيسة، ويعقب عقد القران حفل صغير تقدم فيه الأطعمة التقليدية، ويرتدي فيه العروسان الملابس التقليدية المزخرفة.

ويتم الزواج في قبيلة اليوروبا، على سبيل المثال، وفقًا لسلسلة من الترتيبات المتعارف عليها، وتبدأ بـ"التقديم" وهو طقس يقوم أهل العريس فيه بتقديم أنفسهم إلى أهل العروس، ويطلبون يدها لابنهم، ويحضر حفل التقديم، الذي يقام في بيت العروس رجلان يكون أحدهما ناطقًا باسم أسرة العريس ويدعى "رجل الشرطة الواقف"، والآخر ناطقًا باسم أسرة العروس ويدعى "رجل الشرطة الجالس"، وهذان الرجلان إما أن يكونا من أفراد الأسرة أو يتم تأجيرهما من قبل الأسرتين لهذه المناسبة، وفي حفل التقديم تجلس أسرة العريس وأسرة العروس على جانبي القاعة متقابلتين، ويجلس العريس والعروس أقرب إلى وسطها، بينما يجلس رجلا الشرطة الواقف والجالس وسط القاعة تمامًا، ويقوم رجل الشرطة الواقف بتقديم العريس وعائلته إلى العروس وعائلتها، ثم يحضر طلب الزواج المكتوب (يكون عادة مربوطًا بشريط وردي) من أهل العريس ويقدمه إلى أهل العروس عبر رجل الشرطة الجالس، ويقرأ الطلب بصوت عالٍ ويرد عليه فورًا، وبما أن هذا الإجراء شكلي في معظم الأحوال، والزواج يكون متفقًا عليه بالفعل، فإن الإيجاب يكون هو رد أهل العروس في معظم الأحوال. وبعد "التقديم" والقبول، يقام حفل الخطبة، وهي المرحلة الثانية من طقوس الزواج، في بيت أهل العروس أيضًا، ويعقبها حفل الزواج، الذي ينتقل بعده العروسان للعيش في بيت الزوجية.

أسطورة الهوسا:

نشأت ثقافة الهوسا، التي تعود إلى القرن السابع الميلادي، فيما يعرف اليوم بالمناطق الغربية والوسطى في شمالي نيجيريا، غير أن أصل ثقافة الهوسا يبقى لغزًا، وتقول الأساطير إن باياجيدا، وهو رحالة من الشرق الأوسط، قد تزوج من ملكة الداورا التي أنجبت منه سبعة أبناء. وقد أسس كل واحد منهم واحدة من ممالك الهاوسا السبع: كانو، ورانو، وكاتسينا، وزازاو، وجوبري، وكيبي، وأويوي. والواقع أن الجماعات النيجيرية المختلفة تعزو أصولهم إلى أساطير مشابهة تتضمن هجرتهم إلى الجنوب عبر الصحراء، أو من الشرق أو الغرب عبر مناطق السافانا، أعقبها التزاوج والاندماج.

وبغض النظر عن كيفية تأسيسها تطورت هذه الدول -المدن السبع- إلى مراكز تجارية قوية، تحيط بها أسوار، مع اقتصاد يعتمد على الزراعة الكثيفة، وتربية الماشية، وصناعات حرفية وفي كل من دول الهاوسا كان يحكم ملك، منتخب عادة، تحته مباشرة مجموعة من الإقطاعيين الذين اعتنق معظمهم الإسلام مع حلول القرن الرابع عشر الميلادي.

وقد حكم التنافس العلاقة بين ممالك الهاوسا، غير أن التهديد الأكبر جاءها من هجرة أبناء قبائل الفولاني المزارعين، الذين قدموا من الغرب ليستوطنوا مناطق السافانا في نيجيريا واخترقوا مناطق واسعة سيطر عليها أبناء الهاوسا طوال قرون عدة، وأقاموا أعظم دولة إسلامية في غرب إفريقيا وهي دولة الجهاد التي أسسها العالم الزاهد عثمان دان فوديو والذي نشر الإسلام وسط قبائل الهوسا، وقام حفيده السردونا أحمدو بيللو رئيس وزراء الإقليم الشمالي في الستينات بإدخال ما يزيد عن 400 ألف شخص في الإسلام حتى قتله ضباط من قبائل الإيبو وهو يصلي الفجر. وكان أحمدو بيللو مشهورًا بتدينه وحبه لفلسطين ويذكر أنه انسحب احتجاجًا من حفلة أقامها رئيس السودان إبراهيم عبود على شرفه بسبب رقص فتيات فيها.